مديرة صندوق النقد الدولى تستشهد بأغنية أم كلثوم "وما نيل المطالب بالتمنى".. وتطرح أفكارا لجذب الاستثمارات لمصر.. وتؤكد خلال كلمتها بالمؤتمر الاقتصادى: القاهرة شهدت خطوات كبيرة وواعدة على مسار الإصلاح
استشهدت كريستين لاجارد، مديرة صندوق النقد الدولى، خلال مشاركتها بمؤتمر شرم الشيخ الاقتصادى بكلمات الشاعر القدير أحمد شوقى التى غنتها كوكب الشرق أم كلثوم: "وما نيل المطالب بالتمنى"، لافتة إلى أن الأمانى والطموحات لا يمكن الوصول إليها من خلال التفكير بل من خلال العمل الجاد وهذا وضع مصر فى الوقت الحالى.
وقالت لاجارد فى كلمتها: منذ سنوات مضت، تغنت أم كلثوم، أيقونة الطرب المصرى وكوكب الشرق المضىء، بكلمات نَظَمَها أمير الشعراء أحمد شوقى يقول فيها "وما نيل المطالب بالتمنى ولكن تؤخذ الدنيا غلابا"، أى أن السبيل لتحقيق الطموحات ليس الأحلام والأمنيات وإنما الكد والمثابرة.
واستشهدت لاجارد بكلمات الأديب الكبير الراحل نجيب محفوظ حيث قال: "الذكى يُعْرَف من إجاباته والحكيم يُعْرَف من أسئلته."
وتوجهت لاجارد بالشكر للرئيس السيسى على دعوتها للحضور، مؤكدة أن هذه الفترة تكتسب أهمية خاصة فهى لحظة الفرصة الواعدة بالنسبة لمصر، معربة عن سعاداتها البالغة فى المشاركة فى هذا المؤتمر الذى دعا إليه الملك عبد الله بن عبد العزيز، خادم الحرمين الشريفين، تغمده الله بواسع رحمته.
دعم موقف مصر وشعبها وتوفير فرص عمل للشباب
وتابعت لاجارد: يَصْدُق هذا على موقف مصر اليوم؛ إذ ينبغى أن تحقق ما يطمح إليه شعبها من نمو أقوى، ونظم صحية وتعليمية أفضل، ومستويات معيشية أعلى.
وفى نفس الوقت، سيستقبل سوق العمل المصرى أكثر من 600 ألف داخل جديد سنويًا طوال الخمس سنوات المقبلة، مما يجعل توفير فرص العمل الجيدة للشباب أولوية اقتصادية واجتماعية وإنسانية.
وسوف يترافق هذا مع استعادة استقرار الاقتصاد، بتقليص عجز المالية العامة والحد من مواطن التعرض للصدمات الخارجية، وطالبت لاجارد بتطبيق السياسيات الصحيحة والتأكد من مواصلة تنفيذها حتى الإنجاز.
وطرحت عدة أفكار تتعلق بثلاثة موضوعات هى عملية الإصلاح الجارية، سياسات استعادة الثقة وجذب الاستثمار، النمو الاحتوائى كأحد مقومات النمو القابل للاستمرار.
عملية الإصلاح الجارية ستحقق النمو
وأكدت أن عملية الإصلاح الجارية بدأت بالفعل من خلال رحلة تحقيق النمو بمعدلات أعلى، موضحة أنه على مدار الشهور القليلة الماضية شهدت مصر خطوات كبيرة واعدة على مسار الإصلاح، يتصدرها إصلاح دعم الطاقة الذى بدأ فى منتصف 2025، مشيرة إلى أن هذا البند طال انتظار تنفيذه على جدول أعمال الإصلاح، مثمنة دور الرئيس عبد الفتاح السيسى والحكومة المصرية وجهودهم الكبيرة من أجل تهيئة البلاد لهذا الإجراء الذى حظى بتأييد شعبى بعد إقامة حوار مناسب حول الحاجة للإصلاح فى هذا المجال. وفى نفس الوقت، استُخدِم جانب من الوفر المحقق من إصلاح الدعم لتمويل التحويلات النقدية الموجهة للأسر الفقيرة.
وأضافت لاجارد: كان الشروع فى هذه العملية إنجازا هائلا، وسيكون الاستمرار فيها على نفس درجة الأهمية، واستكمالها للنهاية الهدف الأسمى.وقد اتخذت إجراءات مهمة أيضا فى مجال الضرارئب، بما فى ذلك زيادة الضرائب على التبغ والمشروبات الكحولية ثم الخطط الحالية بشأن ضريبة القيمة المضافة. وتنبع أهمية هذه الإجراءات من أن إيرادات الضرائب غير النفطية لا تتجاوز 10% تقريبا من إجمالى الناتج المحلى - وهو مستوى شديد الانخفاض بالنسبة لاقتصاد حديث كالاقتصاد المصرى.
واستطردت: سيكون إنجاز ضريبة القيمة المضافة خطوة حيوية. لا أحد يحب زيادة الضرائب – كلنا يفهم ذلك. ولكن كما قال القاضى الأمريكى أوليفر ونديل: "الضرائب هى الثمن الذى ندفعه مقابل الحصول على مجتمع متمدن" – ويمكن أن نضيف قائلين: الدولة تستطيع تقديم الخدمات التى يتطلع إليها الشعب المصرى ويستحق الحصول عليها"! وأخيرا، هناك الزيادات المخططة فى الاستثمار، وبعضها بدأ تنفيذه بالفعل، عن طريق مشروع قناة السويس.
وقد كانت مساهمة المواطن المصرى العادى بمعظم التمويل اللازم لهذا المشروع خير شاهد على ثقة الشعب ورغبته فى تحسين حال الاقتصاد.
مشروع قناة السويس يخلق فرص عمل جديدة
وأكدت أن المشروعات الكبرى مثل مشروع قناة السويس يمكن أن تدعم النمو وخلق فرص العمل، إذا تم تنفيذها بكفاءة، واصفة إياه بالأمر الإيجابى ، مشيرة إلى أنها "ليست السبيل الأوحد لتحقيق هذا الهدف. فالمشروعات الأخرى الأصغر لا تقل عنها أهمية – إن لم تكن أهم".
وأوضحت أنه لا يمكن الاعتماد على موارد المواطنين بشكل دائم لتمويل هذه المشروعات. مشيرة إلى أنه "هنا يمكن أن يساهم الاستثمار الخاص، المحلى والأجنبى. لكن الاستثمار لا يتجه إلا حيثما كانت الثقة واليقين بشأن السياسات المتبعة".
وأكدت أن سياسات استعادة الثقة لمواصلة السير على درب الإصلاح ستساعد فى مواصلة السير نحو تحقيق الإصلاحات المقررة التى تمثل أولوية قصوى ، مشيرة إلى أن هناك سياسات أخرى يمكن أن تحسن مستوى الثقة، وتنشئ فرص عمل جديدة، وتدعم استقلالية مصر من الناحية المالية ، مشيرة إلى مجال مناخ الأعمال. فمركز مصر متأخر للغاية فى العديد من مؤشرات التنافسية – إذ أنها تحتل المرتبة 119 من مجموع 142 مرتبة فى مؤشر التنافسية الذى أنشأه المنتدى الاقتصادى العالمى، بحسب قولها.
مصر قادرة على تحقيق أداء أفضل فى ظل السياسات الصحيحة
وأكدت أن مصر قادرة على تحقيق أداء أفضل فى ظل السياسات الصحيحة ومستوى الطموح الملائم، مشيرة إلى أن مصر تستطيع الارتقاء بسرعة إلى مستوى المراكز الخمسين العليا فى التنافسية العالمية، معتبرة قانون الاستثمار الجديد خطوة مهمة فى الاتجاه الصحيح.
وأضافت: مصر يمكن أن تخطو خطوات أوسع نحو إلغاء القواعد التنظيمية غير ذات الكفاءة. فعلى سبيل المثال، يقول البنك الدولى إن تسجيل العقارات يستغرق أكثر من 60 يوما فى المتوسط، كما يستغرق إنفاذ العقود أكثر من1000 يوم وسيكون من الضرورى تهيئة مناخ يمكن أن ينجح فيه الاستثمار ويوفر المزيد من فرص العمل الإنتاجية الملائمة.
أكدت لاجارد أن مجال الانفتاح للتجارة مهم للغاية فقد بلغت صادارات مصر غير النفطية 2% فقط من إجمالى الناتج المحلى فى العام الماضى، فيما يعد فرصة كبيرة ضائعة لتوفير فرص عمل فى صناعات التصدير، ولا شك أن مصر تتمتع بإمكانات فى هذا المجال.
وتابعت بالقول: يمكن لمرونة سعر الصرف أن تساهم بدور أيضا - سعر الصرف الذى يحقق التوازن بين عرض وطلب العملة الأجنبية، ويمكن أن يدعم النمو فى مصر ومركزها المالى.
وأكدت أن المجال الثالث فهو القطاع المالى ، مشيرة إلى أن عدد أصحاب الحسابات المصرفية لا يتجاوز 10 % من المواطنين المصريين فى الوقت الراهن.ويمكن إعطاء دفعة كبيرة للاقتصاد بزيادة توفير الخدمات المالية وتقديم المزيد من القروض للمشروعات الصغيرة المنشئة لفرص العمل. وقد تحقق بعض التقدم بالفعل، حيث تم مؤخرا إقرار قانون التمويل متناهى الصغر الذى يمكنه المساهمة فى تطوير القطاع المالى، بحسب لاجارد.
وأشارت أن مناخ الأعمال، وتحرير التجارة، ووجود قطاع مالى قوى – تلك هى المجالات التى يمكن أن يؤدى التحرك فيها إلى تحقيق نتائج ملموسة من حيث زيادة الاستثمار ورفع م
عدلات النمو.
وتابعت: كما برهنت التجارب الدولية، لا يمكن أن تكون فترات النمو المرتفع العارضة هدفا فى ذاتها، إنما يتعين أن يكون النمو قابلا للاستمرار. وحتى يكون قابلا للاستمرار، يتعين أن يكون احتوائيا.
وأوضحت أن النمو الاحتوائى من أجل النمو المصرى يكون قابلا للاستمرار، يتيح الفرصة للجميع – النساء اولشباب اولعاطلين أوصحاب الاحتياجات، يقتسم ثماره ويشعر بتأثيره كل المواطنين بمختلف شرائحهم ، مؤكدة أنه لتحقيق ذلك يجب أن تُعنى مصر ببنيتها التحتية الاجتماعية، وليس بنيتها التحتية المادية فقط.
ضرورة النظر لإشراك المرأة والشباب فى الاقتصاد
وطالبت بالنظر إلى الشباب والمرأة – وهما مجموعتان يتعين إشراكهما فى الاقتصاد بشكل أفضل ، مؤكدة أن عاطل واحد من بين كل ثلاثة شباب دون الخامسة والعشرين – أى ما يقرب من ثلاثة أضعاف معدل البطالة الكلى!
أوضحت أن مشاركة المرأة فى سوق العمل، والتى تبلغ 22 % فقط، فهى لا تتجاوز ثلث مشاركة الرجل )ونسبتها 73 %( ، مشيرة إلى امكانية إرجاع هذا الفارق الكبير إلى فجوات الأجور الكبيرة بين الجنسين، او رتفاع تكاليف الانتقال، وعدم مرونة مواعيد العمل.
واستطردت: هناك أمثلة متعددة لبلدان تحقق أداء جيدا فى هذا المجال بفضل مساهمة المرأ ة بنصيب كبير فى النمو الاقتصادي. هذه هى الاحتوائية، وهى تتفق أيضا مع المنطق الاقتصادى السليم. وهناك أيضا دورالإنفاق الاجتماعى يساهم بدور فى هذا الخصوص – سواء من خلال زيادة هذا الإنفاق أو تحسين جودته. فمن غير الممكن خلق فرص العمل إذا كان الخريجون غير مسلحين بالمهارات المطلوبة فى سوق العمل الحديث. ويمكن أن تؤدى زيادة الإنفاق على الصحة والتعليم – إذا تم تنفيذها بكفاءة – إلى مساعدة مصر على تحقيق نمو أعلى وأكثر احتواءً لكل شرائح السكان، مع الحفاظ على استمرارية أوضاع المالية العامة.
وأكدت أن تحسين النظام التعليمى سيساعد على تضييق فجوات الأجور التى تحد من حوافز المرأة للعمل فى القطاع الخاص. وبالطبع، يرتبط هذا أيضا بحالة البنية التحتية المادية. فتحسين وسائل النقل العام من شأنه تمكين المرأة من الوصول الآمن إلى مقر عملها البعيد عن محل إقامتها. وستكون هذه الجهود مطلبا ضروريا لإطلاق الإمكانات الهائلة التى يتمتع بها المصريون – وهم ثروة مصر الكبرى.
واختتمت لاجارد كلمتها قائلة : إننا نشهد لحظة تتيح فرصة واعدة. ومن خلال السياسات الصحيحة، تستطيع الحكومة المصرية تحقيق آمال الشعب المصرى وتلبية تطلعاته.وبالمثابرة فى تنفيذ الإصلاحات، يمكن المساهمة فى استعادة الاستقرار الاقتصادي، وبث الثقة، وتشجيع خلق فرص العمل، واعطاء دفعة للنمو.
ولا يزال الصندوق ملتزما من جانبه بمساعدة مصر على تحقيق مستويات معيشية أفضل.وقد بدأت حديثى بكلمات تغنت بها أيقونة موسيقة مصرية. وأود اختتامها بكلمات كتبتها أيقونة أدبية مصرية – هى نجيب محفوظ. فقد قال محفوظ: "الذكى يُعْرَف من إجاباته والحكيم يُعْرَف من أسئلته." واليوم، نلتقى فى شرم الشيخ لنطرح سؤالا حكيما: كيف يمكننا المساعدة فى تحقيق تطلعات مصر؟ ولنحرص جميعا على أن تكون لدينا إجابة حكيمة أيضا.
اليوم السابع