ألقى الرئيس السودانى، عمر البشير، كلمة أمام القمة العربية فى دورتها الـ26 المنعقدة بشرم الشيخ، وفيما يلى نصها:
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد الله والصلى والسلام على رسول الله، فخامة الأخ الرئيس عبدالفتاح السيسى، رئيس جمهورية مصر العربية الشقيقة، أصحاب الجلالة والفخامة معالى الأمين العام لجامعة الدول العربية، أصحاب السمو والمعالى.
"يسعدنى ويطيب لى أن أتقدم فى المبتدأ، بالشكر والتقدير لأخى الرئيس عبدالفتاح السيسى، رئيس هذه الدورة الـ 26 على دعوته لنا للمشاركة فى أعمالها، وعلى حفاوة الاستقبال وكرم الضيافة، وأثق فى أنكم، وبلادكم ستكونون على قدر التحدى وأن مصر ستكون أهل لهذه المرحلة، فالتحديات التى تواجهها بلادنا جليلة وكبيرة، فلا يجدى معها إلا أن نعتصم بحبل الله المتين، ونكون يدا واحدة، فأن يد الله مع الجماعة، كما يطيب لى ويشرفنى أن أسجل شكرا وعرفان مستحقا لحضرة صاحب السمو أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد جابر الصباح الذى ترأس الدورة المنصرمة بكل جدارة وحنكة وحكمة والتى شهدت تحت قيادته عملا كثيرا وجهدا مقدرا مخلصا، وإننا نسعد أن نكون مرة أخرى فى مدينة شرم الشيخ الجميلة والتى كنا بها بدعوة كريمة من فخامتكم من منتصف هذا الشهر للمشاركة فى فعاليات مؤتمر دعم مصر الاقتصادى، وهو مبادرة التى قمتم عقبها بزيارة لبلادنا لتوقيع الاتفاق التاريخى بالتعاون بشأن سد النهضة الأثيوبى، كدليل على تواصلنا المشترك بما فيه خير المنطقة ومنفعة شعوبنا.
أخى الرئيس أصحاب الجلالة والفخامة من صواب المسار أن يكون موضوع صيانة الأمن القومى العربى فى مقدمة عنواننا وعلى رأس أجندة هذه القمة إلى جانب بحث الخطوات، التى تمت بشأن تطوير آليات العمل العربى المشترك وميثاق الجامعة العربية إلى جانب تطورات الأوضاع فى عدد من أقطار الدول العربية الشقيقة، وكل هذه العناوين والتحديات تستدعى من قمتنا هذا العمل بأقصى درجة من الإرادة الجامعة، وحسن التقدير والانتباه للأخطار الماثلة والمداهمة والمحدقة بأمننا القومى ووحدتنا وسلامة وأمن أوطننا وشعوبنا.
إن السودان ظل يؤمن بأهداف ميثاق هذه الجامعة، وبوحدة مصير هذه الأمة، وبدور تعزيز التعاون بين دولنا، وذلك تحقيقا لأكبر قدر من إنجاز أهدفنا فى التكامل الاقتصادى والاجتماعى والسياسى وصيانة أمننا القومى، ونحن على قناعة بأن ذلك لايكون إلا من خلال التضامن، والتناصر حقيقى، ومن خلال تفعيل كافة الاتفاقيات والمشروعات والبرامج، التى نتفق عليها، وفى سبيل ذلك فإن السودان تبارك كل جهد يستهدف تطوير وتفعيل آليات العمل العربى المشترك بما يقصر الطريق والوقت من أجل الوصول إلى الغايات والأهداف، التى يصبو إليها شعوبنا.
إن خطر التطرف والإرهاب وهو من أهم الأخطار، التى تواجه أمتنا اليوم، خاصة أنه قد تمدد، وأنه علاوة على ما له من أبعاد أمنية وعسكرية فإن الأمر يحتاج إلى مواجهة تستدعى درجة عالية من حسن تشخيص واختيار الأساليب، وبناء مقاربة تقوم على أساس المعالجة الفكرية والثقافية والفقهية، ولا يستبعد التصدى للظاهرة أيضا بالأدوات سياسية والأمنية، التى تصون وتحمى الاستقرار والسلم الاجتماعى لدولنا وشعوبنا، مع درجة من التنسيق اللازمة مع الأخذ فى الاعتبار ضرورة وجود جدول اهتمام للشباب من خلال استيعابه فى مشروعات وطنية تستوعب طاقته فى البناء والعمارة، كما تستجيب لتطلعاته فى الاستهداء بصحيح الدين فى الحياة العامة بوسيطة تهديهم إلى التدين الصحيح دون إفراط أو تفريط.
إن التحديات التى تواجه أمننا القومى اليوم كثيرة، وأن صيانة الأمن القومى العربى تستدعى تقديرا متجددا للموقف، يقوم على فهم مستبصر للتحديات والتطورات التى تحدث حولنا، والعوامل التى تحرك الصراع، وتوجه المصالح هنا وهناك، وأن نفهم ماذا يريد منا.
إن عددا من دولنا العربية الشقيقة يعانى من أوضاع تتسم بالانقسامات والصراعات الداخلية والاقتتال، والتى ربما نتيجة لها وبسببها نشأت بعض الجماعات الخطرة، التى استغلت تلك الظروف وانتشرت فى بعض تلك الدول لتمارس العنف والإرهاب والقتل، مما تسبب أيضا فى تعريض تلك الدول الشقيقة لخطر التدخلات الأجنبية، وخطر التقسيم، فنحن نتابع الوضع فى العراق الشقيق ونتمنى أن تسفر جهود الحكومة العراقية الشقيقة على النجاح فى بسط سيطرته على كامل التراب العراقى، وأن تتمكن من إعادة بناء مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية، وأن تستوعب كافة مكونات الشعب من أجل البناء الوطنى وتحقيق الأمن والسلام لجميع العراقيين، ليعود العراق للقيام بدوره الإيجابى والفاعل فى محيطه العربى والإقليمى والدولى.
أما فى سوريا.. فإن السودان يشعر بقلق بالغ إزاء معاناة الشعب السورى، ويدعو فى هذا الصدد أن تعزززززززززززز جهودنا جميعا لوضع حد لإنهاء معانة هذا الشعب العربى الشقيقة، وبالنسبة لليمن الشقيق فقد ظل السودان يتابع باهتمام بالغ تطورات الأوضاع فى هذا البلاد الحبيب منذ مدة، كما ظل يرصد المحاولات المتعددة من بعض الأطراف اليمنية خاصة ميليشات الحوثيين لعرقلة الحوار الوطنى والعملية السياسية، التى ترعاها دول مجلس التعاون الخليجى، على نحو أصبح يهدد المنطقة العربية برمتها ويهدد أمن وسلامة المملكة العربية السعودية الشقيقة، وتأسيسا للتطورات التى حدثت فى اليمن، فإن السودان يعلن دعمه اللا محدود لائتلاف الدول المؤيدة للشرعية، ويؤكد مشاركته الفاعلة حاليا على الأرض، ضمن قوات التحالف المساند للسلطة الشرعية فى اليمن، وذلك دعما للشرعية وإنقاذا للمنطقة من المآلات السالبة المترتبة على التطورات فى اليمن، أن السودان إذ يشارك بفاعلية ضمن قوات التحالف، فإنه يرجو أن يصدر هذا المجلس بيانا قويا يعزززززززززززز هذا الجهد، ويدعم عاصفة الحزم، التى نأمل أن تشكل إحياء للعمل العربى المشترك برمته.
أما بشأن الجارة العربية الشقيقة ليبيا،فإننا نؤمن أن ليبيا بمساحتها وخيراتها تسع جميع الليبيين المتطلعين لغد أفضل ونؤمن بأن الحل فى ليبيا يكون من خلال الشراكة الوطنية القائمة على الحوار والاحترام، ونعتقد بإمكانية الحل السياسى فى ليبيا، وندعو الليبيين لإعلاء شأن الوطن على المطالب الصغيرة، ونشجع جهود الأمين العام للأمم المتحدة من أجل التوصل عبر الحوار لحكومة ليبية يشارك فيها الجميع دون عزل تعمل على بناء مؤسسات الدولة وتحقق الأمن والاستقرار وتكافح الإرهاب.
ولابد من التأكيد فى هذه القمة أيضا على ما ظللنا نؤكده عبر قراراتنا العربية والإسلامية من تضامننا الكامل مع دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة فى حقها المشروع فى سيادتها على جزرها الثلاث، وندعو أن يكون ذلك عبر التفاوض السلمى، ونشيد بالحكمة العالية التى تتحلى بها قيادة دولة الإمارات العربية فى التعامل مع القضية التى هى قضيتنا جميعا، كما لايفوتنى فى مقام دعم ومؤازرة الأشقاء أن نجدد دعمنا للأخوة فى الصومال شعبا وحكومة، والتى تبذل جهدا يستحق الدعم منا جميعا حتى تعود الصومال دولة مؤسسات واستقرار كامل.
السيدات والسادة، أرى واجبا علينا أن نثمن الجهود التى بذلتها الأمانة العامة لجامعة الدول العربية فى متابعة تنفيذ القرارات الاقتصادية الصادرة من القمة العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية فى دروتها، التى انعقدت فى يناير 2025، ونثمن الجهود، التى قامت بها اللجنة المعنية بالمتابعة مع الدول الأعضاء والمجالس العربية والوزارية ومؤسسات العمل العربى المشترك، إننا نقدر الجهود، التى بذلها حضرة صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد جابر الصباح أمير دولة الكويت إبان رئاسته للدورة المنصرمة، ومن حسن رعاية واهتمام لجعل المشاريع والقرارات الصادرة من تلك القمة واقع ينعم به أبناء الأمة وشعوبها، حيث كانت بين تلك المشروعات مبادرته الرامية للأمن الغذائى العربى، ونشيد بكل التقدير إلى أن الأمانة العامة للجامعة قد أولت هذا الموضوع اهتماما مقدرا وعقدت فى سبيله عددا من الاجتماعات التنسيقية شملت كبار المسئولين فى السودان وعددا من المنظمات والصناديق والاتحادات العربية النوعية ومؤسسات تمويل عربية لبحث الاجراءات الكفيلة بتنفيذ المبادرة، كما عقد المجلس الاقتصادى الاجتماعى دورته الاستثنائية لهذا الغرض فى يومى 19، 20 يناير 2025 بالخرطوم، وكان لنا شرف افتتاح أعماله وبمشاركة عدد من وزراء الاقتصاد والزراعة والمال العرب، والأمين العام للجامعة العربية، وصدر عن المجلس قراره بدعم المبادرة، ورحبت به قمة الكويت فى مارس 2025، وتضمن أن تقوم الصناديق العربية بتخصيص جزء من مواردها لصالح مشروعات المبادرة، وطلب من السودان القيام بما يليه من أجل تسهيل وإنجاح مشروعات مبادرة الأمن الغذائى العربى.
ويسعدنى أن أؤكد لكم اليوم أن السودان قد إتخذت جملة من الإجراءات والخطوات التى تجعل تنفيذ المبادرة ممكنة، وفى مقدمة تلك الخطوات إجراءات إدارية وقانونية، واستدعى إقرارها أن قمنا بتعديلات فى الدستور هدفت إلى تعزيز سلطة المركز فى منح الأراضى وتسهيلات وإزالة كافة الموانع المتعلقة بعمليات الاستثمار فى السودان وحماية المستثمر، كما أن الصندوق العربى للانماء الاقتصادى والاجتماعى، قد قام بالتعاقد مع أحد الدور الاستشارية العاليمة لاعداد دراسة حول برامج وخطط جمهورية السودان بالتنسيق مع منظمات والجهات ذات الاختصاص ويسرنا أن نعلن تلك الدار الاستشارية قد فرغت من انجاز أعمالها، وبناء عليها نثق فى أن قمتكم الموقرة ستدعم جهودنا من أجل تحقيق حلم الأمن الغذائى العربى ونثق فى حسن استجابة مؤسسات صناديق التمويل العربية، كما نثق فى أن الأمانة العامة ستعمل على المتابعة المستمرة لهذا الموضوع الحيوى والمهم.
وأرى لزاما علينا كذلك أن نؤكد ما أكدناه خلال المؤتمر الاقتصادى لدعم الاقتصاد المصرى بشرم الشيخ ألا وهو زيادة حجم التعاون والتجارة البينية بين بلداننا العربية وإنشاء المناطق الحرة والاقتصادية وإزالة القيود الإدارية والجمركية بيننا، وضرورة الفراغ من إنجاز إقامة منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى والتأكيد على إنجاز متطلبات إقامة منظومة قواعد المنشأ وانظمة المواصفات العربية القياسية العربية والنظم الجمركية الموحدة ودعم مشروعات البورصة العربية، حتى يمكن القول بأننا أنجزنا نواة حقيقية لوحدة اقتصادية عربية، ويمكن أن تتحقق فى المستقبل القريب.
لقد مضى السودان رغم الصعوبات والعقوبات الأمريكية الجارة المفروضة عليه منذ سوات، مضى أشواطا فى تحقيق السلام والتنمية فقد حقق نجاحات مقدرة على الصعيد الاقتصادى وتشهد بلادنا استقرارا أمنيا فى كافة ربوعها بفضل التفاف الشعب حول قواته المسلحة وحكومته ونجحنا على الصعيد السياسى فى إدخال وإدماج أغلب المعارضين للعملية السياسية فى الداخل وقمنا بتوسيع المشاركة السياسية وأشركنا عددًا كبيرًا من الأحزاب فى الحكومة القائمة وتبنينا مبادرة للحوار الشامل دعونا لها كافة الأحزاب والجماعات السياسية حتى التى تقاتل الحكومة بالسلاح، وتعهدنا بإنفاذ ما يتوصل إليه الحوار الشامل من نتائج تعيننا فى وضع دستور دائم، كما تعيننا وتهدينا لكيفية تطوير نظام الحكم وإدارة الدولة، وسوف تكون تلك النتائج ملزمة لنا لنرسم مستقبل البلاد، كما أننا على وشك إنجاز الاستحقاق الانتخابى فى أبريل القادم كاستحقاق دستورى واجب النفاذ وستكون الانتخابات القادمة شاملة ونزيهة وشفافة ومشهودة من قبل العالم، وقد مضت إجراءات الاعداد للانتخابات دون عزل أو إقصاء.
اليوم السابع