أو

الدخول بواسطة حسابك بمواقع التواصل

#1

جديد هذا هو انبيّك محمد و الشافع لك يوم القيامة ,,متجدد

هذا الموضوع باذن الله عزوجل سيكون مرآة وواجهة لسرد بعض من الجوانب في حياة النبي صلى الله عليه و سلم أتمنى ان ينال اعجابكن و أسأل لله لي و لكن ان يجمعنا به في الجنة و هو راض عنا


فهــــرس المواضيـــــــــــع

الصفحــة الأولى
1 -مولد النبّي -رضاعته-طفولته-شبابه و..ا
2 -الرسول المُبارك بوصفٍ شامل
3 -غار حـــــــراء و أوّل أسبوع للبعثة
4 -أوّل ثـلاث سنــوات للبعثــة
5 -ثــاني ثـلاث سنـوات من البعثـة
6 -المفـــــــاوضات
7 -ايذاء الصحابة
8 -مسرة الحبشة و موقف النجشي
9 -شعـــــــب بني طالــــــــب


الصفحــــة الثانية
10- مذمــــة الطـائف
11- الاسراء و المعراج
12-التخطيـــــط للهجــــرة
13- بيعــــــة العقبــــــة
14- الهـــــجرة
15 -دخـــول المدينــــة
16 -غزوة بـــدر
17 -تشديـد الخناق علـى النبّي فـي غزوة أحــد
18 -السنــــة الرابعـــة للهجــرة
19-غـــزوة الخنـــدق

الصفحـــة الثالثــة
20- حديــــث الإفـــك
21 -صــــلح الحديبيــــــة

22 -غـــــزوة مــــؤتـــة
23 -فتـــــــح مكة
24 -غــزوة حـــنين
25 -غــــزوة تبــــوك




26 -وفاة النبي
27- شفاعة النبي



#2

افتراضي رد: هذا هو انبيّك محمد و الشافع لك يوم القيامة ,,متجدد

مولد النبّي -رضاعته-طفولته-شبابه و..

كل مُسلمٍ منّا قد يتساءل عن حياة أعظم خلقٍ للبشرية سيد ولد آدم النبّي محمـد من حيث كُنيته و نَسبه و وِلادته و طُفولته و صِفاته و أَخلاقه و زَواجه و شَبابه و زَوجاته و أَبنائه و غَزواته و...و ذلك لكي نفتخر بأصله و نقتدي به فنتبع سيرته بإذن اللـه
خـــاتم الأنبيـــاء هو محـــمد بن عبـــد اللـــه بن عبــد المُطلـــب بن هـــاشم بن قُصــي بن كِـــلاب بن مُــــرّة بن كَعــــب بن لُــــؤي بن غَــــالب بن فِـــــهر بن مَالــك بن النَظـــَر بن كِنــانة بن خُزيمــة بن مُدركـــة بن اليــاس بن مَضــر بن عَدنـان بن أََدد بن مَــقوم بن نَاحــور بن تَــارخ بن َيعــرُب بن يَشجــب بن نـَـابت بن إسمــــاعيل بن إبراهيــــم عليهما السلام .
فبذلك جعل اللـه نسبه يسري في كل أرجاء الجزيرة العربية حتى يُخلدونَه و يتشاركون نسبه ، فخصّ اللـه كل بلدٍ بخاصية تتوارث فيها النبّي ، فجدّه كِنانـــة من اليـــمن و جدّته هـــاجر من مصـــر و جدّه هـــاشم دُفِنَ بغـــزّة و أحفـــاذه عاشوا بين الأردن و العراق و المغـــرب العــربي و هو عاش بالخليــــــج العربي و مُرضعتــه أم أيمـــن من الســـودان و مُرضعتـــه حليــمة السعديـــة من البـــادية و أخوال أبيـــه من المدينـــة المنــورة و أهل الشـــام قال عليهم النبّي أنتم في رباطٍ إلى يوم الديــن .
و بالتالي سَرى و تَوالد نَسلُ الرسول إلى مَشارِق الأرضِ و مَغاربها ليكون فيهم نَسبًا و نَبيًّا رسولاَ .
وقال ۝ ۝ ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ ﴾ .
فقد اصطفى اللـه محمد على سائر خلقه فأخرجه من رُبوعِ مكــة ، فبذلك اصطفى قُريــش على العرب و اصطفى بني هاشم من قريش و اصطفى عبد المُطلب من بني هاشم و اصطفى عبد الله من عبد المطلب ليبعث خيــر الأنام رسولاً منهم و فيهم ، و يقول الرسول في ذلك ( أنا خِيار من خِيار و ما زلت نطفة أتنقل من أصلاب الرجال و النساء حتى وضعها أبي في رحمِ أمّي))
فجدّه هو عبد المطلـــب سّيد قومه الذي شهد حادثة الفيل و الذي تصدى لأبرهة الحبشي عندما دخل مكة بفِيَله ليُحطِّم الكعبة الشريفة فأتاه عبد المطلب و قال له إنّ للكعبة ربٌّ سيحميها فسَخِرَ منه أبرهة و تجرأ على الكعبة ليُهدِّمها فتلقاه ربّ الكعبة بطير أبابيلَ و أنزل فيه سورة بأكملها و هي سورة الفيل في قوله۝ ۝ ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (3) تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (5) ﴾ .
فلم يكن عبد المطلب شُجاعًا فحسب بل كان كريمًا في قومهِ و كان يذبح لهم الذبائح في كلّ مَوسم ما يُقارب الألف جمل كما كان مَسؤولاً عن السِقاية ، و قد كان لعبد المطلب ابنا وحيدًا اسمه الحارث .
و ذات مرّة بينما كان عبد المطلب نائمًا إذ به يرى في المنام رجلاً يقول له احفر المصونة ،فقال له عبد المطلب و ما المصونة ؟، غير أنه استيقظ من منامه و لم يُجَبْ ،فآتاه الرجل مرّة ثانية في منامه و قال له احفر طيبة ،فقال عبد المطلب و ما طيبة ؟ فاستيقظ أيضًا و لم يُجَبْ ، ثم آتاه الرجل مرّة ثالثة في المنام و قال له احفر زمزم،فقال عبد المطلب و أين أجدها ؟ فقال له الرجل بين الفرث و الدم حيث تجد الغُراب المُعلى ينكث في الأرض،و يقصد بذلك المكان الذي كان يذبح فيه عبد المطلب ذبائحه ،فاستيقظ عبد المطلب و انطلق إلى المكان الذي دَلَّه عليه الرجل في المنام فوجد غُرابًا له ريشة بيضاء ينكث في الأرض بين الفرث و الدم فَفَرِح عبد المطلب لأنه أيقن أن منامه قد صدق،فسارع إلى قومه ليبشرهم بما رآى في المنام و اليقظة معًا ثم طلب منهم مُساعدتهم له في الحفر لإخراج ماء زمزم فاستهزأ به قومه ووصفوه بالهذيان ،فتركهم عبد المطلب و أخذ ابنه الحارث و باشرَا بالحفر للتنقيب على بئر زمزم فأخذ كلُّ من يمرُّ به يصخر منه و يضحك عليه فلم يُعرهم عبد المطلب أي اهتمام وواصل حفره و تنقيبه حتى انفجرت الأرض بالماء فرآى القوم ذلك فاندهشوا و ظنوا للوهلة الأولى أنه بئر عادي و ليتأكدوا من ظنهم أحضروا رجلا من اليمن كان قد شَرِب من بئر زمزم قبل أن تتضاربا عليه قبيلتي جُرهم و خُزاعة من أكثر من 40 سنة ، فلمّاشَرِب الرجل من الماء أكَّدَّ لهم أنه ماء زمزم ، فصَدق أخيرا عبد المطلب و فَرِح فرحًا شديدًا بالبئر إلاّ أنّ فرَحَه لم يَدُم لأنّ القبيلة طالبته بالمُقاسمة كون البئر يخص جدّهم إسماعيل إلاّ أنّ عبد المطلب أبى ذلك و قال لهم أنا الذي حفرتها وحدي و لأُقاتلنَّكَم عليها ، فقالت له قُريش و اللات لنقتُلنَّكَ يا عبد المطلب و ليس لك من الولد غير الحارث تستقوي به ،فقال لهم عبد المطلب أاستضعفتموني لأني لم أنجب غير الحارث ؟؟فنَذْرٌ عليَّ يا قريش لإنْ رزقني الله بعشرٍ من الأولاد لأذبحنَّ واحدا منهم له ، ووقتها تدخّل نذير بن الصمّا لفكِّ النزاع بين أهل قريش و عبد المطلب وقال لهم لقد ظلمتم الرجل ، ثم عرض عليهم الاحتكام إلى كاهنة بالشام فكان الأمر كذلك.
فخرج عبد المطلب و بعض رجال قُريش للقاء الكاهنة بالشام و في طريقهم إليها نَفَذَ منهم الماء و المؤونة فأشار عليهم أحدهم أن يقومَ كلَّ واحد منهم بحفر قبره حتى إذا مات لا يُحَمِّلُهم عَنَاءَ الحفر فقَبِل الجميع بهذه الفكرة و حَفر كل واحد منهم قبرًا يَؤوي إليه في الليل لينامَ به حتى إن أدركه الموت مات في قبره ، فنام الجميع و كان عددهم حوالي 23 رجلاً ، و بينما هم نائمون انفجرت المياه من قبر عبد المطلب فدُهِش الرجال من الواقعة ثم قالوا لعبد المطلب هذه حُجَّتُكَ علينا و زمزم لك ، فرجعوا جميعا إلى مكة و خََلُوا سبيل عبد المطلب في البئر .
و بعدها تزوج عبد المطلب مرّة أخرى و أنجب عشرة أولاد ، فأراد أن يُوفي بنذره و يذبح أحد أبنائه ، فنَهَرته قُريش و طلبت منه أن يتَمَهل حتى يَشِّبوا و يُصبحوا رجالاً ، فزاد عدد الأولاد و أصبحوا ثلاثة عشر ولدًا ، وقتها قرَّر عبد المطلب أن يذبح أحد أولاده فاقترع بأسمائهم و أتت القُرعة باسم آخر أولاده و أحبِّهم إلى قلبه عبد الله ، فلم تََتَقبل قريش نتيجة القُرعة و طلبوا منه أن يُعيدها مرّة أخرى ، فأعادها عبد المطلب عَشرُ مرات أخرى و في العشر مرات كانت تظهر باسم عبد الله.
فنهت قُريش عبد المطلب عن ذيحِ ابنه تخوفًا من أن تُصبِحَ هذه العادة سُنّة من بعده فيصبح كلّ من يُرزق بعشر أولاد يذبح واحدا منهم ،ثم أشاروا عليه أن يقصد كاهنة الشام لتُشير عليه ، ففعل ذلك و أشارت عليه الكاهنة أن يضرب بالسِهام على عبد الله وعلى عشرٍ من الإبل فإذا خرج السهم بعبد الله يزيد عشرا أخرى و هكذا ، فكان ذلك فآتى السهم بعبد الله في أول مرّةٍ فزاد الإبل و أعادها عبد المطلب عدّة مرات و كان السهم يخرج في عبد الله حتى بلغ عدد الإبل المائة ، فرمى عبد المطلب السَهمَ فآتى في عبد الله ، ففرح عبد المطلب فرحًا عارمًا و أقسم فقال و الات لن أكُفَ حتى تخرج السِهام بعبد الله عشرُ مرات فكان ذلك و جاءت السِهام بالإبل عَشرُ مرات ، فَفرِحَ و نَحَرَ النُوقَ و نجا عبد الله من الذبح ، و بالتالي تتكرر هُنا قصة الذَبح و الفِداء من سيّدنا إسماعيل إلى والد النبّي ، و قد قال النبّي (( أنا ابن الذبيحين )) و قَصَد بذلك أباه عبد الله و جدّه إسماعيل .
و بفرحة عبد المطلب العَارمة بنجاة ابنه عبد الله أراد أن يُتِّمَ عليه فرحته فقرَّر أن يذهب إلى بني زُهرة و يأخذ معه ابنه عبد الله ليزوّجه من بناتها فرحةً به ، و قبل ذلك التقى عبد الله برقيقة أخت ورقة بن نوفل فقالت له يا عبد الله ألك في أن تتزوجني لليلة واحدة و يكن لك بها وزنك ذهبًا ، فقال لها عبد الله أنظريني حتى أنتهي من سفرتي مع أبي إلى بني زُهرة ، ووقتها لم يكن عبد الله يعلم بنّية والده في تزويجه بإمرة من نِساء بني زُهرة .
فخرجَا معًا قاصدين بني زُهرة فزوّج عبد المطلب ابنه لآمنة بنت وهب و تزوج هو أيضًا بابنة خالتها ، فوقع البناء ببيت العروستان على حسب عاداتهم و مَكثَا عند بني زُهرة سَبعُ ليال ، و بعدها رجع عبد المطلب و ابنه عبد الله و زوجتيهما إلى مكة .
و بعد عدّة أيام التقى عبد الله مُجددًا برقيقة فنظر إليها فإذ بها تُشيحُ بوجهها عنه فأخذ يطوف من حولها فشاحت بوجهها عنه أيضًا ، فقال لها وَيحك يا امرأة ألم تعرضي عليَّ الزواج بالأمس القريب ؟ فما بك تُشحين بوجهك عني وما الذي قد غيّر رأيكِ ؟ فقالت له كًنت أرى في وَجهك وَميضٌ من نُور و قد كُنت أُمَّني نفسي أن أفوز به غير أني لست أراه في وجهك هذا اليوم و ما أراه إلاّ قد ذهب إلى بنت وهب ، فاندهش عبد الله و رجع إلى بيته و إلى آمنة و مَكث معها ما يُقارب سِتة أشهر ثم خرج في تجارةٍ و قصد بعدها أخواله في المدينة فمرض و مات على اثر مرضه فدُفِنَ هناك .
ووقتها كانت السيّدة آمنة في شهرها السادس من الحمل بالنّبي ، و تقول عن حملها به أنها لم تجد فيه أيُّ شيء يُذكر و تقول أنّه عند ولادته وُلد و هو واضع يده على الأرض رافعًا رأسه إلى السماء .
و في يوم مَولده كان جدّه عبد المطلب جالسًا في الكعبة مع ابنه أبي لهب فأتتهما جارية أبو لهب و قالت لهما أبشرا فقد وُلد لعبد الله صبي ، ففرح عبد المطلب و قال لها أأنت صادقة ؟ فأجابته بنعم ، فقال لها أبو لهب إذا صدقتي بما أخبرتنا به فأنت حُرّة ، فانطلق حينها بسرعة البرق ليتحرى الأمر و عندما قام من مَقعدِه تدحرج من هَرولته لرؤيته جنس المولود و عندما وصل إلى بيت آمنة وجدها حقًا قد ولدت ولدا فَفرِحَ به فرحًا شديدًا و أَعتَق جاريته ثويبة .
و قد وُلد النبّي يوم الاثنين ليكون بذلك يوم الاثنين يوم بُزوغ فجر محمـــد المُشرق بأنوار الإسلام كيف لا وقد أشرقت شمس مكـــة لتُشرق على ظِلالها الدنـــيا أجمع بإطلالتـــه.
فقد هَلََّ أخيرًا اليوم المشهود الذي تَرقَبته و تترقبه يهود مكة بفارغ الصبر لتعرف النبّي المُختار من قِبَلِ الله الذي قد حَلَّ زمانه و بَزغَ نجمه في السماء ، هذا ما جعل اليهود يَترصدُونَ أوضاع مكة و يتقَصُونَ أخبارَ مَواليدها .
فقد قَطََنَ أحد أحبار اليهود صومعةً بجبال مكة ليستعلم عن أخباره و قد كان ينزل كل يوم اثنين إلى مكة ليسأل عن مَواليدهم فيقول لهم يا أهل الحَرَمْ هل وُلِد فيكم مولود الليلة ؟ ، فإذ وُلد يومها مَولود طَلب منهم أن يَصِفُوه له لأنّه قد تَدارس أوصاف نبّي آخر الزمان من التوراة و بالتالي بات اليهود يَعرفون النبّي أكثر ممّا يَعرفُونَ أولادهم .
فكان اليهودي ينزل إلى مكة كل ليلة اثنين لدرايته بأنّ نبّي أخر الزمان سَيولد يومَ الاثنين ، و في الليلة التي وُلِد فيها النبّي نزل اليهودي إلى مكة و قال لهم أَوُلِد لكم مَولود ؟ فقالوا له نعم فقد وُلد لنا خمسة عشر مولودًا ، فنظر اليهودي إلى المواليد و قال لهم لقد وُلد الليلة وليد لم يُخرجوه أهله ؟ فقالوا له نعم فقد وُلد لعبد المطلب ولدًا ، فقال لهم ألعبد المطلب ولد ؟ فقالوا له لا بل هو ولد وَلدِه عبد الله الذي مات ، فقال لهم أفِيكم أن تُخرجوه لي ؟ فآتى عبد المطلب و قال له إنّ من عَاداتنا بقريش لا نخُرج مواليدنا قبل اليوم السابع فإذا أردت رُؤيته فاقصد الدار و انظر إليه ، فذهب اليهودي إلى بيت آمنة فرأى المولود و نظر بين كَتفيه فشهق شهقة و أُغشي عليه فتفقدوه فوجدوه ميتًا ، فحملوه إلى صومعته فوجدوا صاحبه فأخبروه بما حصل له فأغمي عليه هو أيضًا من وَقْعِ الخبر عليه و عندما أفاق سألوه عن سبب الإغماء ،فقال لهم يا لضيعة بني يهود فلقد خرجت الُنبّوة من بني إسحاق بولادة نبّي آخر الزمان .
و قد وُلد النبّي بشُروق شمس يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأوّل الموافق ل 20 أفريل 570 ، فدخل الرسول بذلك الدنيا يوم الاثنين فأضاء منها و لها و معها كل شيء ، و قد سُميّ النبّي بمحمـد من قِبل جدّه عبد المطلب و قد اختار له هذا الاسم تيَمُنًا به و بشأنه الذي تَنبأه له ، و قال للجميع أردت أن يحمده الله في السماء وخلقه في الأرض.
و قد كان شائعًا في قُريش أنّها تقوم بإرسال أولادها إلى البادية ليُرضعونهم و في اعتقادهم أنّ مكة بيئتها مُغلقة و الأولاد لا ينطلقون كِفاية لذلك من عاداتها تقوم بإرسالهم ليَسترضعوا في البادية حتى يتميّزوا و ينفتح تفكيرهم و تَقوى بُنيتهم ، فكانت قبيلة بني سعــد هي القبيلة المرضعة لقُريش على أجر زهيد غير أنّ القرشين كانوا يُغرِقون المُرضعات بالهدايا كلٌّ على حسب نسبه .
و بما أنّ النبّي كان يتيمًا فكل مُرضعات بني سعد كانت تَتجَنب و تتَحاشى و تتَغاضى النظر عن أخذه لأنّّهنَّ لَسنَ ضامناتٍ أن تَصِلَهُنَّ هدايا من قِبَل جدّه أو أُمّه ، و كذا حليمة السعدية أبت هي الأخرى أخذه و ترددت كثيرا في أخذه .
و تقول حليمة السعدية في ذلك قَدِمنا مكة و ما مِن امرأة من بني سعد عُرض عليها محمد فتأباه ، فقد كان يتيمًا و كُنّا نقول ما عسانا نصنع بأمّه و جدّه ! حتى لم يبقى من صُحيباتي امرأة إلاّ و أخذت رضيعًا إلاّ أنا فأبيت أن أرجع إلى بني سعد دون أطفال فذهبت و أخذته ، فقال لي زوجي ما أراك إلاّ قد أخذتي نسمة مُباركة ، فما إن حملته حتى أقْبَلَ على ثديي يرضع فرضع فإذا بابني أحمله بيدي الأخرى يُقبل على ثديي الأخرى يرضعها ، و لمّا كُنا بالطريق رضع محمـد فرضع ابني بعده ، فقال لي زوجي ألم أقل لك أنّنا قد أخذنا نسمة مباركة ؟ .
و تقول حليمة السعدية لقد كانت ديار بني سعد في تلك الأيّام صحراء جرداء نرعى بالغنم فلا نجد أيّ لبنٍ في الغنم فلما قَدِمنا و معنا محمـد أصبحت الغنم تعود مملوءة باللبن فباتت بني سعد كلها تُرسل أغنامها وراء أغنامي لترتاعَ .
و تقول عن النبّي أنّه كان يَشُبُّ شبابَ الصبيّ الذي يَشُبُّهُ في شهر هو في يوم ،و الذي يشبّه الصبيُّ في سنة يشبّه هو في شهر.
و هكذا بقي النبّي وَليدًا ببني سعد حتى حان مَوعد إرجاعه إلى أمّه ، فأخذته حليمة إلى أمّه إلاّ أنّها أبت تركه معها فتوسلت آمنة أن تُخليه عندها فقبلت آمنة و أرجعت السيّدة حليمة النبّي معها ، غير أنّه بعدها حدث للنبّي أمرٌ عجيب أخاف حليمة فأرجعته إلى أمِّه ، فتعجبت آمنة من أمر حليمة و رُجوعِها إليها بمحمد بعدما كانت تترجاها في أن تُبقيَهُ معها فسألتها آمنة عن السبب الحقيقي لإرجاعها له ، فقالت لها ما أرجعته إلاّ لأنّه قد بلغ الفِطام، فقالت لها آمنة أصدقيني القول يا حليمة ، فقالت لها حليمة لقد حدث لمحمـد أمرٌ عجيب فقد كان يلعب مع ابني عبد الله فإذ بابني يجري إليَّ ووجهه أصفر فقال لي أدركي أخي القُرشي فقد أخذاه رَجلانِ و شقّا بطنه و قتلاه ، فسارعنا إليه أنا وزوجي الحارث لنراه فوجدناه وراء الخيمة و قَميصه مَشقُوق و مُبلل بالدماء فقلنا له ما بك؟ فقال لنا جاءني رجلانِ بِيض الوجوه بِيض الثياب حثام عِراض فأخذاني و أضجعاني ووقف أحدهما عند رأسي ووقف الأخر عند صدري
، فقال الذي عند رأسي أهَُو هُو ؟ فقال الآخر نعم هُوَ ، فقال أهو الذي أنبأنا فيه ربّنا؟ فقال الآخر نعم هو الذي أنبأنا به رّبنا ، فقال الذي عند صدري أما من علامة ؟ فنظر بين كتفيََ و قال الذي عند صَدري أنظر لتلك الشامة أليست هي ؟ فقال نعم هي ،ثم قال إذن على بركة ربنا، فشقا صدري و أخرجا قطعةً و شقاها و أخرجا منها قِطعةً سوداء و ألقاها إلى جِواري و قال أحدهما للآخر ذاك حظُّ الشيطان منك و قتلانِ بماءِ و ثلج و برد ثمّ أعادا ما أخرجاه من صدري و أغلاقاه و انصرفا و قالا لي سلام عليكم يوم البعث.
فقالت آمنة ألهذا رددته إليّ يا حليمة ؟فلعلك قد خشيتي على ولدي هذا الشيطان ؟فسكتت حليمة فقالت آمنة لا و الله إنّ وَلدي هذا من المُباركين في الأرض فلمّا حملت به رأيت نُورا و لمّا ولدته خرج مني نُورا كأنمّا أضاء بين الأرض و السماء .
و بهذا تنقضي حياةُ النبّي في ديار بني سعــد عند مُرضعته حليمة السعدية بعد حادثة شقِّ الصدر ليرجع أخيرا إلى أحضان أمّه آمنة ، و بالرغم من ذلك إلاّ أنّ النبّي بَقِيَ وَفيًّا لأمّه حليمة ، فبعد انقضاء الأيّام و السُنونْ و عند فتح مكة و النبّي في الخامسة و الخمسين من عُمره أتته امرأة عجوز و هي تبتسم له فلمّا عَرِفَ أنّها مُرضعته حليمة فَرِحَ جدّا لرُؤيتها و قال لها أمي أمي و نزع عَباءته و فَرشها لها و قال للصحابة أتركوني مع أمّي ،فهذا هو وَفاءُ النبّي الذي حمَلَهُ لمُرضعته حليمة و نَفسُ الوفاء حمله أيضًا لمُرضعته بركة أم أيمن ، فقد كانت بركة جارية لدى أمّه آمنــة و قد أرضعت هي أيضًا النبّي و سَهِرَتْ على تربيته مع أمّه آمنة ، و قد كان النبّي يُحبّها حبًّا عظيمًا و إن مرّت أياّم قليلة لم يتسنى له فيها رُؤيته ذهب إلى صاحبه أبو بكر و قال له تلك هي أمّي بعد أمّي فقُم بنا نزُرْ البقيّة الباقية من أهلي ،فلمّا مات عنها زوجها قبل الهجرة قال النبّي للصحابة من أراد أن يتزوج امرأة من أهل الجنّة فليتزوج أم أيمن ، رغم أنّ سِنّها وقتها كان فوق الخمسين سنة و كانت شديدة السَواد ذميمة لعثاء اللسان ، فقام زيد بن الحارثة و قال للنّبي هل أخطبها منك يا رسول الله ؟ فقال له النبّي بل من ابنها أيمن ، فأبى أيمن إلاّ أن يجعل النبي وصيًّا عليها ، فخطبها زيد من الرسول و تزوجها وولدت له أُسامة فكان أسامة حِبُّّّّّّّّّّّّّّ و ابن حبِّ و حبيبة رسول الله زيد و بركة التي كانت ثاني امرأة تُبشر بالجنّة بعد أمّنا خديجة .
فقد تربى النبّي على يدي أمّه بركة و أمّه آمنة التي توافها الله بعد عُمرٍ قصير من عودة النبّي إلى مكة ، فقد أرادت السيّدة آمنة زيارةَ قَبرِ زوجها عبد الله ، فسافرت و معها النبّي إلى المدينة قاصدةً بيت أخوال زوجها لكي يرى النبّي قبر أبيه ، و يقول النبّي في ذلك خَرجت مع أمّي و أم أيمن إلى بني النجار ووقفت على عتم بني النجار و أشارت لي أمّي عن بيت هو قبر أبي و لعبت مع الغِلمان من أخوالي و سَبحت في البئر و شربت منه ، و قد مَرضَت أمه آمنة بديار أخوال أبيه.
و تقول ابنة الزرانق أنّها شهدت مرض آمنة بنت وهب ببني النجار لما جاءت بمحمد طِفلا و عمره ستة سنوات ، فتحكي فتقول مَرضت آمنة مَرضًا شديدًا حتى رأينا فيها صُفرة الموت ، فأرسلنا إلى ولدها محمد و كان مع الغِلمان خارج البيت فجاء ووقف على رأس أمّه فأخذت تنظر إليه و ينظر إليها و هو يبكي و يمسح بيده على وجهها ، فأخذت يده الصغيرة و قبّلتها و قالت له يا بُنيّ كل حيٍّ ميّت و كل حبيب مُفارق و قد تركت في الدنيا خلقًا مُباركًا ، ثمّ نظرت إلى أخوال عبد الله و بركة و قالت لها أرجعيه إلى جدّه و أقرئيه مني السلام ، فتمايل النبّي على أمّه فأخذت تقبّله ثمّ أخذته إلى صَدرها و ضمّته إليها حتى ماتت ، فأخذوا النبّي من تحت يديها .
فشاءت الأقدار أن تموت آمنة قبل أن تصل إلى مكة ، فدفنتها أم أيمن بالأبواء ،و بعدها رجعت بالنبّي إلى جدّه عبد المطلب و هو ذو السِتِ سنوات ، فينتقل النبّي من حُضن أمّه إلى حُضن جدّه ، فيرعاه جدّه و يحُبّه ، فقد كان يأخذه معه إلى جَلسـاتِ كِبار قُريش فيسرد له عباءته و يُجلسه بها إلى جِواره فلم يكن يلعب مع الصِبية من سنِّه و إنما كان يُجالس الكبار و يسمع حواراتهم بالرغم من أنّه كان مَحظورٌ الإتيان بالصِبيّة ، غير أنّ جدّه عبد المطلب كان يأخذه معه و يقول لهم إنّ ابني هذا سيكون له شأن عظيم ، فبقي النبّي في كَنَفِ جدّه سنتين فقط لأنّه مات عنه هو أيضًا و هو ذو الثَمانِ سنوات ، و قبل موته أوصى به جدّه إلى عمّه شقيق والده من الأب و الأم أبي طالب ، فأتمنه أبو طالب و أعَاله مع أبنائه العشرة و بقي عنده من سنِ الثَمانِ سنوات إلى خمس و عشرون سنة ، و في هذه الآونة بدأ تجهيز الرسول من محمــد إلى نبّي آخر الزمان ففُقْرُهُ و نسبه العريق جَعلاه يتوسط الفقراء و الأغنياء فيحسن التعامل معهم .
و ذات يوم قرّر النبّي أن يعمل فقصد عمّه أبو طالب و طلب منه أن يسمح له بالعمل فآبى أبو طالب الفكرة إلاّ أن النبّي أسّرَّ على عمّه و ألحّ عليه فقَبِل أبو طالب أخيرًا و تركه يعمل ،فرعى النبّي غنَمَ قُريش على قراطيط مَعدودات ، و بالتالي في هذا السّن من الثامنة إلى الخامسة عشرة تعلّم النبّي كيف يرعى الغنم و حِكمة الله في ذلك تَعلُّمه الحِلْم و الصبر و بتجميعه للأغنام عند تفرُقها تعلّم كيف سيجمع بين الناس .
و في الخامسة عشرة من عمره تعرضت قُريش إلى اعتداء فاندلعت حرب الفُجّار بالأشهر الحُرُمْ ، فشارك فيها النبّي و تعَلّم منها استعمال السيف و الضرب بالنبل و كذا عمليتي الكَّرِ و الفَّرِ ، كما تعلم فكرة السـلام بحلف الفُضول و هُدنَة قُريش و بالتالي اقتبس الرسول من فكرتي الحرب و السلام و انتهجهما كنظريَّاتٍ و تجارب في إعداده للنبوّة و تخطيطاته لتبليغ رسالته.
و في الخامسة و العشرين من عُمره غيّر الرسول اتجاه نظَرِه و دَخَل التجارة من بابها الواسع فتعرّف على طِينة الناس و طِباعهم و طُبوعهم و بالتالي أحسن التعامل معهم ،فكانت له رحلة الشام فتعرف فيها على الروم و ثقافاتهم و رحلة اليمن فتعرف فيها على الفُرس و ثقافاتهم و بذلك اكتسب المُرونة و اختبر التعايش مع مُختلف البيئات ،ثمّ آتته الرحلة الكُبرى و هي تجارته للسيّدة خديجة بنت خُوليد أين عُرِفَ بأمانته و صِدقه و كرمه و أخلاقه الكريمة كيف لا !و هو لم يعبد يومًا صَنمًا و لم يذق للخمر طُعمًا .

#3

افتراضي رد: هذا هو انبيّك محمد و الشافع لك يوم القيامة ,,متجدد

الرسول المُبارك بوصفٍ شامل

يُروَى أنّ الرسول وأبا بكرومَولاه ودليلُهُما خرجوا من مكة ومرّوا على خيمة امرأةٍ عجوز تسمى أم معبد ، فقد كانت تجلس ُقربَ الخيمة تسقي وتطعم، فسألوها لحماً وتمراً ليشتروا منها فلم يَجِدوا عندها شيئاً.

فنظر النبّي إلى شاة في جانب الخيمة و سأل أم معبد و قال ما هذه الشاة يا أم معبد؟ فقالت شاة خَلَّفها الجُهد والضُعف عن الغنم، فقال رسول اللههل بها من لبن؟ فقالت بأبي أنت وأمي إن رأيت بها حَليباً فاحلبها، فدعا النبّي الشاة ومسح بيده ضرعها، وسمى الله ثم دعا لأم معبد في شاتها حتى فتحت الشاة رجليها ودرت ، فدعا بإناء كبير وحلب فيه حتى امتلأ، ثم سقى المرأة حتى رويت وسقى أصحابه حتى رووا ، ثم شرب آخرهم.
ثم حَلب في الإناء مرّة ثانية حتى ملأ الإناء، ثم تركه عندها وارتحلوا عنها.
وبعدها أتى زوج المرأة أبو معبد و هو يسوق عنزاً يتمايلن من الضُعف فرأى اللبن، فقال لزوجته من أين لك هذا اللبن يا أم معبد والشاة عازب ولا حلوب في البيت! فقالت لا والله لقد مرّ بنا رجل مُباركٌ من حاله كذا وكذا، فقال أبو معبد صِفيه لي يا أم معبد فقالت رأيت رَجلاً ظاهر الوضاءة، أبلج الوجه مُشرق الوجه، لم تعبه نحلة نحول الجسم ولم تزر به صقلة ليس بناحلٍ ولا سمين، وسيمٌ قسيم حسن وضيء،و في عينيه دعج سواد وفي أشفاره وطف طويل شعر العين، وفي صوته صحل بحة وحسن وفي عنقه سطع طول ،وفي لحيته كثاثة كثرة شعر، و أزج أقرن حاجباه طويلان ومقوسان ومتصلان ، إن صمت فعليه الوقار، وإن تكلم سما وعلاه البهاء، أجمل الناس وأبهاهم من بعيد، وأجلاهم وأحسنهم من قريب، حلو المنطق، فصل لا تذر ولا هذر كلامه بين وسط ليس بالقليل ولا بالكثير، كأن منطقه خرزات نظم يتحدرن، ربعة ليس بالطويل البائن ولا بالقصير، لا يأس من طول، ولا تقتحمه عين من قصر، فهو أنضر الثلاثة منظراً، وأحسنهم قدراً، له رفقاء يحفون به، إن قال أنصتوا لقوله، وإن أمر تبادروا لأمره، محشود محفود عنده جماعة من أصحابه يطيعونه، لا عابس ولا مفند غير عابس الوجه، وكلامه خالٍ من الخرافة، فقال أبو معبد هو والله صاحب قريش الذي ذُكر لنا من أمره ما ذُكِر بمكة .
وعن جابر بن سمرة قال رأيت رسول الله في ليلة إضحيان، وعليه حلة حمراء ، فجعلت أنظر إلى رسول الله وإلى القمر، فإذا هو عندي أحسن من القمر). (إضحيان هي الليلة المقمرة من أولها إلى آخرها). و أحسن ما قيل في وصف الرسولوأبيض يستسقى الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة للأرامل. (ثمال: مطعم، عصمة: مانع من ظلمهم) .

#4

افتراضي رد: هذا هو انبيّك محمد و الشافع لك يوم القيامة ,,متجدد

غار حـــــــراء و أوّل أسبوع للبعثة



بعد دخول الرسول عالم التِجارة تكَفَل بتجارة خديجةفأحسنها فاستحسنته هيَّ في أخلاقه و شَهامته فتمنته زوجًا لها ،فتزوّجها النبّي و عمره خمسٌ و عِشرون سنة و هي ذات الأربعينَ سنة ، فعاش معها أجمل قِصّة حُبْ على وجه الأرض و رُزِقَ منها البنات و البنين ، و لمّا نَاهز الرسولالثامنة و الثلاثين من عُمرِه بدأ الإعداد الربّاني له من فوق سبعِ سماوات ليُصبح بذلك محمـد الرجل نبّي آخر الزمـان ، فخصّ اللهنبيّهُ بتمهِيداتٍ و مُؤاثراتٍ تدريجية تفاوتت سُرعتها و تباينت في الستة أشهر الأخيرة قبل البعثة ، فأنطق اللهالشَجرَ و الحَجَر و جعلها تُسلم عليه و تقول له السلام عليك يا رسول الله ، غير أنّ النبّي إذا التفت بعد تسليمها عليه لا يجد شيئا ، و يقول النبّي في ذلك إني لازلت أعرف حَجَرًا كان يُسلم علّيَّ قبل البعثة .

و مَنَّ اللـه أيضًا على رسوله برُؤيا صادقة كان يراها في الليل فتتحقق معه إذا أصبح مثل طرف الصبح.

فتَرادُف هذه الأحداث و تِكرارها جعلت الرسول يختلي بنفسه في غـار حـراء ذوات العِداد أي ما يُقارب العشرة أيّام ،فاكتنز بذلك الحياة المادية و أقبل يَرتشف أكبر قدر ٍ من الغذاء الروحي لاستشعار قُدراته الرُوحانية التي أدّت به في آخر المطاف إلى طـاعة اللهو هذه العِبادة هي أعظم عبادة للتقرب من الله ، فتفكر سـاعة خيرٌ من قيام ليلـة لأنّ حياة الإنسان كسهم واحد فلا تُغامر به لأنّك إذا أطلقته و أصاب الهدف فمبارك لك أمّا إذا غيّر وِجهته و تَنَاحَ عن الهدف فلا فُرصة لك بعدها ، فالتفكُّر إذن هو قبس من نور الإيمان.

و هكذا كان حال النبّي في الغار في الآونة الأخيرة قبل نبُّوَّته و قد كانت خديجة أيضًا تصعَد إلى الغار و هي ذات الخمسة و الخمسين سنة لِتُساندَ النبّي و تتفكر معه و تأتيه بالطعام أيضًا ، و لمّا بلَغ الرسول الأربعين سنة من عُمره أصبح يتردد كثيرًا على الغار كيف لا و قد حان و دَقَّ الموعد الذي أعدّه له ربُّه ، ففي ليلة غير مُقمِرة نزل على محمـد مَلَـكٌ من السماء على صُورته المَلائكية و هو يَسُّد الأفُق و له ستمائة جناح ، و يَحكي النبّي عن المَلَك فيقول رأيته و قد سَدَّ الأفق و له ستمائة جناح إذا نفَضَها تناثرت منها اللؤلؤ و الياقوت ، فجذبني من ثِيابي و أخذني إليه و قال لي﴿اقرأفقلت له ما أنا بقارئ ،فأخذني المَلَكْ إليه مرّة أخرى و ضَمّني إليه حتى بلغني الجُهد ثمّ أرسلني و قال لي ﴿اقرأ فقلت له ما أنا بقارئ ، فأخذني مرّة ثالثة و غَطاني حتى لم أستطع التنفسَ فظننت وقتها أنّه الموت ثمّ أرسلني و قال لي ﴿اقرأفقلت له و ماذا أقرأ! ، فردّ المَلَكْ و قال لي﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ{1} خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ{2} اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ{3} الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ{4} عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ{ 5}ثمّ اختفى دُفعةً واحدة .


فكان بذلك غار حِراء نُقطة التقـاء السمـاء بالأرض و نُقطة التقـاء نبّي السماء جبريلبنبّي الأرض محمد ، فكانت هي نُقطة بُزوغ فَجرِ الإسلام و فَجرِ محمـد على الأمة جمعـاء.
فنزل النبّي من الغار مُرتَعدَا و يتصَبَّبُ عَرَقًا ، فقصد بيته و هو يجري و قد أصابته الحُمَّى، فقال لخديجة زَملوني زملوني دَثروني دثروني ،فقالت له خديجة ما بالك يا ابن العمّ ؟فأجابها الرسول وقال لقد خشيت على نفسي يا خديجة و قصّ لها ما جرى معه ، فقالت له خديجةكلاَّ و الله لا يُخزيك الله أبدًا فإنّك لتَصلُ الرحم و تحمل الكَّلَّ الضعيف و تُكسب المعدوم و تُقرئ الضيف و تُعين على نوائب الحق ، فهدأ النبّي بعدما سَمع كلام خديجة التي ثبتته و ذكَّرته في أخلاقه الحسنة و شاركته في اهتماماته و قاسمته ضِيقَهُ ،كيف لا وقد قال عنها الرسول أكمل النِساء عقلاً خديجة بنت خويلد ، فبِكلام خديجة اطمئن النبّي فقرّرت خديجة أخذه إلى أعلم رجلٍ بأمور الدين و مَبلغُ التوراة و الإنجيل ، و قد كان هذا الرجل ابن عمّها ورقة بن نَوفل فدخلا النبّي و خديجة على ورقة فسلمَا عليه ثم قالت له يا ابن العمّ اسمع منه ، فحكى له الرسول ما جرى معه فسمع له ورقة بانتباه فكان أحيانًا يبتسم له و أحيانًا أخرى ينبَهِر ، ثم قال للنبّي يا محمد إنّك لنبّي آخر الزمان و لقد آتاك الناموس الذي آتى موسى و إنّ قومك سيكذبونك و يُؤذونك و يُخرجونك ، فليتني أكن جذعًا إذ يُخرجك قومك ،فقال له النبّي أمُخرجيّا هم؟ فقال له ورقة نعم فلم يأتي رجلٌ بمثل ما أُوتيتَ إلاّ عُودي و إن يُدركني يومك لأنصُرنّك نصرًا مؤزرا ، فسكت النبّي و خرج مع خديجة فأوقفها ورقة و قال لها ثبّتيه ، إلاّ أنّه بعد أيّام قليلة يموت ورقة بن نوفل و يقول الرسولورقة بن نوفل يُبعث يوم القيامة أُمّة و يقصد بذلك ميزان حسناته المملوء .


فمَرّ أسبوع و لم يظهر الملَكْ من جديد حتى يستوعب الرسول فِكرة النُبوّة و تبليغ الرسالة ، فبدأ النبّي يُفكر في الملَكْ و يشتاق له ، و بعد مرور أسبوع من الانتظار نزلالملًكمرّة أخرى على كُرسيٍ بين السماء و الأرض و هو يملآ السماء ، فقال للنبّي يا محمـد أنت رسول الله و أنا جبريل مُرسل من السماء ، ثم أخذ جبريلالنبّي و خرج به إلى الصحراء فضرب بجناحيه في الأرض فانشق نبعٌ من الماء فعلّمه كيفية الوضوء للصلاة ، ثم قال له يا محمد افْعَل كما أَفعَل ركعتين في الصباح و ركعتين في المساء ، فأوّل عِبادة تعلّمها النبّي من جبريل هي الصـلاة لمكانتها عند اللهكيف لا وقد قال عنها النبّي((الصلاة عبادة )) و قال أيضا: ((رأس عمود الإسلام الصلاة))و قال كذلك : ((مِفتاح الجنّة الصلاة )) و ((نور المؤمن الصلاة )) ، و قد سُئِل النبّي عن أفضل الأعمال و أرفعها درجةً ! فقال (( الصلاة على وقتها )).

ثم نزل جبريل على النبّيبثلاث سورٍ بعد سورة العلـق و هم المزمـل فالمدثـرو الفاتحـة أي علـم فطاقـة روحيـة و عبادة ثم تحرك على أساس المنهـج ، فانتقى النبّي نِقَاطًا بَناَءة رَسَم على إثرها طريقه الصحيح و ثبّت عليه مُخطّطه المتين في تبليغ رسالته العالميّة مُستعينًا في ذلك باللهجَلّ جلاله و عَظُم سُلطانه .

و بعد ذلك توقف الوحيُّ و لم ينزل على الرسول مُدّة شهرين ،فتأثّر النبّي و خاف و ظنّ أنّه قد أخطأ في مًوضعٍ ما فاستبدله الله أو استغنى عنه،وقتها نزل عليه جبريل بسورة الضُحى ليُشيد بقيام الليل و يقول الرسول عن قيام الليل لعبد الله بن عمر نِعم العبد أنت يا عبد الله لو كنت تقوم الليل ، فلم يَبرَحْ عبد الله القِيام من يومها ، و قال النبّي أيضا لأبي ذر الغفاري و هو يُشيد بقيام الليل يا أبا ذرإذا أردت سفرًا ألا تُعد له العدّة ؟فقال أبو ذر نعم يا رسول الله، فقال الرسولفكيف بسفر يوم القيامة فأحكِمْ السفينة فإنّ البحر عميق و أكثر الزاد فإنّ الطريق طويل ،فقال أبو ذر و ما أفعل يا رسول الله؟ ، فقال الرسولصُمْ يومًا شديد الحرِّ ليوم النُشور و قُمْ ليلة في ظُلمة لظلمة القُبور و حُج حجةً لعظائم الأمور .

و قد كان الرسول يدعو الناس بالنّهار و يقوم الليل بالليل حتى تتورمُ قَدماه و هو المغفور له و الموعود بالجنّة فكم ليلةً قد قُمناَها نحن ! إن لم أقل كم من ركعة صليناها في جوف الليل نستغفر الله و نُناجيه و مَصائرنا مُعلقة بين الجنّة و النار بحبلٍ أرقُّ من الشَعرة و أحدُّ من السَيف ؟ !

فمِن هنا بدأ الرسولرسالته الدعويّة و اختار أوّل دُفعة من المتميّزين ذوي الأخلاق الحسنة و الناجحين في حياتهم و هم زوجته السيّدةخديحة و صاحبه أبو بكر و ابن عمّه علّي بن أبي طالب ، فقام الإسلام بذلك على ثلاثة أنفار رجـل و امـرأة و طفـل ليبلغ الإسلام عَناَنَ السماء و يتَخطى كل الحُدود و يَصير الثلاثة أنفار أمّـة بأكملـها .

#5

افتراضي رد: هذا هو انبيّك محمد و الشافع لك يوم القيامة ,,متجدد

أوّل ثـلاث سنــوات للبعثــة

بُعِثَ النبّي في قومه و اختاره الله نبّيًا للأمّة جمعاء ، فقام الإسلام في بادئ الأمر على رجلٍ و امرأة و طفلٍ صغير ، فيحكي أشعث بن قيس فيقول أتيت مكة في تِجارة لي مع العبّاسعمّ النبّي فرأيت محمد يُصلي و من ورائه رجل و امرأة و طفل فسألت العباس عن الرجل و من معه و ما يفعلونه ، فقال لي الرجل ابن أخي محمد و يزعم أنّه نبّي آخر الزمان و الرجل من ورائه صاحبه أبو بكر و المرأة زوجته خديجة و الطفل ابن أخي الآخر علّي و هم يُصَلُون غير أنّك إذا أردت أن تُكلّمه أخُذك إليه ،فقال له أشعث لا دعنا في تِجارتنا ، و بعد مِضِّيِ عِشرينَ سنة رجع أشعث إلى مكة بعد فَتحِها فأسلم و بكى بُكاءًا شديدًا ،فقال له النبّي لمِاَ تبكي يا أشعث و الإسلام يزيد يومًا بعد يوم ؟ فقال له أشعث لستُ أبكي لذلك يا رسول الله و إنّما أتتني الفرصة أن أُسلم قَبْلاً و أكون رابع أربعة غير أني ضيعت فُرصتي و أَبَيتُ أن أسمع منك ، فيا ليتني قد فعلتها يومها .

فهكذا بَدَأ الإسلام معرجل و امرأة وطِفل ليُصبح الثلاثة بعدها عشرة ، فيأتي أبوبكربستة رجالعثمان بن عفان _ طلحة بن عبيد الله _ الزبير بن العوام _ سعد بن أبي وقاص _ أبو عبيدة الجراح و عبد الرحمن بن عوف و تكون هذه الأسماء أوّل الأسماء إسلامًا و تبشيًرا بالجنّة .

و بعد خمسة أشهر زاد عددهم و بلغ خمس و أربعين نفرًا بين رجلٍ و امرأة مُتباين سِنُّهم بين الصغير و الكبير و مُتباين نًسبهم بين الغنّي و الفقير و مُتباينة أجناسهم بين ستة عشرة قبيلة ، و بعد ذلك أصبح الخمسة و أربعينمائة و كل هذا و قريش لا تعلم بالأمر لأنّ النبّي انتهج في دعوته أُسُسًا قويّة و خُطَطًا فَعالة جعلته يتوغّل في قريش سِرًّا .

ثم انتقل النبّي إلى الخُطوة الثانية و هي إعلان الإسلام في عَشِيرته ، فأقام النبّي وَليمةً جمع فيها آل عبد المطلب برِجالها و نِساءها و بلغ عدد الحاضرين فيها خَمسٌ و أربعين بمن فيهم عمّه أبو لهب الذي قام من مَقعده و قال للنبّي اسمع يا محمـد و اعلم أنّه ليس لنا في العرب طاقة و إنّك إن بقيت على ما أنت عليه لوقفت العرب و قريش على مُعاداة قومك و إني لا أعرف من العرب من آتى على قومه بِشًرْ كما أتيت أنت على قومك ،ثم نظر للجمع و قال لهم خُذوه على يده و على لسانه و أكتموا على هذا الفمّ قبل أن تُعاديكم العرب ، فسكت النبّي لحظة ثم قال للجمع إذا أردتم الانصراف فلكم ذلك ، فانصرف الجميع وفَشِل النبّي ربّما أي نعم في مُحاولته الأولى إلاّ أنَّ هذا الفشل كُلِّلَ بالنجاح بسبب إسراره و صبره و سعيه ، فكرّر النبّي المُحاولة و أقام وليمةً أخرى جمع فيها ثلاثين نفرًا من عشيرته و هذه المرّة أيضًا لم يستثني أبا لهب من الحضور بل دعاه أيضًا على غِرَارِ ما فعله معه في المرّة السابقة ،و لكن في هذه المرّة كان النبّي هو السبّاقُ إلى الحديث و أوّلُ المُتكلمين فقال للجمع الحمد لله أحمده و أستعينه و أؤمن به و أتوكل عليه و أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، ثم قال والله لو كَذبتُ على الناس جميعًا لما كذبت عليكم و لو غًررتُ على الناس جميعا ما غررتكم ،والله الذي لا إله غيره إني رسول الله إليكم خاصةً و إلى الناس عامةً و والله لا تموتون كما تَنامون و لتُبعثونَ كما تستيقضُون و لا تُحاسَبون على ما تفعلون و إنها لجنّةٌ أبدا ؟ أو نارٌ أبدا ؟ ثم قال يا بني هاشم أنقضوا أنفسكم من النار ...يا بني عبد المطلب أنقضوا أنفسكم من النار ..يا عباس عم الرسول أنقض نفسك من الناّر فإني لا أملك لكم من الله شيئا ، ثم نظر إلى ابنته فاطمةو قال لها يا فاطمة بنت محمداسأليني من مالي ما شئتِ لكني لا أملك لك من الله شيئا ، فسكت الجميع ووضعوا عُينوهم في الأرض بمن فيهم عمّه العباس و حمزة غير أنّ مُربيه بعد أمّه و جدّه أبا طالب وقف وقال للنبّي امضِ بما أُمِرت به و إني أُحيطك و أمْنعُك ما بقيت ، فغضب أبو لهبلمساندة أبي طالب للنبّي و قال له إنّ هذه لهي السوءة فخذوه على يده ، فردّ عليه أبو طالب و قال و الله لأمنعنّه ما بقيت ، فسكت الجمع كلّه بعد كلام أبي طالب لأنّهم فهِمُوا من رَدّة فعله أنّه سيحمي محـمد ما حيا ، فانتهز النبّي فُرصة كسب عمّه إلى صفّه و قال لعشيرته فمن منكم يُؤمن بما جئت به ؟ !، فسكت الجميع و قال أبو طالب أمّا أنا فعلى دين أبي عبد المطلب و سائر أجدادي ، فنهض علّي و عمره ثلاثة عشرة سنة و قال للنبّي أنا معك أَتَبِعُك و أسير معك ، فضحك عليه القوم لصِغَرِ سنّه ، فابتسم له النبّي و قال له ضع يدك في يدي فشدّ النبّي على يد علّي و ضرب عليها .

و بعدها نفّذَّ النبّي الخُطوة المُوالية و هي إعلان الإسلام و الجَهْرُ بدعوته في قُريش ، فاختار النبّي جبل الصَفَا نُقطة انطلاق دعوته في قُريش و لأوّل مرّة عَلَنًا ، فصعد النبّي الجبل ثمّ نادى على قُريش فقال يا بني عبد منَاف ..يا بني عًدِّي ..يا بني فِهر ..يا بني عبد المطلب ...أرأيتم إن أخبرتكم أنّ وراء هذا الجبل جيشًا ضخمًا جاء ليَغِيرَ عليكم أكنتم مُصًدّقيا ؟ فقالوا له نعم فما جربنا عليك كًذِبًا ، فقال لهم النبّي((إني نذير لكم بين يدي عذاب شديد))، فقاطعه عمّه أبو لهب و قال له تبًّا لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا ؟، فنزل النبّي من على الجبل ، فنزلت سورة المسد في أبي لهب لأنّه كان أوّل من تجرأ على النبّي و اجترأ عليه و قال له تبًّا لك ، و كل هذا إلاّ أنّ النبّي لم يتَكِل و لم يتواكل بل أسَّرَّ على دعوته و توكّل على الحيّ الذي لا يموت ، فحمّسَ الناس على الإسلام ووعدهم بالجنّة فقال لهم يا معشر قُريش قولوا لا إله إلاّ الله تملكوا بها العرب و العجم ، قولوا لا إله إلاّ الله تدخلوا بها الجنّة ، فتعرضت قُريشللنبّي و آذته بشَتى الطُرق و عذّبته بمختلف الأساليب و أعنف الوسائل ، فانتهجت قُريش أسوأ أسلوب و هو أُسلوب الأذِية المعنويـة ، فشَكَّكُوا في صِدقِ رسالته و في سلامة عقله فقالوا عليه مجنون و ساحر و كاهن و حرّضُوا عليه الأطفال ليَسخروا منه ، فسَمِعَ الوليد بن المُغيرة بالأمر فأتى أهل قُريش و قال لهم يا أهل قريش ما عرِفناه مجنون و سمعنا الكثير من الشُعَّارْ و لم نسمع مثلما سمعنا منه و رأينا السحرة و الكهنة و لم نرى أبدًا مثلما رأينا منه ، فقالوا له يا أبا الوليد فماذا ترى أنت فيه ؟، فقال إنّ لكلامه حلاوة و إنّ عليه لطلاوة و إنّ أعلاه لَمُثمر و إنّه يُعلى و لا يُعلى عليه ، فقالوا له أ اتبعت دينه ؟ فقال لا ، فقالوا له إذن قلْ عنه إنّه ساحر و يُفرقُ بين المرء و زوجه و بين المرء و آبيه .


وهكذا واصلت قُريش أذِيَّتَها للرسول طيلة الثلاث سنوات الأولى للبعثة لتمتد في تعذيبها له و تتجاوزه إلى ثاني ثلاث سنوات من بعثته

#6

افتراضي رد: هذا هو انبيّك محمد و الشافع لك يوم القيامة ,,متجدد

ثــاني ثـلاث سنـوات من البعثـة



لقد امتدت أذيّة النبّي إلى ثاني ثلاث سنوات من بعثته ، فتفنَّنُوا في تعذيبه و انتهجوا في ذلك كلَّ السُبُل و مُختلف الأساليب ، فقامت زوجة أبي لهب أمّ جميل بتأليب قُريش عليه و رَمتهُ بالشَوكِ و الحِجارة خاصةً لمّا سمَِعت أنّ القرآنقد نزل فيها ، فذهبت أم جميل إلى الكعبة تترقب و صول النبّي لتَرجُمَهُ بالحجارة فوجدت أبا بكر فصاحت به قائلة أين صاحبك؟ ووقتها كان النبّي أمامها إلاّ أنّ الله أعمى بَصرَها فلم ترَهُ ،فسألت أبا بكر عن مكانه فسكت و لم يُجبها ، فقالت له يا أبا بكر لقد بلغني أنَّ صاحبك قد هَجاني فلو رأيته لأضربّنه بهذا الحجر و إن كان هو شاعر فأنا أيضا شاعرة ، ثم قالت في النبّيمُذَّمَّمْ عصينا و أمرهُ أبَّيْنا و دينه قَلَيْنا و رَحَلَت ، فاتفقت سائر قريش على مُناداته مًذَّمم كلّما مرّ بهم ، فتوجع الصحابةلهذا الأمر ، فقال لهمالنبّي دَعُوهم فإنّما يَشتمون مُذّمَّمَا و أنا لست إلاّبمحمدَا .

و مرّة كان الرسول يطوف بالكعبة فتجمعت قريش حوله و أطلقوا فيه النُكت و صَخِرُوا منه و ضَحِكُوا عليه فاقترب منهمالنبّي و قال لهم أتعرفون يا معشر قريش إن لم تنتهوا فقد جِئتُكم بالذبح ، فتوقفوا و قالوا له امضِ يا أبا القاسمفما عرِفناك إلاّ حليمَا.

ثم أطلقوا عليه الإشاعات و قالوا عليه أبْتَرْ لأنّ أولاده الذُكور كانوا يموتون فإن مات ماتت معه رسالته ،كما طلَّقَ أبو لهبابنيه من ابنتي الرسول ، ثم تجرأت قريش أكثر فأكثر على النبّي و امتد بهم الأمر إلى استعمال التعذيب البـدني ، فقام عُقبة بن أبي مُعيط بنزع عِباءته ليخنِقََ بها الرسول و هو يُصلي ، فسقط النبّي على رُكبتيه فبكت ابنته فاطمة الزهراءفمسح النبّي دُمُوعَها و قال لها لا تبكي يا بُنيّتي فإنَّ الله ناصرٌ أباكِ ، و مرّة أتى بأمعاء جمل ميّت ورماها على ظهر النبّي .

كما كذَّبَهُ أبو جهل و استهزأ به فقد قال له يا محمد أتريد أن أشهد لك عند ربّك أنّك قد بلغت الرسالة ؟ ! فلو رأيت أنّك صادق لصدقتك و لكنّك كذاب ، فنظر النبّي إليه ثم ذهب و تركه ، فقال أبو جهل في نفسه و الله لإني أعلم أنّك صادق و لكنّك من آل عبد المطلب ، ثم توعده و أقسم بالات و العُزة على أن يضع يديه على رأسه ، فترصده يومًا و بينما النبّي يُصلي باغتهليفعلها و لكن سُرعان ما تراجع إلى الوراء و صرخَ لأنّه رأى أنّ بينه و بين النبّي خندقًا من نار كلما اقترب منه زاد لهيبه و كاد أن يحرقه .


و ذات مرّة دخلأعرابّي الكعبة و هو حزين لأنّ أبا جهل سَلَبه ماله عُنوّة ، فأشارت عليه قريش أن يذهب إلى محمد إن أراد استرجاع ماله حتى تستمتع قريش بالصُخرية عليه ، فذهب الرجل إلى النبّي و قصّ عليه قصته فقال له النبّي تعال معي و أنا سأسترد لك مالك ، فذهبا معًا إلى أبي جهل ، فقال الرسول لأبي جهل هل سلبته ماله ؟فردّ أبو جهل نعم ، فقال له الرسول رُدَ عليه ماله ،فسارع أبو جهل و أرجع مال الأعرابي ، فرآه نفرٌ من قومه فقالوا له لقد جَبُنت يا أبا جهل أمام محمد و ما رأيناك ذليلاً قبل اليوم فرد عليهم و قال لا تصخروا مني يا قوم فقد رأيت وراء محمدثُعبانٌ برأسين فلو لم أرد عليه ماله لإلتهمني.

و مرّة بينما كان النبّيبالكعبة تجمّعَ حوله عشرة أنفار من قريش فأخذوا يصخَرُون منه ثم عمَدُوا إليه يضربونه فأقبل عليهم أبا بكر و دفعهم عن الرسول و قال لهم أتضربون رجلاً يقول لا إله ألاّ الله !فتركوا النبّي و انقضوا على أبي بكر فأبرحوه ضربًا و ضربه عقبة بن أبي معيط بالنعل على وجهه فأُغشيَ عليه ، فأتت قبيلته و أخذوه إلى بيته و توعدوا عقبة بالقتل إذا وقع له شيء ، كما أوصوْا أمّه أن تسهر عليه و تُطعمَه و تُشربَه و لا تدعه يخرج من البيت ،و بعد ثلاثة أيّام استيقظ أبو بكر فسأل عن حالِ النبّي فقالت له أمّه أتركنا في حالك أنت ، فأبى أبو بكر أن يأكل أو يشرب حتى يطمئن بنفسه عن النبّي ،فأتت فاطمة و طمأنته على حال النبّي فقال لها أبو بكر و الله لن آكل و لن أشرب حتى أطمئن عليه بنفسي، فحملوه إلى بيت النبّي فلمّا رآه النبّي احتضنه ، فقال له أبو بكر لا تقلق عليّ يا رسول الله فليس بي شيء يُذكر.

فهذه المواقـف تُعدُّ عيّنة قليلة من المواقف الكثيرة و العسيرة التي تعرضَ لها النبّي في بداية دعوته و بالرغم من مُعاناته المَريرة إلاّ أنّه لم يَمَلْ و لم يَكَلْ بل ثبتَ و ازداد قوّةَ يومًا بعد يوم ، فواجه قومه و ضحَّى بنفسه و بيومه من أجلنا و من أجل غَدٍ مُشْرق لا مَحَالة سَتَسْطعُ فيه شمس الإسلام الغابرة لتُضيء ليس فقط على أشراف مكة بل على أشراف البشريّة و الدُنيا جمعاء .

#7

افتراضي رد: هذا هو انبيّك محمد و الشافع لك يوم القيامة ,,متجدد

المفــــــــــاوضات



باشتداد الإيذاء على الرسول قرّرَ أن يجمع المسلمين ليرفع رُوحَهم المعنويّة و يُوَسع مَدَارِكَهُم الفِكرية و يُقَوّي إيمانهم و يزيد في إِخائهم فاختار دار الأرقـم لتكون همزة وصل بينه و بين الصحابة، واختار النبّي الأرقم على غِرارِ بقيّة الصحابة بالرغم من صِغَرِ سنّه بسبب الموقع الاستراتيجي الفعّال لمنزله الذي يتوسط قبيلته فتُجَنِّبُهم بذلك تَعَرُضات قريش لهم لمخافتها من قبيلته .


هذا ما جعل قريش تُغيّر أسلوبها الذي باء بالفشل في آخر المطاف لتَتَبَنى فِكرةَ اللُّجوء إلى مُفاوضاتٍ مَفَادُها الإغراءات و المُسَاومًات.

فاختارت قريش وفدًا يتكلم باسمها ضَمَّ أبا جهل و أبا سفيان و شَيبة بن الربيعة و وائل بن العاص و عُتيبة بن الربيعة و الوليد بن المُغيرة و البُختري بن هِشام،فاتفق الوفد على الذهاب إلى سيّد بني هاشمأبي طالب عمّ النبّي ،فقصدوه و قالوا له يا أبا طالب كُفََ عنّا ابن أخيك فقد سَبَّ آلهتنا و عَابَ ديننا فإمّا أن تكفه عناّ أو أن تُخلي بيننا و بينه ، فقال لهم أبو طالب سأرى في الأمر ، فذهبوا و لم يُحرّك أبو طالب شيئًا في الأمر ، فرجع إليه الوفد مرّة ثانية و قالوا له يا أبا طالب جِئناك بعُمارة بن الوليد بن المغيرة و هذا الفتى أفضل فِتيان قريش نسبًا و جمالاً و عقلاً فخُذه و اتخذه ولدًا لك و سَلِمْ لنا ابن أخيك الذي سبَّ آلهتنا و عابَ دين أبائك لنَقتلُه ، فقال لهم أبو طالب و الله يا قوم ما أنصفتموني حقي تُعطوني ابنكم لأغذيه و أربيه لكم و أعطيكم ابني لتقتلوه ؟ !و الله ما يكون هذا أبدا فافعلوا ما شِئتم ،فذهبوا غير أنّهم رَجعوا إليه مرّة ثالثة و الحِقدُ و الغِلُّ و الشَرُّ مالئ عيونهم فقالوا له يا أبا طالب إنّ لك شرفَا و نسبَا بيننا و إنّ ابن أخيك مازال يُؤذينا و لن نَصبِرَ عليه بعد اليوم فإمّا أن تَكُفَه عنّا اليوم أو لنُحاربنّك و نُحاربه حتى يهلك أحد الطرفين ، فسكت أبو طالب و كانت هذه أوّل مرّة يجُترأ فيها على آل عبد المطلب و على آل بني هاشم ، فنادى أبوطالب على ابنه عقيل و قال له اذهب و أأتني بمحمد ، فأتى النبّي و جلس إلى عمِّه فحكى له عمُّه ما دار بينه و بين وفد قريش ، ثم قال له يا ابن أخي أَبقِ على نَفسك و أبقِ عليَّ و لا تُحمّلني من الأمر ما لا أُطيق ، فقال له النبّي و الله يا عَمْ لو وضعوا الشمس بيميني و القمر بيساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يُظهره الله أو أموت في سبيله ، فبكى حِينها النبيّ ثم خرج من عند عمِّه ، فنادى أبو طالب على ابنه عقيل مرّة أخرى و قال له رُدَّ عَليََّ محمد ، فرجع النبّي إلى عمّه ، فقال له عمّه يا ابن أخي قُل و افعل ما شِئت و أنا معك و لن أتركك أبدا ،وقتها استرد النبّي ثِقته و أمَلُه بعمّه الذي أحاطه بحمايته و أعلنها بين القوم فأطلق شِعرًا يُعلن فيه عن مَوقفه ووقوفه إلى صف محمد فقال :

و الله لن يصلوا إليك بجمعهم حتى أُوَسَّد في التراب دفينا فاصدع بأمرك فليس عليك عضاضة و قَرْ بذلك عيونًا و أبشر .

فانتشر الشِعْرُ في رُبوع مكة و بَلغ قريش ردّ أبو طالب من خِلال شِعره ، فقرّروا الذهاب إلى محمد و مُحادثته وَجهًا لوجه فاختاروا عُتبة بن الربيعة مُمَثلا لهم ، فقصد عتبةالرسول فوجده عند الكعبة ، فقال له يا ابن أخي إنّ نعلم أنّ لك نسبٌ عظيم بيننا و نعلم أنّك جِئْت قومك بأمر عظيم لم يُؤتى به أحد من قبل فقد فرقت شملنا و جمعنا و فرّقت بين الرجل و ابنه و إني عارضٌ عليك أمورًا فانظر فيها فلعلّك قد تقبل بعضها ، فإن كُنت تُريد مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تُصبح أغنانا و إن كُنت تريد جاهًا سَودناك علينا فلا نقطع أمرًا إلاّ أعلمناك به و إن كُنت تُريد مُلكًا مَلَكنَاكَ علينا و جعلناك مَلِكًا على مكة و إن كان هذا الذي يحدث لك شيئا من الجِّن رأينا لك الطِّب و بذلنا لك فيه أموالنا حتى تُشفى و إن كنت تريد أن تتزوج امرأة جميلة زوجناك أجمل نساء قريش ، فاستمع النبّي لكلام عُتبة بكل انتباه و عندما انتهى من كَلامه قال له أفرغت يا أبا الوليد ؟ فأجاب بنعم ، فقال له النبّي فهل تسمع مني؟ ! ،فأجاب أبو الوليد بنعم ، فتلا النبّي قوله ۝۝﴿حم * تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ * وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ * قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍقُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ * ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِفَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ * إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ قَالُوا لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ﴾ ، فقاطع أبو الوليد النبّي ووضع يده على فمِه و قال له أُناَشِدُك بصلة الرحم أن تَسكُتَ يا محمد.

فرجع عتبة إلى قريش فتلقاه القوم بلهفة و قالوا له ما وراءك يا أبا الوليد ؟ فقال لهم ورائي أني سمعت منه كلامًا لم أسمع مثله قطُّّّّّّّّّّّّّ من قبل و و الله ما هو الشِعْر و ما هو السِحْر و واللهإنّ له حَلاوة و عليه لطَلاوة و إنّ عُلوّه لمثمر و إنه يَعلو و لا يُعلى عليه ، نفس الكلمات التي أجاب بها قريش يوم قالوا عن الرسول مجنون و شاعر ، ثم قال لهم يا معشر قريش أطيعوني اليوم و اعصوني بعدها خَلُّو بين الرجل و بين ما يريد فو الله إنّ له لأمر عظيم و إنّكم إن تركتموه للعرب تخلصتم منه إذا هُزم و إن انتصر على العرب فمُلكه هو مُلككم و عِزّه هو عِزّكم ، فقالوا له لقد سَحركَ محمد يا أبا الوليد ، فقال هذا رأيي و افعلوا ما شِئتم .

فاتفق الوفد السُباعي لسادة قريش أن يَقصدُوا النبّي سَوّيةً ليُقدِّموا له عَرضهم ، فردّ عليهم النبّي قائلا ما جِئتكم لآخُذَ أموالكم و ما جِئتُكم لأكون مَلِكًِا عليكم و ما جِئتكم للرئاسة إلاّ أنّني رسول من ربّ العالمين فإن قبلتم بما جِئتكم به فهذا حظَُّكم من الدنيا و إن أبيتم أصبر حتى يحكم الله بيني و بينكم، فردوا عليه و قالوا له يا محمد أأنت خيرٌ أم أبوك؟ أأنت خيرٌ أم عبد المطلب ؟ فإن كُنتَ تزعم أنّك خيرٌ منهم فأخبرنا كي نقول للناس ، فلم يرد عليهم النبّي و انصرف عنهم .

غير أنّ أهل قريش لم يَسأمُوا من مُحاولاتمهم و يعتبروا من خَيبَاتِهم المتتالية و المتوالية بل عَمَدُوا إلى النبّي و اقترحوا عليه أن يعبد آلهتهم يومَا فيعبدون إلهه يوما ، فتلا النبّيقوله۝۝﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ * وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينْ

و كل ذلك ولم يَسأموا بل طَلبوا منه أن يَطرُدَ الفقراء من أصحابه حتى يتبعوه فأبىالنبّي و تلا عليهمقوله۝۝﴿ وَلاَ تَطْرُدِ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ
ثم طلبوا منه أن يُفجِّرَ لهم الجزيرة العربية أنهارًا و يَبعثَ أحدًا من أجدادهم ليُؤكد لهم أنّه حقًا نبّي حتى يُصدّقوه ، إلاّ أنَّ النبّي أبَى ذلك و قال لهم ما أنا لأسأل ربّي ذلك .

ثم طلبوا منه مُعجزةً فأيَّد الله نبّيه بمعجزة ِشق القمر بعدما دعا الرسول ربّه و قال يا رب إذا رأيتَ أن تُريهم آية فأرهم ما تُحب ، فانشق القمر أمام أهل قريش فذُهِلوا ثم قالوا له لقد سَحَرتَ أعيننا يا محمد و قال له أبو جهل أتركه لنا ثلاث أو سبعُ ليالٍ حتى نأتي الكُهَانَ و نرى من هذا السِحر إن كان بمكة فقط أو تَعَدَّاها إلى خارج مكة ، فسألوا أهل اليمن و العراق و الشام إذا انشق القمر عِندهم أيضا ،فقالوا لهم نعم فقد رأينا عَجَبًا و انشق القمر إلى نِصفين .

و بالرغم من هذه المُعجزة التي كانت صَاعقة و ضربة قاضية قد وجهها الله لأهل قـريش إلاّ أنّهم لم يُؤمنوا و بَقُوا على كُفرهم ، و لكن هذا لم يُحَرِّك في النبّي سَاكنًا ولم يستسلم بل استمرّ في دعوته إلى اللهو كان على قومه كالريح المُرسلة حليمًـا بهم يَغدوه الحِرص و الإسرار على إنقاضهم من النار .

#8

افتراضي رد: هذا هو انبيّك محمد و الشافع لك يوم القيامة ,,متجدد

ايذاء الصحابة

بعد الفشل الذريع الذي حَققتهُ قريش في إِسكاتِ النبّي و كَفِهِ عن دَعوته و الجَهر بها قَررت أن تنتهج أُسلوبًا جديدًا غير أنّ أنظارها هذه المرّة تَوجهت إلى الفِئة المُستضعفة من أصحاب النبّي ،فانقضت عليهم و مَارست فيهم مُختلف أنواع التعذيب و أشَدُّها حتى يتخلوا عن محمد و يتركوا دِينه ، إلاّ أنّ هذه المُحاولة باءت أيضًا بالفَشل في آخر المَطاف و أدركت قريش و أيقنت أخيرًا أنّ أصحاب محمد هُم نِعم الأصحاب و نِعم حَاملي رايةَ الإسلام ، فمنهم من صَبر على الأذيّة و مِنهم من هَلَكَ بها .
و مِن هؤلاء الصحابة الذين صَبروا على أذيّة قريش سُميّة بنت الخياط و زوجها ياسر اللذان عُذّبَا من قِبَل قريش أشدّ عَذاب ، و بالرغم من ذلك لم يَستكينا و لم يَستسلما بل صَبرا حتى لاقا ربّهما ، فقُتلت سميّة و ضُربت بالرُمح في مَكان عِفّتها فانتزعت قريش منها حَياتها غَصبًا إلاّ أنّها هي أيضَا انتزعت لقب أوّل شَهيدةِ في الإسلام و قُتّل زوجها ياسر أيضًا و كلّ هذا قد جرى أمام مَرأًى من ابنيهما عمّار .
و عُذِّب بِلال أيضًا و عُرّضَ جِلده للحرِّ و جَعلوا الحِجارة من على فوقه ،فصبرَ هو أيضَا لأذِّيتهم .
و صَبر ابن مسعودأيضًا على أذيّة قريش ، فقد كان يذهب كلّ يومإلى الكعبة ليتلوَ سورةالرحمن فتكاَلبت عليه قريش بالضَرب ، فقال لهم و الله سوف أُعِيدها غدًافأعادها3 مرات، فسمع بهالرسولفقال له أتقدر أن تتحمَّلَ ضربهم لك ؟ هوّن عليك يا ابن مسعود ،فردَّ عليه و قال والله يا رسول الله ما هَانوا عليّ مِثلما هانوا عليَّ اليوم و هُميضربونني .
أو كَما صَبرَ الزُبير بن العوامعلى أذيّة عَمّه الذي كان يُدخلهفي حَصيرةٍ بها دُخان حتى أصابه مرضٌ صدري .
أو كَما صَبرَ سعد بن أبي وقاصذلكالذي هَدّدته أمّه بأن لا تأكل أو تشرب حتى يترك الإسلام فإن ماتت عُيِّر بها ، فقاللها و الله يا أمّي لو خَرجت نَفسكِ نَفَس ٌبعد نَفَسٍ على أن أترك ديني ما تركته فأكلت.
أو كما صَبرَ حُبَابْذلك الذي عُذِّب أشدّ عَذاب فنزعوا عنه ثِيابه ونيّموه علىالجمر حتى ذابت شَحمه .

وقد صَبر مُصعب بن عُمير أيضًا عندما تأذى ايذاءاً شديدًا .
و في وسط كل هذا الإيذاء الشديد استَرقَ أبو سفيان و أبو جهل و الأخمس تِلاوةَ النبّي في بيته كلّ يومٍ ، فأعجبهم إلاّ أنّهم لم يعترفوا له بالنبوّة .
وقد نَصرَ الله رَسوله في وسط هذا الإيذاء فأسلم عمّه حمزة، أمّا إسلامحمزةفقد بدأ تدريجيًا من وقتِ ما أتته الجارية و قالت له يا أبا عمارة أتكون مُنهمِكًا فيالصيد و لا تدري بما يُفعل بابن أخيك ؟ ! فقال لها و ما يُفعل به ! فقالت له لقد سُبَّ ابنأخيك ، فسارع حمزةإلىالكعبة فرأى التفاف أهل قريش على محمدو هُم يُحاولون ضََربَه ،فقال لهم أتضربونه و تَشتمونه وأنا على دِينه ؟ ! فرد أبو أميّة عليهووصف النبّيبالكَذَاب فوخزه حمزةبقوسِه و قال له رُدَّها عليَّ إن استطعت، و بعدها تفطن حمزة أنه قد تَورَط بنطقه للشهادة فدعاه الرسولللإسلام فأسلم .
و زاد اللهنَصرَ نبيّه و دينه بإسلامعمر بن الخطاب ،أمّا إسلامعمر بن الخطابفقد كان مُختلفَا لأنّه كان شَديدُ الغِلظة على الرسول ، و قد كان يعمل علىإبعاد كل أصحاب محمد منه حتى يُقلّلَ بذلك من أتباعه ، و في إحدى المرات رأىجاريتهتُصلي فأخذ يَضربها و هي تُقاوم ضربه لها حتى تَعِبَ منها ، فقالت له انظر كيف أتعبك الله و قوّاني ، و مرّة ذهب إلىالمَخمرةفوجدها مُغلقة فقال في نفسه سأذهب إلىالكعبة ، فوجد الرسوليطوف بها و هو يتلو سورة الحاقة فقالعمرفي نفسه يا تُرى ما ذايقرأ محمد ؟ !فاقترب منه و أخذ يسمع منه فتعجب مِمَّا سمع ! وقال في نفسه لأضُّنّه قولكَاهنفتلاالرسولقوله ۝۝ ﴿وَ مَا هُوَ بِقَوْلِ كَاهِنْ ، فاستغرب عمر لرّدالنبّي ثم قال لإنّه قولشاعر،فرد النبّي و تلا قوله۝۝﴿وَ مَا هُوَ بِقْوْلِ شَاعِرْفمن دَهشَة عمر قال في نفسه و ما هو؟ فتلا النبّيقوله۝۝﴿إنَّمَا هُوَوَحْيٌ يُوْحَى، فارتعب عمر وقال في نفسه كيف سَمِعني محمد و أنا لم أنطق بأيِّ كَلمة ! و يومها تسَلَّلَ بعض وَقْعِ الإسلام فيقلب عمر ، و مَرّة كان عائدًا فالتقى امرأةً راحلة بحوائجها و هي تَصيح فقال لها ما بك ياأمَّة ؟ فقالت له إنّي أفّرُ بديني مِنكم ، فقال أ أخرجكِ أحدٌ من أرضك ؟ فاستغربت المرأةاهتمام عمر بها فسارعت إلى زوجها و قالت له أبشر يا رجل إني أرىعمر بن الخطابعلى أُهبة الإسلام ، فقاللها لا تَحلُمي يا امرأة فلن يُسلم عمر حتى يُسلم حِمارالخطاب .

وفي أحد الأيّام قرّر عمر أن َيقتل النبّي فخرج من بيته و هو عازمٌ على قَتله فلاقاه رجلٌ فيالطريق وقال له لما العَجلة يا عمر ؟ فقال عمر إلى محمد لأقتله ،فقال له الرجل مُحاولاًإبطاءه ، قبل أن تقتلَ محمد اذهب و اقتلأختكفهي أيضًا قد صبأت ، فتوجه عمر إليها مُباشرةً و الشرّ يُدمِي عينيه وعندما وصل بيتها فتح له زوجها الباب ، فقال له عمر لقد سمعت أنّك قد صبأت فهل هذاصحيح ؟ فأجابه نعم لقد أسلمت ، فشدّهُ عمر من ثيابه فأتت أخته و قالت له أرأيت أنَّ الحقّ فيدينك ؟ فضربها عمر فأعادت عليه السؤال و هي ثابتة فلمح في يديها صحيفة فحاول أنينتزعها منها فصَدّته و قالت له اذهب و اغتسل و عُد إليَّ فأعطيك الصَحيفة لتقرأها ، فذهب عمر و اغتسل فأعطته أخته فاطمة الصحيفة التي كانت تتضمن سورة طه فقرأها عمر و بكى ثم ركض إلىبيت الأرقمليُلاقي الرسول ، ووقتها كانبلالعلى الباب ولما سمع الصحابة صَوتَ عمر من على الباب ارتعشوا فقال لهمحمزةاثبتوا ، ثم دخل عمر فمسكه الرسول وهزَّهُ و قال له أمَا آن لك أن تُسلم يا ابن الخطاب ؟ فقال عمر إني أشهد أن ّ لا إلهإلاّ الله و أنّ محمدا رسول الله فاشتد التكبيرمن شِدّة فَرحةِ الصحابةبإسلام عمر ، ثمقال عمريا رسول الله ألسنَا على الحقّ و هُم على الباطل فلما لا نخرج إليهم؟ فقال لهالرسوليا عمر إنكالفاروقالذي يُفرّقُ الله به بين الخير و الشرّ .
فخرج الجميع من البيت مُتجهين إلى الكعبة وهُم على رأس صفين صَفٌ يعتليهحمزةو صف يعتليهعمر.
فتعالتِ التكبيراتحول الكعبة حتى تهوّلت قريش .
و وقتها أراد عمر أنيَعرف الجميع بإسلامه فقصد بيتأبا الحكمو قال له يا أبا الحكم ألا تعلم بأني قد أسلمت ؟ فقال أبو الحكم اذهبفلقد أفسدت عليّ يومي ، ثم توجه إلى دارأبي سفيانو قال له نفس القول ، إلا ّ أنّ عمر أراد يومها أن ينَالالقليل ممّّا ناله أصحاب الرسول عند إسلامهم ، فذهب إلىأبيجميلو هو أكبر ناقل أخبار بمكة و أخبره أنه قد أسلم و ألحّعليه أن يَكتُم الخبر ، فأخبر أبو جميل الجميع بإسلام عمر فأخذوا يَضربونه و هو يضربهمإلى أن أجهدوه من الضرب فسحب رجلاً منهم و وضع يديه على عينه و قال لهم إن اقتربتممني فَقَصْتُ عينيه، فتركوه يذهب إلى عائلته التي قام بجمع أفرادها و قال لهم لقد أسلمتاليوم و عليكم أن تُسلموا جميعا ، فقال له ابنهعبد اللهلقد أسلمت منذسنةيا أبي ،فقال له عمر وَيْحَكَ أ أسلمت من سنة و تركت أباك يضيع! .
و قد صَبر صحابةٌ كُثرٌ على أذيّة قريش لهم ، و هذه عيّنة مُتواضعة من كَمٍ هائل من الصحابة الذين عُذّبوا أشدّ عذاب من قِبل قريش لِيُوصلوا لنا الإسلام على أكملِ وجه .
و هذا الإيذاء الذي تَلاقَاهُ النّبي و الصحابة جعله يُفكر في استبعادهم من مكة ، فاختار لهم الله أرضَ الحبشة لِيَرسُوا عليها من هَولِ إيذاء قريش لهم .

#9

افتراضي رد: هذا هو انبيّك محمد و الشافع لك يوم القيامة ,,متجدد

مسرةالحبشة و موقف النجشي


بعد اشتداد الخِناق على المُسلمين في مكة أمَرَهُم النبّي بالهِجرة إلىالحبشةللاستعانة بمَلِكِهمالنجشيفهاجرت أوّلدُفعة ضمّت حوالي ثمانية عشرة نفر، ثم التحقت بهم الدُفعة الثانية و قَاربت الدُفعتين مع بعضهما المائة فكان في المُهاجرين كلٌ منجعفر بن أبي طالب - عُثمان بنعفان و زوجتة رُقيّة - أم حبيبة وزوجها عبيد الله - سودة بنت زمعة وزوجها السَكران – عبد الرحمان بن عوف و الزبير بن العوامو كَثيرون غيرهم ودامت مُّدة مُكوثِ بعضهمخمسة عشر سنة.

و عندما وصل المسلمون إلى الحبشة أرسلت قريشعُمرو بن العاصليَتَعَقَبهم و يُفسد عليهممَطلَبَهُم لكونه صديق المَلِكِ النجشي فقال له عمرو يا أيّها الملك هؤلاء الغِلمان السُفهاء تركوا بِلادنا و آباءهم و أمَّهَاتهم يَبكُونَ لفِراقهم و فارقوا ديِننا و لم يدخلوا في دِينك و قد أرسلني آباءهم و أمّهاتهم لأردَّهم إليهم و هُم أدرى ، فقالت حاشية المَلِكْ لقد صَدقَ ، ثم قال يا أيّها المَلِكْ رُدهم إلى بِلادهم ، فأبى النجشي إلاّ أن يسمع منهم وأمر بإحضار الصحابة أمام مَرأى عمرو بن العاص و سائر حاشيته .

فحضر الصحابة فقال لهم النجشي لقد بلغني أنّكم قد تركتم آباءكم و دِينكم و لم تتبِّعوا دِيني فما الذي قد جاء بكم إلى بِلادي و ما هذا الدِّين الذي قد اتبعتموه ؟ !فتَقدم جعفر بن أبي طالبثلاث خُطواتمن النجشي وقال له يا أيّها المَلِك كُنّا قوم جاهلية نعبد الأصنام و نأكل الميتة ونُسييءُ الجِوار ونقطعالأرحام و يأكل القوّي منّا الضعيف فكُنا على ذلك حتى جاء فينا رجلٌ منّا نَعرف نَسبه وصِدقه و عَفافه و أمَانته فأمرنا بصِدق الحديث و أداء الأمانة و صِلة الأرحام وحُسنالجِوار و نَهانا عن الفواحش وقولِ الزور و أكلِ مال اليتيم فعدى علينا قَومنا فظلمونا وعذّبونا و قهرونا و ضيّقوا علينا ، فقال لنا نبّينامحمداخرجوا إلى أرضالحبشةفإن بها مَلِك لا يُظلم عنده أحد فخرجنا إلى أرضِكَ واخترناك على من سِواك ورجََونا على أن لا نُظلم عندك .


فقال له النجشي أ عندك شيء مِّمّا جاء به نبيّك تقرأه عليّ ؟ فقال جعفر نعم القرآن ، فقال له النجشي اقرأ ، فاختار جعفر سورة مريم التي نزلت على النبّي قبل هِجرة الصحابة إلى الحبشة حتى يتعرفوا على المسيحيّة .

فتلا جعفر قوله۝۝ ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (16) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (18) قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (19) قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (20) قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آَيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا

فتأثر النجشي و بكى فبكت حاشيته أيضا ،ثم قال لجعفر و الله إنّ الذي قُلتَ و الذي جاء به المسيح ليَخرُج من مِشكاة واحدة فاذهبوا و عِيشوا بأرضي سالمينَ و لن أُسِلِّمكم أبدًا،ثم نظر لعمرو بن العاص و قال له انطلق فلن أسَلّمهم لك أبدَا.

فاشتد غضبُ عمرو بن العاص و ذهب إلى عبد الله بن الربيعة و قال له و الله لأَعُدَّنَّ للنجشي غدَا لأقُلِّبَه عليهم فكفَّه عبد الله عن الذهاب و قال له لا تفعل فإنّ لهم أرحامٌ عندنا فلا تُضيعها ، غير أنّ عمرو بن العاص أسَّرّ على العودة .

فرجع إلى النجشي في ثان يومٍ و قال له أيّها المَلِّك إنّهم يقولون في المسيح قولاً عظيمَا ، فقال النجشي و ما يقولون ؟ فقال عمرو لا أستطيع أن أتفَوَّهَ به في حضرتك ، فأمر النجشي أن يأتوه بالصحابة مرّة أخرى .

و لمَّا دخلوا عليه قال لجعفر لقد بلغني أنّ نبيّكم يقول في المسيح قولاً عظيما ً؟ ! فعَزَمَ جعفر الصِدق و قال للملك إنّا نقول فيه أنه عبد الله و رسوله وكَلِمته ألقاها إلى مريم ، فاقترب الملك من جعفرو رَسَم خطًّا بعصاه و قال له ما خَرج عيسى عن هذا الخط ، فاذهبوا و عِيشوا في أرضي و من سَبَّكم فقد غَرِم و من سَبّكم فقد غَرِم و من سَبَّكم فقد غَرِمْ ولن تتأذوا في بلدي و والله أن أترك جَبلاً من ذهب أحبُّ إليّ من أن يُؤذى أحدٌ منكم ، ثم التفت إلى عمرو و قال له يا عمرو خُذ هَداياك فو الله لا أقبل الرَشوة في مُلكٍ قد ملّكني فيه الله .
فاستقر المُهاجرون في الحبشة و عاشوا فيها بأمانٍ و اقتسموا مع أهلها الحِرفَ ، فعلّمتهمأم سلمةصُنعَ الملابسالجِلدية و باعوها لهم بأثمان رخيصة حتى يغرسوا في قلوبهم مَحبّتهم و هكذا عاشوا بكلمَحبّة إلى أن وقعت معركة مع النجشي ، فجهز النجشي سُفُنًا للمسلمين المُهاجرين و أوصاهمبالبَقاء فيها حتى يُدرِكوا النصر ، فانتصر النجشي في معركته وفرح المسلمونكثيرًا ، و تقول أم سلمة أنّهم لم يفرحوا أشدّ من فَرحتهم بانتصار النجشي إلاّ يوم لِقاءالرسول.
ثم عاد بعض المُهاجرون المسلمون إلىمكةعندما سَمِعوا أن أهل قريشنطقوا بالشَهادة من شدَّةِ إعجازهم و لكنَّ عَودتهم لم تَكن صَائبة لأنّ قريش انبهرت أمَام تِلاوة النبّي ّ ، فسجدت قريش إلاّ أنّها اكتشفت فيما بعد أنّهم قد وقعوا في مَحضُور محمد و لكي يخرجوا من وَرطتهم أطلقوا إشاعة أنّ محمدَا قد ذكر آلهتهم بالخير ، كأنّما قال فيهم تلك غرانيق العُلا و إنّ شفاعتهنّ لتُرتجى فكَذِبُوا بذلك على النبّي ليُبرؤوا ضُعفهم .


فتعرض المُهاجرون من الحبشة إلى مكة إلى أذيّة قُسوى من قبل أهلقريش فكان الصحابيعثمان ابن مضغونفي كَنَفِالوليد بن المُغيرةإلاّ أنّه أبى أن يتأذى الصحابة و هو لا ، فذهب عثمان إلى الوليد و قالله فُكَّني من جِوارك ، فقال الوليد أوجدت أعظم من جِواري ؟ ! فقال عثمان نعم فقال الوليد من؟فردّ عليه عثمان و قال جِوارُ الله أعظم.

فذهب عثمان إلى الكعبة فوجد شاعرًا يُطلق الشِعرَ و هو مَعروفعِندهم أنّه ممنوع مُقاطعة الشاعر فقال له عثمان في الأولى صدقتَ و في الثانية قال لهكذبتَ لأنّ نعيمَ الجنّة لا يَفنى ،فانقض عليه أهل مكة فأبرحوه ضربًا حتى أصبحت عينيه تسيلبالدِماء ،فقال و الله لعيني السليمة مُشتاقة لما أصابَ أختها و هذا في جِوار الله ، فسمعالرسول بما حدث فذهب إليه و أخذ يَنفُث على عينه حتى برأت .
فكانعثمان بن مَضغون عيّنةً من الذين تأذوا في مكة بعد عودتِهم من الحبشة أين كانوا مُطمئنينَ و مُكرّمينَتحت رِعاية النجشي ، ذلك المَك الذي فرح كثيرًا لمّا وصله خِطاب من الرسول يُخبره فيه بانتصاره في غزوةبَدر، فنزل النجشي من على العرش و وضع الخِطابَ على رأسه و سجد لله و قبّلَ الخِطابْو أسْلَمَ ، لكنّه مات بعدها بوقت قصير و لما سَمع الرسول بموته قال للصحابة قوموا صَلُواصَلاة جنازة الغائب على رجلٍ صالحٍ فلقد مات أصلحُ عبد أحبّ الله ، فصلى الصحابة عليه صلاة الغائب

#10

افتراضي رد: هذا هو انبيّك محمد و الشافع لك يوم القيامة ,,متجدد

شعـــــــب بني طالــــــــب

بعد فَشلِ كل وَسائل قريش التي انتهجتها للتَخلُص من النبّي لم يَعُد في حَوزَتها سِوى حَلٍّ أخير لعلَّه يُوفي بالغرض و يُخلصها من محمد للأبد، و بات في نظر قريش أنّ قَتلُ النبّي هو الحلُّ الأمثل ، فحاولت قتله بشتى الطُرق و تجاوزت مُحاولاتها في قتله السَبعَ مرّات غير أنّ كلَّ مُحاولاتها باءت بالفَشل ، و على غِرار هذه المُحاولات مُحاولةٌ تَسرّبَ فيها الخبر إلى أبي بكر الصّديقالذي لم يتردد في إخبار أبي طالب بالأمر ، هذا ما جعل أبو طالب يأتي بشبابِ بني هاشم و يُعطيَ كُلّ واحد منهم حديدةً صَارمة و جعلهم يُخفونها بين مَلابسهم حتى إذا أضمر أحدهم الشرّ لمحمد أخرجوا له الحديدة .
و في اليوم الموالي أخذ أبو طالبالنبّي مِنْ يده و دخل به إلى الحَرَمْ أين تواجد القُريشيون و شبابَ بني هاشم ، فقال لهم يا معشر قريش أتعلمون ما هَممتُ به ؟ فأجابوه و ما كان ؟ فنادى أبو طالب على الشَباب و قال لهم يا شباب بني هاشم قوموا ، فإذ بكلّ شاب منهم يقوم و بيده حديدة فقال لهم و الله لو قُتِل محمد لقاتلناكم ، ثم أخذ الشباب و خرج ،فانكسرت بذلك قريش أمام أبي طالب أسوأ انكسار .
ثمّ وَضع أبو طالب نِظامًا جديدًا بعشيرته، فجمع شَعْبَ بني طالب في مِساحةِ واحدة حتى إذا حاول أحدُهم الإطاحة بالرسول لأذيّته كانوا له بالمِرصاد .
فضَمِنَ أبو طالب بذلك الحِماية للنبّي ، هذا ما جعل قريش تُفكر في مُحاصرة شعب بني طالب و تَعزِله عن كلِّ العرب و تُجرّدهُم من كلّ حقوقهم في البيعِ و الشراءِ و الزَواج ، فمنعت قريش كلّ التعاملات مع آل بني طالب و بني هاشم من كلِّ الجِهات و جعلت كلَّ القبائل تُقِرُّ بذلك و أشْهدتهم عل كِتابة صحيفةِ تَعاهدٍ بينهم علَّقُوها داخل الكعبة .
فخرج كلّ آلأبي طالبمن بني عبد المُطلب و بني هاشم المسلمين منهم و الغير المسلمين إلى الجبال و لم يُشهَد أنّ أحدًا منهم قد عَدَلَ عنرأيه أو خرج عن قومه فاتحد الكلُّ لمدةثلاثة سنواتو هُم مَحْرومُونَ من الطعام و الشراب ، فمن شِدّة جُوعهم أكلوا ورق الشجر حتى أصبحت مُخرجَاتُهم كما يَبْعُرُ البعير و تقيحت أفواههم من العطش فهدّدتهم قريش و حفزتهم مِرارًا و تِكرارً كي يتركوا محمد و يتبرؤوا منه إلاّ أنّهم ثبتوا و صَبروا على كل أنواع الأذى فتحملوه .
و يقولسعد بن أبي وقاصفي ذلك لقد مرّت علينا ليلةٌ من الليالي كانت جدُّ مُظلمة و بينما أنا أتبول سمعتُ طأطأةً لبولي ففرحت و تيمَّمتُها فإذ هي بجلدة شحم فوضعتها في النار وأكلتها فلم أستطع مَضغها فشربت عليها الماء وبَقيتُ عليهاثلاثةُ أيّاملم يدخل في جَوفي شيء .
و يقولالنبّيأنّه لم يأكل مُدّة ثلاثينَ يومًاإلاّ ما يَضعهبلالتحت إبطِه ، فتخيّل كيف تكون رائحة الطعام مع العرق .

وبالرغم مِن كلِّ هذا ثبَتَأبو طالبو كلُّعشيرتهوحرصوا على سَلامةِ النبّيفجعلوه يُغيّر كلّ يومٍ مَبِيتَهحتى لا يُخادعونه ويقتلونه و كل هذا و هُم صَابرون ، و لم تحدث أيُّ مُعجزةٍ تُنقضهم مِمَّا هُمعليه ، فحتى أمّناالسيّدة خديجةصَبرت مِثلها مِثل البقيّة و بالرغم من أنّ الأكل كان يَصِلُها إلا ّ أنّها رفضتأن تأكل و البقية لا، و قد خُيّرت على البقاء ببيتها مُعززززززززززززة مُكرمة إلاّ أنّها أبت إلاّ أن تُقاسِم النّبي مُعاناته و هي بالواحد و الستين من عُمرها .
و يقولالهِشام بن عَمْرْ في ذلكأنّه كان يحمل لهم الطعامعلى البعير و كان دائما يقوم بتدوير البعير على مكان العشيرة حتى تحفظ الطريق ، فعلمتقريشبأمره فقالوا له لما تفعلهذا أأنت مُسلم ؟ فقال لهم لا إلاّ أنّي أصل رحمي ، فقالوا له لا تفعلها ثانية !فقاللهم حسنًا لن أكرِّرها أبدًا ، فأعادها مّرة ثانية فضربوه ضربًا شديًدا فعَاودها مرّة ثالثةًفضربوه ضربًا مُبرحًا ، فقال لهمأبوسفيانلما تضربونه إنه رجل يصل رحمه فلاتُفسدوا علينا كلَّ أخلاقنا .
ثم نزل جبريل بآيات تُثبت النبّيفي قوله۝۝ ﴿ اِصْبِرْ فَإنَّ العَاقِبَةَ لِلْمُتَقِينْ، فصبر النبّي و سائر عشيرته لمّدة ثلاث سنوات مِنَ السنة السادسة إلى السنة التاسعة من بعثته .
و يقول الرسول أنّه كان يُصليفي الكعبة فرآهعمر بن عفصةفقال له من أنت ؟ فقال له الرسولأنا نبيٌّ مُرسَل من الله ، فقال و بما أرسلك ؟فقال الرسول أمرني ربّيبصلة الرحم و بكسر الأصنام ، فقال الرجلو من معك ؟ فقال الرسولحرٌّوعبدفأشار إلىأبي بكر الصّديقوبلالفتأثرعمر بن عفصةلرُؤية أبي بكر و بِلالمعًا وهُما مُتحدان فقال إنّي مُتَبِعُكَ ، فقال له الرسول إنّك الآن لا تستطيع الاحتمال فعُد إلى بلدكو اصبر و إن سمعت أنّي قد ظهرت ووَصَلتكم أنبائي فأتني .

فمضى عمر بن عفصةإلى أهله و بلده وثبت على دين محمدخمسة عشرةسنةحتىسمع أنّه قد ظهر فذهب إليه و قال له أتتذكرني يا رسول الله ؟ ، فقال الرسولإنّك عمر بن عفصة ،فبكى عمر لأنّ النبّي قد تَعرّف عليه بعد كلِّ هذه السنوات فحضَنَهُ .
أمّا أبوالبُحتريومُصعببن علي و هِشام بن عمر لم يُعجبهم ما كانيصير في الشعب وقالوا مُنذ متى صِرنا نأكل و أهلنا في الشعب من بني هاشم يموتون جوعًا و أقسموا على أن لا يحدثَ ذلك بعدها و اتفقوا على تمزيق تلك الصحيفة النَكراء ، و عندما وصلوا إلى الكعبة وَجدوا أسياد قريش مُجتمعين حولها فقال مُصعب هذه الصحيفة لظالمة و قال هشام و لابد من أن تُمزق فقال أبو البحتري إنّ أمرها لظالم ، فرد عليهم أبو سفيان و قال لهم إنّ هذا الأمر لقد دُبر بليل .
ووقتها نزل جبريل على النبّي و أخبره أن اللهقد سَلَّطَ الأَرَضَة على الصحيفة فأكلت كلَّ ما فيها إلاّ كلمة باسمك اللّهم فأخبر النبّي عمّه أبا طالب بأمر الصحيفة ، فتوجه أبو طالب إلى الكعبة ليُخبرهم فوجدهم مُجتمعين و الثلاثة يُحاولون أن يدخلوا الكعبة ليُمزقوا الصحيفة ، فنادى أبو طالب عليهم و قال لهم إنّ ابن أخي قد أخبره ربّه أنّه سلَّط الأرضَة على الصحيفة و إنّ ابن أخي لم يَكذُبني قَطّ فادخلوا و تحققوا من الأمر فإن كان صحيحًا ما قاله ما عليكم إلاّ أن تُمزّقوا تلك الصحيفة .

فدخلوا ووجدوا الصحيفة حقًا قد أكَلتهاالأرَضَةو هي أصغر مخلوقات الله و لم يتبقى في الصحيفة إلاّ كَلمةباسمك اللهم.
و هكذاانهزمت قريشو كان لهم أنيَسجدُوا لربّ الأرَضَة و يُنهُوا الحِصارَ علىشَعْبِ بني طالب و بني هاشمالذين صَبروا لله فكفأهم الله خيرَ مُكافأة.

#11

افتراضي رد: هذا هو انبيّك محمد و الشافع لك يوم القيامة ,,متجدد

مذمــــة الطـائف



بعد وفاة عمِّالرسولأبو طالبفَقَدَ الرسولالحِماية خارج البيت و بوفاة زوجتهخديجةفَقَدَ الحِماية داخل البيت فمَوتُهما أثّر على النبّي و سُمي عامه العاشر من البعثة بعام الحُزن لحزنه الشديد عليهما .
فقد ماتا حبيبي الرسول غير أنّ حبيب الله الأعلى وولِّيُّه حيّ لا يموت ، فلجأ النبّي لرّبه ليُواسيَهُ فنزل قوله۝۝﴿وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ،فقرر النبّيوقتها أن يقصد القبائل لمُساندته ، فاختار النبّيالطائفو أخذ معهزيد بن الحارثفقط حتى لا تكتشف قريش سَفَرهفتحملا الرسول و زيدمَشَقَة السفر على أقدامهم لمسافةٍ قاربت المائة كم ،وعند وُصولهما للطائف تَنهد النبّي و قَصَد زُعماء الطائفالثلاثةليُحاول إقناعهم بنبّوته ،فقال له الأول أمَا وجد الله من هُو خيرٌ منك لِيُرسله ؟ ! أمّاالثانيفقال له إمّا أن تكوننبيّا حقًا فأنت أعظم من أن أتكلم معك و إمّا أن تكون كذاب فأنت أدنى من أن أتكلم معك ،أمّاالثالثفقال له و الله لووجدتك مُتعلق بأسطال الكعبة تُقسِمُ على أنّك نبّي لما صدقتك، فقال لهم النبّي إنْ أبيتم الإسلامَ و الحِماية فلا تخبرواقريشأني قد لجأت إليكم ، فقالواله لا و الله لنُخبرنَّهم و سنقول لهم أنّ محمدَا قد جاء يستعين بنا عليكم و رفضناه و لسوف يَسبقُك الخبر إلىقريشقبل أن تصلمكة،فقال النبّي إن أبَيتم حِمايتي فاتركوني أذهب ، فقالوا له لا حتى تُرمَى بالحِجارة ، فنادوا على السُفهاء و الأطفال ليُقابلوه بالطُوب و الحجارة فضربوه وزيديحتضنه و يُحاول مَنْعَوُصولَ الحِجارة إليه فأصبحت رجليه كلّها دم ، فأخذ الرسول يبحث عن مكانٍ يأوي إليه فوجد بُستانا فدخله ثم رفعه يديه إلى السماء يدعو ربّه و يقولاللّهمإني أشكو إليك ضُعف قوتي و قِلّة حيلتي و هواني على الناس ...أنت رب العالمين – أنت ربُُّ المستضعفين و أنت ربي ، إلى من تكلني إلى بعيد يتهجّمُني أو إلى عدو مَلّكته أمريفان لم يكن بك غضب عليّ فلا أُبالي...أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظُلمات و صَلُح عليه أمرُ الدنيا و الآخرة أن ينزل بي غضبك أو يًحِلّ عليّ سخطك ... لك العتبى حتى ترضى و لا حول و لا قوة إلاّ بك .
وبعد أن أكمل النبّيدعاءه أتاه طِفلٌ صغير عمرهعَشرُ سنواتو اسمهعدّاسو هو منالنوا بالعراقيعمل في بستان شيبا و عُتبة بني الربيعة فأعطوه عنبًا ليعطيه للرسول ، فأخذ الرسول العنبَ من عدّاسو أراد أن ينتهز فُرصةَ وجوده للتأثير عليه لعلّه يهديه.
فأخذ الرسول عِنبةً و قالبسم اللهبصوتٍ مُرتفع حتى يسمعه عدّاس ،فقال عدّاس إنّ هذه الكلمة لا يقولها أهل هذه البلدة ؟ فقال النبّي ما اسمك؟ فأجاب الطفل و قال عدّاس ، فقال النبّي و من أي البلاد أنت يا عداس ؟ فأجاب من ذي نوا ،فقال النبّي من بلد الرجل الصالحيونس بن مَتة ،فقال عداس آ تعرفه ؟ فقال النبّي ذلك أخي كان نبّي و أنا نبّيٌ مثله، فانكب عدّاس على رِجلي النبّي يُقبِّلُها ، فهكذا نجح النبّي و لو بإسلام طفلٍ صغير .

ثم عادالنبّيإلى مكة و في طريق عودته و بينما هو مارٌ بقريةالشعائثنزل جبريلعلى النبّي ومعه مَلَكُ الجبال،فقالجبريلللنبّييا محمد إنّ الله سَمِعَ مَقُولةَ قومك لك و سمع مَقولتكَ للقوم فأرسل معي مَلَكَ الجبال فاسأله ما شِئت ؟ فقال مَلَكُ الجبال أُأمر يا رسول اللهفلو طلبت لأُطبِقَ عليهم الأخشبين، فقال له الرسول لا تفعل فلعلّه يخرج من أصلابهم من فيه خير ، فقال مَلَكُ الجِبال صَدَقَ من سمّاك الرءوف الرحيم .
فيومها جبر اللهنبيَّهمرّتينمرّةً بعدّاس و مرّةًبمَلَك ِالجبال ، و أكمل جَبرَهُ له بإسلام طائفةٍ من الجِنّ ، فبينما كان النبّي يقوم الليل مرّت به طائفةٌ من الجنّ فسمعوه يتلو القرآن فنادوا على أصحابهم و أسلموا بين يديه .
و يقول الله ۝۝في ذلك﴿ قالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (30) يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآَمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ،كأنّ الله يقول لنبيّه حتى و إن عاداك و تخلى عنك الناس أجمع سأوجِدُ لك مُختلف كائناتي لتؤمن بك .
ثم أكمل النبّي طَريقه إلى مكة و عندما وصلوا إليها سأل زيدٌ النبّي عن كيفية الدُخولِ إليها و القوم يعلمون بما جرى معهم في الطائف ، فقال له النبّي يا زيد إنّ الله جاعلٌ لما ترى فرجًا و مخرجَا و إنّ الله ناصرٌ دينه و ناصرٌ نبيّه .
ثم أرسل النبّيزيد إلى ثلاثةِ قبائل يَطلبُ منهم الحِماية لكنّهم رفضوا ذلك ، فأرسله إلى مَطعم بن عدي و طلب منه الحِماية فقبل مَطعم و أَلبس أولاده الدُروعَ و نادى في قريش و أعلَمَهم أنّه يحمي محمد ، فقال له أبو سفيان أمتبعٌ له أو مُجير ؟ فقال مَطعم بل مُجير ، فقبلت قريش بإجارته له ، فدخل النبّي وطاف بالكعبة ثم دخل بيته و هكذا انتهت رِحلة النبّي للطائف .

#12

افتراضي رد: هذا هو انبيّك محمد و الشافع لك يوم القيامة ,,متجدد

الاسراء و المعراج

إنّ اللهلم يتخلى عنحبيبهمحمد بعد وفاة زوجته السيّدةخديجةو عمّهأبو طالباللّذان كانا له الرَكيزةفخديجةكانت ِنِعمَ الزوجة و أساس البيت و قُوّته ، أمّاأبو طالبفكان نعِم العمّ و حاميه وناصره و داعمه في مكة ، فبعد موتهما ِلمن يلجأ ؟ فقد َفقد أمان البيت و أمان مكة فمن يُجيره منقريشبعد موتهما إلاّاللـهالذي عوّضه بأعظم ليلةو أعظم رِحلةٍ و هيالإسراء و المعراج، كأنّ اللـهيُخبر نبيّه أنّه حتى و ان تجرأ عليك أهلُ الأرض و أذوك سأسخِرُ لك أهل السماء ليقدِّرُوك و يُعوضُوك .
فأرسل اللهلنبيّّهالبُراقحتى يأخذه منمكةإلىفلسطينبسرعة الريح . ويحكي النبّي عن رِحلة الإسراء و المعراج فيقول جاءني جبريل و أنا نائمٌ ، فإذ به يقول لي قُمْ يا محمد فقمت مِن فراشي ثم ذهبت إلى الكعبة وطُفتُ بها ، ثم أخبرني جبريل أنّه سيأخذني إلى السماء .
فأحضر جبريلالبُراق و هي دابة بيضاء فوق الحِمار و دون البغل تضع حافرها عند مُنتهى طرفها من شِدّة سرعتها ، فركبنا عليها و انطلقنا إلى فلسطين بسُرعة البرق و عند وصولنا إلى المسجد الأقصى أَهْبط جبريل البراق أمام حائط المسجد و ربطه أمامه .
ثم دخل جبريلو النبّيإلى المسجد فوجداه مليء ليس به مَوضعُ قدم ، فتعجب النبّي و سأل جبريل عمن يكونون ؟ فقال له جبريل هؤلاء سائر الأنبياء من بداية آدم إلى عيسي و قد جاؤوا كلّهم لاستقبالك .
فوقف النبّي في الصفِّ للصلاة معهم فقال له جبريل تَقَدَم يا محمد لتُصلي بهم ، فصلى النبّيبالأنبياء جميعًا رغم وجُوده بالأقصى و من عادة صَلاةِ الجماعة أن يُصلي صاحب البيت بالجماعة ، و هنا صَلى النبّي هو بالأنبياء ، و كأنّ اللـهيُخبر نبيه أنّه صاحب البيت و مُوكلٌ به .
و بعد فراغ النبّي من الصلاة أخذه جبريل و أعطاه كوبين ، كوبٌ به لبن و كوبٌ به شراب ، فاختار النبّي كوبَ اللبن و شَرِبَ منه ففرح جبريللاختيار النبّي لكوب اللبن و قال له لقد هُديتَ و هُديتْ أمّتك و لو اخترت كُوبَ الخمر لغَويتَ و غَوَتْ أمّتك .
ثم خرج جبريلبالنبّي ليُعرِّجَ به من صخرة المِعراج إلى السمواتالسبع، فطرق جبريلأبواب السماء فقال له الملََكُ المُوكل بها من ؟ فردّ جبريل و قال جبريل، فقال له المَلَكُ و من معك ؟ فقال معي محمد ، فقال المَلَكُ أهو نبّيٌ مُرسَل ؟ فقال جبريل نعم ، فَفَتحَ لهما الأبواب و دخلا إلى السماء الأولى فرأى النبّي سَوادًا عظيمَا و رأى رَجُلاَ يلتفت على يمينه فيضحك ثم يلتفت علىيساره فيبكي ، فسأل النبّيجبريل عن الرجل و عن بُكائه و ضِحكه ، فقال له جبريل هذا أبوكآدمو هذا السَوادُ هو أمّته وهو يبكي على ذُريته التي تدخل النار ويضحك لذريّته التي تدخل الجنة و إنّ ذُريّته التيتدخل الجنة أكثرها من أمّتك يا محمد ، ففرح النبّي و اقترب من آدم فسَلَّمَ عليه فقالله آدم أهلا بالولد الصالح و النبّي الصالح ، ثم مَرّ النبّيبالسماءالثانيةفالتقى بالنبيَّينعيسىو يحيا عليهما السلام، ثم صَعِد إلىالسماءالثالثةفوجد سيّدنايوسف، ثم صَعِدإلى السماءالرابعةفالتقيسيّدناإدريس،و بالسماءالخامسةوجد سيّدناهارون، ثمأخذه جبريل إلى السماءالسادسةفالتقي سيّدناموسى ، و أخيرًا وصل النبّي إلى السماءالسابعةفوجد سيّدناإبراهيمو هو مُثني ظهرهللبيت المعمور و هو مثل الكعبة تمامًا و موقعه فوق الكعبة تمامًا تطوف حوله الملائكةكلّ يومٍ حوالي 70000 ملاكو لن يعودوا إليه حتى يوم القيامة .

فقال سيّدنا إبراهيمللنبّي مرحبًا بالابن الصالح و الأخ الصالح ، ثم قال له يا محمد أقرئ أمّتك منّي السلام و قُل لهم إنّ الجنة طيبة التُربة عَذبة الماء و إنّ غِراسها سبحان الله و الحمد لله و الله أكبر و لا اله إلا الله .
ويحكي النبّيفيقول أنّه يَومَها رأى أهلالنار و رأى بجانبهم لحمةً طيبةً و لحمةً نتنًة فيأكلون النتنة و يتركون الطيبة ، فقال النبّي من هؤلاء يا جبريل ؟ فقال جبريلهؤلاء الزُناة و هُم يتركون الحلال و يستلذونالحرام ، و رأى يومها أيضَا أناسًا تُفتح أفواههم و تُوضع داخلها كُرات من نار فسألالنبّي عمن يكونون ؟ فقال جبريلأنّهم آكلون أموال اليتامى ، كما رأى أيضَا أناسًا لهمأظافر من نُحاس يخدشون بها وُجوههم و أجسامهم فقال النبّي من هؤلاء يا جبريل ؟ فقال جبريل إنّهم النَّماَّمون و المَغتابون يا محمد.
و رأى أيضَا الجنة و أهلها وسمَِعها تقول أين سُكاني فلقد تزينت لهم و كَثُر حريري و كَثُر مائي و كَثُر زرعي و كثرت أشجاري ، فهي لَبِنةٌ من ذهب و لَبِنةٌ من فِضة مِلاطُها المسك و حَصباؤها اللؤلؤ و سقفها عرش الرحمن و غِراسها سبحان الله و الحمد لله و الله أكبر و لا اله إلا الله، و يومَها شمّ النبّي رائحةً طيبةًجدًّا فقال رائحة من هذه يا جبريل ؟ فقال جبريل هذه رائحة مَاشطةُبنت فرعونفقال النبّي و من تكون ؟ فقالجبريلكانت امرأة مؤمنة بسيدناموسىو قد كانت تمشط لبنت فرعون و مرّة سقط منها المِشط و عندما التقطته قالت بسم الله فقالت البنت أتقصدين أبي؟ فقالت الماشطة ربّي و ربّك و ربّأبوك اللـه ، فسارعت البنت إلى أبيها و أوشت بها ، فقال فرعون أوا لها أبناء ؟ فقالت نعم ،فأمر بجلبها و جلب أبنائهاالأربعة،كما أمر باشعال بقرةِ من نُحاس و أخذ يسألها ألك ربُّ ِسواي ؟ فقالتربّي و ربّك اللـه ، فرمى بابنهاالأولفي النار ، ثم سألها نفس السؤال فأجابت بنفس الجواب فرمى بابنهاالثاني، ثم هكذا معالثالث ،أمّاالرابعفكان رضيعًا و لكنّها ثبتت و أجابتهبكل قوة أن ربّها و ربّه هو اللـه فرمى بها و برضيعها ، فهذه صاحبة الرائحة الطيبة التيفرح النبّي كثيرًا بها ،كما فَرح أيضًا بأناسٍ كثيرين غيرها رآهم في الجنّة .

ثم عَمَلَ على تخفيفالصلاة منخمسين ركعةًإلىخمسِركعاتفي اليوم ، و يقول النبّي في ذلك التقيت موسى في السماء السادسة فقال لي ماذا فَرض عليك ربّكَ يا محمد ؟ فقلت له خمسين صلاةَ ،فقال لي إني جربتُ بني إسرائيل فارجع إلى ربّك و اسأله التخفيف ، فرجع النبّي إلى اللـهو سأله التخفيف .
فقال له الله وضعنا عنك شِطرها ، فعاد النبّي إلى موسى و أخبره ،فقال له موسى ارجع إلى ربّك و اسأله التخفيف ، فرجع النبّي إلى اللـه و سأله التخفيف فقال له اللـه وضعنا عنك رُبعها ،فعاد النبّي إلى موسى و أخبره ، فقال له موسى ارجع إلى ربّك و اسأله التخفيف، فرجع النبّي إلى اللـهمرّة ثالثة و سأله التخفيف فقال له اللـه لا يُبدل القول لدي هي خمسةٌ في العدد خمسونَ في الأجر و الحسنةُ بعشرِ أمثالها ، فعاد النبّي إلى موسى و أخبره ، فقال له موسى ارجع إلى ربّك و اسأله التخفيف ،فقال له النبّي لقد استحيت من ربّي .
فيثبت عدد الصلوات و يكون خمسة صلواتِ باليوم ، فكان فضل التخفيف للنبّي على البشرية جمعاء.
ثم وصل النبّي إلى مكانٍ سَمِع فيه صوت الأقلام و رأىنهر الكوثرو حَلاوتَهُ و أطرافهالذهبية و رأى صاحب أدنىعباد الله مَنزلةً في الجنةذلك الذي يسير في مُلكه ألف سنةٍ لا يقطعه، أمّا أعلى عباد الله مَنزلةً ذلك الذي ينظر إلى اللـهبالغَداةِ و العِشي.
و يومها تعدىالنبّيكلَّ الأبعاد فوصل حتى إلىسـِدرة المُـنتهىأي سقف النِهاية و لم يتعداه مُنتهى الخلائق في وُصولهالأنّه آخر الأنبياء و أحبّهم إلى اللـه و إلينا ، فاللّهم أسألك له الوسيلة و المكانةالرفيعة في الجنة و شُربة ماء من يديه الكريمتين يا رب .
فهذه هي مُجمل رِحلة النّبي بين الإسراء و المعراج ، و بعد أن أتممهما رَجَعَا جبريل والنبّي بالبُراق إلى مكة فوجد النبّي فِراشه على حاله و وِسادته دافئة كما تركها قبل خروجه ، ففكّر إن كان سيُخبر قريش بالأمر أم يكتم القصة .
و في الصباح بينما النبّي بمكة مَرّ به أبو جهل فأخبره بالأمر ، فقال له أبو جهل يا محمد إذا جمعت لك القوم أتخبرهم بما أخبرتني ؟ فقال له النبّي نعم ، فجمع له الناس من حوله فاندهشوا ووصفوه بالهذيان ، ثم قال له أبو دُجانة صِفْ لنا المسجد الأقصى إذن وقد كان يعرف المسجد الأقصى لأنّه قد زاره قَبلاً ، فوصفه له النبّي و انطبق وصفُه لوَصْفِ المسجد الأقصى .
ثم سألوه إن كان قد مرَّ بقافلة ما في طريقه ، فقال لهم نعم و قد ظلَّ لهم بعير فدَلَلْتُهم عليه ، و قافلة بني فلان ستجدونها بالبيضاء إذا أصبحتم و لقد كُسِرت لهم بعير و قد كان لهم إناء به ماء فشربته ، و لما رجعت القافلة سألوها فصَدق النبّي في كلِّ ما قاله و صدّقَهُ أبو بكر الصديق أوّل ما سمع بالأمر لذلك سُميّ بالصديق .
فقد كانت هذه الرحلة عِزَةٌ و مَعَّزَّةً للنبّي بين أهل الأرض و السماء .

#13

افتراضي رد: هذا هو انبيّك محمد و الشافع لك يوم القيامة ,,متجدد

التخطيـــــط للهجــــرة



بعد التَكذيبِ و الرَفضِ الذي تَلقاهُ النبّي في مكة من قِبَلِ قريش ، أدرك أنّ دعوته لهم للإسلام لم تَعُدْ تُجدي نَفعًا في هذه الآونة لأنّهم أبَوْا أن يَسمعوهُ بآذانهم لأنّ الغَشَاوةَ و العَداوةَ أعمت قُلوبهم و انتقلت عَدوَاهَا لتتَعشَعشَ في عُقولهم ، هذا ما جعل النبّي يَغُضُ نَظرَهُ عنهم لفترةٍ ، فقرّر أن يبحث عن قبائل بديلة يدعوها للإسلام لتحمي ظَهرهُ من قريش ، فقصد الرسول قبيلة مُسيلمة الكذّاب في السنة العاشرة من البِعثة و عرض عليهم الإسلام و دعاهم إليه فأبوا ذلك و ردوّا عليه بأقبح الرُدُود ، ثم قصد قبيلتي بني كلب و بني عبد الله و دعاهم للإسلام و مَدَحَ أباهم و قال لهم إنّ الله أحسَنَ اسم أبيكم ، فأعرضوا عنه هم أيضًا.

ثم توجه الرسول إلى قبيلة بني عامر بن صَعصَعَة و عرض عليهم الإسلام فتلا عليهم القرآنو قال لهم قولوا لا إله إلاّ الله تدخلوا الجنّة ، فخرج له بحيرة بن فِراس و قال له يا محمد أرأيت إن بَايعناكَ و أخذناكَ إلى بِلادنا و حَميناكَ حتى تُؤدي رِسالتكَ و يُظهرك الله أيكون لنا الأمر من بعدك؟ ، فقال له النبّي المُلكُ لله يَضعُهُ كيف يشاء ، فرد عليه بحيرة و قال له أفُنهبِطُ بنُحورِنَا حتى إذا أظهركَ الله تركتنا ؟ و الله لن يكون ذلك أبدًا ، فتركهم النبّي و ذهب إلى بطن آخر منبني عامربن صَعْصَعة و التي يترأسها بجرة بن قيس ، فدخل النبّي القبيلة فلم يجد بها سيّدها بجرة بن قيس فجلس إلى شباب القبيلة و عرض عليهم الإسلام فاقتنعوا به و تعاهدوا مع النبّي على حِمايتهِ غير أنّه في تلك الأثناء وصل بجرة بن قيس فرآى النبّي جالسًا إلى الشباب فقال لهم من هذا ؟ فقالوا له هذا محمد بن عبد الله القُرشي ،فقال لهم مالكم و له ؟ فقالوا له يزعم أنّه رسول من الله و يُريد مِنّا المَنْعَ و الحِماية حتى يُظهره الله ، فقال بجرة و ما قلتم له ؟ فقالوا له قلنا له على الرحب و السعة ، فاشتدّ جُنون بجرة و قال لهم ما رأيت أحدًا يرجع إلى بلده بشرِّ ممّا رجعتم أنتم به ! أفتطردُهُ قريش لتؤونه أنتم ! سَتحاربكم قريش به ، ثم نظر إلى النبّي و قال له قُمْ يا فتى و الحق بقومك و والله لولا أنّك برِحالنا لضربتُ عنُقك ، فقام النبّي حَزِينًا و رَكِبَ ناقته فقام بجرة بضرب ناقة النبّي في خَاصِرتها فاهتاجت الناقة ووقع النبّي من عليها فضحك عليه بجرة بن قيس ، فجرت إليه امرأة من بني قيس تعيش بمكة و قد أسلمت حديثًا و أتت إلى بني عامر لتزور أهلها ، فصرخت المرأة بالقوم و قالت لهم يا بني عامر و لا عامرَ لكم أحدث ذلك لرسول الله في رِحَاِلنا و لا يحميه أحد منكم !؟ فقام ثلاثة رِجال من بني عامر و قد تأثروا لكَلامها فدفعوا بجرة عن النبّي فقام رَجلان آخران حاولوا الدِّفاع عن بجرة فوقع عِراكٌ بين الطرفين ، فنظر إليهم النبّي و قال اللهم بارك لهؤلاء و انتقم من هؤلاء .

ثم ذهب النبّي إلى قبيلة بني شيبان التي تقع على أطراف الفُرس و أخذ معه صاحبه أبا بكر غير أنّ هذه القبيلة بها ثلاثة أسياد على غِرار بقية القبائل و هم مَغلُوق بن عامر _ هاني بن قُريصة و المُثنى بن الحارثة ، فدخل النبّي عليهم و معه أبا بكر فجلسا إلى الثلاثة ، فقال أبو بكر له كم عددكم ؟ فقالوا له يزيد عن الألف ، فقال و كيف المَنعُ فيكم ؟ وقصد أبو بكر بالمَنعِ القوّة ، فقالوا له الجِدّ و البَذل و على الله الفوز و النصر ، فقال لهم فكيف الحرب بينكم و بين عدّوِكم ؟ فقالوا له إنّ أشدّ ما نكون غضبًا حين نلقى عدّونا و إنّنا نُفضل الجِيَاد على الأولاد و نُفضِّلُ السِلاح على اللِّقاح ، وقتها التفت مَغلوق بن عامر إلى النبّي و قال له لعلّك أخَا قريش ؟ فردّ عليه أبو بكر و قال له نعم فأبَلَغكَ أنّه رسول الله ؟ فقال مَغلوق بَلغَنَا أنّه يزعم أنّه رسول الله ،ثم نظر إلى النبّي و قال له ماذا تُريد ؟ فقال له الرسول أن تَؤوني وتَحموني حتى أُبلَِّغَ رسالة ربّي لأنّ قريش قد تطاولت و تكالبت على أمر الله و إنّ الله سيُعينني ، فقال مَغلوق إلى ماذا تدعوا يا أخا قريش ؟ فتلا النبّي قوله۝۝﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ، فقال مَغلوق و إلى ماذا تدعوا أيضا فأكمل النبّي تِلاوةَ بقيّةِ الآيات و قال﴿ وَلَا تَقْرَبُوا مَال الْيَتِيم إِلَّا بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَن حَتَّى يَبْلُغ أَشُدّهُ فأشرق وجه مَغلوق و قال للنبّي و إلى ماذا تدعوا أيضًا ؟ فقال له النبّي﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَفسكت مَغلوق بن عامر ، فقام هانىء بن قُريصة و قال للنبّي قد سمعتُ مَقالتك يا أخا قريش و لكن أن نترك دِيننا و نَتَبِِعُكَ في جلسة واحدة ليس لها أوّل و لا آخر لإنّه الوهنُ في الرأي و إنّ الزِّلّة في العَجلة و لكن نَنْظُر و تَنظُر و نُفَكِر و تُفكر و نعود إليك ، و قتها تَدَخَلَ المُثنى بن حارثة و قال للنبّي يا أخا قريش إني أرى ما تدعوا إليه تكرهه المُلوك و إني أرى أنّ الفُرس إن سمعت بهذا الكلام سَتُحاربنا و إنّنا نقع بين بِلاد العرب و العجم ، فأمّا ما كان من جانب العرب فذنبُ صاحبه مغفور و عُذره مقبول وأمّا ما كان من جهة الفرس فذنب صاحبه غير مغفور و عُذره غير مقبول وقد نستطيع أن نحميك من جانب العرب و لكن لا طاقة لنا في الفُرس ، فوقف النبّي و قال لهم ما أسئتم الردّ استنصحتم بالصِدق و لكن لا يقوم بهذا الأمر إلاّ من حَاطَهُ من كل الجوانب ، فمشى قليلا ثم قال لهم أرأيتم إن أظهرنيالله و مَلَّكني أرضَ الفُرس أتًسبحون الله و تُقدسُوه ؟ فنطقوا جميعًا في كلمة واحدة نعم لك هذا .

فذهب النبّي و تلا قوله۝۝﴿ يَا يَأَيُّهَا النَّبِيّ إِنَّا أَرْسَلْنَاك شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ﴾ ، ثم أمسك يدَ أبا بكر و قال له أيًّ أخلاق عَظيمة في الجاهلية هذه يا أبا بكر ؟ ! .


و تمر الأيّام و يموت النبّي فيسمع أبو بكر أنّ بني شيبان قد أسلمت و أنَّ رجلاً منها قاد جيشًا عَرَمْرَم و فتح به الفرس ، فأمر أبو بكر بإحضار الرجل ، فأتى الرجل أبا بكر ووقف بين يديه و تَشَاءُ الصُدَفْ أن يَكون فاتح الفُرس هو نفسه الرجل الذي قال للنبّي لا طاقة لنا بالفرس ، فَفَرِحَ به أبو بكر و قال له لو رآك النبّي لفَرحَ بك ، فقال له الرجل ألم تتَذكرني يا خليفة رسول الله ؟ فقال أبو بكر من أنت ؟ ! فقال الرجل ألا تتذكر لِقاءَ النبّي ببني شيبان ؟ ! يوم قُلتُ له و أمّا ما كان من جِهة الفُرس فذنبه غير مغفور و عُذره غير مقبول ؟ ! لقد كُنتُ خائفًا يومها أمّا اليوم و بعدما أسلمت زال الخوف ، فَفَرِحَ أبو بكر به و قال له و الله لو رآك النبّي يا مُثنى لَفَرِحَ بك ، فبكى المُثنى و قال فاتتني الصُحبة يا أبا بكر لقد تأخرت عليه و لا أدري كيف ألقاه يوم القيامة و تلا قوله۝۝﴿لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ ۚ أُولَٰئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا ۚ وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَىٰ ۚوَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌو بكى.

بعد مُحاولات النبّي في دَعوةِ القبائل التي أبت حِمايته أو تجنّبته خوفًا من قُريش أو العرب أو الفُرس ، قرّرَ النبّي أن يُغيّر في دَعوتَه و عِوَضَ أن يقصد القبائل اكتفى بدعوته للأفراد الذين قصدوا مكة لأداء مَناسك الحجّ، فأوّل من قابله هو رُكَامة من قبيلة بني مُحارب و هو رجل مُحارب و شديد ، فعرض عليه النبّيالإسلام ، فقال له رُكامة لا أُسلم حتى تُصارعني و تَغلبني ،فقبِلَ النبّي بمصارعته و كانت المُصارعة أمام القوم ليَضحَكوا عليه ، فغلَب النبّيرُكامة فقال له لا بد من أن نُعيد المُصارعة لأنّك قد أخذتني على حين غِرَّة ، فعاودوها فغلبه الرسولمرّة أخرى ، فقام ركامة من على الأرض و قال للنبّي و الله لا أعلم كيف حدث معي ذلك لنُعِدْها مرّة ثالثة و أخيرة، فصارعه النبّي فغلبه فيها أيضًا إلاّ أنّ رُكامة أبى أن يُسلم فمضى النبّي و تركه.

ثم قابل النبّيالسُوّيد بن الصامت و هو رجل أديب يُحبّ تجميع الحِكم فعرض عليه النبّي الإسلام فقال له السُوّيد إنّ معي شيء أفضل ممّا معك، فقال له النبّيو ما معك ؟ فقال السُوّيد إنّها حِكمة لقمان لابنه فهل لي في أن أقرأها عليك ؟ فقال له النبّي نعم اعرِضْها عليَّ ، فقرأ سُويد الحِكمة على النبّي و النبّي مُنصتٌ و مُبتسمٌ له فلما انتهى السُويد قال له النبّي هذا كَلامٌ حَسن و لكنَّ الذي عندي أفضل ممّا عندك فهل تسمع مني كما سمعت منك ؟ فقال السُويد نعم أسمع ، فتلا عليه النبّي القرآنفأوّل ما سَمِعَ منه السويد قال للنبّي و الله لهذا أفضل ممّا عندي و أشهد أن لا إله إلاّ الله و أنّك يا محمد رسول الله ، فنجح النبّي أخيرًا و أسلم السُويد بن الصامت غير أنّ إسلامه لم يحمي النبّي لأنّ السُويد كان ضعيفًا في قومه و لا يستطيع أن يؤثر فيهم .

ثم قابل النبّي رجُلاً من اليمن شَديدُ الدُعابة و يقوم بمعالجة الناس من الجِّن و اسمه ضُماط الأسدي ، فدخل ضُماطمكة فقالوا له القُرشين إنّ في قريش رجل منّا قد أصابه الجِّن و أشاروا على النبّي ، فذهب إليه ضُماط و قال له يا ابن أخي من ماذا تَشكوا ؟ فقال له النبّي إنّ الحمد لله أحمده و أستعينه و أستهديه و أستغفره و أعوذ بالله من شُرورِ أنفسنا و من سَيّئاتِ أعمالنا ، من يهده الله فلا مُضِّلَّ له و من يُضّله الله فلن تجد له من يَهديه، فبلغت الدَهشة ضُماط و طلب من النبّي أن يُعيدها عليه فأعادها النبّي ثلاث مرات ،فقال له ضُماط من أنت ؟ ! فقال له النبّي أنا رسول الله ، فقال و بماذا تأمر ؟ فقال أن تشهد أن لا إله إلاّ الله و أني رسوله ، فشهد ضُماطو أسلم غير أنّه هو أيضًا كان رجلاً ضعيفًا في قومه و لم يستطع أن يُؤمِّنَ الحِماية للنبّي .

ثم قابل النبّي رجلاً آخر من قبيلة دًوْس باليمن اسمه الطُفيْلُ بن عَمْرْ ، غير أنّ الطُفيل كان شاعر و عندما وصل إلى مكة تلقاهالقُرشيون و قالوا له يا طُفيل إنّك شاعر و لدينا بمكة رجلُ ساحر يُفرّقُ بين المرء و زوجه بكلامه فيسحرهم ، فقال لهم الطفيل و أين أجده؟ فقالوا له في وسط الكعبة ، فذهب إليه الطُفيل ووضع في أُذُنه قطعةَ قُطنٍ تُجنّبُه سماع النبّي حتى لا يَسحَرهُ ، فطاف الطفيل بالكعبة و النبّي يتلو القرآن فلمّا رآى النبّيالطفيل رفَعَ صوتهبالقرآن فأبى الله إلاّ أن يُسمِعَ الطُفيل بعض الكَلمات ، ففكَّرَ الطفيل قليلا ثم قال في نفسه وَيحَكَ يا طفيل أنت رجلٌ شهم فأ تخاف منه أن يَسحَرك ؟ ! والله لعيبٌ عليكَ ، فاقترب الطفيل من النبّي و أخَذَ يسمع منهالقرآن فلمّا انتهى النبّي من تِلاوته انصرف إلى بيته فتَبِعه الطُفيل و طرق بابه ففتح له النبّي فقال الطُفيلللنبيّ إنّ قومك قالوا فيك كذا و كذا لذلك وضعتُ القُطن في أذني كي لا أسمعك غير أني وجدت فيما تدعوا إليه خير ، فأسلم الطفيل بن عَمْرْ و قال للنبّي بماذا تأمرني يا رسول الله؟ فقال له النبّي اذهب يا طُفيل إلى قومك و ادعُهم للإسلام و ابقَ بينهم حتى تُسلم دوس ثمّ ائتني بهم يوم يُظهرني الله ، فقال له الطُفيل يا رسول الله أُدْعُو الله أن يجعل لي آية فدعا الرسول الله أن يجعل لطُفيل آية ،فوجد الطُفيل بَياضًا في وجهه كالنور فقال يا رب ليس في وجهي فجعلها الله في صَوتِ الطُفيل ، ثم رجع الطُفيل إلى قبيلته و دعاهم إلى الإسلام فأسلم والده و والدته و رجلٌ واحد فقط من دوس و قد كان هذا الرجل هو أبو هريرة ، و قد رَفضَت دَوس الإسلام و بقيت على كُفرها سنة بعد دعوة الطُفيل لهم ، فرجع الطُفيل إلى النبّي و أخبره بأمر قبيلته فقال له يا رسول الله كفرت دوس و أَبَتْ الإسلام و عاندتني ،فرفع الرسول يديه لربِّه فظنّ الطُفيل أن الرسول سيدعو عليهم فقال له يا رسول الله قومي قومي ، فإذ بالنبّي يدعو و يقول اللهم اهدي دوس و ائت بهم ، ثم نظر للطُفيل و قال له اذهب يا طُفيل سَيهدِهِم الله و لكن اصبر عليهم ، فرجع الطُفيل إلى دوس و صبَر على قومه ، و بعد رجوع النبّي من فتح خيبر رأى غُبَارًا كثيفًا يسّدُ الأفق و يقترب من المدينة فكان الغُبار قبيلة دَوْسْ جاءت بقِيادة الطُفيل بن عَمْرْ لمُبايَعةِ النبّي .




#14

افتراضي رد: هذا هو انبيّك محمد و الشافع لك يوم القيامة ,,متجدد

و في آخر يوم من الحجّ من سنة 11 للبعثة قَابَلَ النبّي سِتة شُبّان من الخزرج أسعد بن زرارة وعوف بن الحارث ويعرف بابن عفراء، وهم من بني النجار، ورافع بن مالك بن العجلان وعامر بن عبد حارثة وهما من بني زريق، وقطبة بن عامر بن حديدة من بني سلمة، وعقبة بن عامر بن نابىء من بني غنم، وجابر بن عبد الله بن رباب من بني عبيدة، يترأسهم شاب اسمه أسعد بن زرارة من بني النّجار ، فالتقى النبّي بهم عند الحلَاَّق فقال لهم أ أنتم من بني يهود ؟ فقالوا له لا ، فقال لهم أتجلسون معي لأكَلِّمَكُم ؟ فقالوا له قُلْ، فقال لهم النبّي إنِّي رسول الله إليكم و دَعَاهم للإسلام ، فنظر الشُبّان لبعضهم و قالوا لبعضهم البعض هذا هو الرجل الذي كانت تَتَوعدُنا به بنو يهود! فلنسبقهم إذن إليه ،ثم قالوا للنبّي لقد جِئْناك و ما من قوم بينهم من العداوة أكثر ممّا بيننا و لعلّ الله سيُصلحُ بك ما بيننا غير أنّنا سنذهب و نعود إليك بعد سنة و ذلك لكي يُحضِرُوا معهم نفرًا من الأَوْس ، فقال لهم النبّي نعم لكُم ذلك فالتقوني في هذا المكان بالعقبة العام القادم .
و في العام الموالي رجع الشُبّان الستة ليُلاقوا النبّي في نفس المكان غير أنّ عددهم زاد هذه المرّة و أصبحوا إثني عشر ،ثمانية منهم من الخزرج و ستة منهم من الأوس بمن فيهم أسعد بن زرارة _ سعد بن الربيع _ سعد بن خيثمة _ المنذر بن عمرو - سعد بن عبادة _ عبد الله بن رواحة _ البراء بن معرور _ أبو الهيثم بن التيهان _أسيد بن حضير _عبد الله بن عمرو بن حرام _ عبادة بن الصامت و رافع بن مالك بن عجلان . ،فَفَرِح النبّي بهم ثم قال لهم أتُبايعونني على أن لا تُشركوا بالله شيئًا و لا تسرقوا و لا تزنوا و لا تقتلوا أولادكم و لا تأتوا ببهتانٍ و لا تعصوني في معروف ، فقالوا له قَبِلنا يا رسول الله و عاهدوه ، ثمّ رجعوا إلى المدينة المنورة فأرسل الرسول معهم مُصعب بن عُميْر ليُعينَهُم هو أيضًا على الدعوة ، ففتَح أسعد بن زرارة بيته للدعوة إلى الإسلام لتبليغ رسالة النبّي و نشرها بالمدينة فتوافد عليهم الناس و أسلم الكثير بين يديهم ، فسمع بهم سَعد بن مُعاذ فأنكر عليهم هذا الفِعل غير أنّه استحى أن يذهب إليهم ليَكُفّهُم لأنّ أسعد بن زرارة ابن خالته فأرسل إليهم أُسيد بن حُضير ، فذهب إليهم أُسيد فرآه أسعدفأخبر مُصعب ليَستَعِد للِقائِه فكلّم أُسيدمُصعب و هو حاملٌ حربتَهُ و قال له من أنت و ما الذي جاء بك إلى بلادنا ؟ فردّ عليه مُصعب و قال له هل لك في أن تسمع مني فان أعجبك فهو خير و إن لم يعجبك تركت لك المكان ، فأنصت أُسيدلمصعب ثم استوى و ألقى حِربته و قال لمُصعب ماذا تفعلون لتدخلوا هذا الدِين؟ فقال له مُصعب تغتسِل و تُنظف ثِيابك و تشهد أن لا اله إلا الله و أنّ محمدا رسول الله ففعل أُسيد ذلك و أسلم و لَقِيَ النبّي يوم بيعة العقبة و كان من بين الاثني عشر رجلاً ، و قد أراد أُسَيد أن يجعل سعد بن مُعاذ يُسلم لأنه سيّدُ قومه و إن أسلم هو ستُسلم سائر قبيلته ، فذهب أُسيدلسعد و قال له يا سعد إني أخشى على ابن خالتك أسعد بن زرارة لأن بعض الناس يُريدون قتله ليحَقِّرُوكَ به، فذهب سعدإلى أسعد فوجد مُصعب يدعو الناس فجلس و سَمِعَ منه فأعجبه و أسلم هو أيضًا ، ثم رجع إلى قومه و قال لهم يا قوم ما رأيكم بي؟ فقالوا له أنت سيِّدنا ،فقال لهم و ما رأيي فيكم؟ فقالوا له أفضلنا رأيًا ، فقال لهم فإنّ الكلام مع رجالكم و نسائكم عليّ حرام حتى تُؤمنوا بالله وحده ،فأسلموا جميعا و بالتالي أسلمت قبيلة بني شهل كلها استجابة لسعد بن معاذ.
و هكذا بدأ انتشار الإسلامبالمدينة المنوّرة بفضل أسعد بن زرارة و سعد بن مُعاذ و أُسيد بن حُضير و مُصعب بن عُميرو الأنصار و قبل هذا و ذاك بفضل اللهو دعوة نبِّيه الرسول .
و بعدها هاجر النبّي إلى المدينة و مات أسعد بن زرارة بعد سنة من هِجرة النبّي و مات مُصعب بن عُمير بعد سنتين من هِجرة النبّي و مات سعد بن مُعاذ بعد ثلاثة سنواتمن هِجرة النبّي ، كأنّ اللهيُعلّمنا بذلك أنّهم قد أدوا ما عليهم في تبليغ رسالة النبّي بين الناس و لا بد من تَلَقِيهم فورًا مُكافئتهم ألا و هي الجنّة .
و يقول النبّي عن سعد بن مُعاذ أنّه أَسْلَمَ و عُمره ثلاثين سنة و استُشهد و عمره سبعة و ثلاثين سنة و عند مَوتِه اهتز له عرش الرحمن و شَهِد جنازته سبعين ألف مَلَكْ حبًُّا و كَرامةً له من الله ، فسبعُ سنوات إسلام فقط اهتز له عرش الرحمن من صنائعه للإسلام! فما فعلناه نحن طيلة مُدّة إسلامنا و قد عَمَّرْنا بإسلامنا أكثر منه بكثير ، فأتُراه قد يهتز لنا لن أقول عرش الرحمن طبعًا لا أحلم ؟ ! غير أني سأقول رجلٌ أو امرأة...إن لم أقلْ طفلٌ!..أو قد أصمُتْ و أُقِّرْ بأنّه لن يكون هُناك أحد ..!!! .
فا للهم أعّنا على تبليغ رِسالة نبيِّك في أمتّه و في العالم أجمع و أعّنا على نُصرة الإسلام و أعزَّهُ بنا و اجعلنا نَسيرُ على خُطى الحبيب النبّي فنتَبعَِ رَكَْبَ سعد بن معاذ يارب العلميـن

#15

افتراضي رد: هذا هو انبيّك محمد و الشافع لك يوم القيامة ,,متجدد

بيعــــــــة العقبــــــة

لقد نجح الرسول بفضل الأُسُسْ و القواعد التي انتهجها في دَعوتِه للقبائل المُجاورة لقُريش ، فقد أزهرت أخيرًا تخطيطاتُه للهِجرة و أثمرت على إِثرها بيعة العقبة الأولى لِيَحينَ قِطافُ الثِمّار بعقد بيعة العقبة الثانية ، فيكون بذلك البَيْعُ كَبير و الرِبحُ وَفِير كيف لا و السِلعة سِلعةُ الله و الغَلَّّّّة غلّةُ النبّي و أصحابه تَعلُوها يَدُ الله فوق أيديهم .
فبعدما كان عدد المُبايعين في بيعة العقبة الأولى سنة 11 للبعثة اثني عشر أصبح مُبايعي العقبة الثانية خمس و سبعون نفرًا سنة 12 للبعثة بمن فيهم ثلاثة و سبعين رجلا و امرأتان .
و تحدث النبّي عن أَثَرِ بيعة العقبة الثانية فقال قبل أن أقَابلَ الأنصار التقيتُ بمُصعب بن عُمير فسألته عمّا جرى معه و هو في رِحَالهِم ، فقال لي معي وَفدٌ يضم خمس و سبعين نفرًا بمن فيهم امرأتين و قد أخبرني أيضًا عن بعض الجوانب في المدينة .
و بعد ذلك أتى إلى النبّي قائد الوفد البَراء بن مَعرُور و الشاعر سعد بن مالك فسلَّمَا على الرسول فاستبشر النبّي خيرًا و حدّدَ لهم مَوعِدُ اللِّقاء بهم ، فاختار آخر يوم بالحجّ كيومٍ للّقاء و اختار مُنتصف الليل كساعةللّقاء و اختار العقبة كمكانٍ للِّقاء ، فحدث اللِّقاء مثلمّا حدّده النبّي و اجتمع بالوفد عند العقبة و معه عمّه العبّاس الذي تولى أمره بعد وفاة عمّه أبي طالب .
فجلسوا جميعا و فتح العبّاس الاجتماع فقال لهم يا معشر الأَوْسِ و الخَزْرَج قد عَلِمنا بحضُورِكم اليوم و اعلموا أنّنا نحن بنو هاشم نحمي محمـد فان كُنتم تَرغبون أن يأتيكُم فتُعاهدونَه على حِمايته و إلاّ فنحن قادرون على حمايته ، فقالوا له لقد سمِعنا مقالتك يا عبّاس فتكلم أنت يا رسول الله و اطلب لنفسك و لربّك ، فتلا النبّي القرآن و حمد اللهو أثنى عليه و رَغّبَهُم في الإسلام ،ثم قال لهم أتبايعونني على السَمْعِ و الطَاعة و على الإِنفاق في العُسر و اليُسر و على الأَمر بالمعروف و النَهي عن الُمنكر و على أن لا تأخذكم في الله لومة لاَئِم و على أن تمنعوني كما تمنعون نِساءكم و أولادكم ؟ !
فقالوا له ما لنا إن فعلنا ذلك ؟ فنظر النبّي إليهم و قال لهم الجنّة فسكتوا ، فقام البراءُ بن مَعرُور و قال للرسول أُمدُد يدك يا رسول الله فنحن أهل الحرب وَرِثناها كَابِرْ عن كابر عن كابر و لك ما أردت و سنحميك كما نحمي أبناءنا ، ثم قام أبو الهيثم ابن تيمان و قال للنبّي يا رسول الله إنّا بيننا و بين اليهود علاقات حميمة و إنَّ بقدومك قد نقطعها فهل إذا أظهرك الله عُدْتَ إلى قومك و نكون نحن قد قطعنا حبائِلَنا مع اليهود؟ ! فابتسم له النبّي و قال بل الدَّمْ الدَّم و الهَدْيْ الهَدْيْ ، و قصد بقوله الدم و الهدي أنّه لن يحول بينه و بينهم إلاّ القتل و القبر ، ثم قال لهم أنا مِنكم و إليكُم أساندُ من ساندتم و أحاربُ من حَاربتُم ، ثم قام أسعد بن زرارة و قال للوفد أنظروا على ما تُبايعون الرجل إنّكم تُبايعونه على مُحاربة العرب و العجم و الأبيض و الأسود فان كُنتم ستخذلونه فاتركوه من الآن ! فقالوا له بل رَبِحَ البيع لا نُقِيلُ و لا نَستَقِيل ، فقال لهم النبّي ألا إنّ سِلعَةَ الله لغالية فهل مِن مُشَمِّرْ للجنّة ؟ فتقاتل القوم على مَسْكِ يد النبّي كلٌ منهم يظنُّ أنه من سيُبايع الرسول أوّلا سيدخل الجنّة أوّلا ، فبايعهم الرسول ثم قال لهم أَخرِجُوا لي اثني عشر نقيبًا ، فانتخب الجمع و اختاروا 12 نقيبا تسعة منهم من الخزرج و ثلاثة من الأَوس ، فقال لهم النبّي أنتم كُفَلاءُ على قومكم و أنا كَفيلٌ على قومي حتى آتيكم ، ووقتها صَرخَ رجلٌ من على الجبل و قال يا معشر قريش أدركوا محمد و الصِّبَاءْ فإنّ محمد قد اجتمع على حَربِكم ، فقام العبّاس بن فضلةو قال للنبّي دعنا يا رسول الله نَمِيلُ على أهل مِنَنْ بأسيافنا الليلة ، فقال له النبّي نحن لا نُؤمَرُ بذلك أبدًا و طلب منهم الرُجوع إلى رِحالهم و النومَ مع قومهم و أمَرهُم بترك مكة في الصباح الباكر ، فكان ذلك و مِثلما أشارَ النبّي فقد تركوا مكة في الصباح الباكر إلاّ اثنين منهم سعد بن عُبادة و المُنذر بن عَمْرْ قد تخلفوا عن البقيّة و تأخروا قليلا فمسكتهُم قريش ، فسمع بهما العبّاس فأتاهما و سَألهما إن كانا يعرفان أحدا من أهل مكة ليُساعدهم ،فقالا له نعم إنّ لنا مع أبي سفيان تِجارة فأشار عليهما أن يَصرُخا باسمة ليجيرَهُما ، ففعلا ذلك فأطلقتهما قريش و عادا إلى يثرب .
و بعدها جمعَ النبّي الصحابة و قال لهم إنّ الله جعل لكم بلدًا خيًرا من بَلدِكُم هذا و أهلا خيرًا من أهلكم بيثرب فحثّهُم على الهِجرة إليها ، فخرج الصحابة من مكة إمّا خِلسةً و إمّا عَلَنًا جِهَارًا لا يخافون في ذلك لومَةَ لائِمْ كما فعل عمر بن الخطاب يوم خُروجه نادى في قُريش و قال لهم من أن أراد أن تثكُلَه أمُّه أو تُرمّل زوجته أو يُيَتَّمَ أولاده فليلقني غدا و أنا خارجٌ من مكة إلى المدينة ، فلم يتجرأ أحد على الخروج في إثره و التصَدِي له .
و هكذا أمرَ الرسول جميع المسلمين بالهِجرة إلى يثرب فخرجوا جميعًا من مكة مُتجِهين إلى المدينة لِتُصبِحَ المدينة بذلك طَوْقَ نجاتِهم من أهل مكة و سَفينَةَ الإسلام التي عَبَرَ عليها المسلمين ليرسُوا في الأخير على ضِفَافِ كلّ رُبوعِ المَعمُورَةِ .

#16

افتراضي رد: هذا هو انبيّك محمد و الشافع لك يوم القيامة ,,متجدد

الهـــــجرة

لمّا وجَدَ النبّي الحُضْنَ الدافئ و الحِصْنَ الحَصِين بالمدينة المُنوّرة أمرَ الصحابة بالهِجرة إليها لتفادي تكَالُبَاتِ قُريش المُسعَّرَة التي تفاقمت مُؤخرًا و مَسَّت الذِّروة بل تجاوزتها و بلغت الحُلقُوم في السنة الثالثة عشرة للبعثة ، فهاجر مُعظم مُسلمِي مكة إلى المدينة و استقروا بها إلاّ أنّ النبّي قَعَدَ بها و قد أخَّر هِجرتَه إلى الأخير حتى يضمن بذلك سلامة جميع المسلمين ووصُولهم إلى المدينة دون أدنى أذّيّة و بأمان تام .
و في تلك الأثناء تفطنت قُريش لهِجرة النبّي فجَّنَّ جُنونُها و تخوّفت على مَصالحِها التي أصبحت مُهددة بين العرب ، فسارعت إلى عقدِ اجتماع طارئ بدار النّدوة بحضُور رؤساء قريش أبي سفيان _ أبي جهل _ البحتُري بن هِشام _ ابن خَلَف _ عُتبة بن الربيعة و شيبة بن الربيعة و غيرهم ..، و قد اتفق الجَمع على فِكرة التخلُّصِ من محمـد بأيِّ طريقة و مهما كان الثمن ، فأشار عليهم أحدهم بأن يطردوه من مكة غير أنّ أبا جهل أبى ذلك و خاف أن يستعين بالعرب عليهم ، فأشار عليهم آخر أن يربِطُوهُ و يُقَّيِّدوه بالحديد فلم يقبل بذلك أبا جهل لأنّه رأى أنّ ربطه بالحديد قد يجعل عشيرته من بني هاشم ُتسارع لفكِّه و إطلاق سراحِه ، فتعددت الأفكار و تضاربت الآراء بينهم إلى أن توصَّل أبو جهل إلى فكرةٍ جهنّمية و حلٍّ أرضى جميع الأطراف و هي تجنيد شاب من كل قبيلة يُساهم في قتل محمد حتى يتفرق دمُه بين العرب و بذلك لا تستطيع قبيلة بني هاشم مُجاراةَ كل القبائل و الانتقام منهم و بذلك يموت محمد فتموت معه رسالته .
فمَكَرت قريش للنبّي غير أنَّ خُبثهُم و مَكرهم هذا باء بالفشل الذريع لأنّ النبّي تَخَطَّى مِن أن يُخَطَ له بَشريًّا كونه مَحفُوفٌ بأجَلِّ تخطيط و هو التخطيط الربَّاني ، فأنزل الله جبريلعلى النبّي و أنبأه بما يُحَاكُ له و أمره بالخُروجِ من مكة ، فكان ذلك و أوّل ما سمِعَ النبّي بالأمر قصد صاحبه أبا بكر و أعلمه بالخبر ، فقال له أبو بكريا رسول الله الصُحبة الصُحبة ، فقال له النبّي نعم يا أبا بكر ، فبكى أبو بكر من شِّدّة فرحته بخروجه مع النبّي فسارع و أحضر راحلتين راحلة له و راحلة للنبّي الذي لم يأبى إلاّ أن يدفع له النبّي ثمنها .

كما عمَدَ الرسول إلى إرجاع كلّ الوَدائِعِ التي استعارها من قومه و أوصى بها إلى ابن عمّه علّي بن أبي طالب كما طلب منه أن يَنُوبَهُ تلك الليلة و يأوي إلى فِراشه بدلاً عنه لكي يُشَوِّشَ تفكير قريش فتظّن أن النبّي مُلازم بيته و لم يبرحه إلى أي مكان ، فانطلت الحيلة على قُريش فخرج النبّي من بين أعين الشُّبّان دون أن يلمحوه لأنّه أخذ حُفنةً من التُراب و رماها عليهم و هو يتلو قوله ۝۝﴿و جَعَلنَا مِنْ بَينِ أَيدِيهِمْ سُدَّا و مِنْ خَلفِهِمْ سُدَّا فأَغْشَيناهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ ،فأغشى الله أبصارهم و لم يُبصِروا خُروجه و لمّا دخلوا إلى بيته وجدوا عليّا مُستَلقيا في فراشه و مُغَطى ببُردته فاندهشوا و اشتدّ غَيضُهم كون النبّي نجا من بين أيديهم بأعجُوبة و فَوَّتَ عليهم فُرصَةَ قتله ، ووقت غَفوتِهِم قصد النبّي أبا بكر و خرجَا معًا إلى المدينة غير أنّ النبّي غّيَّر وِجْهَتَه لأنه قَدَّرَ و تَفَطَن لتفكير قُريش و أحَسّ بخُروجهم وراءه للبحث عنه ،فاختار النبّي غار ثور مأوى له قبل أن يُباشر رحلته إلى المدينة و كانت أسماء ابنة أبي بكر تمُّدهم بالأكل طِيلة مدّة مُكوثهما بالغار رغم حملها ، فتحمّلت مَشَقَة الصُعود و الهُبوط إلى الغار ، كما تحمل النبّي و صاحبه أبو بكربالموازاة ضيقُ الغار و وِحشته ، فمرّة غَفَى النبّي على فخذي أبي بكر و بينما هو يَسُدُّ فُتَحَ الغار برجليه تسللّت حيّة من الغار و لَسَعَت أبو بكر فمن شِدّة تألمه دمعت عيناه و نزلت الدموع على وجه النبّي فاستيقظ ووجد أبا بكر يبكي فقال له ما يُبكِيكَ يا أبا بكر ؟ ! فقال له لقد لسعتني حيّة ، فقال له النبّي و لمًَ لمْ تقل لي ! فقال أبو بكر لم أُرِد أن أوقضَكَ يا رسول الله ، فنفث النبّي عليه فبرأ ، و طِيلة تلك المدّة ظلّت قريش تبحث عن النبّي و تقتصي أخباره و تقتفي أثار أقدامه إلى أن وَجدُوها تنتهي إلى فُتحة الغار ، غير أنّهم لم يُحبّذوا فِكرةَ تواجده به خصوصًا أن الغار كانت به حمامة تبيض و عنكبوتٌ لم يُقطع نسِيجُها ، ووقتها قال أبو بكر للنبّي لو نظروا إلى أرجلهم لرأونا إلاّ أنّ ثقة النبّي بربّه كانت أقوى فأنجاهما من قُريش التي غَضَّت نظرها عن البحث في الغار و غادرته اختياريًا لتواصل بحثها في كل الأمكنة و الطُرقاتِ إجباريًا .
كما حاولت أن تُغري الناس ليدلُّوهم عن مكان النبّي و بلغت رِشوتهم لهم إلى مائة ناقة ، و كان سُراقة بن مالك من السبّاقين الذين خرجوا في إِثر النبّي و قد وجدهم حقًا و أوّل ما لمحهم تَبِعهم بفرسه و كان أبو بكر وقتها يلتف حول النبّي تارة يمينًا و تارة شمالاً و تارة إلى الخَلف ليحميه إذا ترصد له أحد ، و قد رأى سُراقة لما اقترب منهم هو والنبّي و دليلهما أُريقد ، فنبّه أبو بكر النبّي و قال له احذر فارسٌ خلفك ، فدعا النبّي ربّه و قالاللهم اكفينه بما شئت و كيف ما شئت إنّك على ما تشاء قدير، فوقع سُراقة من على فرسه فاستغرب ثم نهض و ركب فَرسَهُ مُجددًا و لحَِقَ بالنبّي فسقط مرة ثانية و ثالثة ..ففهِم سُراقة أنَّ بالأمر رَيْبْ فقال للنبّي أعطني الآمان يا محمـد ، فقال له النبّي لك الآمان يا سُراقة ، فقال سُراقة يا محمـد كنت أريد المائة ناقة فأعطني شيء تُعوِّضني به، فقال له النبّي أعِدُك بسِوَارَيْ كِسرى يا سُراقة ، فتعجّب سُراقة و قال للنبّي كِسرى من ؟ ! ملك الفرس؟ !! فقال له النبّي نعم ، فانتهز سُراقة الفُرصة و قال للنبّي أتكتُبُها لي ؟ فكتبها له أبو بكر بطلب من النبّي ، و مرَّت الأيام و السنين و فُتحت مكة و فُتحت كِسرى ووقف عمر بن الخطاب بين الناس و نادى على سُراقة بن مالك فجاءه و هو شيخ عجوز ، فقال له هَاكَ يا سُراقة سِواري كِسرى اللذان وعدك بهما النبّي ، فلبسهما أمام الناس و قال صدق رسول الله ، فهكذا صَدَقَ وعد النبّي لسُراقة و صَدَق ظنّه بربّه حين قال لصاحبه أبي بكر و هُما بالغار ما بالك باثنين الله ثالثهما ، فسَلِم الرسول من قُريش و من سُراقة و سَلِمَ من الخطر إلى أن وصل إلى المدينة المنوّرة هاته الأخيرة التي انطلقت أفراحها بحُلول خير خلق الله الشافع و المُشفّع و قُرة الأعين النبّي محمد

#17

افتراضي رد: هذا هو انبيّك محمد و الشافع لك يوم القيامة ,,متجدد

دخـــول المدينــــة

لقد أضاءت المدينة و أنارت أرجاَؤُها بقُدوم النُور الساطع على البشريّة جمعاء نُورُ محمـد ، فبعد مُرورِ أربعةَ عشر يومًا من خُروجه من مكة وصل أخيرا إلى المدينة و هَلّت بوصوله أفراحها و سُرَّ أهلها ، أهلها الذين تَرقبُوا وُصوله على أحرِّ من الجمر ، فلم يبرحوا أماكنهم بالحارة من قُبيل الضحى إلى الظهيرة و ذلك لمدّة خمسة عشر يومًا إلى أن حَلَّ اليوم المشهود ، اليوم الذي اجتمع فيه النبّي بالأنصار و جمع بينهم و بين المُهاجرين فأصبحوا كُتلةً واحدة مَبدؤهم الإسلام و يعلوهُم حبُّ الله ورسوله ، الرسول الذي تجاوز كلّ أخطارَ السفر ووصل سالمًا إلى المدينة المنورة أخيرا مع صاحبه أبي بكر الصديقو دليلهُما أُريقد بصُحبة الزُبير بن العوامالذي مافتئ أن رآهم إلاّ أن سارع إليهم كما سارع كل أهل المدينة عندما لمحوا خُطواته حتى و إن كانت من بعيد ، فقد كان أحداليهودعلى نخلةٍ يترقب مثله مثل باقي أهل المدينة وصول النبّي و عندما رآه صاح بأهل المدينة يُنادي يا معاشر العرب هذا جدّكم نَصيبكم الذي كنتم تنتظرون قد جاء المدينة ، فارتجّت المدينة بالتكبير و التهليل و فُتِحت الأبواب و انطلق الناس لاستقباله و اختلطت الابتسَامات بالدُموع فَرحةً بوصول خير خلق الله إلى المدينة ، المدينة التي أصبح يومها هذا أعظم يومٍ مرَّ بها لدخول النبّي عليها .
و يقول أنس بن مالكفي ذلك دخل النبّي المدينة يوم الاثنين فأضاء فيها كل شيء و خرج منها يوم الاثنين فأظلم فيها كل شيء، كيف لا وقد تقدّست و ذُكرت لهِجرة النبّي إليها و لو غير ذلك ما كانت لتُذكَر ، فبصول النبّي تعالت الأصوات تُنشدُ
طلع البدر علينا من ثنيّات الوداع وجب الشكر علينا ما دعى لله داع
أيها المبعوث فينا جئت بالأمر المطاع جئت شرفت المدينة مرحباً يا خير داع
طلع النور المبين نور خير المرسلين نور أمن وسلام نور حق ويقين
ساقه الله تعالى رحمة للعالمين فعلى البر شعاع وعلى البحر شعاع
مرسل بالحق جاء نطقه وحي السماء قوله قول فصيح يتحدى البلغاء
فيه للجسم شفاء فيه للروح دواء أيها الهادي سلاماً ما وعى القرآن واع
جاءنا الهادي البشير مطرق العاني الأسير مرشد الساعي إذا ما أخطأ الساعي المسير
دينه حق صُراح دينه ملك كبير هو في الدنيا نعيم وهو في الأخرى متاع
هات هدي الله هات يا نبي المعجزات ليس للات مكان ليس للعزى ثبات
وحّد الله ووحد شملنا بعد الشتات أنت ألفت قلوباً شفها طول الصراع
طلع البدر علينا من ثنيات الوداع وجب الشكر علينا ما دعى لله داع
أيها المبعوث فينا جئت بالأمر المطاع جئت شرفت المدينة مرحباً يا خير داع

و لحقًا إنّه أعظم تشريف ليثرب في أن تُصبحَ مدينة الرسول و مُنطلَقَ رِسالته في نشر الإسلام.
فيومها كلّ أهل المدينة تمنوا و أرادوا استقبال النبّي في بُيوتهم و تعلَّقوا بناقته غير أنّ النبّي لم يُرد أن يُفضل بيتًا عن الآخر فقال لهم خَلُّوا سبيلَ الناقة فإنّها مأمورة و أين تبركُ سيسكن النبّي ، و كان ذلك فِعلاً و بركت الناقة أمام دِيار بني النجّار أخوال والد النبّي الذين زارهم و هو في السادسة من عُمره ، فشاءت الأقدار أن يكون مَوضع بُرُوك الناقةمَوضع بيت أخوال آبيه ، و بعدها نادى الرسول بالناس و قال لهم يا معشر المُهاجرين و الأنصار أفشوا السلام بينكم و أطعِموا الطعام و صِلوا الأرحام و صَلُّوا بالليل و الناس نِيام تدخلوا الجنّة بسلام .

ثم أخذ أبو أيوب الأنصاري متَاعَ النبّي ليستقبله عنده في بيته ، فدخل النبّي البيت المُتكوّن من دورين فقال له أبو أيوب يا رسول الله أنت تسكن فوقي لأننّا لا نرضى أن تكون أقدامنا فوقك ، فردّ عليه النبّي و قال له يا أبا أيوب أنا رجلٌ تأتيه الناس و إنّ لك زوجة فلا أريد أن أزعجك ، فاقتنع أبو أيّوب برأي النبّي و اتفق معه على أن يسكن و زوجته في الأعلى و النبّي في الأسفل ، غير أنّ زوجة أبا أيوب لم تكن ترضى أن تُصدرَ صوتًا في البيت حتى لا تُزعج به النبّي ، و ذات يوم بينما كانت تمشي على أطراف أناملها كسرت الجربة فتبلل لِحافُها الذي لم يكن لديها غيره للصلاة ، فطلب أبو أيوبمن النبّي أن يتبادلا موقع السكن هم في الأسفل و النبّي في الأعلى فاتفقا على ذلك ، ومرّة كانا الزوجان يجلسان مع النبّي إلى مائدة العشاء و كان بالأكل ثوم فأبى النبّي أن يأكله لأنّه يُناجي ربّه و يأتيه جبريل فيتأذى من رائحة الثوم .
ثم قام النبّي بالتقريب بين المهاجرين و الأنصار ، كما ساهم في بناء أوّل مَسجدٍ بالمدينة ليكونَ مُجَمَّعًا لهم و مكان شُورَتهم و مَنبرًا لرسالتهم ، فشارك الجميع في بناءه رِجالا و شُيوخا مُهاجرينَ و أنصارًا ، فحتى النبّي و هو ذو خمسة و خمسين سنة أبى إلاّ أن يُشاركهم البناء ، فغلب على الجوّ التآلف و التراحم و التعاون ، فجاء عثمان بن مضغون و الحِجارة تلُّفُ كتفيه فاتسخت ثيابه فأخذ يمسح الوسخ من على مَلابسه فرآه علّي بن أبي طالب فأطلق فيه شِعرًا ليُغيضَه مُمَازحًا له فقال فيه لا يستوي من يعمر المساجد يذهب فيها قائمًا و قاعدًا و من يُرى عن الغبار حائلاً؟، فعمار بن ياسر سَمِع هذا الشِعر فأعجبه فبدأ يُرددّه ، فأخذ الصحابة يضحكون ، فغضب عثمان بن مضغون و قال لعمار يا ابن سميّة إن لم تصمت لأضربنّك في هذه الجِلدة وأشار إلى مابين عينه و أنفه ، فانزعج النبّي و قال له يا عثمان ألا تعلم أنّ عمار جلدة بين عيني و أنفي ، فبكى عمار و بكى عثمان و بكى علّي .
و ذات مرة مرّ النبّي بصُهيب فوجده مَهموم يأكل التمر و بعينه رمدُ فقال له ما هذا يا صُهيب أتأكل التمر و بعينك رمد؟ ! فابتسم صُهيب و قال له لا تخف يا رسول الله إني آكل على شقي السليم .
و مرّة كان مع علّي يأكلان التمر معًا فأخذ علّي يأكل التمر و يضع النوى في جهة الرسول ، فقال له ما شاء الله يا رسول الله أ أكلت كل هذا التمر؟ ! فقال له النبّي و أنت أ أكلت التمر بنواه ؟ !!.
فهكذا كان التحام المُهاجرين و الأنصار لأنَّ الأُخوّة ازدادت بينهم و خاصةً لمّا تَشاَركُوا السَكن و لُقمة العيش و تبادلوا الحِرفَ و المعارفَ ، فهذه الصّفات و الأخلاق تعالت على بِيئتهم فأعزتها أجلُّ عِزّة .
فجعل النبّي من مُسلمي قريش و يثرب و مَن تَبعهم فلحق بهم أمّة واحدة في الحُقوق و الواجبات ، كما جعل يهود بني عوف و يهود الأوس من يهود المدينة أمّة مع المؤمنين و عليهم نفقتهم كما على المسلمين نفقتهم ،و سمح لهم بالنُصح بينهم و البرّ دون الإثم و منحَ كل منهم دينه و منعهم من الخروج من المدينة بقتال ،كما منعهم إيواء أعدائه دون اللّجوء إليه ، فحمل بذلك المسلمين و اليهود على التعايش في بلدٍ واحدٍ رغم اختلاف الدين و تباين العادات .

#18

افتراضي رد: هذا هو انبيّك محمد و الشافع لك يوم القيامة ,,متجدد

غزوة بـــدر

إنّ نجاحَ غزوة بدر كان بِفضلِ التخطيط و التطبيق المُحكَمَين ، و قد حدثت هذه الغزوة بعد سَماعِ الرسول بأنّ قريش قد أخرجت ألف بعير كقافلة أكلت و آخذت فيها أموال الناس ، فخرج الرسول و معه مائة و ثلاثة عشر مُسلم بفرسين و سبعين بعير كل ثلاثةٍ من المسلمين يتبادلون على بعير واحد ، أمّا النبّي فكان يتبادل بعيره مع علّي و مَرفَد ، فاتفقا الاثنان على أن يَركَب النبّي مائة و خمسون كمعِوضَهُما ، فغضب و قال لهما لا والله لا أنتما أقدر مني و لن أترك ثوابي لكما .
ووقتها كانت قريش لاتَزالُ غافلة عن الأمر ، و في تلك الأياّم رأت السيّدة عاتكةعمة النبّيرؤيا أنّه خرج من مكة رجلٌ يقول يا آل غدر مَصرعُكم في ثلاثة أياموهو ينتقل من جبل إلى جبل ، فحكت عاتكة رؤيتها لأخيها العباس ، فقال لها إياك أن تخبري بها أحد وكان لا يزال وقتها على كُفره إلاّ أنّه أخبر الوليدبرؤيةِ عاتكةوأوصاه أن لا يخبر أحدا و لكن الوليد أخبر رجلا آخر و هكذا أخذ الخبر ينتقل إلى أن سمع به أبا جهل وكل أهل مكة ، فقال أبو جهل إن لم تظهر هذه الرؤيا خلال ثلاثة أيامسنُعلِّقٌ كتابًا على باب الكعبة و نقول فيه أنّ آل عبد المطلبأكذب العرب ، فسمع أبو سفيانبالخبر فاخذ القافلة وخرج و أرسل ضمضمليتعقب الأمر وقد قال لهم و هو بالكعبة أنّ الرسول أخذ قَوافِلهم ، فخرجتسع مائة و خمسون رجلابمائتي فرس ، فنزل جبريل على النبّي و أخبره بأنّ قريش قد استعدت لغزوتهم، فجمع النبّي الصحابة و طلب مَشُورَتَهُم، فنهض أبو بكرو قال امضي يا رسول الله فنحن معك ، فأعاد النبّي عليهم السؤال فقام عمر بن الخطابو قال له نفسَ الكلام ، ثم أعاد النبّي السؤال فقال المقداء لو خُضتَ البحر لخُضناهُ معك و إن قال قوم موسى لموسى اذهب و قاتل أنت و ربّك فنقول لك نحن معك نُقاتل من تُقاتل ، فقام كل أهل مكة ، إلا أنّ الرسول كان ينتظر وقتها نُهوضَ أنصاري فإذ بسعد بن مُعاذينهض و يقول خُذ من أموالنا ما شئت و سالم من شئت و عادِ من شئت فوا الله لن تَجدنَا إلا صابرين ، فقال الرسول أبشروا فإناللهوَعَدني إحدى الطائفتين من النصر أو العير ، و وقتها قبض علّي و الزبيرعلى رجلٍ من سُقاةِ عِيَرِ قريشفقالا له أ أنت ساقيقريش ؟ فقال نعم ، فقالوا له لا أنت ساقي عير أبي سفيان ، فقال لا ، فقالوا له بلى ، فسمعهم الرسول فقال لهم إن صَدَقَكُم كذبتموه و إن كَذبكُم صَدقتُمُوه ، فقال الرجل أنا ساقي عِيَرْ قريش ، فسألوه و قالوا أهم كثيرون ؟ فقال نعم ، فقالوا و من فيهم ؟ ، فقال فيهم أبا الحكم ، شيبا بن الربيعة ، أبا عتبة وغيرهم كثير من أسياد قريش ، فقال الرسول هذه قريش قد رَمَت بفَلدَاتِ أكبادها إليكم ، فكبَّرَ المسلمون .
ثم أتىالحبّاب إلى النبّي و قال له يا رسول الله أهذا مُنزَلٌ أم هذه حَرب و مَكيدة ؟ ! فلما لا نَردُم الآبار كلها و نترك واحد فقط نشرب منه نحن؟ ، ففعلوا ذلك ، ثم أنام الله الجيش لكي يأمنوا و أنزل عليهم الماء ليتوضؤا .
و من ثم استعمل النبّي خُطَّةً جديدة و هي الوُقوف وٍفق صفٍ واحد ليضربوهم بالنِبال ثم يتراجعوا ، يضربوهم بالنبال مُجددًا ثم يتراجعوا حتى يُنزلوا بذلك من مَعنَويَاتِهم فيهاجمُوهم دفعة واحدة .
و هكذا بدأ الاستعداد للمعركة ووقتها أتى رجل اسمه سواد و أخذ يُكثِرُ الحِراك فكفَّه النبّي عن فِعلِ ذلك إلا أن الرجلَ واصل في حركته فغضب منه النبّي ووخزه بغُمدِه في بطنه ، فقال له الرجل أتفعل ذلك يا رسول الله !، فقال له النبّي هاكَ بطني و اقتص منه ، فانهال الرجل على بطنِ النبّي يُقبِّلُه بكلِّ تَفاخُرٍ و هو يقول لقد كنت أتمنى أن يُلامسَ جسمي جسمك ثم أموت بعدها .
و بعدها استُقِيمَت الصُفُوف و قبل المُباشَرة بالقتال استشهد الحارثبنَبلٍ لم يُعرف مَصدرُه فسمعت أمّه بمَصرَعِ ابنها فجرت إلى النبّي و قالت له يا رسول الله هل أهَلِّلْ لِمَقتل الحارث أم أبكيه فلست أدري إن كان شهيدا و تنتظره الجنّة أم لا ؟ فقال لها الرسول هَلِلِي فهو لا تنتظره جنّة و إنما جِنَان و هو بها الآن .
ثم بدأت المُواجهة فخرج عمّ الرسول حمزةو ابني عميه ، فقُتِل ابن عمّه فأخذه الرسول ووضعه على فخذيه فسأل النبّي و قال له أ أنت راضٍ عني يا رسول الله ؟ فقال الرسول أشْهِدُ الله أني راض عنك .
ووقتها غفى النبّي غَفوةً رأى فيها ألفُ من الملائكةمُدعَّمِين بأحصنتهم و هم يشاركون بالمعركة مع 113 مسلممُتفاوتة أعمارهم ، من بينهم مُعاذ و مُعيذعُمرهما أربعة عشرو خمسة عشرة سنةدخلا المعركة و في نِيَّتهم قتلُ أبي جهل، فطلبا من أحد الصحابة أن يَدلّهما عليه فاستضغرهما الصحابي في باديء الأمر و لكن بإلحاحهما عليه أشار على أبي جهل ، فانطلقا الأخوان إليه و هما مُتفقان على أن يضرب مُعيذ قوائم الحصان و أن يقتل مُعاذ أبا جهل ، ففعلا ذلك و نجحا في قتل أبي جهل فهللا و سارعا إلى النبّي ليُبشِّرانِه فتبعهما عكرمة و ضرب مُعاذ بسيفه فقطع له كتفه ، فلم يهتم معاذ لكتِفِه المَقطوعة و أخذ يُسابق أخاه معيذ للقاء النبّيإلاّ أنّ كَتِفه أبطأته فوضعها تحت رجليه و نزعها ثم واصل مع أخيه لمُلاقاةِ النبّي و هما يُردِّدان لقد قتلنا من سبَكَ يا رسول الله .

و هكذا انتهت المعركة بنُصرَةِ الإسلام و المسلمين و بهَزيمةِ الكُفاّر و المُشركين أمام جيشٍ صغيرٍ جدا قائدهُ اللـه .

#19

افتراضي رد: هذا هو انبيّك محمد و الشافع لك يوم القيامة ,,متجدد

تشديـد الخناق علـى النبّي فـي غزوة أحــد

لقد وَقعتْغزوة أُحُدْبتاريخ 7 شوال 3هجريلأنّ قريش أرادت استرجاعَ قُوّتها و مَكانتها بين القبائل بعد هَزيمَتِها في غزوة بَدْرْ ، و في تلك الأيام رأى النبّي رُؤيا أنّ ذِراعَهُ الحَصينة بها كسر و رأى بقرٌ يُذبح فأَوّل النبّي الدِرعْ الحَصينة بالمدينةو الكَسر بموتِ أحد أقربائه و البقر المذبوح بأصحابِه المَذبُوحين ، لهذا أراد النبّي أن تَكونَ المعركة في المدينة لكي لا يخرجُوا منها حتى يُقاتلهم الرجال داخلها والنساء من فَوقِ الأسطُح ، غير أنّه امتنع عن إخبار الصحابةبرُؤيته لمُشاورتِهم حتى لا يفرض بذلك رأيه عليهم .
فقامَ بجمعِ الصحابة و بدأ الحِوارُ بينهم فاتفق أغلبيتُهم على أن تكونَ المعركة خارج المدينة ،فأخذ النبّي برَأيهِم وارتدى لِباسَ الحرب وخرج معه ألف مقاتل ، فخرج المنافق عبد الله بن سالوس و قال لهم لقد اتبع محمد الغِلمان فنجح في تغيير رَأيِ ثلاثُ مائة مقاتل، فلم يخرج مع النبّي سِوى سَبعُ مائة مقاتلوعندما وصلوا إلى جبل أًًًًَُحُد قال لهم النبّي إنّه لجبل من الجنّة و نحن نُحبّه و هو يُحبّنا وسنلقاهُ بإذن اللـه في الجنة ، ولإنّي قد وَقفتُ عليه مرّة أنا و أبا بكر الصديقوعمر بن الخطابوعثمان بن عفانفاهتزا لجبل، فنزلت إليه و قلت له أثبُت أُحُدْ فإنّمن فوقِكَ نبّي و صِّديق وشَهيدين ، فثبت الجبل نفسه الذي أُقيمَت قُربَه المعركة و ذلك في منطقة الحَرَّة .
و قد اختار النبّي الحرّة لأنّ بها مَدخل وحيد و بذلك تُجبرُ الصحابة على مُقابلة أهل قريشوَجهًا لوجه دون مُحاصرتِهم لأنّ جيش قريش عُدَّتُه ثلاثة ألاف .
و لقد حَرِصَ النبّي على وضع الجنود من جبل أُحُدإلى جبل الرُماة لكي يَغلِقَ كلّ الثغرات، كما قام بتجنيد خمسين راميًافوقالجبل بقيادة عبد الله بن جابرلحماية أظهر جيش المسلمينمن العدوانو قد أوصاهم بعدَمِ النُزُول من على الجبل من دون إذنه حتى و إن أدركوا النصر.
و بالمقابل قسّم أبو سفيانجيشهإلىسبع مائة مقاتل بالميمنةبقيادة عِكرمةو ثلاث مائة مقاتل بالميسرةبقيادة خالد بن الوليدأمّا في قلب الوسطفقد وزَّعألفي مقاتلبقيادته ، وبالتالي فقد فَرضَ النبّي الحصار على كلٍ من عِكرمة و خالد بن الوليد و أجبر أبا سفيان على مُواجهتِه وَجهًا لوجه .
فبدأت المعركة و ولى النبّي مُصعبالقيادة و جدّد تَوصِيتَه للرُّماة و قال لهم إن رأيتمونا ننتصر و نأخذ الغنائم فلا تنصرونا و إن رأيتمونا نُقطَّع وتأكلنا الطيور فلا تنصرونا لأنّ الثغرة سوف تُفتح .
ثم قال من يُحارب بسيفي هذا ؟ ! فكل الجيش صاح دُفعةً واحدة أنا أنا ، فقال لهم النبّي من يأخذه بحقه ؟ فقال له أبا دُجانةأنا يا رسول الله ، فوضع عصابة حمراء وضرب كلّ من اعترض طريقه إلاّ امرأة ، كما وضع حمزة رِيشةً و أخذ يتبختر بها بين الصُفوف ، فقال له النبّي إنّ الله يكره هذه المِشية إلاّ في هذا المَوضِع .
ثم حَمل أهل عبد الدارالراية فقُتل منهم الأوّل فالثاني ، ثم انتصر المسلمون فقال الرُّماة لقد انتصر الجيش سننزل من على الجبل ، فكَفَّهم أحد الصحابة و ذَكَّرهُم بوصيّة النبّي إلاّ أنّهم لم يُعيروه اهتمامًا وخالفوا أمره ، فنزل أربعونَ راميًا من فوق الجبل فرآهم خالد بن الوليدو انتبه لانفِتاَحِ الثغرة فصاح خالد و قال أعلو هُبَل ، فَفهِم أبو سفيانأنّ بالأمر ريب فرجع و معه جيشه المُنسحب .
فاشتدت المعركة مُجددًا فحاول أحد الكفرة وهو ابن حمئةأن يَقتُلَ قائد جيش المسلمين مُصعبحتى تسقط راية المسلمين على الأرض ، فضربه على كتفه اليمنى فقطعها له فالتقط مصعبالراية بيده اليسرى فقطعها له أيضًا ،فاحتضنها مصعب فقتله ابن حمئة و صاح لقد قتلتُ محمد .
فعَمَّ الهلع جيش المسلمين و ضنوا أنّ الرسول قد قُتلْ فتركوا المعركة وهرعوا إلى المدينة ، فبقي النبّي وحيدا في المعركة بصُحبَةِ عشرينَ مقاتلاً فقط ، كلّ منهميحاول الإحاطة به من كلِّ جانب ليمنعوا تَرَبُّصَ أهل قريش به ، فبدأت السِهام تتهاطلُ على النبّي من كل جانب ، فرآه أبو دجانةفأسرعَ إليهو احتضنه ، فباغتت السِهام أبا دُجانة واخترقت ظهره بدلاً من ظهر الرسول، فثبت عن السُقوط و تصدى لغالبية السِهام حتى أصبح ظهره كالقنفذ من كثرتها .
فرآه سعد بن أبي وقاصفسارع هو أيضًا لِحماية النبّي، فقال له النبّي فِداكَ أبي و أمي يا سعد، و لم يقُلها لأحد قبله ، فرُمِي سعدحتى قُتل ، ثم أتى طلحة فقال للنبّي أخفِضْ رأسك يا رسول الله نَحرِي من نَحرك ، فوضع يده على وجه الرسول فأصابت السهم يده فشَلَّته ، فقال له الرسول ما أنصفنا أصحابنا فمن يَدفَعُهم عني وله الجنة؟ ، ثم أتى يزيد بن السكنو معه عشرة مقاتلينفدافع عنه و قتلهم الواحد تلو الأخر فأخذت الدماء تتفجر منه و هو ثابت كأنه لم يُصب، ثم سقط على الأرض و تعفر وجهه في التراب ، فقال النبّي للصحابة ارفعوا وجهه عن التراب ، فمسح عنه التراب ثم رفع يديه إلى السماء و قال يا رب أُشهدكَ أني راضِ على يزيد بن السكن.
ثم ازداد تكاثُر المشركين فظهر بن خلف ذلك الذي سَمَّنَّ حِصانه ليقتل به الرسول ، فلما رآه النبّي أخذ رُمحًا و رَشق به بن خلف على خُوذتِه فأخذ يصيح قتلني محمد قتلني محمد ،فقالوا له لم يُصبكَ حتى ! فقال لهم إنّه توعدني بالقتل و إن بزق عليّ فقط لقتلني ، فأخذ يركض هاربًا فسَقطَ من فوق الجبل و مات .
أمّا أشجع الشُجعان فكانت امرأة أم عُمارةالتي دافعت عن النبّي عندما أحاط به ابن حمئةمُحاولاً قتله فأشهرت سيفها في وجهه فتجنبها في أوّل الأمر لأنه عَيبٌ قتل امرأة في عَهدهم ، ولكنّ أم عُمارةلم تترك له السبيل ليَصِلَ للنبّي فضربها فطيّر السيف من يدها فثبتت في مَكانها ، فضربها على كتفها بسيفه فلم تتحرك من مكانها حتى ظهرت عِظامُ كتفها فسقطت في مكانها فرأت ابنها حبيب بن الزبيريجري إليها ، فقالت له دعني دعني و أدرك رسول الله ، فقال لها النبّي أتطيقين كلّ هذا ؟ ! فقالت له أُطيق و أطيق و أطيق ، فرفع النبّي يديه إلى السماء و قال اللهم اغفر لأمّ عمارة و أهلها .
ثم أتى أبو عمر الفاسقو حفر حُفرةً للنبّي فسقط فيها على وجهه والتطم بحجرة فانكسرت رُباعيته و انفجر وجهه بالدماء ، فحاول الخُروج من الحفرة فأتى ابن حمئةو ضربه بسيفه على الخوذة فدخلت الخُوذة في وجه الرسول ،فحاول أصحابه إدراكه لانتزاع الخُوذة منه فلم يستطيعوا الوُصول إليه لكثرة الكفّار عليهم وقلة عددهم الذي لم يتجاوز العشرة بعد تخلي أصحابهم لهم بفرارهم إلى المدينةأين التقوا في طريقهم بابن مالكالذي سألهم عن استعجالهم فقصوا عليه القصة فقال لهم أتركتم النبّي وحيدًا في المعركة لا تعرفون أهو حيّ أو ميّت ؟ فلِما عيشكم بعده إذن !عودوا إلى معركتكم فإن مازال حيّا أدركتموه و قاتلتم معه و إن مات فموتوا لأجله ، فأّّثّر هذا القول على مَسمَعِهم وعادوا أدراجهم إلى المعركة ليلحقوا بالنبّي الذي وجدوه في الحُفرة ، فأخذوا يبكون لأنّهم خذلوهُ ، ثم أتى أبو عُبيدة بن الجراحو قال لأبي بكرأقسمت عليكَ أن تتركني أُخرج الخُوذة من على وجه الرسول ، فأخرجها أبو عُبيدة بأسنانه فانكسرت وانفجر وجه النبّي بالدماء فقال له أحد الصحابة أدعوا عليهم يا رسول الله ، فأجابه النبّي و قال لم آتِ لَعانًا وإنّما جئتُ رحمةً للعالمين ، ثم رفع يديه إلى السماء فظنّ الصحابة أنّه سيدعو عليهم إلاّ أنّه قال يا رب اهدهم واغفر لهم فإنّهم لا يعلمون .
ثم أتى علي بن أبي طالبو سَكبَ الماء على وجهِ النبّي فازداد الدم غزارة ثم كُوِيَ النبّي .
وحينها اشتدت المعركة و استشهد الكثير من المسلمين من بينهم :
أنس بن النضرذلك الذي بقى مع الرسول عندما فرّ الجميع ، فسأله أحد الصحابة إلى أين فقال إلى الجنة وربّ النضر تحت جبل أحد ، فوجدوه الصحابة شهيدا تحت جبل أحُد فلم يعرفوه من كثرة الطعون إلاّ أنّ أخته تعرفت عليه من خلال أصبعه المقطوع .
و منهم أيضًا حنضلةذلك الذي كان يوم زواجه يسبق المعركة بساعات ، فعندما سمع بالخُروج إلى المعركة سارع للمشاركة و مات شهيدا ، فرآه النبّي بين السماء و الأرض و الملائكةُ تُغسِّلُه في قِسطٍ من ذهب، فاستغرب النبّي ذلك لأنّ الشُهداء لا يُغسلون، فسأل النبّي زَوجةَ حنضلة ، فقالت له أنّه كان نائما معها و لم يلحق أن يغتسل .
و من بينهم أيضًا عـمر بن الجاموحفقدكان أعرجا و كان له أربعة أولادلم يتركوه يخرج لأنّه أعرج ، فخرج و قال لهم آهٍ لرائحة الجنّة و دعا ربّه وقال اللهم لا تُرجعني ، فاستشهد في المعركة ، فقال النبّي للصحابةإني أرى عـمر بن الجاموح في الجنّة بِعَرجَتِهِ .
ومن بينهم أيضًا عبـد الله بن حـرامذلك الذي كان له ابن و تِسعة بنات، فشارك في المعركة و قُتلَ و مَثَّلَّ به الكُفار فبكاه ابنه ، فقال له النبّي ابكه أو لا تبكه فمازالت الملائكة تُضَلِّلُه فأبشر يا جابرما كَّلم الله أحدا من غير حجاب و كلّم أبوك و سأله عن أمنيته فقال أبوك أريد أن أعود إلى المعركة وأقاتل مع الرسول و أموت شهيدًا ، فقال له لا تستطيع الرجوع فقال يا رب بلّغ أهل الأرض ما نحن عليه من سعادة فنزل قوله۝۝﴿ و لاَ تَحْسِبنّ الذينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ الله أمواتًا بَلْ أحْيَاءُ عِنْدَ ربِّهِمْ يُرزَقُونً
و من بينهم أيضًا عبد اللـه بن جحشذلك الذي دعا ربّه أن يرزُقه رجلاً كافر شديد القوة فيُقاتله فيقتله ،ثم يرزقه رجلا شديد القوة فيُقاتله فيقتله ،ثم يرزقه رجلا أشد قوة فيُقاتله فيقتل الرجل عبد الله فيقبُرُ بطنه و يجدع أنفه و يقطع أذنه فيأتي ربّه على هذا النحو، فكان له ذلك و مات بنفس الطريقة التي تمناها لأنّه صَدَقَ ربّه فصدقه .
و منهم أيضًا سـعد بن الربـيعذلك الذي وجده أحد الصحابة يلفظُ أنفاسه الأخيرة ، فقال له إنـي وجدت ما وعدني النبّي حقًا فبَلِّغه مني السلام و قُل له جزاك الله خيرا ما جازى عنه نبيّا و قُل للأنصار لا عُذرَ لكم إن وصلوا للنبّي و لكم رِمشٌ يتحرك .
ومن بينهم كذلك عـمّ الرسول حمزةذلك الذي أراد أن يذهب إلى الجبل حتى يُعيدَ الرُماة إلاّ أنّ وحشيترصًّد له لقتله طَلبًا من هندزوجة أبي سفيان ، فركز وحشي حَربَته على حمزة فوقعت على ظهره و خرجت من بين أحشائه ، فالتفت حمزة إليه فعرف وحشي أنّه لو وصل إليه لقتلَهُ فما استطاع وحشي أن يتحرك من مكانه خوفًا من حمزة و لكنّ حمزة سقط لأنّ جُرحه تغلب عليه فمات ، فأتت هندو شقت بطنَ حمزة و أخرجت كبده وأخذت تلوكه فضحك أبو سفيان،ثم أتى أحد المشركين و أخذ حِربةً ووضعها في فمّ حمزة، فأتى النبّي و رأى عمّه مَقتولاً بأبشع الطُرُقِ فبكاه و انتحب ، ثم دُفِنَ حمزة في مَكانِه و بعد مرور أربعين سنةأغرق المنطقة سيلٌ عَرِمْ فأمر أمـير المؤمنين بنقل الشهداء فوجدوا حمزة على حاله و لحمه ما زال طريّا .
و كل هؤلاء و غيرهم كانوا شهداء غزوة أحدالتي دفَعَ ثَمنها كثيرٌ من المسلمين بسبب غلطةِ و تقاعُسِ ثلاثين أو أربعين نفرًا نزلوا من أمكنتهم لجمع الغنائم ، و لكنّ اللـه سترَ و نجَّا النبّي و الصحابة الذين انتقلوا إلى جبل أحُدْ فنجاهم تَجويف الجبل ، أمّا قريش فقد تمركزوا في أسفل الجبل و على رأسهم أبا سفيانالذي أخذ يصرخُ أعلو هُبل ، فقال النبيّ للصحابة ألا تجيبوه ؟ ! فقالوا بما يا رسول الله ؟ فقال لهم قولوا له بل اللـه مولانا و لا مولى لكم ، فقال أبو سفيان هذه واحدةُ أحُدْ بواحدةِ بَدْرْ ، فقال لهم النبّي قولوا له ليس الأمر سَوَاء فقَتلاَنا في الجـنة وقَتلاكُم في النار ، فأدرك أبو سفيانأنّ النبّي لم يَمُتْ لأنّ هذا القول ليس إلاّ قوله .

و هكذا انتهت المعركة بالحِيَادْ و العِبرَةُ التي التمسناها من هذه الغَزوة هي لابد من الانصياع لأوامِر النبّي مهما كانت و بلغت

#20

افتراضي رد: هذا هو انبيّك محمد و الشافع لك يوم القيامة ,,متجدد

السنــــة الرابعـــة للهجــرة


إنّ غزوةَ أُحُدْ كانت تجربةً صعبةً و دَرسًا قاسيًا جدّا قد أطاحَ بالصحابة و كَلّفهم الكثير بسبب مُخالفتهم لتعاليم الرسول ووصياه لهم ، فبعد انهزامهم في الغزوة رجع بهم النبّي إلى المدينة ، غير أنّ انهزامهم هذا تَعدى مِن أن يُحصرَ في انهزامٍ مع قريش بل تَجاوزَهُ ليصير أقوى انهزام للنفس و الثِقة ، فألسُنُ المنافقين الحادة لم ترحمهم بل سَعت إلى التشكيك في قُدراتهم ومُؤهلاتهم و بالتالي انفتح أوّل بابٍ للسؤال و التشكيك ! فتساءل الصحابة عن نُصرة الملائكة لهم و عن إصابة النبّي و عن نتيجة مَشُورَتهِم الخاطئة التي أوصلتهم إلى حَتفهم هذا ، غير أنّ اللهلم يتركهم طُعمًا لوسَاوسِهم و لأقاويل المنافقين بل جَبَرَ بهم و أنزل لهم سورة آل عمران و قوله۝۝﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَو قوله ﴿إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ

و في صلاة الفجر جمع النبّي الصحابة و المسلمين و قال لهم من كان يُؤمن منكم بالله و اليوم الآخر فإني خارجٌ الآن لمُلاقاةِ قريش فليخرج معي من خرج منكم بالأمس ، فخرج النبّي و الصحابة ووصلوا حمراء الأسد حيث كان جيش قريش يستريحُ ، فسمع أبو سفيان بخبر قُدوم النبّي إليهم فارتعب و أرسل برسولٍ له إلى الرسول ليُخَوِّفه و أمره أن يقول للنبّي أنّ قريش قد لَبِسَتْ جُلودَ النمور لمقاتلاتهم ، فقال له النبّي أعِدْ على الصحابة ما قُلتَه لي فأعاده الرجل عليهم ، فقال لهم الرسول قولوا له حسبنا الله و نِعم الوكيل ، فارتجّ الجيش كله يصيح حسبنا الله و نعم الوكيل .

و في نفس الوقت خرج مَعْبَد بن أبي مَعبد لمُلاقاة قريش و هو يتظاهر بعدم إسلامه فأتى أبو سفيان و قال له يا أبا سفيان إنّ أصحاب محمد يتحرقون عليكم تحرقًا شديدًا و قد جمعوا لمحاربتكم أضعاف ما جاؤوكم به في الأمس ، فخاف أبو سفيان و جمع جيشه ولاذا بالفرار فارتحلوا ، و بالتالي استرجع النبّي كَرامته و كرامة المسلمين في حمراء الأسد.

فتَكَالُبُ قريش على النبّي و المسلمين شَجّعَ بالمُوازاة بقيّة القبائل فزادت من شِّدة و وَتيِرَةِ تَكالُباتها ، فقد قام خالد بن سفيان بتحريض قبيلته على غزو المدينة غير أنّ النبّي كان مُتيّقِّضًا له ، فأرسل له الصحابي عبد الله بن أُنيس ليقتله في رَحلِهِ حتى يُنهي بذلك الحرب قبل بدايتها ، و بالتالي أمر الرسول عبد الله أن يتغلغل في الجيش و يبحث عن قائدهم خالد فيقتله ، فسأل عبد الله النبّي عن مُواصفاته ، فقال له النبّي يا عبد الله إنّك إذا رأيته تذكرت الشيطان ووجدت في نفسك قشعريرة ، فخرج عبد الله قاصدًا جيش خالد بن سفيان و عند وُصوله رأى تجهيزات الجيش فخاف غير أنّه شجّع نفسه و دخل بين الجيش ليُحمِسهم على مُحاربة النبّي كأنّه ألّدُ أعدائه حتى يكسب ثِقة خالد فكان له ذلك ، فقد انطلت حيلته على خالد و أُعجب به و بكراهيته للنبّي فجعله حارسًا عليه ، هذا ما جعل عبد الله بن أُنيس ينتهز أوّل فُرصةٍ أتته لقتله فقتله في خيمته و فَرّ بعد ذلك إلى الجِبال و مَكَث ما يُقارب الثلاثة أيّام و بالرغم من أنّ الطعام قد استنفذ منه و لم يجد سِوى ورق الأشجار بديلاً إلاّ أنّه صَبرَ و لم يَبْرَح مَكانه إلى أن تأكد من أنَّ جيش خالد بن سفيان قد تفرق و رجعوا عن فِكرة مُحاربتهم للنبّي ، وقتها فقط انطلق عبد الله بن أنيس إلى المدينة المنورة ليُبشرهم بأقصى سُرعة ، و عندما وصل إلى المدينة و جد النبّي قَلِقًا جدا ، فقال له أ أفلح الوجه؟ ! فقال عبد الله نعم يا رسول الله لقد فعلتها فَفَرِح النبّي و كبَّرَ ثم قال له تَعاَلَ معي لأني أريد أن أكافئك ، فقال بما يا رسول الله ؟ ! فقال انتظر فدخل النبّي بيته ثم خرج و بيده عصَا فأعطاها لعبد الله و قال له هذه هي المُكافآة ، فقال أهذه هي المكافآة يا رسول الله ؟ ! فقال نعم خُذها و رُدّها لي يوم القيامة أُدخلُك بها الجنّة ، ففرح عبد اللهفرحًا عظيمًا ، و يقول عبد الله في ذلك و الله ما فرحت بشيء كفرحتي بتلك العصا و و الله ما غادرتني العصا من يومها و ما كنت أخرج من دونها فحتى إذا نِمتُ أخذتها إلى صدري و لقد أمرت من هم حولي أن يدفنوها معي في قبري حتى إذا قامت القيامة و خرجتُ من مقامي في قبري أقول للنبّي هذه هي العصا فأدخلني بها الجنّة .


فكان لتدبير الرسول و تطبيق عبد الله بن أُنيس في إنهاء الحرب التي شنّها عليه خالد بن سفيان و قبيلته .

و ليس خالد بن سُفيان هو الوحيد الذي سعى إلى مُحاربة النبّي و المسلمين بل عِدّة قبائل مُجاورة تجرأت على النبّي و من بين هذه القبائل قبيلة مُجاورة للمدينة المنورة طلبت من النبّي أن يُرسل لها من يُعلّم قومها القرآن و تعاليم الإسلام ، فأمَّنَّ لهم الرسول و استجاب لطلبهم و أرسل لهم ستة من الصحابة من بينهم مَرثد بن أبي مَرثد _خُبيب بن عدّي _ زيد بن دثنة _ عبد الله بن طارق _ عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح و خالد بن بكير ، فخرج الستة و في طريق خُروجهم غدرت بهم هُذيل فقيّدوهم ليبيعوهم لقريش ، فدافع الستة على أنفسهم غير أنّهم لم يستطيعوا مُجابهة الجميع فقُتل ثلاثة منهم بمن فيهم مرثد بن أبي مرثد و خالد بن بكير و عاصم بن ثابت ذلك الذي توعدته سُلافة بن سعد لَإنْ أتَوها برأسه لشربت فيه الخمر ، غير أنّ الله حَالَ بينها و بين أن يُدَنَّسَ رأس صحابي فسلَّط على القوم الدَبابير و النحل فلم يَقربوه في النهار و في الليل أرسل لهم سيلاً أخذت الرأس بعيدا عنهم .

و بقتل الثلاثة استسلم الثلاثة المتبقين فقيّدوهم و أثناء ذلك تكلّم عبد الله بن طارق و قال لهم هذا هو أوّل الغَدر فقتلوه هو أيضًا ، و أبقوا على زيد بن دثنة و الخُبيب بن عدّي، ثم انطلقوا بالاثنين إلى مكة و عند وُصولهم رآى صفوان بن أميّة زيد بن دثنة الذي قتل والده أميّة بن خلف فقتله به ثأرا و غِلاّ و انتقامًا ، فلم يبقى سِوى خُبيب بن عدي ذلك الذي حاولوا قتله هو أيضا إلاّ أنّ الشهر الحرام أدركهم و بَاشرهم فاستعصم عليهم قتله فربطوا عليه الحديد و أخذوه إلى بيت ماوية لتُراقبه ، و تقول ماوية في ذلك كنت أدخل عليه لأعطيه الطعام فأجده يأكل قِطاف من العنب و أقسم بالله أني لم أكن أعطيه العِنب و لم تكن توجد عنبة بمكة ، و تقول أيضا نادى عليّ يوما و طلب مني أن أعطيه حديدة كسكين فسألته لما ؟ فقال لي لأقص الأظافر و أُهذّب الشارب و أحلق الإبط حتى ألقى ربّي و أنا في خير حال ، فأتيت له بالسكين و عندما رجعت لأسترده منه وجدت ابني في حجره و السكين بيده ففزعتُ فزعة عرفها خُبيب ، فقال لي أتخافين أن أقتل ابنك ؟ فسكتُ ، فقال لي ما كان لي أن أفعل ذلك و أنا من أصحاب الرسول ، فردّه لي وأسلمت يومها .

ثم أتى أهل قريش إليها و أخذوه و عَلَّقوه بنخلة بمنطقة التنعيم و حرّضهم أبو سفيان على إطلاق السِهام على يديه و رجليه حتى يُعذّبوه أكثر انتقامًا منه ، فآتاه أبو سفيان و قال له يا خُبيب أصدقني القول أ تحبُ أن يكون محمـد مكانك الآن و تكون أنت في بيتك لا يمسّك سوء ؟ فرد عليه خُبيب و قال و الله ما أُحبّ أن يكون رسول الله جالسَا في بيته فتُصيبه شوكة و أنا في أهلي فكيف بي أُحبّ أن يكون مكاني ؟ ! فقلَّبَ أبو سفيان كَفَيْه و قال ما رأيت أحدًا يُحب أحدًا كحُبِ أصحاب محمد لمحمد ، و أثناءها رقَّ أبو سفيان لخبيب و سأله إن كان يُريد شيئًا قبل قتله ، فقال نعم أريد أن أصلي ركعتين ، فتركه أبو سفيان يُصلي و عندما أكمل قال يا أبا سفيان و الله لولا أنّكم قد تظنوا بي أني قد أخاف الموت لأطلت صلاتي ما شاء الله لي أن أُطِيل و لكن فكرت أن تظنوا بي أني قد أخاف الموت و أنا بي أحب لقاء الله .

ثم أخذوه فربطوه فرفع خُبيب يديه لربّه و قال اللهم أحصهم عددا و اقتلهم بِددا و لا تُغادر منهم أحدا ، فمن شِدّة قوة دُعائه انبطح أهل قريش أرضًا تخوفًا من استجابة دُعائه ، ثم أطلقوا عليه السهام فأطلق شِعرا فيهم و قال :

لا أبالي حين أقتَلُ مسلماَ و على أي جنبٍ في الله مصرعي ...و ذلك و في ذات الإله و ان يشأ يبارك على أوصالي يتلوه جسد مُمَزع ، ثم قال اللهم إني قد بلغت رسالة رسولك فبلّغ مني نبيّك السلام ، فإني أحبّ أن أبلغه مني السلام قبل الموت ، و أثناءها نزل جبريل على النبّي و بلّغه بسلام خُبيب و بمصيره الموعود بالقتل فتحرَّق النبّي غضبًا على القبيلة الغادرة .

و قُتلَ خُبيب أيضَا و لَقِيَ مَصرعَه مِثله مثل أصحابه الستة ، فكانت هذه الحادثة أوّل الغدر غير أنّها لم تنتهي عندها بل تزايد و تضاعف مع قبيلة نجَدْ من نفس السنة ، فهي أيضًا طلبت من الرسول أن يبعث لها من يُعلّمهم الدين فأمّنَ لهم الرسول و بعث لهم سبعين صحابي غرّرُوا بهم جميعًا و قتلوهم .

فقد خرج السبعون بقيادة المُنذر بن عمر و عند وُصولهم إلى نجد قصد حِرًام بن مِلحان قائد نجد الطُفيل بن مالك و أخذ يُحدثه عن الإسلام فغمز الطُفيل لجبار فضربه بحِرابٍ على ظهره فصاح حِرام قائلا فُزت و ربّ الكعبة ، فاندهش جبّار من كلامه و تساءل عن فوزه الذي تحدث عنه و هو يلفظ أنفاسه الأخيرة ، فقصد النبّي و أخبره بما جرى معه ، فقال له النبّي لقد فاز بالجنّة و حكى له عن قُصورها و قِطافِها ، فقال جبّار و الله لرجل يموت بتلك الميتة و يتذكر الجنّة لإنّه صادق و لإنّك صادق يا محمد فأشهد أنّ لا إله إلاّ الله و أنّ محمدا رسول الله .

فهكذا قُتِلَ حِرام بن مِلحان أمّا بقية السبعين فقد خرجت لهم قبيلة نجد و قتلتهم جميعًا إلاّ عمر بن أميّة ذلك الذي خرج لقضاء حاجة له و عندما عاد وجد الطير تحوم بمنطقة أصحابه فتأكد أنّ بالأمر خطبْ ، فوجد أصاحبه قتلى فرجع إلى النبّي ليخبره ، فغضب النبّي أشدّ غضب و ظلّ يدعو عليهم شهرًا كاملاً ، فنزل قوله۝۝ ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ * وَلِلَّهِ مَا فِي السموات وَمَا فِي الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ، فتوقف النبّي عن الدعاء عليهم .

ووقتها انتهزت يهود بني النظير ظروف النبّي فكاتبت قريش و تأعلمتها بالمُستجدات ، في بادئ الأمر لم يتفطن الرسول لنوايَا يهود بني النظير خُصُوصَا لما طلب منهم دِيَّة قَتلِهِم لأثنين من المسلمين لم يُعارضوا ذلك و قبلوه فورًا ،غير أنّ نيّتهم كانت قتل النبّي و حاولوا أن يضربوه بالحِجارة على رأسه إلاّ أنَّ جبريلنزل على النبّي و نبّهَهُ .

و في نفس الوقت سقطت مُكَاتَبات و افشاءات يهود بني النظير لقريش في يد النبّي ، فبعث لهم الرسول بخِطاب مُنكِرًا فيه عليهم غَدرهُم فأمرهم بالخُروج من المدينة و أجّلَهُمْ شهرا حتى يجمعوا رِحالهم ، فاشتروا الإبل في بادئ الأمر حتى يُحملوا عليها أموالهم و كُنوزهم إلاّ أنّ المنافق عبد الله بن سلام حرّضهم على النبّي ووعدهم بالمساعدة و جعل بين يديهم سبع مائة مُقاتل هذا ما غَرّهم و جعلهم يتقوّون على الرسول و يمتنعون عن الخروج من المدينة ، فأثار هذا الأمر غضب النبّي فخرج لمحاصرتهم و دام حِصاره لهم خمسة عشرة يومًا ، و انتهى الحِصار بانتصار المسلمين و انهزام يهود بني النظير فخرجوا من المدينة دون رِحالهم و كان هذا نصيب من يُتاجرُ بالغدر مع الرسول .



#21

افتراضي رد: هذا هو انبيّك محمد و الشافع لك يوم القيامة ,,متجدد

و في نفس العام من السنة الرابعة للهجرة بلغ الرسول أنّ أحد القبائل قد تجهّزت لمحاربته و بالرغم من صِغرها وضُعفها قرّر الرسول أن يُحاربها حتى تَتَعِض بقيّة القبائل و تَغُضَّ نظرها عن غزو المدينة ، فجهّز النبّي جيشا يضُّم سبعُ مائة مُقاتل ليمشوا مسافة ثلاث ُمائة كم ، و قد كان كل ستة رجال يتبادلون على بعير واحد وسُميّت الغزوة بذات الرِّقاع .

و يحكي عنها موسى الأشعري فيقول كان كل ستة رجال منا يتبادلون على بعير واحد حتى تمزّقت نِعالُنا و سقطت أظافر أقدامنا فكُنّا نُقطِّعُ من ثِيابنا و نربط بها على أقدامنا فسُميّت الغزوة بذات الرقاع من الرُقَع و من الملابس المُرقعة .

و بالرغم من كل هذا التعب إلاّ أنّهم خرجوا للقاء القبيلة الغائرة ، و لكن حصل ما لم يكن في الحُسبان فالقبيلة لاذت بالفِرار أوّل ما رأت جيش رسول الله يقترب منها ، فانتصر النبّي وجيش المسلمين مَعنويًا و رجع ليعود أدراجه إلى المدينة و في طريق العودة صلى النبّي بالمسلمين صلاةَ الخوف ، فقسّم الجيش إلى قسمين نصف يقابل جِهة العدوّ و نصفٌ يُقابل القبلة فصلى ركعتين بالنصف الأول و ركعتين بالنصف الثاني فأتمّ بهم أربع ركعات .

و في الليل أراح النبّي الجيش وولى المُهاجري عمار بن ياسر و الأنصاري عباد بن بسر على حِراسة الجيش عند قمّة الجبل ، فاتفق عمار مع عباد أن يحرس عبّاد الجيش أوّل الليل و يحرسه هو آخر الليل ، فنام عمّار و ترك عبّاد في الحِراسة ، غير أنّ عباّد وَدَّ أن يُصلي و في نفس الوقت يقوم بالحِراسة ، فأتاه سهمٌ و انغرس بكتفه فشدّه و أكمل صلاته فأتاه سهمٌ آخر فشدّه و أكمل صلاته ، ثم أتاه سهم ثالث فسجد و رفع و سلَّم و أيقظ عمّار ، فأنّبه عمّار على تأخره في ايقاضه له خصوصًا و هو بتلك الحالة ، فقال له عبّاد كنت أصلي بسورة الكهف و لقد كانت خُروج نفسي أهون عليَّ من أن أتركها و لولا أنّ رسول الله أوصاني بحماية ثغر جيش المسلمين ما خرجت أبدًا من حلاوة ما كنت أصلي به .

و في طريق العودة استظل النبّي بشجرة و نام كما نام بقيّة الجيش من شِدّة التعب ، فعلَّقَ النبّي سيفه بالشجرة ، فأتاه رجل كافر و أخذ سيفه ووضعه على رقبته ثم أيقضه و هو أعزل فقال له من يمنعك مني الآن ، فقال له النبّي بمنتهى الثّقة الله،فسقط السيف من يد الرجل ، فأخذه النبّي منه ووضعه على رقبته و قال له من يمنعك أنت مني ؟ ! فقال له يا محمـد لم أفعل لك شيئا فلا تُؤذني ، فقال له النبّي أتؤمن بالله و رسوله ؟ فقال الرجل لا ، فقال له النبّي إذن لا تُعِن عدوي عليَّ ، فقال له الرجل لك ذلك .

و عندما وصل النبّي إلى المدينة وجد جابر بن عبد اللهذلك الذي تُوفي عنه والده في غزوة أُحد و خَلَّف من ورائه تِسعُ بنات فقد تأخر بسبب ناقته الضعيفة ، فسأله النبّي إن كان مُتزوجا ، فقال له جابر نعم يا رسول الله ، فقال الرسول بثيّب أم بكر ؟ فقال بثيّب و قد تزوجتها بعد وفاة أبي لترعَى أخواتي ، فخفّفَ عليه النبّي و قال له أحسنت يا جابر و لن ندخل المدينة حتى تسمع زوجتك بعودتك فتُعِد لك النَمارٍق ، فقال جابر ما لدينا النمارق يا رسول الله ، فقال له النبّي سيكون لك بإذن الله يا جابر ، ثم قال له أبتاع منك ناقتك يا جابر ، فقال إنها لا تٌُساوي شيئا يا رسول الله ، فقال له النبّي و لكني أريدها يا جابر ..و كان الرسول يحاول مُساعدته بذلك لأنه كان رجلا فقيرا ، فقال جابر بل أهبها لك يا رسول الله ، فقال النبّي بل أشتريها منك ، فقال إذن ثمِّنْ يا رسول الله ! فقال الرسول مُمازحًا له أخذها منك بدرهم ، فرد عليه جابر وقال أتبغضني حقي يا رسول الله !، فقال النبّي أخذها منك بدرهمين ، فقال جابر خُذها بدون مُقابل ، فضحك النبّي و قال له سآخذها منك يا جابر ، فقال جابر أ أَنزلْ عنها يا رسول الله ؟ ، فقال له النبّي ابق عليها و عندما نصل المدينة سأعطيك ثمنها ، و عند وصولهم إلى المدينة ترك جابر الناقة أمام بيت الرسول فلما رآها نادى على بلال و طلب منه الذهاب إلى جابر بالناقة و حمّله معه مالا و أوصاه أن يُخبره أنّ النبّي يعتبره كابن أخيه .

فهاته كانت جُلُّ الأحداث التي طغت على السنة الرابعة للهجرة ، ورغم بعض المواقف الصعبة و المؤلمة التي ألمَّتْ بالنبّي و الصحابةإلاّ أنّهم انتصروا و فَرِحوا في آخر المطاف ليَهُزَّ الإسلام بعد ذلك ربوع المدينة و مكة و سائرَ القبائل .

#22

افتراضي رد: هذا هو انبيّك محمد و الشافع لك يوم القيامة ,,متجدد

غـــزوة الخنـــدق

بحلول السنة الخامسة من هِجرة النبّي قرّرت قريش الاستعانة ببقيّة القبائل في قَضاءِها على الرسول لأنّها بآخر المَطاف أدركت أنّ فِكرتَها في استِئصَال النبّي و المسلمين لن يكون قَطعًا بطريقة انفرادية هذا ما جعلها تلجأ لطلب مًعُونَةِ العرب و كذا اليهود ، فاتحدت قريش في ذلك مع قبيلة غطفان و قبيلة أشجع و قبيلة بني سُليم و يهود بني النظير و غيرهم ، فجهزّت جيشًا قُدّر بعشرة آلاف مُقاتل ترأسهم أبو سفيان و قادهم لغزوِ المدينة المنوّرة غير أنّ الخبر تسرّب إلى النبّي وسَبَقَ وُصولهم إليها بخمسة عشرة يومًا ، فجمع الرسول المسلمين و طلب مَشُورَتَهُم ، فأشار عليه سُليمان الفارسي بحفر خندق على أطراف المدينة يمنع دُخولَ أيّ مُعتدي من جِهة الشمال ، فأُعجِبَ النبّي بفكرة سليمان و أخذَ بها ووضع عليها خُطَطَهُ ، فاختار منطقةً بين الحرتين ليُخندِقَ بها و انتقى جبل سَلْعْ ليكون قِبلته في مُراقبته لجيشالعدوّ ، و جهزّ جيشه المُقدّر بألف و خمس مائة مُقاتل فحثّه في بادئ الأمر على حفر الخندق ، فقسّمه إلى مجموعات ضمّت كل واحدة منها خمسة و عشرون مُقاتل و أربعة مُراقبين يعملون تحت إشرافه الخاص .
فدامت مُدّة حَفرِهم للخندق عشرة أيّام فوصل عرضه إلى تسعة أذرع و بلغ عمقه خمسة أمتار و قُدرت مساحته مابين الحرتين أربع كيلومترات .
فتحمّل النبّي و سائر الجيش مَشقَّةَ الحفر و شِّدَّة الجوع ، فأضمرت بطن النبّي من الجُوع فلم يجد حتى ما يسَََُّد به جُوعه ، فرآه جابر بن عبد اللهفي تلك الحالة ، فقصد زوجته و سألها عن الطعام ، فقالت له لدينا صدر دجاجة و حفنة شعير ، فقال لها و من تكفي ؟ ! فقالت له الأولاد ، فقال له أيمكننا أن نُعطيها لرسول الله ؟ ، فقالت له طبعًا ، فقصد جابر النبّي و أخذه على جنب و قال له يا رسول الله إنّ طعامك عندي اليوم ، فقال له النبّي أ وحدي يا جابر؟ ! فقال جابر يا رسول الله ليس لدينا غير حفنة شعير و صدر دجاج ، فقال له النبّي أ وحدي يا جابر ؟ ! فقال جابر و معك أبا بكر و عمر ، فقال له النبّي يا جابر لا يُمكن أن آكل أنا و يجوع الناس ، فصَعد النبّي إلى جبل سَلْع و نادى على المسلمين و قال لهم يا معشر المهاجرين و الأنصار إنّ طعامكم اليوم عند جابر بن عبد الله ، ففرح الجميع ، فقال جابر للنبّي يارسول الله إنّ الطعام ليس غير حفنة شعير و صدر دجاج فلن يكفي الجميع ، فقال له الرسول اسبقني إلى بيتك و ليس لك داع بالطعام ، فانصرف جابر إلى بيته و نادى على زوجته و قال لها أدركيني يا امرأة فإنّ النبّي سيأتينا للغذاء و معه جيش المسلمين ، فقالت له أيعلم بكمية الطعام ؟ فقال لها نعم ، فقالت له إذن الله و رسوله أعلم ،فقال صدقتي أي نعم ، فلحق النبّي بجابر و معه الجيش ثم أمّرهُ على الوقوف بباب بيته و على أن يُدخِل له الجيش مجموعات متوالية الواحدة تلو الأخرى ، ففعل جابر ما أمره به النبّي و كان يُراقب خُروج كل مجموعة فيرى أثرَ الفرحة و البهجة على وجوههم ، فاستغرب جابر الأمر ثم خرج الرسول و قال لجابر بارك الله لك و لزوجك و لأولادك على هذا الرزق فقد أكل الجميع و شَبِعوا فادخل لتأكل مع أهلك ، فدخل جابر فوجد الطعام كما تركه و لم ينقص منه إلاّ كخدشة فحمد الله على بركاته .
و هكذا كان حبُّ الرسول لأصحابه ، فقد شاركهم حتى في الحفر بالرغم من كِبر سنّه ، فمرّة لم يستطع الصحابةأن يَكسروا صخرةً فنادوا على أبي بكر فلم يستطع هو أيضَا و كذا عمر بن الخطاب و عثمان بن عفانو علي بن أبي طالب فنادوا على النبّي فأتاهم و طلب منهم أن يَرشوا عليها بالماء فرَشُوها ثم كَبّر و ضرها ضربةً فانفجرت فقال الله أكبر فُتِحت فارس ثم ضربها ضربة أخرى فانفجرت أكثر فقال الله أكبر فُتِحت الروم ثم ضربها ضربة ثالثة فتفتت الصخرة و أصبحت حفنة رمل فكبّر الصحابة كلهم.
و تقول أمّنا السيّدة عائشة و الله لقد كان الرسول يعود مُنهكًا من جبل سلع فينام مُباشرة و يضع رأسه في حِجري و ما هي إلاّ دقائق حتى أسمع له غَطيطًا و ما سمعت له غطيطا من قَبل .
فهكذا اكتمل حَفرُ الخندق بصبر الجيش و تعاونه و في غضون عشرة أيام أصبح الجيش على أُهبة الاستعداد لمحاربة العدوان القُرشي القبائلي اليهودي على المدينة المنورة .
و عندما بلغت جُيوش العدوّ مَدخَلَ المدينة المنورة ورأوا الخندق اندهشوا و ارتهبوا من عَظمته إلاّ أنّهم لم يتراجعوا بل تمسكوا بفِكرتهم و انتصبوا بأماكنهم و أحكموا إِغلاق و مُحاصرة المدينة على المسلمين مّدة أربع و عشرين يوما بجيش قدره عشرة آلاف مُقاتل ، لكنّ هذا الإحكام لم يُجدي نفعًا و لم يُنقِص من عزيمة الرسول و جيش المسلمين بل زادهم قُوّةً و تنظيمًا و مُراقبةً ، فاختلطت بذلك أوراق العدوّ و لم يَجدوا مَنفذًا للإطاحة بالمسلمين ، فاجتمع الغُزاة و قرّروا التفاوض مع يهود بني قُريضة القاطنين بالمدينة ليُساعدوهم على مُحاربة محمد و مُهاجمة المدينة من جهة الجنوب لقتل نِسائهم و أطفالهم ، و بالتالي يُشدّدُ الخناق على الجيش و تُفتح أوّل ثغرة على الجيش فتجعله يفقد توازنه و تَحْمِلُهم على العودة لحماية أظهر النِساء و الأطفال و بالتالي يختلُّ تنظيم صُفوف الجيش فيستطعون التغلغل بين الجيش و يخترقون صفوفه بسهولة .
فخرج سيّد بني النظير حُيي بن أخطب ليُفاوض سيّد يهود بني قُريضة كعب بن أسعد ، و عندما وصل إليه قال له يا كعب جِئتُك بخير الدهر و جئتك بغطفان لنستئصل محمد ، فقال له كعب بل جئتني بذُلِّ الدهر و والله لم أرى من محمد إلاّ وفاءً و عدلا ما رفض لي مالا و ما أكرهني على إتباع دينه و ما طردني من المدينة لمّا طردكم منها ، فقال حُيي يا كعب سنملك المدينة معا ، فبعد إلحاحٍ من حُيي قبَِل كعب التغرير برسول الله ، فعاد حُيي مسرورًا إلى جيشه و بشرهم بانتصارهم المضمون .
و في نفس الوقت تَسرّب الخبر و بلغ مَسَامِع النبّي فغضب و جزع و قال حسبي الله و نعم الوكيل ، ثم نادى على سعد بن معاذو سعد بن عبادة و طلب منهما تَقَصِي الخبر و التيَّقُن منه ، فانطلقا الاثنان معًا إلى كعب بن أسعد و سألاه وقالا يا كعب أليس بينك و بين رسول الله عهد ؟ فقال لهما و من رسول الله و من محمد هذا ؟ ! ، ثم قال ما بيننا و بينكم أي عهد ! فقد مزّقنا الصحيفة ، فغضب سعد بن معاذ غضبًا شديدًا فشتمه فتدخل سعد بن عبادة و نهاه عن شتمه قائلا يا سعد لا تشتمه فإنّ الأمر بات أكبر من المُشاتمة ، فخرجا و سارعا لملاقاة النبّي و قد كانا مُتفقين مع النبّي أن لا يُخبراه أمام الجيش إن تأكد خبر خِيانَتِهم حتى لا ينهار الجيش بل يُعرِضَا فقط فيفهمهما النبّي ، و عندما وصلا قالا له عظل وقارة بمعنى غدر كغدر قبيلة نجد ، ففهم الرسول إشارتهما فقال الله أكبر أبشروا بنصر الله ، ثم غادرهم النبّي و مَكَث طويلاً بمفرده لا يُكلّم أحدًا .
و في هذه الأثناء راحت قريش و حَليفاتها تُعمِّمُ الخبر و تتفاخر بدُخولها القريب للمدينة ، فبات الجميع يعلم ما جرى و تطاولت ألسنة المنافقين و صاروا يقولون أما قد كان محمد يقول سنفتح الروم و الفرس ! فكيف هذا و نحن الآن لا نستطيع مُبارحة أمكنتنا من الخوف و الرعب ؟ ! فنزل قوله ۝۝ ﴿إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾.
و بعدها قامت يهود بني قُريضة بإرسال مُستكشِفٍ للمدينة حتى يستطلِعَ أخبار جُندها و قوّتها ، فلم يبقى بها سوى حسان بن ثابت ليَحرص حِصن النساء و الأطفال ، فاقترب المستكشف من الحِصن فرأته السيدّة صفيّة عمّة النبّي فسارعت لحسان و أخبرته ، فقال لها و ما ذا عساي أفعل له ؟ ! فقالت له أقتله فإنّه لم يأتينا إلاّ ليَمكُر بنا ، فقال لها و الله لا أستطيع فأنا لا أفهم إلاّ بالشعر ، فنزلت السيّدة صفيّة و أخذت حديدة ضربت بها اليهودي على ظهره ضربتين أَرْدَتهُ قتيلاً ، فطلبت من حسّان أن يأخذ منه سِلاحه و يقطع له رأسه و يرميها أمام حُصون اليهود حتى يتأكدوا أنّ بالمدينة حِراسة قويّة و مُشدّدة ، فقال لها حسّان ما أنا بذلك الرجل فأدار حسّان بوجهه ، فقطّعت السيدة صفية رأس اليهودي و ألقته قُرب حُصون بني قُريضة فذُهلوا لما رأوه و ارتعبوا و خافوا ، ووقتها أرسل الرسول بعض المجموعات من الجيش لمراقبة حِصن النساء ، كما عمد إلى غطفان ليحاول مُفاوضتهم ، فقال لهم إذا تراجعتم و انسحبتم أعطيناكم ثُلث ثِمار المدينة ، فانتهز عينية سيّد غطفان الفُرصة و قال له لن نقبل بغير النصف ، فقال له النبّي أسأل أصحابي و أخبرك ، فقال له عينة أتسألهم و أنت قائد عليهم ، فقال النبّي و لكنّ المدينة مُلكهم و عليَّ أن أسأل أهلها في ذلك .

فرجع النبّي و أخبر سعد بن مُعاذ و سعد بن عُبادة بما جرى فقالا له أأمضيت الأمر معهم فنسكت يا رسول الله ؟ فقال النبّي ما كان لي أن أمضي شيئاً قبل أن أسألكم ، فقال سعد بن معاذأهذا أمر أمَرَك به الله فنسكت أم أمرٌ تُحبّه فنفعله من أجلك أم أمر تصنعه لنا ؟ ! فقال النبّي بل أمر أصنعه لكم و والله ما أردت إلاّ أن أُفَتِّتَ العرب ، فقال سعد يا رسول الله لقد كُنا و هؤلاء أهل كُفر نعبد الأصنام و لا نعرف الله و ما كانوا وقتها يَطمَعُونَ في ثمرة واحدة من ثِمار المدينة بدون ثمن أ فيوم أعزّنا الله بالإسلام أخذوا نصف الثمار بلا مُقابل ! و الله ليس لهم غير السيف ، فابتسم النبّي و قال له أنتم و ما تُريدون ، فرجع إلى غطفان و قال لهم لم يقبل أهل المدينة الصُلح معكم .
و بعدها اشتدّ الحِصار أكثر و بدأت قريش تَجْتَرِأ على المسلمين و تنزل إلى الخندق ، فنزل عمر بن وُّد و قد كان أشجع مُبارز و مُقاتل بقريش ، فنادى على المسلمين و قال لهم من يُبارزني ؟ فلم يُجبه أحد ثم كرّرَ كَلامه فلم يُجبه أحد ، فقال لهم أجبُنتم ؟ ! فصاح علّي بن أبي طالب و قال أنا له يا رسول الله ، فقال له النبّي اجلس يا علّي فهذا عَمْرُ بن وُّد ! فقال علّي و إن يكن يا رسول الله فإن كان هو عمر فأنا علّي ، فأعطاه النبّي سيفه و أخذ يدعو له الله و يقول اللهم أعنه ..اللهم إنّك أخذت أبا عبيدة في بدر و حمزة في أُحد و هذا علّي ..اللهم لا تدعني فردا و أنت خير الوارثين.
فنزل علّي إلى عمر ، فقال عمر من أنت ؟ فقال علّي بن أبي طالب فقال عمر ابن أبو طالب ؟ ! فقال نعم ، فقال عمر يا بُنّي إنّ أباك قد كان صاحبي و لا أحبّ أن أقتلك فانصرف ، فردّ عليه علّي وقال لكني أحبّ أن أقتلك و إني أُخيِّرُك بين ثلاث إمّا أن تشهد أن لا إله إلاّ الله و أنّ محمدا رسول الله و إمّا أن تعود إلى مكة و إمّا أن أقطع عُنُقَك ، فغضب عمر بن وّد و عَقَرَ فرسه و لطّخ وجهه بدِمائها و أخذ سيفه و ضرب به علّي ضربةً شديدة ردّها علّيبدِرعه ، فاشتدّ النِزالُ بينهما و تناثر الغُبار و تَعَالتِ الأصوات و فجأة سَكَنَ كل شيء ثم سمِعوا صوتًا يعلو الله أكبر الله أكبر، فخرج علّي من المُبارزة و في يده رأس عمر بن وّد، فَفرِحَ به النبّي و طلب منه أن يرمي برأسه عليهم حتى يخافوا و يتَعِضوا .
ووقتها أصاب سهمٌ غادر ذِراع سعد بن مُعاذ فنزف بشّدة فنادى الرسول على رُفيدة لِتُدَاويه فسالت دِماؤُه ، فأخذ سعد يدعو الله و يقول اللهم إن كان بيننا و بين قريش معارك أخرى فلا تُمتني حتى أشهدها فما من قومٍ أحبّ أن أقاتلهم كقوم أذوا رسول الله و إن كانت هذه المعركة هي الأخيرة لنا معهم فخُذني شهيدًا و لا تُمتني حتى تُشفي صدري من يهود بني قُريضة ، و يقول سعد في ذلك بعد دُعائي ذاك كأنّ جُرحي قد رُبِطَ من الله فلم تَسِلْ بعدها قطرة دم واحدة .
و بعدها أتى إلى النبّي رجلٌ قد أسلم مُؤخرًا و لم يعرف بإسلامه أحد اسمه نُعيم بن مسعود ، فأشار الرجل علىالنبّي أن يمضي إلى بني قريضة و قريش ليوقِعَ بينهم ، فقصد نُعيمفي بادئ الأمر قُريضة و قال لسيّدها كعب بن سعد يا كعب إنّك تعرف مدى حُبّي لكم و تعرف مدى بُغضي لمحمد ، فقال نعم أعلم ، فقال نُعيم يا كعب إنّ قريش ليست من أهل هذه الأرض أ فرأيت إن رجعت إلى مكة و أنتم أصحاب حُصون و أراضي و أموال فتركَتكُم لمحمد فقتلكم شرَّ قتلة ! ثم قال يا كعب إني أرى أن تطلبوا من قريش أن تترك عندكم خمسين رجلاً من أبنائها فإن قبلت فهي حقّا تريد قِتالمحمد و إن أبت فإنها حتما ستُغادِر و لن تُقاتله ! فقال كعب نِعْمَ الرأي الذي أشرت به يا نُعيم ، ثم انطلق نُعيم إلى قريش و لاقى أبا سفيان و قال له يا أبا سفيان لقد بلغني عن محمد أنّه قد اتفق مع بني قريضة بعد نَدمِها من مُفاوضتها لكم و ليُكفّروا عن خطئهم عاهدوا محمد أن يأتوه بخمسين رجلاً من أشرافكم كعُربون ندمٍ و صفحٍ ، فغضب أبو سفيان لِمَكْرِ بني قريضة ، ثم أرسل كعب لأبي سفيان في اليوم الموالي يطالبه بخمسين رجلا حتى يُصدّق نيتهم فلمّا سمع أبو سفيان صَدّق نُعيم و تأكد من مَكيدَتهم فأقسم على أن لا يُعطيه رجلا واحدا ، فلما عرف كعببجواب أبي سفيان ظنّ هو أيضا أنّه كان يَكيدُ له ، و هكذا انطلت الحيلة على كليهما و إنخذلا معًا .
و في يوم الأربعاء بعد أربع و عشرين يومًا من الحِصار صعد النبّي جبل سَلْعْ و أخذ يدعو الله و يقول اللهم استر عَوراتنا و امن روعاتنا ، اللهم مُنزل الكتاب و هازم الأحزاب و مُجري السحاب اهزمهم و زلزلهم و انصرنا عليهم

#23

افتراضي رد: هذا هو انبيّك محمد و الشافع لك يوم القيامة ,,متجدد

و بعدها أتت ليلة شديدة البُرودة مُشتية اقتلعت الخِيام و فكّت الأوتاد و أخلطت المَتَاع و حملت الحصى و رمته بوجوه المشركين و نزل قوله﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا.
ففرح النبّي و المسلمين و اطمأنوا لنصر الله ، و بعدها نادى الرسول بالمسلمين و قال لهم من يأتني بخبر القوم ؟ فلم يرد عليه أحد ، فكرّر كلامه مرّة ثانية و قال من يأتني بخبر القوم و أضمن له العودة؟ فلم يُجبه أحد ، فكرّر كلامه مرّة ثالثة و قال من يأتني بخبر القوم و أضمن له العودة و يكن رفيقي في الجنة ؟ فسكت الجميع .
ثم نادى النبّي على حُذيفة بن اليمانو قال له يا حُذيفة قُم وائتني بخير القوم و لا تُحدِّث فيهم شيئا ، و يقول حُذيفة في ذلك و الله ما قُمت من مكاني إلاّ حياءً من الرسول ، فخرجتُ و أنا أرتعد من البرد فعبرتُ الخندق فوجدت المُشركين في هَلَعْ شديد حتى رأيت أبا سفيان يُنادي على القوم ليجمعهم ، ثم قال يا قوم إني أريد أن أكلّمكم كلامًا عظيمًا لذا فلينظر كلٌ منكم لمن يجلس بجواره لأني لا أضمن جواسيس محمد ، فاختبأ حُذيفة بين الحضور و لم يروه لستر الله ، فقال أبو سفيان لقومه يا أيّها الناس لقد اجتمع عليكم غدر يهود بني قُريضة و شِدّة الرّياح و قَسوة البرد و إني أرى أنّ هذا الحِصار لن ينتهي فقررت أن أرتحل ..فإني مُرتحل فارتحلوا .
فانطلق حُذيفة بسرعة البرق إلى النبّي رغم البرد القارص ليبشّره و عندما وصل وجده يُصلي بالناس ، فرأى النبّي حُذيفة و هو يرتعد من البرد فأحاطه بثيابه و احتواه في عَباءته ليدفئه و عندما سلّم الرسول من الصلاة قال له حُذيفة أبشر يا رسول الله فضحك الرسول و قال له بشّرَكَ الله بالخير يا حُذيفة ، ثم قال لا إله إلاّ الله وحده صدَقَ وعده و نصرَ عبده و هزَمَ الأحزاب وحده ، ثم قال اليوم نغزوهم و لا يغزوننا ، ثم نادى على الصحابة و قال لهم عودوا إلى بيوتكم فقد نصركم الله .
وقتها نزل جبريل على النبّي و قال له يا محمد أوضعتم السِلاح و الملائكة لم تضعه بعد ! فقال النبّي و ما ذاك يا جبريل ؟ ! فقال له غدر بني قريضة يا محمد إنّ الله لا يُحبّه ، فنادى النبّي على الصحابةو قال لهم ارجعوا فلم تنتهي المعركة بعد ، فمن كان منكم يؤمن بالله و رسوله و اليوم الآخرفلا يُصلي العصر إلاّ ببني قُريضة .
فارتحل النبّي إلى بني قُريضة و حاصرهم خمسة عشر يومًا فندمت بنو قُريضة على غدرها و استسلمت و طلبت من النبّي أن يعفوَّ عنهم و يسمحَ لهم بالخُروج ، فقال لهم النبّي سنرى ذلك إذا قبلتم أن تنزلوا إلى حُكمي فأبو أن ينزلوا إلاّ لحُكمِ سعد بن معاذ ، فقبل سعد بذلك و قال لهم يا بني قريضة ما أراكم إلاّ قد خُنتمونا خيانةً عُظمى ولا أرى إلاّ أن يُقَتَّل رِجالكم و تُسَبى نِسائكم و تُأخذ أموالكم ، فقال النبّي لقد حَكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع سماوات يا سعد ، وقتها نزَفَ سعد مُجددا بشّدة و انفجرت دِماؤُه ، فأخذه النبّي في حُضنه حتى امتلأت لحيته بالدِماء فحاول الصحابة أن يأخذوه من حُضنه فكفّهم و قال لهم دَعُوه في حُضني ، ثم قال لسعد و الله يا سعد إنّك قد صدقت الله و رسوله و إنّ الله سيجزيك و عده كما أنجزت أنت وعدك ، ففتح سعدعينيه و قال للنبّي سلام عليك يا رسول الله و إني أشهد أنّك لرسوله .
و على اثرها مات سعد بن معاذ فقال فيه النبّي لقد مات سعد بن مُعاذ و اهتز لموتِه عَرشُ الرحمن و شيَّع جنازته سبعين ألف ملَكْ و دُفن بالبقيع .
فهكذا كانت نِهاية غزوة الخندق على غِرار بقيّة الغزوات انتهت بأقصى هزيمة للمشركين على يد المسلمين و من غدَرَ غَدَرَ به الله من فوق سبعِ سماوات

#24

افتراضي رد: هذا هو انبيّك محمد و الشافع لك يوم القيامة ,,متجدد

حديــــث الإفـــك

إنّالنبّيكان إذا سَافرَ أخذ معهإحدى زوجاته ، و في هذهالمرّة أخذ معه السيّدةعائشة،فسافرتمعه و عند العودة أُوقِفَ المسير للراحة قليلا وأثناءها َضيّعت السيّدة عائشة عِقدًا كانت قداستعرته من إحدى النساء ، فأرادت البحث عنه و بينماهي تبحث أُمِرت القافلة بالمسير ،فذهب الجميع دون عائشة ولم يتفطن أحد لغيابها.
و لمّا عادت عائشة وجدت المسير قد رَحَلْ فجلستإلى جذعِ شجرةٍ تنتظر عودة أحدهم ليصطحبها إلى النبّي لأنّه حتمًاسوف يتفطنون لغيابها ، و قد كان الرسوليضع دائما كاشفًاليكشف الطريق وأخر يبقى في الخلف ليرى إن كان أحد اللُصوص قد تَتبعَالقافلة .

و بينما عائشة تنتظر إذ برجل يقترب منها فرآها و هي نائمة وقدكان َيعرفها وهي صغيرة فعاد إلى الوراءبناقته و استرجعفاستفاقت عائشة ، فأنزل ناقتهفركِبتها عائشة و تقولأنّها لم تُكلمه ولم يُكلمها طول الطريق ، فلّما وصلت إلىالمدينةرآهماأحدالنصارى الكفرة المُدَّعونَ بالإسلام فحاول أنَيلفتانتباه الجميع فقال من هذه ؟ إنها عائشة!و من هذا؟إنّه صفوان! ، و أين كنتما ؟ !هل قضيتما ليلتكما لوحدكما وأتيتما معا؟ !ثم سكت ذلك المنافق عبد الله بن سالوس فسمع كلّ الناس مقولته .
ثم عادتعائشة إلى الرسول فسألها عمّا حدث معها فقصت له كلّ ما جرى فصدّقها و أنهىالحديث ، و لكن فيهذه الأثناء بدأت الأقاويل تنتشر و بدأتالإشاعة تكبر الكل يتحدث عن عائشةو صفوان وأنّها قد خانتالرسول و قَضَتْ ليلتها معه ، و امتدت هذه الإشاعة مُدّة شهر كامل دون أن ينزلجبريل أو أن يرى النبّي رؤيا يعرف منها هذا الكذب و الافتراء .

و طِوال هذا الشهر َتلطفالله بعائشة فمرضت، وتقول عائشة أنها َشَهِِدتتَغيُّر الرسولاتجاهها فلم يَعد يُعاملها بلطفٍ و حنانٍفكان عندما يدخلعليها يقول لها كيف كيكم فقط ، فانزعجت عائشة لذلكو لكنّها لم تعلمبشيء عن هذه المَهزلة ، و لمّاخَفّت قليلا جاءتها خالتهاأم مُسطحو خرجتا معًا للتسوقفعثرت أم مسطح فقالت تَعِس مسطح ، فقالت لها عائشة كيف تَسُّبين رجلاً قد شَهِدبَدرَا و أُحُد !فأجابتها أم مسطح و قالت يا مسكينة أتدافعين عن رجل قال فيك كذا وكذا و قَصّت عليهاالقصة ، فردت عائشة أيقولون فيَّ أنا هذا ؟ !فقالت أم مسطحنعم يا بُنيتي .
فعادت عائشة إلىالبيت و فهمتلما تغيّر الرسولاتجاهها و لما جاء طلبت منه أن يأذن لها أن تُمرَض في بيت أبيها ، فذهبت إليه و تقول أنها ظلت تبكي يوما و ليلة دون أن تنقطعدُموعها أو تتوقف للحظةفقط .
ووقتها كان الرسولحائرا في هذا الموضوع فسألعمر بن الخطابعنها فقال لهأنت أعلم بأهل بيتك ، ثم سألعلّي بن أبي طالبفقالله أُتركنا من هذا ولنرى مسائل الدين العالقة والمعطلة ، ثم قامالرسول بإلقاء خُطبة قال فيهاأنه يَعرفعائشة جيّدا ويعرف صفوان أيضا و هما لا يمكن أن يقوما بمثل هذا ، فنهضزعيم الخزرجو قال عن صاحبالإشاعة أنه لَعينٌ كذاب و يجب علىزعيم الأوسأن يُسلمهم إياه ليقتلوه، فنهض زعيمالأوس و قال لن أُسلمه لكم أبدا فرد ّعليه زعيم الخزرج و قال بل تُسلمنا إياه، فبدأ الجميعبالتضارب ، فنزل إليهمالرسولو قال لهم كفى كفىإنكم تفعلوا هذا و أنابين أظهركمفما ستفعلون منبعدي !ففضَّ الرسول المُنازعة ولكن زاد هَوله .
ثم أخذ َيسأل زوجاته عن عائشةفسألالسيّدة زينبعنهافقالت صُّمت أُذني وقُطعَ لِساني إن أتيت بذكر عائشة ، بالرغم من أنّ أختهاحمنةكانت طرفًا في استمرار الإشاعة .
عكس ذلك كانت إحدى البيوت تظن بنفسها هذا ، فسألالزوجزوجته و قال لو كنت أنت مكان عائشة أفعلتذلك ؟ فقالت لا فقال لها فعائشةخير منك ثمسألته هي و قالت لو كنت أنت مكان صفوان أفعلت ذلك ؟ فقال لا و الله فقالت له فصفوان خير منكلأنّه من الصحابة المقربين منالرسول .
و بعد كل هذاقصدَ النبّي أخيرا بيتأبا بكر ِليرىو يسمع من عائشةفوجدها تبكي و معها إحدى النساء جاءتلتُواسيها ، فجلس إليها كما جلست أمّها و أباها، فقال النبّي أصحيحما يقولونه فيك يا عائشة ؟ !قولي صِدقافإن كان صحيحا استغفري الله و إن كان كَذبًافسوف يبرؤك الله ، فقالت عائشة أنّ أثناءها قد جفّت دموعها فيعينها بعدما كانت تنهمر دون توقف ، فقالت تكلم ياأبي تكلمي يا أمي ، فلميتكلم أحد و عجزا عن الرد، فقالتعائشة إنقلت أنّه ليس صحيح سوف تُكذبونني و إن قلت أنّه صحيح سوف تُصدقونني و لكني أضع نفسي بينيدياللهو هو أعلم بي .
فتقول فهرعت إلىغرفتي أبكي و وقتها نزلجبريلعلىالنبّيونزلت آية من السماء تُبرأ عائشة فابتسم النبّي وقال قد نزل جبريل و برَّأ عائشة ، ففرحتأم عائشةونادتها و قالت لها أبشري فلقد برأك اللهمن فوقِ سبعِ سمواتفقومي و أشكري الرسول،فقالت عائشةلا و الله لن أقوم ولن أشكر إلا الله .

و هكذا بُرأت عائشة من عند اللهوكانت تقول في ذلك إنّنفسي حقيرة عليّ من أن تنزل آية من عند اللهلتبرأني فكنت أتمنى أن يرىالرسول رؤيا فقطتبرؤني، فزهقالباطل و التلفيق و الكذب و الإدعاء بحق أُمّنا عائشةالتي صبرت فبُرِّأتْ من عند اللـه.

#25

افتراضي رد: هذا هو انبيّك محمد و الشافع لك يوم القيامة ,,متجدد

صــــلح الحديبيــــــة

بانتصار المسلمين في غزوة الخندق استقرّت الأوضاع بالمدينة المنورة و سادها الآمان و الاطمئنان فغًدت ترفع من مَعنوياتها و تُجدّدُ في حياتها السِلمية لحقن الدِماء و إِصلاح الأرض و بعث المنهج الإسلاميِ في كلّ القبائل .
و في هذه الأثناء أكرم الله نبيّه بإشارة ربّانية فأراه رُؤيةً بمنامه كأنّه دخل المسجد الحرام مُحتَرِمًا و معه الصحابة فأوّلها النبّي على أنّه سَيعتمر ذاك العام من السنة السادسة للهِجرة .
فجهّز الرسول نفسه و كذا الصحابة للارتحال إلى مكة للظفر بعُمرةٍ فأخذوا معهم الهَديَ و تجرّدوا من أسلحتهم ليُفهموا قريش أنّ نيّتهم في دخول مكة سِلميّة إنّما هي طَمَعًا في عُمرة و ليس في حرب ، فخرج النبّي و الصحابة قاصدين مكة فسمعت قريش بخُروجهم فاغتاظت في بادئ الأمر ثم أقسمت على أن لا يدخلوها و جهّزت لهم جيشًا ضمَّ مأتي فارس قادهم خالد بن الوليد و حرّضهم على منع الرسول و الصحابة من بُلوغ مكة ، إلاّ أنّ النبّي لم يكن نَائمًا بل كان مُتفطنًا لهم و درس كلّ خُطواتهم ، كما عمَدَ طلحة بن الزبير و سعيد إلى تقصي أخبار مكة فاكتشفوا تحرّك خالد بن الوليد و جيشه فأبلغوا النبّي بالأمر ، فتريّث النبّي في قراره و أخذ يستعلم عن إمكانية وجود طُرقٍ مُغايرة تقودهم إلى مكة في أقرب وقت ، فتدخّل أحد الصحابة و أخبر النبّي عن وُجود طريق مُختصرة إلى مكة تحذُوها بعض المسالك الوعرة ، فاستسهل النبّي وُعُورتها و انطلق بالصحابة في رِحَابها فتغلغل فيها إلى أن ضَيّعَ جيش خالد بن الوليد و أجبره على العودة إلى مكة و هو خاوي اليدين و يجرُّ خيبته معه.
على غِرارها عقدت قريش اجتماعا اضطراريا حضره سادة قريش و جميع القبائل الحليفة بمن فيهم قائد الطائف عُروة بن مسعود و قائد خُزاعة بذيل بن ورقاء و قائد الأحابيش حُليس بن علقمة برِياسة أسياد قريش عِكرمة بن أبي جهل و صفوان بن أميّة و سُهيل بن عمر و استغنوا عن أبي سُفيان بعد انكساره في الخندق .
وفي تلك الأثناء وَصَل النبّي مَنطقة الحُديبية فبركت ناقة رسول الله و لم تبغي المشي ، فقالوا لها حِلْ حِلْ ، فلم تبرح مكانها فحرّكوها فلم تتحرك ففهموا أنّها مأمورة . وقتها خطب الرسول في الصحابة و قال لهم إذا دعتني قريش اليوم إلى خُطّة صُلح تُعظَّمُ فيها صلة الرحم فسأقبل ، فأرسلت قريش بُديل بن ورقاء إلى النبّي ليُفاوضه فلمّا رآه النبّي قال للصحابة هذا رجل عاقل ، فجلس بُديل إلى النبّي ليُحاوره فقال له النبّي يا بُديل قُل لهم أنّي لم آتِ للحرب و لا أريد أن أُقاتل أحدا و إنّما جِئتُ لأعتمر و قُل لهم إنّ قريش قد أنهكتها الحرب و أضرّت بمصالحها فلا يُستحسن لها أن تدخل في حربٍ أخرى ..و قل لهم إن أردتم مُصالحتي على مدّة فأنا قابل ..و قل لهم أن يُخَلُّوا بيني و بين الناس فإن شئتم أن تدخلوا في هذا الدين أسعد بذلك .فإن لم تُخلّوا بيني و بين الناس لأقاتلنّهم حتى تنفرد رقبتي ، فقال بُديل لقد سمعت ما قلته يا محمد ، ثم رحل فلمّا وصل إلى مكة نادى على أهلها و قال لهم يا أيّها الناس لا تقِفوا أمام هذا الرجل و والله إنّه يدعوكم لخير الدنيا ، فردّ عليه عِكرمة و قال لا تُخبرنا عنه و لكن أخبره عنّا أنّه لن يدخل علينا مكة عُنوة فتعرف العرب بذلك .
فقام عُروة بن مسعود و قال لعِكرمة ما هذا يا عِكرمة ألا تريد أن تعرف ما يريده الرجل ؟ ! فسكت عكرمة ، فقال بُديل يا أيّها الناس إنّ الرجل يُريد السِلم و هو ليس بِداع للحرب و إنّما جاء ليعتمر ، و إني أقول لكم خَلّوا بينه و بين الحَرم و إني مُرتحل و مَن معي من خُزاعة فافعلوا ما بدا لكم .
ثم بعثت له نِكْرِز بن حَفْص فلمّا رآه النبّي قادم نحوه قال للصحابة هذا رجل غَادر ، فجلس إليه و هو أيضا قال له ما قاله لبُديل .
ثم أرسلوا له حُلَيسُ بن علقَمة فلمّا رآه النبّي قادمٌ نحوه قال للصحابة هذا رجلٌ يعرف شعائر الله و يُقدّرها ، ثم أمرهم بإخراج الهدي و برفع أصواتهم بالتلبية قُبَيلَ وُصول حُليس ،فلمّا شاهد حُليس المشهد عاد أدراجه إلى مكة و نادى على أهل قريش و قال لهم يا معشر قريش أتتركون سَفلة العرب يطوفون بمكة و تمنعون عنها ابن عبد المطلب ؟ ! و الله إن فعلتم ذلك لهلكت قريش ، فقالوا له أُسكت يا حُليس ، فقال لهم و الله لن أسكت و لن أبقى عِندكم فأخذ الأحابيش و خرج من مكة .
فلم يبقى بها إلاّ عُروة بن مَسعود فطلبوا منه هو أيضا مفاوضة النبّي ،فقال لهم سأفاوضه على أن لا تردوا كلامي إن صالحته ، فقالوا له فاوضه فقط ، فخرج عُروة بن مسعود ليُلاقي النبّي و يُعزّزَ مَكَاسِب قريش و أوّل ما رآى النبّي و الصحابة راح يُقلّل و يُهوّن من قِيمتهم فقال للنبّي يا محمد ما أراك إلاّ قد جمعت أوباش الناس و رِعاعهم !كما أني أراك قد جئت بَيضتك لتكسرها و قصد بذلك مكة ..و أرى أيضا أنّ قُريش قد لَبِست لك جُلود النمور لتقاتلك و إني أرى أنّ هؤلاء ممن حولك سيتفرقون عنك بالغد القريب و يجرون في كل مكان .
فقام أبو بكرمن موضعه و شتم عُروة بالرغم من كرم أخلاقه فتعجب عُروة و قال للنبّي من هذا الذي يشتمني يا محمد ؟ ! فقال له النبّي هذا أبو بكر ، فقال عُروة والله يا أبا بكر لولا أفضالك عليّ لرددت عليك .
ثم التفت إلى النبّي و أكمل حديثه معه ووضع يده على ذقن النبّي و أعادها مرتين و في الثالثة وخزه فارس مُدرّع كان في حِراسة النبّي ، فقام عُروة و قال للفارس ما خطبك لقد أوجعتني ؟، ثمّ سأل النبّي عن هَوِّية الفارس ، فقال له النبّي ألم تعرفه يا عُروة ؟ ! فقال له كيف أعرفه و هو مُدرع ووجهه غير مكشوف !، فقال له النبّي هذا ابن عمّك فتعجب عرُوة و طلب من الفارس أن يكشف عن وجهه فوجده حقَا ابن عمّه فاندهش و سكت دُفعة واحدة .
ثم خرج النبّي ليتوضأ فأحاطه الصحابة يتضاربون على ماء وضوءه كل منهم يريد التبرّك بأثره ، فذُهِل عُروة بن مَسعود ممّا رآى و سارع إلى قريش فجمعهم و قال لهم يا معشر قريش خَلُّوا بين الرجل ، فقد دخلت على الملوك في مُلكهم و ما رأيت عندهم ما رأيت عند محمد ، فقد دخلت على النجشّي في مُلكه و على كِسرى في مُلكه و على قيصر في مُلكه و ما رأيت أحدًا يُعظّم أحدا كتعظيم أصحاب محمد لمحمد ..و الله إذا توضأ تقاتلوا على ماء وضوءه و إذا جلس و أخذ يتكلّم طأطؤوا رُؤوسهم و ما يُحبّ أحدٌ أن يُطيل النظر إليه فإذا نظر إليهم أخفضوا رُؤسهم إلاّ اثنين أبا بكروعمر فيتبسم لهما .
فاندهش أهل قريش و في نفس الوقت تحصّرُوا على حالهم لأنّهم لم يجدوا الحلَّ الأنسب و الأمثل لمُفاوضة محمد ، ففكروا في خُطّة جَهنميّة و هي إرسال خالد بن الوليد ليتحرّش بهم فيقاتلوه فيقتلونه فيكونون بذلك الأبدأ فينتقمون له ، فخرج خالد و معه أربعين مقاتل لخطف ثلاثة من الصحابة ، ففشلت خُطّتهم و ألقى الصحابةالقبض عليهم فقيّدوهم و أرجعوهم إلى مكة مُنكسرين .
وقتها طلب النبّي من عمر بن الخطاب أن يذهب إلى مكة ليُفاوضهم فأبى عمر لتخوفّه من حزمه عليهم و عرَضَ عليه أن يُرسل لهم عُثمان بن عفّان عِوَضًا عنه ليتحصّن بقيبلته بني شمس فيؤثر فيهم .
فاستدعى النبّي عُثمان بن عفان و قال له يا عثمان اذهب إليهم و قل لهم إني جئتُ مُعتمرًا و إني أعرض عليهم السلام .
فذهب عثمان إلى مكة ودخل عليهم ، فقالوا له يا عثمان نعلم أنّ بك الشوق إلى الكعبة فاذهب و طُفْ بها، فقال لهم ما كان لي أن أطوف بها قبل أن يطوف بها النبّي ، ثم فاوضهم عثمان و أنجز مُهمته التي أوكله بها الرسول و قبل رُجوعه إلى الحُديبية أطلقت قريش إشاعة تَفِي بقتل عثمان فسمع بها النبّي فغضِب غضبًا شديدا و جمع الناس و قال لهم من لعثمان فليبايعني على الموت ؟ ! فالكلّ بايع الرسول فقرّر مُحاربتهم إلاّ أنّ عُثمان رجع و كُذّبت الإشاعة فأوقف النبّي حربه على قريش .
بعدها بعثت قريش سُهيل بن عَمْرْ إلى النبّي و أوّل ما رآه النبّي قال للصحابة أبشروا فقد سهّل الله لكم الأمر و ما أتى سُهيل إلاّ للصلح .
فجالس سهيل النبّي و اعتذر له ممّا فعله خالد بن الوليد و الأربعين رجلاً و كذا من تأخيرهم لإرجاع عثمان ، فقبل النبّي اعتذاره ثم قال له يا سُهيل بماذا جِئت لنا ؟ فقال له سهيل يا محمد ارجع عن عُمرتكَ هذه السنة و لتعد العام المُقبل لتعتمر ، فقبل النبّي برأي سهيل فاندهش الصحابة! و قالوا يا رسول الله أستكتب هذا؟ ! فقال النبّي نعم أكتبه ، ثم قال سُهيل يا محمد الرجل المسلم الذي يأتيك من قريش يريد الدخول في دينك تردّه لنا و الرجل المسلم الذي يأتينا من عندك لا نرّده لك و إنها هُدنة بيننا و بينك عشر سنوات .
فقبل النبّي بطلبات سُهيل و اتفق معه على كل البُنود ، فأحضر علّي بن أبي طالب رِيشة و ورقة ليكتب المعاهدة فقال له النبّي يا علّي أكتب ۝بسم الله الرحمن الرحيم۝ فقاطعهما سُهيل و قال للنبّي ما هذا يا محمد لا أعرف الرحمن الرحيم فاكتب ما نعرفه أكتب باسمك اللهم ،فنظر النبّي لعلّي و قال له امسحها يا علّي و أكتب باسمك اللهم ، ثم قال له أكتب هذا ما عاهد عليه محمد رسول الله ، فقاطعهما سُهيل مرّة أخرى و قال لو كُنّا نعلم أنّك رسول الله لمَاَ حاربناك ! فاكتب اسمك و اسم أبيك ، فقال النبّي و الله إني لرسول الله و لكن امسحها يا علّي ، فغضب علّي و قال و الله لن أمسحها ، فقال له النبّي أرني مكانها يا علّي لأمحيها بنفسي ، فمحاها النبّي و قبل أن يُكمل اتفاقيته مع سُهيل سَمع صُراخًا يتعالى أكثر و أكثر يُنادي يا معشر المسلمين أدركوني فإنّ قريش تريد أن تفتنني عن ديني .
فرأى النبّي رجلاً قادما نحوه يستغيث به فإذ بالرجل أبو جندل ابن سُهيل بن عمر ،فرآه سُهيل فقال للنبّي يا محمد لقد تعاهدنا و لا رُجوع ، فقال له النبّي و لكن لم أمضي بعد ! فقال سُهيل و الله يا محمد إن أغثته و أخذته معك لن يكون عهد بيننا .
فسكت النبّي و اغتاظ الصحابة ، فقال أبو جندلللنبّي يا رسول الله أتتركهم يُرجعونني عُنوة إلى مكة ؟ ! فغضب عمر بن الخطاب و سَلّ سيفه و قال لأبي جندل يا أبا جندل إنّ الرجل منا ليقتل أباه في سبيل الله ، فسكت أبو جندل فنظر إليه عمر و قال لا أظّن إلاّ أنّ الرأفة قد أخذتك بأبيك يا أبا جندل ، فلم يُجبه أبو جندل ،فقال عمرو الله يا أبا جندل لو كان الخطّاب حيًّا ووقف هذا الموقف لقتله عمر بن الخطاب ، فنظر إليه أبو جندل و قال له فلما لا تقتله أنت يا عمر ؟ ! فقال عمر لا أستطيع أن أُغضب أمر رسول الله ، فرد عليه أبو جندل و قال له أنا أيضا لا أستطيع أن أخالف أوامر الرسول ، فوقّع النبّي على المُعاهدة و رجع أبو جندل مُتحصّرًا إلى قريش ، فغضب عمر غضبا شديدا و قصد أبا بكر ليكلّمه ، فقال له يا أبا بكر ألسنا على الحق و هم على الباطل ؟ ! فقال أبو بكر نعم، فقال ألسنا نحن المسلمين و هم المشركين ؟ ! فقال نعم ، ثم قال أليس هو رسول الله ؟ ! فقال نعم ، قال لمَِ نُعطي الدَنِّيَّة إذن ! فقال يا عمر إلزم غرسه فهو رسول الله و الله لن يُضيّعه أبدا ، فازداد عمر غضبًا و لم يُعجبه كلام أبو بكر فقصد النبّي و قال له نفس الكلام الذي قاله لأبي بكر ، فقال له النبّي يا عمر إني رسول الله و لن يُضيعني الله .


#26

افتراضي رد: هذا هو انبيّك محمد و الشافع لك يوم القيامة ,,متجدد

و بعدها طلب النبّي من الصحابة أن يحلِقُوا رؤوسهم لأنّ الله احتسبها لهم عُمرة تامة حتى و إن لم يُؤدوها فأبوا أن يسمعوا كلام النبّي ، فغضب النبّي و ذهب إلى بيته غاضبا ، فرأته زوجته أم سلمة فسألته عما يُغضبه ؟ فقال لها لقد هلك الناس و أبوا أن يحلقوا ، فقالت له أم سلمة أتركهم يا رسول الله و اذهب إلى الحلاق و احلق فإن رأوك تحلق حلقوا من دون شكّ ، ففعل النبّي بوصيّة أم سلمة و أوّل ما رأوه يحلق تجاذبوا الكلّ يريد أن يحلق من ورائه .
و هكذا وقَّعَّ النبّي الصُلح مع قريش و على أطراف صُلح الحديبية بدأ الإسلام ينتشر أكثر فأكثر.
كما أسلم أبو بصير و هرب من مكة قاصدًا المدينة ليُسلم بين يدي النبّي إلاّ أنّ النبّي لم يستطع أن يقبله بسبب المعاهدة و طلب منه أن يرجع إلى مكة ، ووقتها أتى رجلان من قريش ليأخذاه إلى مكة فذهب معهما و في الطريق أخذ يُسامرهما و كأنّه عدلَ عن الإسلام فأمنّا له فأخذ سيف أحدهما و قتله و فرّ الآخر إلى النبّي يشتكيه غدره ، فقال له النبّي و ما دخلي أنا ما كان عليّ هو رده لكم و قد رددته فما بعد ذلك لا أُلام عليه .
فرجع أبو بصير مرّة أخرى إلى النبّي يرجوه أن يُبقيَّهُ عنده و هو يقول له يا رسول الله لقد أدّيت عهدك و ليس عليك شيء ، فلم يستطع النبّي أن يُبقيه لأنه سيخون العهد بذلك .
فذهب أبو بصير فقال النبّي للصحابةإنّه ابنأمّهو سيُشرِبُ قريش كأس الذُلّ و الهوان لو كان معه جيش .
فأصبح كل القُرشين المسلمين يقصدون أبا بصيرو أوّل واحد قصده كان أبو جندل ، فلما زاد عددهم هدّدوا مَصالح قريش ، فقصد أبو سفيان النبّي و قال له يا محمد أيمكن أن نُعدّل في الاتفاقية ليصبح كل مسلم يخرج من عندنا قاصدك لا تردّه إلينا؟ فابتسم النبّي و فرح لهذا التعديل ثمّ نظر إلى عمر بن الخطاب و قال له أترى يا عمر ما يفعله الصبر؟ ! فاستحى عمر و قال للنبّي لا رأي بعد رأيك يا رسول الله و نَدِمَ على ما قاله للنبّي في الحُديبية ، و يقول عمرفي ذلك لقد أعددت صِيامًا و قياما و أعتقت رِقابَا ليغفر الله لي ما قلته للنبّي في الحديبية .
و بعدها أرسل الرسول كِتابًا إلى أبي بصير يطلب منه الالتحاق به في المدينة و من معه من المسلمين إلاّ أن الكِتاب قد تأخر قليلاً و لحق في لحظة مَوتِ أبي بصير ، فدفن كِتاب النبّي له في صدره ، و التحق بقيّة المسلمون بالنبّي فزاد عددهم و زادت قوّتهم .

#27

افتراضي رد: هذا هو انبيّك محمد و الشافع لك يوم القيامة ,,متجدد

غـــــزوة مــــؤتـــة


بعد صُلحِ الحديبية الذي أجراه النبّي مع أهل قريش و بإسلام خالد بن الوليد و عمرو بن العاص و عثمان بن طلحة اشتدّ عَظمُ المسلمين و تقوّت أضلاعه و زادت مَتَانَةً ، هذا ما جعل النبّي يفكّر في إيجاد وسيلةٍ أخرى تُمكّنه من جعلِِ الإسلام َيمتد إلى كلّ بقعةٍ من أرجاء هذا الكون ،فقام بإرسال أربعة رسللكل ملكٍ من مُلوك الأرض ، فقد أرسل رسولا إلى ملك كسرىو حمّله برسالة كتب له فيها من محمد رسول الله إلى عظيم كسرى أسلم تُسلم، فمزق الملك الرسالة و قال لحاشيته أأتوني بهذا العبد ، فأرسل إلى بزان أمير اليمن َطالبا منه أن يبعث له بأشد رجلين ليأتيانه بمحمد ، و وقتها وصل الخبر إلى الرسول أنّ الملك قد َمزَق رسالته ، فقال الرسول فيه مزّق الله مُلكه ، فمات في ليلته و كان قاتله ابنه ، فقال النبّي للرجلين ارجعا إلى مَلِكُكمَا لأنّ ربي قد قتل ربّكما ، فقال بازان لقد سمعت الخبر الآن بموته و لحقًّا قد مات ليلتها وصدق محمد فأسلم و نطق بالشهادة وعلى إثره أسلمت اليمن كاملة ، فولّى النبّي بازان مَلكًا عليها .

وفي نفس الوقت أرسل الرسول رسولا إلى ملك الغساسنةو هي مملكة تقع على ضفاف الشام ، فقابله أخو الملك فقال له من أنت ؟ فقال معي رسالة للملك ، فقال لعلك من أصحاب محمد؟ فقال نعم ، فأخذه و ربطه و ضرب عنقه ، فأخو الملك هذا لم يُمّزق رسالة الرسول مثلما فعل مَلكُ كسرى و إنّما تجرأ و قتل رسول رسول الله الحارث بن عمير الاسيدي ، و لما َسمِع الرسول بنبأ َمقتله قال الصلاة جامعة ، فجَمع النبّي قومه و قال لهم قُتلَ أخاكم الحارث فمن كان يُؤمن بالله و اليوم الآخر فليتجهز بعد صلاة الفجر للخروج لمُحاربة الغساسنة .

و في الغد جمّع ثلاثة آلاف مقاتل ، فقال لهم الرسول ابقوا َمكانكم و لاتبرحوه سأصلي صلاة الجمعة و أعود ، وعندما عاد نادى على عبد الله بن رواحة فلم يجده ،و لبُرهة وصل وقال نعم يا رسول الله أنا هنا ، فقال له الرسول أين كنت ؟ فقال عبد الله أردت أن أزيد الخير و أصلي معك الجمعة ثم َأنضم إلى الجيش دون أن أتأخر ، فاحمّر وجه الرسول و قال له لا و الله لغُدوةٌ في سبيل الله خيرٌ من الدنيا و ما فيها فأتعلم ما الفرق بينك و بين من سبقك ؟ فأجابه عبد الله و قال لعلّها الغُدوة ! فقال له الرسول لا والله و إنّما كالفرق بين المشرق و المغرب ، فبكى عبد الله بن رواحة و قال في نفسه والله لن أجد ما أكفِّرُ به عن غضب الرسول مني إلاّ أن أموت شهيدا .

ثم قال الرسول للصحابة قائد الجيش زيد بن حارثة فإن قُتل جعفر بن أبي طالب فإن قُتل عبد الله بن رواحةفإن قُتل فاختاروا من ِشئتم ، و وقتها كان اليهودي طنحس َيسترق السمع فاقترب من الرسول و قال له يا أبا القاسم عندنا في التوراة إذا قال نبيٌّ عن قائد الجيش يُقتل و وراءه فُلان فلو سَمَّ تسعٌ و تسعونَ اسملماتوا جميعًا فأليس مثل هذا في دينكم ؟ فسكت الرسول وانصرف .

وقتها توجه طنحس إلى زيد و قال له اذهب وودِّع زوجتك و قَبِّل أولادك لأنّك لن تعود و لن تراهم بعد اليوم أمّا إن رأيتهم بعد اليوم فنبيّك كذاب ، فرد عليه زيد وقال و الله أشهد أنه رسول الله ولا أعود ولا أودع و لا أوصي و أتوكل على ربّي ، ثم قصد طنحس جعفر و قال له نفس الكلام فرد عليه جعفر بنفس كلام زيد بالرغم من أنّه لم يكن معه ، فمضى طنحس من عند جعفر يعضُّ على يديه .

ثم خرجت النساء يقُلنَ للصحابةحفظكم الله أيّدكم الله و نصركم و ردكم صالحين لا سالمين ، فقال عبد الله أمّا أنا فلا ردّني الله لكني أسأله مغفرته و رحمته و ضربة بالرمح تُمزق الأحشاء و الكبد حتى يقولوا إذا مروا بقبري أرشده الله .

ثم انطلق جيش المسلمين لمحاربة الغساسنة الذين جهزوا لهم جيشا كبيرا قُدّرَ بمائة ألف ،كما طلبوا السندَ من الروم لأنهم عرفوا أن جيش محمد لا ُيقهر ، فدعمتهم الروم بمائة ألف أخرى فأصبحوا مأتي ألف مُقابل ثلاثة ألاف فقط من جيش المسلمين .

و لما وصلوا إليهم ذُهِلُوا لكثرتهم فترددوا بين البقاء و التصدي لهم أو الرُجوع و ترك دم أخيهم يضيع ! فخرج لهم عبد الله بن رواحة و قال لهم إنّ التي تخافون منها الآن هي التي قد خرجتم من أجلها فلنحارب و لنتوكل على الله .


و بعدها َوضعوا خُطة و نزلوا عند قرية مؤتة ، و قد تمّ اختيارها على غِرارِ بقيّة القرى لأنّها ضيّقة و على جوانبها الأشجار و الزرع و من ورائها السُكّان وبالتالي سَينفذون من المُحاصرة ، و لا يستطيعون مُجابهَتهم إلاّ من أمامهم و بنفس عددهم لأنّها لا تكفي إن اسطَّفَ الجميع بنفس الخط وفق مجموعات مُتواليه صَفٌ يتبعُه صف .

ثم بدأت المعركة ودامت ستة أيام والغلبة لجيش المسلمين الذين لم َيفقدوا سوى اثني عشرة رجلاُ من مقاتليهم في حين أنّ جيش الغساسنة فقدوا المئات من مُحاربيهم ، هذا ما جعل قائد الروم مالك بن نافلة يُعيد التفكير في خُطتهم فأوحى لهم بقتل صاحب الراية ، فاتفقوا بذلك على قتل قائد جيش المسلمين زيد فضربوه جميعًا بالسِّهام حتى أصبح جسده كالمنخل من كثرة الطُعون فلم يستطع أن يخطو خطوة إلى الوراء فسقط في مكانه .

وقتها رفع الله الأرض للرسول فجعله يرى ما جرى بالمعركة ، فاستشهد زيدو رآه النبّي في الجنّة ،ثم أخذ جعفرالراية فجرت كل السهام عليه ، فعقر فرسه و نزل إلى الأرض و أخذ يُقاتل ، فأتاه رجل و ضربه بسيفه على يده اليمنى فقطعها له فرأى جعفر سقوط الراية من بين يديه فحملها بيده اليسرى ، فجاء رجل أخر وقطعها له فوضعها بين عضديه ، فأتى رجل و ضربه في بطنه ، فسقط جعفر ومات ،و قد وجدوا ببطنه سبعين طعنة فقلبوه على ظهره فلم يجدوا أي طعنة .

فقال الرسول إني أرى جعفر في الجنّة يطير بجناحين من ياقوت و قد أبدله الله يديه بأجنحة ،و إنّي أراه يسرح في الجنّة يشرب من مائها و يأكل من ثمارها ،ثم بكى حتى ابتلت لحيته .

و أثناءها أخذ عبد اللهالراية فتلكأ هُنيهَة أيدخل أم لا ؟ ثم َشجع نفسه و قال أقسمت عليكِ يا نفسي لا َتنزلين أولا تُكرهين مالي أراكي تكرهين الجنّة ! يا نفس إلا تُقتلي تموتي هذا حِمام الموت قد صُليتي و لا تمنيتي فقد أُُعطيتي إن تفعلي فعلهما هُديتي ،ثم أخذ الراية و قال يا حبذا الجنّة طيبة و بارد شرابها و دخل يُقاتل ، فجاءه ابن عمّه و أتى له بلحمة مشوية و قال له تقوّى بها يا ابن رواحة ، فأخذها منه ونهش نهشةً ، ثم قال لنفسه ما بك يا عبد الله أمازلت في الدنيا ؟ ! و الله ما ينبغي لك إلاّ أن تكون مع أخويك في الجنّة فيتحقق كلام نبيّك ، فيقاتل عبد الله و يموت شهيدا ، فقال الرسولعنه إنّي أراه في الجنّة و أرى زيد على سرير من ذهب أرى بجواره جعفرعلى سرير من ذهب و أرى بجوارهما عبد اللهعلى سرير من ذهب غير أنّي أراه على إزوراء أي مُتدني قليلا بالنسبة لهما لأنه قد تلكأ هُنيهة .

و بعدها أخذها ثابت بن الأقرمونادى على خالد بن الوليدو أعطاه الراية ، فقال خالد إنك لأحقُّ بها مني لأنّك قد شهدتَ بدرا و أحد ، فقال ثابت يا خالد بل أنت أحق بها ، فأخذها خالد منه وانكسرت في يده تسعة سيوف و قتل يومها الكثير من الغساسين .

و بعد الغروب ارتاح الجيش و بدأ النقاش بين المسلمين و رأوا أنهم قد انتقموا للحارثفقرروا الانسحاب، فقال لهم خالد لن نستطيع الانسحاب و لو فعلناها لأبدُونَا في الصحراءلهذا لابد أن ننسحب دون أن يتبعونا لذا فلنعمل على تحطيم معنوياتهم بتغير خُطتنا فنبدل بذلك الميمنة بالميسرة و المقدمة بالمؤخرة فيلبس كل واحد منّا ثوبا جديدا ونغيّر الرايات ونكتب فيها كلام جديد ونستعين بالفرسان لرفع الغبار بين الجيش و إنكم كلما زدتم في ترفيع الغبار زادكم الله علوا في المنزلة فنعمل بذلك على إيهام الغساسنة أنّ الدعم قد وصلنا .

فقسّم خالد بن الوليد الجيش إلى ستة فصائل كل فصيلة بها خمسين مقاتل و أوصاهم برفع التكبير لإرباكهم وطلب من كل فصيلة أن تدخل معه الواحدة تلو الأخرى ، فإذا كانت الفصيلة السادسة و قال خالديا عباد الله توكلوا على الله انقَض الجميع عليهم و قتلوا بعضهم ، فإذا قال يا عباد الله عودوا انسحب الجميع .

و هكذا فعل جيش المسلمين فنجحت الخطة و اعتقد الغساسنة أنّ جيشا جديدا أتى فاجتاح الخوف قلوبهم فانسحب جيش المسلمين فضنّ الرومان أنّه كمين فلم يتبعوهم .

فرجع الجيش إلى المدينةفتلقتهم النساء بالطوب و الحجارة و هنَّ يقلن لهم يا فُرّار يا فُرّار أفررتم في سبيل الله ! ، ثم خرج النبّي و فتح يديه للجيش واستقبلهم و قال للنسوة لا لا ليسوا الفُرار و إنّما هم الكُرّار ، ثم قال لخالد أنت سيف من سيوف الله .

وبعدها ذهب الرسول إلى بيت جعفر واحتضن أولاده الثلاثة فبكى ابنه الكبير ، فقال له الرسول لا تبكي إنّ أباك في الجنّة يطير بجناحيه مع الملائكة ، ثم حمل الثلاثة و خرج للناس و قال لهم من يكفلهم ،فقال ثلاثة رجال فقراء كل واحد أفقر من الثاني أنا أنا أنا .

و هكذا كانت غزوة مُؤتة انتصارا للمسلمين وانتقاما لرسول رسول الله بفضل نصر الـله وخُطة خالد بن الوليد المُحكَمَة .

#28

افتراضي رد: هذا هو انبيّك محمد و الشافع لك يوم القيامة ,,متجدد

غـــزوة خيبــــــــر

إنّ هُدنة النبّي لقريش حرّرته من مَخاوفِه و فتحت أنظاره و ثبتت خُطواته و حرّكتها باتجاه خيبر ، فخيبر كانت هي الهمزة الوَاصلة و النُقطة الفَاصلة لبني يهود و عليها تستند و تَتَكأُ قبائلها من يهود بني النظيروبني قريضة و ذلك تحت إشراف قائدها اللئيم حُيي بن أخطب ،ذاك الذي عَمَد إلى تأليب القبائلعلى النبّي ، كما قام في خيبربذبح كبش و ملآ جِلده بالذهب و أخذ يقول أتدرون يا معاشر المسلمين لِما هذا المال؟ ! لرفعه فان كُنّا قد تركنا النخل بالمدينة ففي خيبر لدينا أضعاف نخلها .
كما قام بالمُقابل السكران بن الأشرف بتأليف شِعرٍ يهجو فيه النبّي و زوجاته ، فخرج النبّي لمُحاربة اليهود و أخذ معه جَيشُا ضمّ ألف و أربعُ مائة مُقاتل بمن فيهم عِشرون امرأة .
و كان من بين النِسوة جارية صغيرة لا يتجاوز عُمرها اثنتي عشرة سنة ، فلما رآها النبّي نادى عليها و سألها عن سَببِ خُروجها ، فقالت له أخرج للمحاربة معك يا رسول الله ، فأركبها النبّي خَلفه ، و لمّا فُتحت خيبر و أُخذت الغنائم بحث عنها النبّي و أعطاها قِلادةً وضعها في رقبتها ، و تقول الجارية في ذلك مُنذ أن أعطاني النبّي تلك القِلادة ما فارقت رقبتي و أوصيتُ من هُم حولي أن يدفنوها معي حتى إن لاقيتُ النبّي أقول له أنا جارية خيبر.
كما كان في الجيش الخارج إلى خيبر الصحابي عبد الله بن أبي خضرد ذلك الذي استلف خمسة دراهم من اليهودي أبي شحم ، و قد أراد ذلك اليهودي استرداد ماله إلاّ أنّ عبد الله لم يكُن بحوزته ذلك المقدار من المال فوعده أن يرده له بعد رُجوعه من خيبر ، فقال له اليهودي و كيف أضمن رُجوعك ؟ ! بل رُدَه لي الآن ، فقال له عبد الله يا أبا شحم إنّ الرسول قد بشَّرنَا بالنصر و على الأغلب سأحظى بالغنائم و أُعطيك مالك ، فلم يقتنع أبو شحم و شكاه إلى النبّي ، فطلب النبّي من عبد الله أن يرُّد له ماله ، فباع عبد الله ثوبه و عمامته و أعطى لليهودي ماله ثمّ جلس حزينًا فمرّت به عجوز و رأته في تلك الحالة ،فقالت له ما يُحزنك يا صاحب رسول الله ؟ فقال لها لقد بِعتُ ملابسي و لم يتبقى لي غير هذا الثوب الذي ألبسه ، فقالت له خُذ بُردتِي و حارب بها حتى أكون معكم ، فقال لها و أنت بماذا ستخرُجين؟ ! فقالت له سأبقى في منزلي و أنتظر عودتكم .

فهكذا كان الحال و انتصر المسلمون في خيبر و قُسِّمت الغنائم على الجيش فكانت من نصيب عبد الله جارية تقرُبُ أبو شحم فدفع فيها فِدية قدّرت بألف درهم استردّ بها عبد الله دراهمه الخمسة و زاد عليهم تسع مائة و خمس و تسعون درهم كفته زمنا طويلاً من حياته .
فخرج النبّي باتجاه خيبرو كُلّه أمَل و تَطلُّع لفتح خيبر ، فقد و عد قائد غَطفان عينية بنصف ثمار خيبر مُدّة سنة كاملة إن انتصر ، إلاّ أنّ عينية لم يقنع بهذا النصيب بل طمع أكثر و اتفق مع حُيي على أخذ ثِمار خيبر كلّها مدّة سنة إذا حارب معهم.
فغضب النبّي و نهاه عن ذلك إلاّ أنّ عينية لم يسمع من النبّي و استكبر فتوعدّه النبّي .
فانطلق النبّي إلى خيبر و جعل طلحة بن عُبيد الله و سعيد بن زيد في مُقدّمة الجيش ليتطلعوا الأخبار ، وقد قام الاثنان بإطلاق إشاعة مَفادُها أنّ النبّي قاصدٌ غطفان لينتقم من عينية ، فسمع عينية بالخبر فخاف على النِساء و الأطفال بالدِيّار فانسحب من خيبر و رجع إلى غطفان .
فوصل النبّي خيبر بالليل و عَسْكَرَ بحُصونها و طلب من الجيش أن يستريحوا و يتريثوا في مُهاجمتهم إلى الصُبح حتى لا يُروِّعوا نِساءها و أطفالها فكان له ذلك ، ثم رفع النبّي يديه إلى السماء و أخذ يدعو ربّهو يقول اللهم ربّ السماوات السبع و ما أضللن و ربّ الأراضين السبع و ما أقللن و ربّ الريّاح و ما أضرين و ربّ الشياطين و ما أضللن أسألك من خير هذه البلدة و خير أهلها و خير ما فيها و أعوذ بك من شَرّ هذه البلدة و شَرِّ أهلها و شَرّ ما فيها
ثم أتى الحبَّابُ بن المُنذرإلى النبّي و قال له يا رسول الله لقد عسكرنا على مَقرُبة ٍ من حُصون اليهود أ فهذا أمرٌ قد أمرك به الله فأسكت أم هو الرأي و الحربُ فأقترح ؟ ! فقال النبّي بل هو الرأي و الحرب يا حبّاب ، فقال حبّاب يا رسول الله لقد اقتربنا كثيرا من الحُصون و على الغالب سيرانا عدًّونا ويتحرى أخبارنا فنتكشَفُ له ويصطادونا برِمَاحِهم و سِهَامهِم ، فقال له النبّي لقد أصَبتَ يا حبّاب سنبرُح المكان و نبتعد عن حُصونهِم إلاّ أننّا سنمكُث الليلة هنا حتى لا يقولوا عنّا أنّا جَبُّنَّا و خِفنا منهم .
فهكذا كان الرأي فاتضحت الرؤيا و شدّد عليهم الرسول الحِصار طيلة خمسة عشرة يومًا ، فنفذَ طعامُ المسلمين إلاّ أنّهم صبروا و ازدادوا إسرارًا و قُوّة ، و في ليلة من ليال الحِصار و الجوع وجد عبد الله المُزنيشَحمةً ففرح بها و أخذها و قال والله لن أُعطي منها أحدا ، فلاقاه النبّي و سمَِعه فنظر إليه النبّي و ابتسم له ابتسامةَ الغضبان ،فاستحى عبد الله و طأطأ رأسه .
و بعدها نادى الرسول على عامر بن الأكوعو طلب منه أن يُنشد حتى يرفع من مَعنويات الجيش فأنشد عامر و قال:
اللهم لولا ما اهتدينا و لا تصدّقنا و لا صلّينا فأنزل سكينة علينا
و ثبّت الأقدام إن لقينا فان الطّغاة إذا أرادوا فتنة أبينا

فقال النبّي أبينا أبينا أبينا ..فارتفعت معنويات الجيش .
و في اليوم الثالث عشر من الحِصار أُصيب النبّي بالشقيقة فطلب من أبي بكر أن يأخذ الراية و يُهاجمهم ، ففعلها أبو بكر و لم يفتحها ، فأعطاها النبّي لعمر بن الخطاب فلم يفتحها هو أيضًا ، فجمع النبّي الجيش و قال لهم غدًا بعد صلاة الفجر سأعطي الراية رجلاً ليس بفرَّارْ يحب الله و رسوله و يحبّه الله و رسوله و يفتح الله على يديه ، فاندهش الجميع و تحمّسوا لمعرفة هذا الرجل و كلٌّ مِنهم باتَ يتمنى أن يكون هو صاحب الراية .
و بعد الصلاة طلب النبّي من الصحابة أن يُحضِروا الراية فأمسكها و نظر إليهم و قال أين علّي بن أبي طالب ؟ فقالوا له إنّه يشتكي من عينيه ، فقال لهم أأتوا به ، فجاء علّي ، فقال له النبّي ممّا تشكو يا علّي؟ ! فقال علّي إنّ عيني بها رمثٌ يا رسول الله ، فأخذه الرسول بين ذراعيه ووضع رأسه في حِجره ثمّ أخذ يمسح على عينيه و يدعو الله له حتى برأت ، عندها أعطاه النبّي الراية و قال له هاك يا علّي و أُدخل عليهم سيفتح الله لك و لا تلتفِت ، فأخذها علّي و انطلق ثم تساءل على ماذا يُقاتل فحاول أن يرجع ليسأل النبّي فتذّكر أنّ النبّي قد نبّهَهُ من الالتفات ، فرجع علّي إلى النبّي بظهره و قال له على ما أقاتل يا رسول الله ؟ ! فقال له النبّي أن يهدي الله بك رجُلاً خير لك من أن تَطلُعَ عليك الشمس .
فانطلق علّي و عندما وصل إلى باب الحِصن ركز الراية فرآه رجل من اليهود فقال له من أنت ؟ فقال علّي بن أبي طالب فخاف منه لأنّ علّي قد ذُكر عندهم ، ثم نزل الرجل إلى علّي و بارزه فتقاتلا فقتله علّي ، فنزل أخوه و هو أضخم منه ، فخرج له الزبير بن العوّام ليقاتله فرأته أمُّه صفيّةفجرت إلى النبّي و قالت له يا رسول الله إنّه قاتلٌ ابني ، فقال لها النبّي بل ابنك قاتله بإذن الله ، فقتله الزبير بن العوام ففرِحَ النبّي و قال لكلّ نبّي حواري و حوارييِ هو الزبير .
فانتصر المسلمون بعد مرور خمسة عشر يومًا و فُتِحَ لهم أوّل حِصنٍ فدخلوه و انتقلوا إلى الحصن الثاني ووقتها رأى النبّي راعي غنم فقال للصحابة من يذهب إليه و يأتينا ببعضها فذهب كعب و أتى بغنمين ففرِحَ النبّي و دعا لكعب بطول العُمُر ، ثم أتى راعي غنم أخر إلى النبّي و قال له إني أعلم أنّك على الحق فإلى ما تدعو ؟ فقال له النبّي إلى الجنّة ، فقال الرجل و ما الجنّة ؟ ! فأخبره النبّي عنها فأسلم الراعي ثم قال للنبّي يا رسول الله إذا حاربت معك و قُتِلت أ أدخل الجنّة ؟ ! فقال له النبّي نعم ، فقال الراعي و إن كنت أسودَ الوجه و رَثَّ الثيّاب ؟ ! فقال له النبّي إنّ الله سيُبيّضُ وجهك و يُغنيكَ ، فقال يا رسول الله إنّ معي غنمٌ ليس لي و يجِبُ أن أردّها لأهلها قبل أن أُحارب معك .
فغادر الراعي ليُسلم الغنم لأصحابها ثم عاد إلى النبّي ليُشارك في المعركة التي استُشهد على إثرها ، فرآه النبّي في الجنّة و قد بيَّضَ الله له وجهه و أكثر ماله و حَسَّنَ رائحته و جعل له زوجة من الحور العين ترافقه في الجنّة.
فانتصر المسلمون في هذه المعركة أيضا و فتحوا الحِصن الثاني فالثالث و استعملوا المنجنيق و هكذا أكملوا فتح كلّ الحُصون، فاستسلم اليهود و عَقَدوا الصُلح مع النبّي و اتفقوا معه ، فطلب منهم الخُروج من خيبر فاستعطفوه على أن يُمْهلهم حتى يجنوا محاصيل السنة ، فصفح عنهم النبّي و مَهَّلَهُم السنة و كلّفَ عبد الله أن يَستَلم أمر خيبر و يُثمِّنَّ ثِمارها و يُعطيَ المسلمين نصيبًا منها .
و بعد انقضاء السنة أتى عبد الله ليُثمّّن الثِمار و يُقسّمًها ، فقالوا له يا عبد الله نُعطيك رُبع الثِمار و تُنقص لنا من نصيب المسلمين ، فنزع عبد الله نعله و قال لهم أتريدون رشوتي في نصيب رسول الله ؟ ! أبدًا قطّ.
فهكذا انتصر النبّي و المسلمين في خيبر بسبب تكاتُفِهم و إيمانهم القوّي ، فكانت هذه التجربة أفضل تنمية بالإيمان .

#29

افتراضي رد: هذا هو انبيّك محمد و الشافع لك يوم القيامة ,,متجدد


فتـــــــح مكة

لقد كان فتحُ خيبر فاتحةُ خيرٍ على المسلمين فقد عزَّزَت رَصيدهَا الإسلامي بين القبائل العربية ، فأسلمت قبيلة أشجع و قبيلة غِفار و دَوس و بني سُليمة و خُزاعة ، أمّا خُزاعة فقد كانت لها حربٌ شرِسة مع قبيلة بني بَكر و بإسلامها تشجّعت بنو بكر و أرادت الإطاحة بها و إخفاءَ أثرَِ وُجودها بين العرب و عن الأرض أجمع .
فقد قَصَدَ قائد بني بكر نَوفل بن مُعاوية قادة قُريش و استنجد بهم و طلب مَعُونتهم فوافقت قريش و مَدَّتهُم بالسِلاح ، و في تلك الآونة خرجت خُزاعة لتؤدي عُمرةٌ فترصدتها بنو بكر بالوتير و قتلت ثلاثةً مِنهم فهرب البقيّة إلى الحرم فتبعهم نوفل للحرم فكفَّته قريش و قالوا له يا نوفل الحرم الحرم إلهك إلهك ، فقال لهم نوفل لا حَرَمَ اليوم فإنّكم تسرقون في الحرم فأفلا نأخذ ثأرنا فيه ! فقتلوا عشرين رجلاً من خُزاعة داخل الكعبة و أعانتهم قريش في فعلتهم المشينة هاته .

فانهارت خُزاعة لمَّا سَمِعت الخبر و صُدِم قائدها بُديل بن ورقاء ثم استجمع قِواه و أرسل عمر بن سالم إلى النبّي ليُخبره بالواقعة الأليمة التي ألمّت بخزاعة ، فانطلق عمر بن سالم إلى المدينة و عندما وصل قصد المسجد النبوّي مُباشرة فوجد النبّي جالسًا مع حافظ بن أبي بَلتعة رسوله إلى حاكم ِ مصر المقوقس ، فدخل عمر عليهما و سلّم، ثم قال للنبّي :
يارب إنّي ناشدٌ محمدَا حِلف أبينا و أبيه الأتلدَا
قد كُنتم ولدَا و كنّا والدَا ثم أسلمنا و لم نرتع يدَا
إنّ قريش أخلفوك موعدَا و نقضوا مِيثاقك المؤكدَا
هُم بيّتونا بالوتير سُجّدَا و قتَّلُونا رُكّعا سُجّدَا
فانصر هداك الله نصرا أيدَِا و ادعو عباد الله يأتوك مددَا
فغضب النبّي غضبًا شديدًا و احمرَّ وجهه و ضرب يديه على فخذيه ، ثم قال لعمر بن سالم ارجع يا عمر إلى خُزاعة و تظاهر أنّه لم يردني أي نبأ منكم .
فعاد عمر إلى خُزاعة بأقصى سُرعة فلم يتفطن أحد لخروجه و دُخوله ، و بعدها ندِمت قريش على فِعلتها النَكراء و خافت من انقلاب النبّي عليها فعقدت اجتماعًا طارئًا بدار الندوة حضره قادة قريش و أشرافِها ، فتعددت الآراء بالندوة و تضاربت و غابت الحِيلُ و الأفكار و اختلط الخوف بالحصرة فلم يَجدوا أيَّ منفذٍ أو مخرج يُجنِّبُهم غضب النبّي و انتقامه .
و بعد سِلسلة من التَضاربات قام عبد الله بن أبي الصرح و هر رجلٌ من قريش أسلم ثم ارتدَّ فأصبح بمنتهى الحِنكة على المسلمين ، فقال لهم يا معشر قريش إني أكثركم مَعرفةً بمحمد و لا أجد لكم مَنفذًا لورطَتِكم هذه إلاّ ثلاثةَ حُلول فإمّا أن تدفعوا الدِيّة لخُزاعة ، فقالوا له و الله لو أعطيناهم أموالنا كلّها ما قَبِلوا الدِيّة ، فقال لهم إذن سلموهم كلّ شخصٍ ساهم في قتل أبنائهم ليقتصوا منهم ، فقالوا له و الله يا عبد الله إن فعلنا ذلك فقدت قريش زعامتها بين القبائل و لن يتبَّع حِلفنا أحدٌ بعدها ، فقال لهم إذن لم يتبقى لكم سِوى الثالثة و هي السيف غير أنّي أجد أنّ محمدا لن يترككم ثم سكت فارتعب الجمع ، ثمّ قام أبو سفيان و قال لهم يا معشر قريش إنّ لديّ خُطّة قد نحتال بها على محمد ، فقالوا له أنقِضنا بها يا أبا سفيان ، فقال سأقصد محمد و أطلب منه أن نُجَدّدَ في العقد و نُغيّر في بعض بُنوده فأجعله يُمضي الصُلح بتاريخ جديد فلا يستطيع مُخالفة العهد إذا سَمِع بحادثة خُزاعة فأُعجِبَ الجمع بخُطّة أبي سفيان و قاموا بحبس كل قبيلة خُزاعة في بيت بُديل بن ورقاء حتى لا يتسنى لهم الخُروج و إبلاغ النبّي بالحادثة فيُلغي العقد .
ثم خرج أبو سفيان إلى المدينة و عندما وصل إليها تجاهله كل أهلها فنزل عند ابنته أم حبيبةغير أنّه لم يجدها فجلس ينتظرها و بعد فترة وجيزة دخلت أم حبيبة بيتها فوجدت أباها أبا سفيان جالسٌ على فِراش زوجها النبّي فصرخت في وجهه و قالت له قُم ، فقال لها ما بالك يا بنيّتي أهناك ما يُنجّس ثوبي ؟ ! فقالت له بل أنت من ينجّس فِراش رسول الله ، فقام أبو سفيان من على الفِراش و قال لها قد أصابك بعدي شّر ، فقالت له و الله لم يُصبني بعد ما عرفت النبّي إلاّ كلَّ خير .
فخرج أبو سفيان من بيت ابنته رملة و اتجه إلى المسجد النبوّي ليُقابل النبّي فوجده جالسًا مع الصحابة، فلمحه النبّي من بعيد قادمًا نحوه فقال للصحابةما أتاكم أبو سفيان إلاّ ليُجدّد العهد و يزيد المُدّة ، فدخل أبو سفيان على النبّي و الصحابة فقال لهم يا أيّها الناس يا محمد إنّي لم أشهد صُلحَ الحُديبية إلاّ أننّا قد وجدنا فيه الخير فأتيتُك يا محمد لنُجدّد العهد و نُطيل المُدّة فقال له النبّي أذاك ما أتى بك يا أبا سفيان ؟ ! فقال نعم ، فقال له النبّي هل أحدثتُم حدثًا ! فقال مَعَاذَ الله ، فقال له النبّي يا أبا سفيان إنّا على العهد الأوّل لا نُبدّل و لا نُغيّر و لا نَغدِر فإذا أتى بك شيء أخر فقله لنا ، فقال أبو سفيان لا جديد يا محمد ، فقال له النبّي إذن نحن على العهد .
فخرج أبو سفيان من عند الرسول حامِلاً خيبته بين ذراعيه فأين سَيُواري وجهه من النبّي و من المسلمين بعد فِعلتِهم النَكراء و جَريمتهم الشَنعاء التي ارتكبوها بحق خُزاعة ، لقد أدرك أبو سفيان أنّ النبّي لن يترك هذا الحدث يمرّ بدون حِساب و قريش في أغلب الأحوال ستدفع الثمن ، فقلَّبَ أبو سفيان كفيه ثم ذهب إلى أبو بكر ليستنجدَ به فقال له يا أبا بكر هل لك في أن تُراجع النبّي ليُجدّد العهد أو أن تُجير أنت بين الناس ؟ فقال له أبو بكر يا أبا سفيان إنّا على العهد لا نُبدّل و لا نُغيّر ولا نغدر و جِواري في جوار رسول الله ، فتحصّر أبو سفيان و خرج من عند أبي بكر ليتجه إلى عمر بن الخطاب فدخل عليه و قال له يا عمر ألك في عزّة أظهر فتجير بين الناس ؟ فقال له عمر يا أبا سفيان أمَا وجدت غيري لتطلُب منه الجوار ؟! و الله لو وجدتُ غير النمل لِأُقاتلكم لقاتلتكم به و إنّ بيننا و بينكم مُعاهدة غير أنّي أدعو الله إن كانت مَتينة أن يُمّزقها و إن كانت مُزقت أن لا يَصِلها ، فخرج أبو سفيان و خاب رجاؤه ثم ذهب إلى عثمان بن عفان و قال له يا عثمان هل لك في أن تُجير بين الناس ؟ فقال له عثمان جِواري في جِوار رسول الله .
ثم قصد أبو سفيان علّي بن أبي طالب و قال له يا علّي هل لك في أن تُجير بين أظهر الناس ؟ فقال له علّي يا أبا سفيان جواري في جوار رسول الله فتأسف أبو سفيان و استنجد بفاطمة لتُجير هي بين أظهر الناس ، فقالت له يا أبا سفيان إنّني امرأة و ليست النِساء التي تُجير و إنما الرِجال ! فقال لها هل لكِ في أن تطلبي من الحَسن و الحُسين أن يجيرا بين أظهر الناس؟ فضحِكت فاطمة و قالت له ما هما إلاّ طفلين ! فنظر أبو سفيان إلى علّي و قال له يا علّي إنّي في كرب شديد فهل لك لي في نصيحة ؟ فقال له علّي إن أردت أن تُجير بين الناس فاخرج إلى المسجد و قُل أنا أبو سفيان و إنّي أُجير بين أظهر الناس ، فقال أبو سفيان أ تصلح ؟ ! فقال له علّي هي لا تصلح و لكن لا أجد لك عندي غيرها .
فخرج أبو سفيان قاصدًا المسجد النبوّي و نادى في الناس و قال أنا أبو سفيان بن حرب قائد قريش و قد أجرت بين الناس فلا يعتدي أحد منكم على أحد و لا يُردّ جواري ، فنظر إليه النبّي و قال له أنت الذي قُلتَ ذلك غير أنّي لم أقل شيئًا فقل ما شئت ، فسكت أبو سفيان ثم رجع إلى مكة و حكى لهم ما جرى معه بالمدينة فقالوا له لقد لَعِبَ بك علّي بن أبي طالب ذلك الصبّي الذي كان يلعب بين أطفالنا في القديم ، فاغتاظ أبو سفيان و أدرك أنّ علّي قد استغباه فغضب و قصد الكعبة و أقسم للأصنام أن لا يعبُد غيرهم .
و بعدها طلب النبّي من عائشة أن تُجهّز له لِباس الحرب و أمّنَهَا على سِرّه ، فأخذت عائشة تُجهّز اللِّباس للنبّي فإذ بأبيها أبي بكر يدخل عليها فوجدها تُجهزه ، فسألها و قال يا عائشة أتحضّرين لِباس النبّي قَصْدَ القِتال ؟ فقالت له نعم ، فقال لها لعلَّه يُريد الروم ؟ فابتسمت و لم ترد عليه ، فقال أو لعلّه يريد هَوازِن ؟ فابتسمت أيضا ، فقال أو لعلّه يريد قريش ؟ فابتسمت و لم ترد عليه ثم قامت من أمامه ، فغضب أبو بكر منها و خرج .
و في تلك الآونة جمع النبّي الصحابةو طلب منهم أن يتجهزوا للقِتال فتساءلوا عن الوِجهة ! فقال لهم سأخبركم عنها فيما بعد .
و بعدها بعث النبّي رُسُله إلى القبائل المُسلمة لمُؤازرتِه فالكلّ بات يعلم أنّ النبّي ناوٍ على حرب .
و بعدها نادى النبّي على أبي بكر و عمر فأطال في مُجالستهما و أخبرهما بغدر قريش ، و في نفس الوقت أرسل ثمانيةً من الصحابة إلى هَوازن فظنّ الجميع أنّ النبّي سيحارب هَوازِن فانتشر الخبر في الجيش و بين القبائل فتجهّزت هَوازِن لمحاربة النبّي .
و في ظِلالِ كلّ هذه الأحداث تفطَّنَ حافظ بن أبي بلتعة لخُطّةِ النبّي و أدرك أنّ غايةَ النبّي هي إغفال قريش ، فقام بإبعاث رِسالة إلى قريش يُحذّرُها نيِّة النبّي في مُحاربتها و حتى لا يشُكّ فيه أحد بعث الرسالة مع امرأة ، فنزل جبريل على النبّي و أخبره بالأمر ، فأرسل النبّي علّي بن أبي طالب و الزبير بن العوام ليُحضِرا الرسالة من المرأة فأنكرت وُجودها ، فقال لها علّيما كَذَبَ جبريل و ما كَذَبَ رسول الله فأخرجي الرِسالة و إمّا لننزعنّ الثِيّاب ، فخافت المرأة و أخرجت الرِسالة من ظفيرتها ، فأخذها منها علّي و عاد بها إلى النبّي .
فجمع النبّي الصحابة و طلب من علّي أن يقرأ عليهم الرِسالة ، فمسكها علّي و قال مِن حافظ بن أبي بلتعة إلى قائد قريش أبي سفيان إنّ رسول الله يَستعدّ لقِتالكم فاستعدّوا له ، فمسك النبّي الرِسالة و قال لحافظ ما هذا يا حافظ ؟ ! فقال حافظ لا تَعْجَلْ عليَّ يا رسول الله فو الله لإني مًؤمن بالله و برسوله و إنّي و الله ما بَدلتُ و ما غَيّرتُ و ما ارتددت عن ديني و لكني يا رسول الله لَصِيقٌ بقريش و إنّ أولادي و أهلي بها فأحببت أن يكون لي فيها يدًا تحفظ لي أولادي و أهلي و مالي ، فغضب عمر بن الخطابغضبًا شديدًا و قام من مَقعده فَسلَّ سيفه و قال يا رسول الله دعني أقطع رقبةَ هذا المُنافق ، فقال له النبّي دَعْهُ يا عمر لعلّ الله اطلع على أهل بدر و قال فيهم افعلوا ما شِئتم فإني قد غفرت لكم و إنّه قد شهد بدر ، فبكى عمر و قال للنبّي الله و رسولهأعلم .
فعفا النبّي على حافظ بن أبي بلتعة ثمّ فرض حِصارا على المدينة مَنع فيها خُروج و دُخول أي أحد حتى لا يتسرب الخبر لقريش .
فبدأت القبائل المؤازرة بالتوافد على المدينة المنوّرة فوصلت قبيلة بني سُليم بألف و ستمائة مُقاتل فبلغ جيش المسلمين عشرة ألاف مُقاتل بمن فيهم ثلاث مائة فارس ، فبعدما كان الجيش لا يتجاوز ألفي مُقاتل في الحُديبية كَبُر و زاد ليتجاوز العشرة ألاف مُقاتل و كلّهم قاصدين مكة .
فانطلق الجيش العرمرم و الكلّ يظن أنّهم قد خرجوا في إِثر هَوازِن ، فاستعدّت هَوازِن و تجهزت ، فأمَّرَ الرسول خالد بن الوليدقائداً على الجيش و جعل أبو عُبيدة بن الجرّاح على مَيمنة الجيش و الزبير بن العوام على المَيسرة و كلَّفَ سعد بن عُبادة ليكون قائد لِواء المُهاجرين و الأنصار .
فسار الجيش باتجاه هَوازِن و عندما بلغت المسافة بينه و بين هَوازِن ثمانية كيلومترات غيَّر النبّي وِجهةَ الجيش إلى مكة ، فأسرع النبّي بالجيش ثم أوقفه على بُعد أربعة أميال من مكة و طلب من كلّ مُقاتل أن يحمِل مِشعلاً من نار فبلغ عدد المشاعل عشرة ألاف مِشعل ، فذُهلَت قريش لمَّّا رأت النِيران على أشراف مكة ، فخرج العباس عمّ الرسول ليتحرّى الأمر فَعرف أنّ الجيش ما هو إلاّ جيش المسلمين ، فقصد النبّي و أسلم بين يديه ، ففرِح النبّي كثيرا بإسلام عمّه ذلك الذي لم يتردد أبدًا في الإشارة على ابن أخيه و قال له يا ابن أخي تَريث في دُخولك مكة حتى أطلب منهم الاستسلام فقَبِل النبّي المَشورة و أعطى عمّه بدلته لتكون إمارة على كلامه .

#30

افتراضي رد: هذا هو انبيّك محمد و الشافع لك يوم القيامة ,,متجدد

و في نفس الوقت خرج أبو سفيان قاصدًا المدينة ليُعاوِدَ تجديد المُعاهدة مع النبّي فَفَزِعَ لرؤية النِيران و صعقه المنظر ثم قال للرجل الذي كان معه لعلّها هَوازِن ؟ ! لا فهوازن أقلّ و أذّلُ من ذلك أو لعلّها خُزاعة ! إلاّ أنّها أقلّ و أذلّ من ذلك و قبل أن يُكمل كلامه رأى العبّاس قادماً ٌباتجاهه ، فقال له من هؤلاء يا عبّاس؟ ! فقال العبّاس هذا رسول الله و معه عشرة ألاف مُقاتل ، فقال أبو سفيان أ أسلمت يا عبّاس؟ ! فقال العبّاس نعم يا أبا سفيان فقد جاءكم محمد بالعربِ كلِّها ليفتحوا مكة فإن فتحوها عُنوّةً هلكت قريش فقد بات الأمر في يدك الآن فاخرج معي إلى النبّي و سلَِّمه مكة ، فخاف أبو سفيان و قال للعبّاس إني أخاف أن يقتلني ، فإذ بعلّي بن أبي طالب يَصِل ، فقال علّي لأبي سفيان لا تخف يا أبا سفيان فإن دخلت عليه فقل له ما قاله إخوة يوسف ليوسف ، فرَكِب أبو سفيان خَلْف العبّاس و انطلقا معًا لملاقاة النبّي و عندما وصلا رآهما عمر بن الخطابفقال لأبي سفيان يا أيّها الغادر أعطني رقبتك لأذبحها ، فكفَّه العبّاس و قال له هو في جِواري يا عمر ، فقال عمر لا جِوار بعد اليوم ، فقال العبّاس أتفعل هذا يا عمر لأنّه من آل عبد مناف فلو كان من آل عدّي ما كُنت لتفعل به ذلك ! فبكى عمرو قال للعبّاسو الله إنّك قد أسلمت مُنذ قليل فقط و كانت فرحتي بإسلامك أكبر من فرحتي بإسلام أبي الخطاب و لم يُسلم ، فخلَّى سبيلهما و تركهما يدخلان على النبّي .
فلمّا رأى النبّي أبا سفيان احمرّ وجهه ، ثم قال له أغدرتم يا أبا سفيان ثمّ جِئتني إلى المدينة تَدَّعِي العهد و الصُلح؟ ! فتذكر أبو سفيان ما أوصاه به علّي فقال قد أثرك علينا و إنّا كُنا من الخاطئين ،فقال له النبّي لا تثريب عليكم اليوم ، ثم قال يا أبا سفيان ألا۝تشهد أنّ لا إله إلاّ الله۝ ؟ فقال أبو سفيان ما أحلمَكَ و ما أصبَرك و ما أوفَاك يا محمد والله لو كانت هذه آلهة حقًّا لأغنت عنّا اليوم ! فقال له الرسول أتشهد أنّي رسول الله ؟ فقال أبو سفيان أمّا هذه يا محمد فإنّ لها في النفس شكّ ، فقال العبّاسيا أبا سفيان أنقض نفسك و أنْقِض قريش .
فأسلم أبو سفيان و فرِحَ النبّي بإسلامه كما فرح العبّاس ثمّ قال للنبّي يا رسول الله إنّ أبا سفيان رجلٌ يُحبّ الفخر فاجعل له مَكرمةً بين قومه ، فقال له النبّي إذن من دخل بيت أبا سفيان فهو آمن ، فقال أبو سفيان يا محمد إنّ بيتي ضيّق و لا يتسع لأهل مكة ، فقال النبّي إذن من دخل الحَرَم فهو آمن و من أغلق بابه على بيته فهو آمن ، فقال أبو سفيان أمّا هذه فنعم ، ثم عاد إلى مكة و انتظر دخول جيش المسلمين مع العبّاس .
و في الصباح دخل النبّي و الصحابة مكة على أعلى نِظَامٍ ، فقال أبو سفيان للعبّاس إنّ ابن أخيك قد بلَغَ مُلكًا ع
فدخل النبّي مُطأطِئًا رأسه مُتواضعًا لله ثمّ نادى في النّاس و قال يا معشر قريش من دخل الحَرَم فهو آمن و من دخل بيت أبا سفيان فهو آمن و من دخل بيته و أغلق بابه عليه فهو آمن ، ثم تلا قوله ۝۝﴿إنّا فَتَحْنَا لَكَ فَتحًا مُبِينَافبكى الصحابة فتلا النبّي قوله۝ ۝﴿مُحَمّد رَسُولُ الله و الذِينَ مَعَهُ أَشِدّاءُ على الكُفّارِ رُحَمَاءُ بينَهُمْ تَرَاهُمْ رُكّعًا سُجّدًا يَبتَغُونَ فضْلاً من الله و رٍِضوانًا﴾ ، ثمّ قال يا معشر المسلمين لا تقتلوا أحدا إلاّ عشرا عكرمة بن أبي جهل _ صفوان بن أميّة _ الهبار بن أسود _ هند بنت عتبة _ عبد الله بن سعد بن أبي صرح _الحُويرث بن نُفيل _ مقيس بن حُبابة _ سارة مولاة عبد المطلب _ كعب بن زهير و أُسيد بن اياس .
و بعدها أتى بن أبي قُحافة و هو شيخٌ عَجوز و أعمى إلى النبّي و أسلم بين يديه ، فقال النبّي لأبي بكر أمَا كان لنا يا أبا بكر أن نُجنِّبه عناء المجيء إلينا و نذهب نحن إلى بيته ؟ فقال أبو بكر هو أحق أن يأتيك يا رسول الله ثم بكى فرحًا بإسلام أبيه و قال للنبّي و الله كنت أحبّ أن يُسلم أبو طالب بين يديك و ليس أبي .
ثمّ دخل النبّي الحَرَم و تلا قوله۝۝﴿قُلْ جَاءَ الحَقُّ و زَهَقَ البَاطِلُ إنَّ البَاطِلَ كَانَ زَهُوقَا، ثمّ طاف حول الكعبة و بعدها وقف على جبل الصَفا و جمع الناس و قال لهم ما تظنّوا أني فاعلٌ بكم اليوم ؟ فقالوا له أخٌ كريم و ابن أخٍ كريم ، فقال لهم النبّي لا تثريب عليكم اليوم فالله يغفر لكم و اذهبوا فأنتم الطُلَقَاء .
ثمّ أشار بعدها على الأصنام فإذ بها تقع الواحدة تلو الأخرى دون أن يمسّها أحد ، ثمّ طلب النبّي من بِلال أن يصعد فوق الكعبة ليؤذّن فتعجّب أبو سفيان لرؤية هذا المشهد و جلس يُفكّر فأتاه هِشام بن الحارث و قال له الحمد لله الذي أمات أبي قبل أن يسمع نهيق بِلال فنظر إليه أبو سفيان و لم يتكلم ، فمرَّ بهما النبّي و قال لهشام الحمد لله الذي أمات أباك قبل أن يسمع صوت بلال ثمّ نظر إلى أبي سفيان و قال له لو تحدثت بشيء لأخبرني جبريل ، فقال أبو سفيان أقسم أنّك لرسول الله .

ثمّ أتى فُضالة إلى النبّي و خبّأ خِنجرًا في عَباءته ليقتل به النبّي ، فنظر إليه النبّي و قال له بما تُحدّثك به نفسك يا فضالة ؟ فقال إنّي أذكر الله ، فقال له النبّي اتقِ الله يا فُضالة ووضع يده على قلبه و أخذ يمسح عليه و هو يبتسم له و يقول استغفر الله يا فُضالة ، و يقول فُضالة في ذلك قبل أن يضع يديه على صدري كان أبغض أهل الأرض إلى قلبي و بعدما وضعها عليّ أصبح أحبّ أهل الأرض إلى قلبي ، فأسلم فُضالة .
ثمّ غادر النبّي فالتقى فُضالة بامرأة كانت له معها علاقة قبل إسلامه ، فقالت له هَلُّمَّ يا فُضالة ، فقال لها قالت هلُمّ إليّ فقلت يأبى الله و رسوله فلو كنتِ قد رأيتي محمدَا و رجاله بالأمس كيف كُسّرت الأصنام لعلمت أنّ دين الله أصبح ظاهرًا و الكُفرُ يُداسُ بالأقدامِ .
و بعدها فرَّ عِكرمة بن أبي جهل إلى جَدّة عندما سمِعَ أنّ النبّي قد أهدر دمه ، فذهبت زوجته أم حليم بنت الحارث إلى النبّي و استعطفته عليه فأمنّه فلحقت به قبل أن يُبحر مَركبه و قالت له يا عِكرمة لقد أمَّنكَ رسول الله فنزل من المَركب و رجع معها إلى مكة فلمّا رآه النبّي قال للصحابة يأتيكم عِكرمة مُسلمًا مُؤمنًا فلا تسبّوا أباه لأنّ سبّ الميّت يؤذي الحيّ و لا يَصل الميّت ، فوصل عِكرمة إلى النبّي فخلع النبّي رداءه و أجلسه عليه ، فقال عِكرمة إلى ما تدعو يا محمد ؟ فقال له النبّي إلى صِلة الرحم لذلك قد صفحت عنك و إلى محاسن الأخلاق و الصلاة و توحيد الله ، فقال عِكرمة و الله لهذا شيء جميل فأسلم ، ثم قال و الله كلّ درهمٍ أنفقته في الصدّ عن سبيل الله لأنفقَنَّ مثله في سبيل الله و كلّ صدّ صددته لأضعن ضعفه من جُهدي في سبيل الله ، و كان ذلك حقًا إلى أن استشهد في غزوة تبوك .
كما قد هرب صَفوان بن أميّة إلى الجِبال فقصد عمر بن الخطاب النبّي و قال له ألا تؤمّنه يا رسول الله ؟ فقال له النبّي لقد أمنّاه ، فقال عمر ألا تعطني شيئًا يكون أمّارة له بذلك حتى لا يقتله الناس؟ فأعطاه النبّي عمامته فتبعه عمر إلى الجبال و أرجعه معه ، فأسلم هو أيضًا .
أمّا هند بنت عُتبة فهي الأخرى قد أَهْدَر النبّي دَمَها إلاّ أنّها لم تهرب و إنّما تنكرت بالنِقاب و ذهبت إلى النبّي لتُبايعه فوجدته يُبايع النِساء و يقول لهنَّ أتبايعنني على أن لا تُشركن بالله ؟ فقالت لو كانت هذه حقا آلهة لعصمتنا منك اليوم ، فابتسم النبّي و قال أتبايعنني على أن لا تسرقن؟ فقالت إنّ أبا سفيان رجل ٌشِحِّيحْ فهل يحِّلُّ لي أن أخذ من ماله دون أن يعلم ؟ فقال النبّي أهذه هند بنت عتبة ؟ فقالت عفا الله على ما قد سلف فهل عفوت عني ؟ فقال لها لقد عفوت عنك ، ثم قال أتبايعنني على أن لا تزنين ؟ فقالت أوا تزني الحرّة ؟ ! فسكت النبّي ثم قال أتبايعنني على أن لا تقتلن أولادكن ؟ فقالت اِيْــهْ ربيناهم صغارًا و قتلتهم أنت في بدر كِبارَا ، فضحِك عمر بن الخطاب حتى سمِعوا قهقهته ، فابتسم النبّي .
كما فرّ اثنان من اللذين أهدر النبّي دمّهما إلى أم هانئو استنجدا بها فأجرتهما إلاّ أنّ علّي بن أبي طالب رآهما فأتى أم هانئ و قال لها جزاك الله خيرا سلميهما لي ، فقالت له لقد أجرتهما يا علّي فقال لها أ تجير النِساء و قد أحلّ الرسول قتلهما ؟ !، فقالت له لقد أجرتهما و لن أسلّمك إياهما حتى أذهب إلى النبّي و أسأله ، فذهبت إليه و قالت له يا رسول الله لقد أجرت فُلان و فُلان ، فقال لها لقد أجرنا من أجرتي يا أم هانئ .
فهكذا كانت أجواء مكة يوم فتحها فقد صفح النبّي على أهلها فأسلموا رغبةً لا رهبةً.
و بعدها قصد النبّي الكعبة و أراد أن يُصلي بداخلها فنادى على عُثمان بن طلحة ليأخذ منه مَفاتيحَ الكعبة و قد أبى عثمان أن يعطيه المفاتيح قبل إسلامه ، و قد قال له النبّي يومها يا عثمان أعطني المفاتيح خيرٌ من أن يأتيك يوم يكون المفتاح فيه لي ولن أعطيه لك ، فقال له عثمان يومها ستكون بطن الأرض أحبّ إليّ من ظهرها ، فلمّا طلب النبّي منه المفتاح يوم فتح مكة تذكر عثمان ما قاله له ، فقال له يا رسول الله إنّ المفتاح مع أمي ، فقال له النبّي اذهب إليها و ائتني به فذهب إليها فأبت أن تُسلّمه المفتاح فأرسل النبّي عمر معه فخافت و أعطته له ، فسلّم عمر المِفتاح للنبّي فأمسكه النبّي في يده فدنى منه عمّه العبّاس و قال له يا رسول الله أعطني المِفتاح ليكون شرفًا لنا ، فقال له النبّي لا يا عمّ يومُ بِّرٍ و وفاء خذوه بنو شيبة لا يأخذه منكم إلاّ ظالم و ذلك إلى يوم القيامة ، ففرح عثمان بن طلحة و أخذ الِمفتاح من النبّي و توارثه أبناءه جيل عن جيل .
ففتح النبّي مكة و مكث بها تسعة عشر يومًا و بعد فتحها تورات الفُتوحات فتحًا بعد فتح
ظيمًا ، فقال العبّاس ليس مُلكًا و إنّما هي النُّبوّة .

#31

افتراضي رد: هذا هو انبيّك محمد و الشافع لك يوم القيامة ,,متجدد

غــزوة حـــنين

لقد عرفت السنة الثامنة للهِجرة أكبر انتصارٍ للنبّي بفتحه لمكّة ، فقد ساد الهُدوء رُبوعُها و عمََّ الاطمئنان أرجاءها إلاّ أنّ هذا الآمان و الوِئام لم يدُما طويلاً في سمائها لأنّه ظهر من يُعكِّر هُدوءها و يُسَوِّدُ صُفوُّها و يُقلّب أفراحها .
فقد تواطأت قبيلة هَوازِن مع قبيلة ثقيف و اتفقتا على مُهاجمة النبّي بمكة كونهما القوّتان المُوازيتان لقريش ، فسمع النبّي بتضامُنهما الماكر فتجهّز لهما بجيش قُدّر باثني عشر ألف مُقاتل كما قام باستعارة ثلاث مائة دِرعٍ من صفوان بن أميّة .

فخرج النبّي بجيشه في اثْرِ هَوازِن و ثَقيف ، و في ظلال ذلك عَسْكَرتَا بمنطقة حُنين و اختارتها على غيرها كَونها منطقة مُنحدرة بها وادي و شِعاب سهَّلت عليهم نصب الكَمائِن ، إلاّ أنّ النبّي تفطّن لخُطّتِهما و أرسل من يتطّلع بالشِعاب.
أمّا المسلمين فقد استصغروا هذه المعركة اغترارًا بعَدَدِهم و مَدَدِهم ، فنزلت أوّل فِرقةٍ إلى الشِعابِ بقيادة خالد بن الوليد، فأمرهم الرسول أن يَنزلوا فِرقة فِرقة و ليس دُفعة واحدة تحسُبًّا للكمائن إلاّ أنّهم استهونوا الأمر و نزلوا دُفعة واحدة ، و أوّل ما نزلت الدُفعة الثالثة من الجيش خرج جَيشَا هَوازِن و ثقيف من بين الشِّعاب و انقضوا على المسلمين على حين غُرّة يُقتِّلونهم فارتبك جيش المسلمين و اختلّ نِظامُه ، فعَرّتِ الشِراكُ الأظهر و أدخلتهم المَصيدَة فتفنّنت و بَرعَت في تخويفهم ، فأخذ الجيش يجري يمينًا و شِمالاً مُحاولا الفِرار ، فرآهم النبّي فأعلن عن مَكانه ليرفع من مَعنوياتهم و يُعيدهم إلى المعركة .
فقال لهم يا معشر المسلمين أنا النبّي لا كَذِبْ أنا ابن عبد المطلب ، فلم يسمعه أحد من هَوْلِ المعركة ، فرفع النبّي يديه إلى السَماء و قال اللهم أنجزني وعدك ..اللهم انصرنا و لا تُخزنا ، فرأى العبّاس النبّي فذهب إليه و مسك خُطامَ ناقته و نادى على المسلمين و قال يا معشر المسلمين هلُموا إلى رسول الله ، فلم يرجع أحدٌ منهم ، فقال له النبّي ليس هكذا يا العَبّاس و انّما ذَكِّرهم بالأيّام العظيمة ليعُودوا ، فقال العبّاس ماذا أقول يا رسول الله ؟ فقال له النبّي قل يا أصحاب بيعة العقبة يا أصحاب الشجرة يا مُهاجرين يا أنصار يا من حفظتم سورة البقرة ، فأخذ العبّاس يُردد ما يقوله النبّي فأخذت النّاس تَصيحُ و ترجع و تقول لبيك يا رسول الله، فأخذ المُهاجرون و الأنصار يعودون عَودة الإِعصار فتجمّع حول النبّي ما يُقارب مائة صحابي ثم ازداد العدد.
ثمّ أتى شَيْبْ بن عثمان بن طلحة و في يده سَيفٌ يريد أن يقتل به الرسول ، فقال له النبّي يا شيب إني أريد بك الخير و أنت تُريد بنفسك الشرّ ! فاغتاظ شَيْب ، فقال له النبّي استغفر الله يا شيب ، و يقول شيب في ذلك و الله كُلّما نظرتُ إليه و تمعّنتُ في ملامحه تغيّر قلبي نحوه و أحبّبته ، ثم قال لي أتشهد أن لا إله إلاّ الله و أني رسول اللهفقلت أشهد ، فقال أتُدافع عني يا شيب ؟ ! فقلت نعم ، فانقلب شيب على جيشه و انظم إلى جيش المسلمين .
ثم نزلت الملائكة لتُثبّت المسلمين و تَنصُرَهُم فهُزمت هَوازِن و ثقيف و عَمَّرَ المسلمون غنائم لم ينالوا مثلها من قَبل ، فقسّمها النبّي بين قريش و بقيّة القبائل ، فاستغرب الأنصار تَصرُف النبّي و ظنوا أنّه قد فَضّل أهله عليهم ، فذهب سعد بن عُبادةإلى النبّي و قال له يا رسول الله إنّ الأنصارَ يقولون عنك أنّك قد وَجدت أهلك ! فقال له النبّي و ما تقوله أنت يا سعد ؟ فقال للنبّي أقول ما يقولون ، فقال النبّي يا سعد اجمع لي الأنصار و لا تترك أحدًا يدخل علينا إلاّ أبا بكر الصديق ، فجمع سعد الأنصار فأتاهم النبّي و قال لهم يا معشر الأنصار قدبلغني عنكم أنكم قُلتُم أني قد وجدت أهلي ؟ ! فقالوا له نعم يا رسول الله حقًا قد قُلنا ذلك ، فقال لهم يا معشر الأنصار ألم أَأْتِكُم ظُلاّلاً فهداكم الله ؟ ! ألم أأتِكُم أعداءً فألّف الله بين قُلوبكم ؟ ! ألم أأتِكُم فُقراءَ فأغناكم الله من فضله ؟ ! فقالوا له المَنُّ لله و رسوله ، فقال لهم إن شِئتم رددتم عليَّ ، فقالوا له و بما نرد ؟ ! فقال لهم قولوا لي و أنت أيضًا جِئتنا فقيرَا فأغناك الله و جِئتنا مَطرودا فآويناك و جِئتنا مُكذّبَا فصَدّقناك و جِئتنا مُحارَبَا فواسَيناك ، فطأطأ الأنصار رُؤوسهم و قالواله المَنُّ لله و رسوله ، فقال لهم يا معشر الأنصار أاتَبعتُم قُلوبكم في لُعَاعة من الدنيا قد ألّفتُ بها قُلوبَ قَومٍ قد أسلموا حَديثًا و تركتكم أنتم لإيمانكم ؟ ! فأفلا تَرضون يا معشر الأنصار أن يرجع الناس إلى بلادهم بالشاه و البعير و الإبل و ترجعون أنتم إلى بِلادكم برسول الله ؟ ! و الله لو سلكت النّاس طريقًا و سلكت الأنصار طريقًا لسلكت طريق الأنصار و تركت طريق النّاس ، ثمّ قال اللّهم ارحم الأنصار و أبناء الأنصار و أبناء أبناء الأنصار ، فبكوا جميعًا حتى ابتلت لِحياهُم ، ثمّ قالوا للنبّي قد رَضينا بالرسول قسيمَا و نصيبًا ، ففرِح النبّي .
و بعدها سأل النبّي عن خالد بن الوليد فقالوا له إنّه مُثْخَنٌ في جِراحه ، فترك النبّي النّاس و راح إلى خالد فوجده جريحًا فنفخ في يده و مسح بها على بطن خالد و قال له قُمْ يا سيفًا من سُيوف الله ، فبرأت جِراحُ خالد و قام و رَكب فرسه كأنّه لم يُصب ، ثمّ قال للنبّي لَكَلِماتك يا رسول الله و مَسحُك على بطني أفضل عندي من ألف سيف .
و هكذا انتصر المسلمون في غزوة حُنين بمعونة الله و ملائكته فهُزمت على إثرها هَوازِن و ثقيف أشرّ َهزيمة و أصبحتا عِبرة لمن يعتبر .
فرجع النبّي إلى المدينة و وقتها طَلَّتْ عليه وُفُودُ القبائل ليُسلموا بين يديه فاجتاح الإسلام الجزيرة العربية و اخترق كلّ الحُدود ، فنزلت سورة النصر و قوله۝۝ ﴿ إذَا جَاءَ نَصْرُ اللّه والَفتْحُ (1) وَ رَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ في دِينِ الله أَفواجًا(2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ و استَغْفِرْه إنّهُ كانَ تَوَابًا(3) ،فبكى أبو بكر و أحسّ أنّ السورة ما هي إلاّ نعيُّ الرسول ، أمّا الصحابة فقد فَرِحُوا و سَعِدوا لما وصل إليه الإسلام من عِزٍ و رِكزٍ.

#32

افتراضي رد: هذا هو انبيّك محمد و الشافع لك يوم القيامة ,,متجدد

غــــزوة تبــــوك


في السنة التاسعة للهجرة و عندما رَسَت الأوضاع بالجزيرة العربية تهيّجَت الأعاصير و اعتلت أمواجُ الجُورِ عند الغسَاسِنة و الرُومان فتجرّأوا على النبّي و تَحضَّروا لمحاربته، فسمع النبّي بتَجبُرهم فأعلم القبائل المُسلمة و تجهّز للحرب بجيش قُدّر بثلاثين ألف مُقاتل ، غير أنّ النبّي لم يبقى بالمدينة مُنتظِرًا لهم و إنّما هو الذي خرج للقائهم حتى لا يُفسدوا عليه جنيَّ ثِمارِ المدينة .

فجهّز النبّي الجيش و المؤونة و خَطب في النّاس و قال أيّها النّاس أنفِقوا لتجهيز جيش العُسرة ، فقام عثمان بن عفان و قال عليَّ مائة بعير بأحلاسِها و أقطابها ، فابتسم له النبّي ثمّ نزل من مَنبره و قال من ينفق في سبيل الله؟ فقام عثمان مرةّثانيةو قال عليَّ مائة بعير بأحلاسِها و أقطابها ، فابتسم له النبّي ثم قال مَنْ للجيش ؟ فقام عثمان مرةّ ثالثة و قال عليّ ثلاث مائة بعير بأحلاسِها و أقطابها ، فقال النبّي ما ضَرَّ عثمان ما فعل بعد ذلك .

ثم أتى عبد الرحمن بن عوف ووضع في حِجر النبّي مائتان أوقية من الفِضّة ، ثم أتى عمر بن الخطاب ووضع في حِجْر النبّي ثلاثة ألاف دِرهم ، فقال له النبّي ما تركت لأهلك؟ فقال له عمر تركت لهم نِصف ذلك و ظنّ عمر أنّه سيسبق أبا بكر في عطّيّتِه هذه المرّة .

فأتى أبو بكر ووضع أربعة ألاف دِرهم في حِجر النبّي ، فقال له النبّي ما تركت لأهلك ؟ فقال أبو بكر تركتُ لهم الله و رسوله .

ثمّ توافد الناس على النبّي يِعَطيَاهُم كل منهم بقدر من المال أو الشعير أو التمر ، فاستهزأ المُنافقون منهم إلاّ أنّ النبّي لم يُعرهُم أيّ اهتمام .

فاستعدّ النبّي للخُروج و كَلَّفَ علّي بن أبي طالب حِماية المدينة و أهلها فانتهز المُنافقون الفُرصة و سَخِروا من علّي و قالوا له ما خَلَّفَكَ رسول الله وراءه إلاّ لأنّه قد استثْقَلَك ، فغضب علّي و أخذ سيفه و ذهب إلى النبّي و قال له خُذني معك يا رسول الله لأنّهم يقولون أنّك قد أخلفتني لأنّ قد استثقلت ذهابي ، فقال له النبّي يا علّي قد كَذِبوا و الله و والله ما أخلفتك إلاّ استبقاءً على أهلك و أهل بيتك فأفلا ترضى يا علّي أن تكون لي بمنزلة هارون لموسى غير أنّه لا نبيّ بعدي فأرضي رسول الله يا علّي .

فعاد علّي إلى المدينة و خرج النبّي لمُلاقاة الغَسَاسِنة فتناوب كلّ مُقاتِليْن على بعيرٍ واحد و قد اشتدّ بهم العطش لأنّ الطريق كانت طويلة حوالي ألف كم مشيًا ، فاشتدّ بهم الحرُّ و كان الرجل منهم يعقر بعيره حتى يمتص ماءه ليروي به عطشه فسُميّت هذه الغزوة بغزوة العُسرة لِعُسرة أوضاعِها إلاّ أنّها انتهت قبل بِدايتها لأنّ الغَسَاسِنة و الرومان خافوا و جََبَنُوا و عادوا أدراجهم من حيث أتوا ، إلاّ أنّ النبّي و الجيش واصلوا سَيرهم إليهم لأنّهم لم يَعرفوا بانسحابهم و لم ينزل جبريل ليُعلِم النبّي حتى يختبر الله عِباده و درَجَة إيمانهم .

و عندما وصل النبّي إلى مكان المعركة لم يجد أحدًا بها فَفَهِمَ أنّهم تراجعوا ، فلم يشأ النبّي العودة إلى المدينة دُون أي إنجاز أو تحقيق ففكّر في عقد صُلحِ مع القبائل المُجاورة ، فأرسل خالد بن الوليد إلى أُكَيْدِر ملك دوحة الجندل ، فقال النبّي لخالد يا خالد ائتني به لأمْضِي معه صُلحًا ، فقال له خالد كيف أتتك به يا رسول الله و هو يَقطن داخل قصر تعلوه الحُصون ، فقال له النبّي اذهب يا خالد، فقال خالد و كيف أعرفه يا رسول الله ؟ !فقال النبّي ستجده يَصطاد البقر ، فقال خالد إنّنا في حربٍ يا رسول الله و ما أظنّه قد يخرج للصيد ، فقال له النبّي اخرج يا خالد و ائتني به .

فخرج خالد و هو يقول في نفسه ما لي في هذه القصّة إلاّ أن يَصدُق رسول الله ، فمكثَ خالد بجانب الحِصن ينتظر خُروج المَلِكْ أُكَيدر و هو على يقين أنّه لن يستطيع أن يخترق الحِصن و يدخل إلى الباحة حتى .

و يقول خالد في ذلك جلست أنتظر و إذ بي أرى أُكَيدر مع زوجته على الشُرفة ثم التفتُ أمامي فوجدت بقرًا يحَُكّ جلده بباب القصر فرآه أُكَيدر فترك زوجته و خرج حتى رأيت البقر يجري إليَّ ووراءه أُكَيدر فقبضت على أُكَيدر و أسرته و أخذته إلى النبّي ، فعقد النبّي مُعاهدة معه على أن لا يُحاربه ، فقبِلَ أُكَيدر و أراد أن يُهدي النبّي هديّةً فنزع عباءته الحَريرية المُرصَّعة بالذهب ، فاندهش الصحابة لجمالها ، فنظر إليهم النبّي و قال لهم أ أعجبتكم ؟ ! فقالوا له نعم يا رسول الله لم نرى مثلها قَطّ ، فقال لهم النبّي لمنَادِيل سعد بن مُعاذ في الجنة خيرٌ منها .

و هكذا مرّت غزوة تبوك كسَحابةِ صيفٍ على المسلمين جعلها الله اختبارًا و امتحانًا إيماني لانتقاء النُفوس الَتقيِّة .

و بعدها رجع النبّي أدراجه إلى المدينة المنوّرة مُنتصرًا و في طريقه التقى بشاب عمره ثلاثة و عشرون سنة اسمه عبد العُزّة ، فقد أسلم و هو ذو ستة عشرة سنة إلاّ أنّه أخفى إسلامه تخوُّفًا من عَمّه ، فقد كان عبد العُزّة يتيم الأبوين غير أنّه كان شديد الغِنى و عمّه هو الذي تولى أمره ، و في يوم من الأيّام تشجّع عبد العزّة و أخبر عمّه بإسلامه ، فغضب العمّ غضبًا شديدًا ووبّخَه ثم توعدّه بحِرمانه من الميراث إن بقي مُسِّرّا ، فقال له عبد العزّة و الله يا عمّاه لا أستبدل رسول الله بشيء من الدنيا ، فطرده عَمُّه و قطّع له ثِيابه .

فخرج عبد العزّة قاصدًا النبّي في ثِيابٍ مُمَّزقة و في الطريق وجد جَلابة مُلقاة على الأرض فلبِسها و أكمل طريقه ، وعندما وصل إلى النبّي قال له من أنت ؟ فقال أنا عبد العزّة و حكى له قصّته ، ففَرِح به النبّي و قال له من اليوم أنت لست عبد العزّة و إنّما عبد الله ذي البِداجين و اعلم يا عبد الله أنّ الله سيُعوّضُك بإزارين في الجنة و سَتَسْرَحُ فيها كيفما تشاء ، ففرِح عبد العزّة و قال للنبّي يا رسول الله أدعو الله لي أن أموت شهيدًا فقال له النبّي يا عبد الله إنّ من عِباد الله من يخرج مِن بيته في سبيل الله فتُصيبُه الحُمى فيكون شهيدًا .

و بعدها أكمل النبّي و الجيش مَسيرهم إلى المدينة و في ليلةٍ ظَلماء شديدة البُرودة سَمِعَ ابن مسعود صَوت الحَفرِ فتتبَّع الصوت فإذ به يرى أبا بكر و عمر يحملانِ سِراجًا للنبّي و هو يحفر ،

فتعجب ابن مسعود و قال لأبي بكر و عمر أتتركان النبّي يحفر و أنتما واقفين؟ !! فأوقف النبّي حَفرَه و رفع رأسه و عيناه تَذرفان بالدُموع و قال لابن مسعود لقد مات أخوكَ ذي البداجين بالحُمى ، ثم قال أبو بكر يا ابن مسعود لقد أبى النبّي إلاّ أن يحفر القبر بنفسه ، ثمّ نزل النبّي إلى القبر و اضطجع فيه ، ثم قام و قال لأبي بكر و عمر ناولِان أخُوكما ، فأخذه النبّي و ضَمّه إلى صدره و هو يبكي ، فقال ابن مسعود و الله يا رسول الله لتمنيت أن أكون في مَوضع ذي البِداجين، ثمّ وضعه النبّي في القبر و ردّ عليه التُراب و هو يبكي ، ثمّ رفع يديه ليدعو فقال اللهم إني أشهدك أني راضٍ على ذي البداجين فارض اللّهم عنه و إني أشهدك أنّه قد وفى ما عليه، و هكذا مات عبد الله ذي البِداجين و أعزّه الله بأجَّلِّ مَوتة و دفنٍ لأنّه قد أخلص لله و رسوله فجزاه الله .

و في الصَباح واصل النبّي و الجيش سيَرهُم إلى المدينة المنوّرة و قد تَعِب كثيرا فيها لأنّ عُمرُه وقتها ناهز الثانية و الستين إلاّ أنّه تشجع حتى وصل المدينة ، ووقتها تَوافد المُنافقون على الرسول و اصطفوا من حوله يتظاهرون بالنَدم على تخَلُّفِهم في الغَزوة ، فاعتذروا من النبّي فاستغفر لهم النبّي .

و من المُتخلّفين أيضًا كعب بن مالك ، أمّا كعب فهو من الصحابة و قد تخلَّفَ لأنّه كان ينتظر قَطفَ ثماره ثمّ يتبعهم إلاّ أنّه لم يستطع اللَّحاق بهم ، و يقول كعب بن مالك في ذلك بعد خُروج النبّي و الصحابة من المدينة لم يبقى يُصادفني سِوى من هو أعمى أو ضَرير أو مُنافق أو مُسْتَوصَى بالبَقاء فخجِلت من نفسي و بِتُّ أتَرقب عَودة النبّي على أحرِّ من الجَمر لأعتذر منه و عندما وصل فَكرتُ أن أكذب عليه و أختلِقَ له عُذرًا غير أني لمّا رأيته لم أستطع أن أكذب عليه ، فقد قال لي ما خَلَّفَكَ عنّي يا كعب ؟ فقلت له و الله يا رسول الله لو كُنت عند غَيرك من أهل الدنيا لخرجت بعُذر لأني قد أُعطيتُ الَجدل و لكنّك رسول الله و لو قلت لك اليوم كَذِبًا سَيسخَطُني الله و إن قلت لك الصِدق ستغضب مني و لكني أسأل الله أن يغفر لي لذا سأصدقُك القول يا رسول الله ، ثم قال و الله يا رسول الله ما كُنت أقوى و أفضل و أغنى في حياتي من ذلك اليوم و لكني تخلّفت عنك ، فقال له النبّي أمّا هذا الذي تَقول فصِدق ، ثم قال قُم يا كعب حتى يقضي الله فيك ، فقُمتُ و خَرجت فلَقُوني الناس بالطريق فقالوا لي عُد إلى رسول الله ليستغفر لك ، فهَمَمتُ بالرُجوع و سألت إن كان أحدًا غيري من الصحابة قد فعل ما فعلت ، فقالوا لي نعم هِلال بن أميّة و سُرارة بن أبي ربيع قد تخّلّفَا مثلك ، فقلت إذن و الله لن أغيّر رأيي و ليَكُن ما يكون .

فأمر النبّي الصحابة أن لا يُكلموا الثلاثة ، و مرّ خمسونَ يومًا و هُم على هذا الحال ، و يقول كعب في ذلك لقد تَنكَّرت لي الدنيّا و أهلها فضاقت بيا الأرض و كُنت أذهب إلى المسجد يوميًّا فأجدُ النبّي يُصلّي فأقول له السلام عليك يا رسول الله فيُدير بوجهه من ناحيتي غير أني لا أعلم إن كان يَردّ عليّ السلام و قد كُنت أسترق إليه النظر ، و يومًا قَصدتُ ابن عمي أبا قُتادة فتسلّقت سُور منزله و قَلت له أُناشدك يا أبا قُتادة أتعلم أني أحبّ الله و رسوله ؟ فلم يرد عليّ ثم كرّرتها عليه فلم يُجبني ثم ألححتُ عليه ، فقال لي الله و رسوله أعلم ، فنزلت من على السُور و أنا أبكي و أشهق بالبُكاء ، ثمّ ذهبت إلى السُوق فلم يُكلّمني أحد و بقيت على هذا الحال ، ثمّ جاء نبَطِِّي من أنباط الشام يسأل عني فأشاروا له عليَّ فأتاني النبطي و قال لي بَلغنا أنّ رسولكَ قد جفَاك فامضي إلينا نُواسيك ، فبكيتُ و قلتُ له أهنتُ على الإسلام و المسلمين حتى يطمعُ فيّا أعداء الإسلام ! و بقيت على هذا الحال ، و بعد مُرور أربعين يومًا جاءني رسولُ رسولِ الله و قال لي إنّ الرسول يأمرك أن تَعتزل زوجتك فقلتُ له أ أُطلّقها ؟ ! فقال لي لا و إنّما لا تقربها حتى ينظُر الله فيك ، فرددتها إلى أهلها .

و كذا بالنسبة لهِلال بن أميّة و سُرارة بن أبي الربيع ، أمّا زوجة هِلال فقد كانت عجوز فذهبت إلى النبّي و قالت له هل بإمكاني يا رسول الله أن أبقى معه لأخْدِمَه ؟ فقال لها النبّي يُمكنكِ ذلك و لكن لا يقربكِ ، فقالت له و الله يا رسول الله لا يفعل شيئًا غير البُكاء .

و بعد انقضاء خمسين يومًا نزل قوله۝۝﴿لَقَدْ تَابَ اللهُ على النَبِّي و المُهاجِرِينَ و الأنْصَارِ الذِينَ اتَبَعُوهُ فِي سَاعَةِ العُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ ما كَادَ تزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنهمْ ثمّ تابَ عليهِمْ إنَّهُ بِهِمْ رَؤوفٌ رَحِيمٌ(117)وعلَى الثلاَثَةِ الذينَ خُلِّفُوا حتَى إذا ضَاقَتْ علَيهِمُ الأَرضُ بِمَا رَحُبَت و ضَاقَت عليهِمُ أنفُسُهُم و ظَنُّوا أن لا ملجَأ مِنَ الله إِلَّا إليه ثمّ تَابَ عليهِم ليَتُوبوا إنّ الله هو التوابُ الرَحيمُ .


و قد نزلت هذه الآية في الثُلث الأخير من الليل فصلى النبّي بالناس بها صلاةَ الفجر ، ففرِحوا لعفوِ الله على الثلاثة و خرج الكُلّ يجري ليُبشروهم ، فقصد أحد الصحابة الجَبل و أخذ يُنادي على كعب و يقول أَبْشِر يا كعب لقد تاب الله عليك ، ففرح كعب فرحًا عظيما و سجد شكرًا لله، ثم أسرع إلى المسجد فوجد كلّ الناس به فسلمّوا عليه و قالوا له مُبارك لك يا كعب فقد تاب الله عليك .

ثم دخل كعب بن مالك على النبّي فوجد معه طلحة بن عُبيد الله فقام طلحة و حَضَن كَعب فاستنار وجه النبّي كالقمرِ من الفرحة و قال لكَعب اجلس بين يديّ ، فجلس كعب ، ثم قال له النبّي أَبشِر يا كَعب بخير يوم طلعت عليك الشمس مُنذ ولدتك أمّك ..فلقد تاب الله عليك ، فقال كعب و الله ما نجّاني غير الصِدق يا رسول الله و إنّ عَهدي مع الله أن لا أكذب فالحمد لله .

فهكذا فَرِحَ كَعب و النبّي و الصحابة بتوبة الله على عِباده فما أرحمه و ما أَعْدله و ما أكرمه ، فمن لنا غيرك يا ربّ و لمن نلجأ إن كُنت وحدكَ الملجأ و أين المَفرُّ مِنك إن لم يكن بالفِرار إليك ..ربّنا أصرف قلوبنا عن الدنيا و أهلها و علّقها بك و بحبّك و بإرضائك يا حسبنا و مليكنا و خير الوارثين
.

#33

افتراضي رد: هذا هو انبيّك محمد و الشافع لك يوم القيامة ,,متجدد

وفـــــــــاة النبّي

كلُّ مُسلمٍ مِنّا قد تَعرَّض لفُقدان شَخصٍ عزيز و غالٍ على قلبه قد أثُّر ذلك فيه و أحزنَهُ فكيف في مُصَابِ الصحابة و الأمّة أجمع في خير خَلقِ الله النبّي ، قد يكون الرسول قد مَاتَ و ودَّعَ الدنيا و أهلها أيْ نعم إلاّ أنّ كلَامه بَقِيَّ حيّ و سُنَنُه تحيا معنا كلَّ يومٍ ليلاً و نهارًا .
ففي السنة العاشرة للهِجرة ناهَزَ النبّي الثالثة و الستيّن من عُمره وقبل وَفاته بثلاثة أشهر و ثلاثة أيام حَجَّ حُجّتَهُ الأخيرة و هي حُجّة الوداع ، و قد حجَّ معه مائة ألف ..أيْ نعم بعد ما كان وحده ثم مع زوجته و صاحبه إلى عشرة قبل الدعوة أصبحوا في حُجّة الوداع مائة ألف و هذا الرقم تَزايد و تَضاعف إلى أضعافٍ مُضاعفة و بلغ الملاين بل الملايير فصارت هذه الأرقام عَزاؤُنا بوفاة الحبيب الغاليالنبّي .
فقد خَرَجَ النبّي و معه مائة ألف إلى مكة و ارتفعت أصواتهم بالتلبية حتى بُحًّت ، و عندما وصل النبّي عَرفة خَطَبَ في النّاس ، فقال لهم يا أيّها الناس اسمعوا عَنّي و اعْقِلوا فإني لا أدري لعلّي أراكم بعد عامي هذا ، فبدأ ربيعة بن أميّة يُوصِلُ كلام النبّي إلى النّاس .
فقال لهم النبّي أيّها الناس إنّ دِمَاؤكم و أموالكم عليكم حرامٌ في شهركم هذا و بلدِكم هذا ، كل المُسلم على المُسلم حرام دمُه و عِرضُه ، ثم قال أيّها النّاس اتَقُّوا الله في النِساء فإنّهنّ أسِيرات عِندكُنَّ أخذتموهنَّ بأمانة الله و استحللتًم فُرُوجَهًنَّ بكَلِمَةِ الله فاتقُوا الله في النِسَاء ، ثمّ قال أيّها النّاس اسمعوا عنِّي و اعقلوه إنّما المُسلمون إِخوة و أخذ يجمعُ و لا يُفرِّق و ظَلَّ يُردِّدُها حتى قالوا ليته سكَتْ
ثمّ قال يا أيّها النّاس إنِّي مُكَابِر بكُِم الأمًم فلا تُسَوِّدوا وجهي يوم القِيامة ، أيّها النّاس سآتي يوم القيامة أستنقِضُكُم من النّار فيقول الله يا محمد دَعهُم فإنّك لا تَعلم ماذا فَعلُوا بعدك ، فأقول سُحقًا بُعدًا فلا تُسَوِّدوا وجهي يوم القِيامة .
ثمّ قال أيّها النّاس إنّكم سَتُسألون عنّي يوم القيامة بين يدي ربّي فهل سَتَشهدون لي أنّي قد بلّغتْ ؟ ! فبدأتِ الناس تبكي ، ثمّ قالوا له نشهد يا رسول الله أنّك قد بلَّغتَ الرِسالة و أدّيتَ الأمَانة و جاهدت في سبيل دينك.
ثم طلب النبّي من ربيعة أن ينطلِقَ بين النّاس و يَسألهم ذاك فالكّلُّ بات يبكي و يقول نشهد نشهد يا رسول الله ، ثمّ رفَعَ النبّي يدَهُ إلى السَماء و حركّها بين النّاس و قال اللهمّ فاشهد اللهم فاشهد .
و بعدها نزلت قوله ۝۝﴿اليَومَ أكْمَلتُ لَكُمْ دِينُكُمْ وأتْمَمتُ عَلَيكُمْ نِعْمَتِي و رَضيْتُ لَكُم الإسْلاَمَ دينًا ، فَفَرِحَ عمر بن الخطاببالآية لاكتمال الإسلام أمّا أبو بكرفقد بكى لأنّه أحسّ كأنّه نعيُ الرسول ، ثمّ نزل الرسول من على عَرفة إلى مِنَنْو قال للنّاس أيّها الناس أيُّ يومٍ هذا ؟ فقالوا له الله و رسوله أعلم ، فسكت طويلا حتى ظنُّوا أنّه سيّغيّره ، فقال لهم أليس هذا يوم النحر ؟ ! قالوا بلى ، ثم قال لهم أيُّ شهرٍ هذا ؟ فقالوا له الله و رسوله أعلم ، فقال أليس هذا ذو الحِجَّة ؟ ! فقالوا بلى ، فقال أيُّ بلدٍ هذا ؟ فقالوا الله و رسوله أعلم ، فقال أليس هذا البلد الحرام ؟ ! فقالوا له بلى.
ثمّ طَاف طَوافَ الوداع فدخل المُلتزم و ألصق خدّه و بطنه بالملتزم و ظَلَّ يدعو و يبكي ، فبكى عمر بن الخطاب فقال له النبّي ابكِ يا عمر فهَاهنا تُسكبُ العَبََارَات .
ثمّ خرج النبّي إلى مكة و جمع الناس ، ثمّ قال لهم أيّها النّاس أنا بشرٌ يُوشِكُ أن يأتيني رسول ربّي ليقبض روحي و إنّكم ستُسألون عنّي بين يدي ربّي فماذا ستقولون لربّي؟ فقالوا له سنقول أنّك قد بلّغتَ و وفّيتَ وأدّيتَ و جزاك الله خيرًا ما جزى رسولاً و نبّياً عن أمّته ، فقال النبّي الحمد لله.
ثم خرج مُوَدعًا مكة مُتجِهًا إلى المدينة و لمّا وصل إليها جمع أهلها و قال لهم أيّها النّاس إنّي راضٍ عن أبي بكر و عمر و عثمان و علّي و طلحة و الزبير و سعد و ابن عوف و الُمهاجرين و الأنصار فاعرفوا ذلك عنّي ، ثم قال أيّها النّاس أُذَكِركم بالله في أهل بيتي ..أذكركم بالله في أهل بيتي ..أذكركم بالله في أهل بيتي .
و بعدها قال أيّها النّاس احفظوني في أصحابي فلا يبلغني أنّ أحدًا منكم قد ظلم أصحابي يوم القيامة ، أيّها النّاس ارفعوا ألسنتكم عن المسلمين و ظَلَّ يُردّدها ، ثم نظر إلى الناس و قال لهم أيّها النّاس عُرِضت عليّ الأُمَم يوم القيامة و رأيتُ النبّي يأتي و معه الرجل و رأيتُ النّبي يأتي و معه الرَجُلَينو رأيتُ النبّي يأتي و معه الرَهط ، ثمّ رُفِعَ إليّ سَوادٌ عظيم فقلتُ أمّتي أمّتي فقيِل لي هذا موسى و معه أمّته ، ثم قالوا لي أنظر إلى الأفق الآخر فنظرتُ فإذا بسوادِ أعظم بكثير فقيل لي هذه أمّتك و معهم سبعين ألف يدخلون الجنّة من غير حِساب و لا عَذاب ، فاستزدتُ ربّي فزادني مع كلّ ألف سبعين ألف .
و من ثمّ َ مَرِضَ النبّي و تقلّصت أيّامه و باتت مَعدودة ، فقد بقيت له خمسة عشر يومًا فاصلة ليلقى ربّه ، فاشتدّ به المرض و بات يُصلّي السُننَ بالجلوس ، فدخل عليه عمر بن الخطّاب فقال له مُمَازحًا له لقد شِبْتَ يا رسول الله، فقال له نعم يا عمر فقد شَيّبتني هُود في قوله۝۝﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتْ وَ مَنْ تَابَ مَعَكْ .
و بعدها ذهب النبّي إلى الصحابة و قال لهم أُريد أن أزور شُهداء أُحُدْ ، كأنّه يُوّدِعُ الأحياء و الأموات ، فخرج النبّي ووقف على شُهداء أُحُد و نظر إليهم و قال السلام عليكم يا شُهداء أُحُد أنتم السابقون و نحن اللاحقون و أنا إن شاء الله بكُم لاحِق .
ثم رجع النبّي إلى الصحابة و أخذ يبكي فقالوا له لِما بكاؤُكَ يا رسول الله ؟ فقال لهم اشتقتُ لإخواني ، فقالوا له ألسنا إخوانك ؟ ! فقال لهم أنتم أصحابي أمّا إخواني فهم قَومٌ يأتون من بعدي يُؤمنون بي و لم يروني اشتقت لهم فبكيت .
و بعدها خرج النبّي مع أبي مُويهبة لزيارة البقيع فزار مَوتاها ، ثم قال لأبي مَويهبة يا أبا مويهبة لقد خُيِّرتُ أن أمْلِك مفاتيح خزائن الدنيا و أخلُدَ فيها ثمّ أدخل الجنّة و بين أن ألقى ربّي فأدخل الجنّة ، فقال له أبو مُويهبة بأبي و أمي أنت يا رسول الله اختر أن تملك خزائن الدنيا، فقال له النبّي لقد اخترتُ لِقَاء ربّي فقد اشتقتُ للقائه .
و بعد ثلاثة عشرة يومًا من وفاته زاد مَرض النبّي و تعب كثيرًا وفي الإحدى عشرة يومًا الأخيرة صلِّى بالنّاس مُثقلاً ، و في أخر أربعة أيّام صلّى بهم جَالسًا و أبو بكر إمَامًا عليهم ، ثم قال للنّاس إنّ اللهيأبى أن يَقبضَ نبّيًا من أنبيائه إلاّ بعد أن يؤُمَ بهم رجلٌ من أمّته .
و في الثلاثة أيّام الأخيرة اشتدّ مرضُ النبّي فَقَلِقت النّاس عليه و توافدت للسؤال عنه ، فاعتلت أصواتهم و تهاطلت نِداءاتهم ، فسَمعهم النبّي فأراد الخُروج إليهم ليُطمئِنهم فما استطاع أن يقوم من موضعه ، فصبُّوا عليه سَبعُْ قِربٍ من الماء حتى قال لهم حسبكُم حسبكُم ، ثم حملوه إلى المسجد ووضعوه على المَنبر فلمّا رأته الناس سكتت ، فقال لهم النبّي أيّها النّاس لكأنّكم تخافون عليًّ ؟ ! فقالوا له نعم يا رسول الله ، فقال لهم أيّها النّاس إنّ مَوعِدكم معي ليس الدنيّا و إنما عند الحوض و والله لكأنّي أنظر إليه من مَقامي هذا ، ثمّ قال أيّها النّاس و الله ما أخشى عليكم الفقر و لكن أخشى عليكم الدنيا أن تتنافسوا عليها كما تنافس عليها من قَبلَكُم فتُهلِكَكُم كما أهلكت من قَبلكم ، ثم زاد فقال أيّها النّاس إنّ عبدا خيّره الله بين الدنيا و بين لقائه فاختار لِقاء الله ، فلم يفهم الصحابة قصْدَ النبّي من كَلامه إلاّ أبا بكر فقد أجهَشَ بالبُكاء حتى انتحب ثم وقف وقال للنبّي فديتُكَ يا رسول الله بأبي و أمّي وولدي و مالي و بكل ما أملك ، فنظر الصحابة إلى أبي بكر نَظرةَ المُعاتِب المُتعجّب كيف به يُقاطِعُ النبّيو يُوقِف خُطبتة ، فقال لهم النبّي دعوه فما مِنكم من أحد له فضلٌ عليَّ إلاّ كافئته به أمّا أبا بكر لم أستطع مُكافئته فتركتها لله .
ثم قال للناس من كُنت قد جلدت له ظهرا فهذا ظهري فليقتص منه و من كُنت أخذت منه مالا فهذا مالي بين يديه و من شتمت له عِرضا فهذا عرضي فليقتص مني فإنّي أحب أن ألقى ربّي نقّيَا ، فقام رجلٌ و قال للنبّي عليك ثلاثة دراهم لي ، فطلب النبّي من العبّاسأن يُعطيها له و قال له جزاك الله خيرا .
ثم قام و قال أيّها النّاس الله الله في الصلاة و ظلّ يُرددها مِرارًا ، ثم قال أيّها النّاس الله الله في الأرحام ، و قال لهم أيضا الله الله في النِساء أُوصيكم بالنِساء خيرا و أوصيكم بالأنصار خيرا ، و بعدها قال أواكم الله نصركم الله حَفِظكم الله أيّدكم الله ثبّتكم الله أواكم الله رفعكم الله ، و قبل أن ينزل من المنبر قال أيّها النّاس أبلغوا منّي السلام كلّ من تبعني من أمتي إلى يوم القيامة .
و بعدها رجع النبّي إلى البيت و تقول عائشةعن وفاةالنبّيأنّه كان يقضي كل ليلة عندإحدى زوجاته ، وعندما اشتد عليه المرض أخذ يسأل كل مرّة هذه ليلة من؟ فكانت ليلتهالأخيرةعند السيّدةميمونةفأرادالرسولأن يرىعائشةفقال اجمعوازوجاتيفجُمعت له زوجاته ، ثم قال لهنَّ أتسمحن لي أن أُمرَّضَ عندعائشة ؟! فأُذن له ثمّ أراد أن يقوم فما استطاع ، فحملاهعلّي بن أبي طالب و الفضل بن العباس إلى بيتعائشةو كان مرضه شديد، فأخذتابنتهفاطمة الزهراءتبكي، فقال لهاالنبّي تعالي يا بُنيتي و قال لها شيئًا في أُذُنهافبكت، ثم قال لها ادني مني فأخبرها شيئًا آخر فضحكت والوحيدةالتي أخبرتها فاطمةهذا السِرّ بعد وفاة النبّيهي عائشة ، فقالت لهاعائشةلما قد بكيتِ فيالأولىو ضحكتِ فيالثانية ؟فقالت لها لأنّ أبيأخبرني أنّها ليلتهالأخيرةفبكيت وفيالثانيةأخبرنيأني أوّلأهل بيته لحاقًا به ، و كان هذا صحيح لأن السيّدةفاطمةالزهراء تُوفيتبعدسِتة أشهرمن وفاةالرسول الذي شهد يومَ وفاته حُزنًا شديدًا .
و كانالرسوليومها مُتعبًا و مريضًا جدًّا فأخذ يتصبَبُ عرقًا و هو يقول لا اله إلا الله إنّ للموت سَكرات ، فأخذتعائشةتُمسكبيدالرسولو تمسحعنه بها عرقه فسُئلت عن فعلها هذا ولِمَ لا تمسح هي بيدها ! فقالتعائشةلهم لأنّ يديالرسولأطيبمن يدي.
و قالت أيضًا أنّ الرسوليومها أراد أن يستاك ليلقى ربّه و فمّهطاهر، فأعطته السِواك فلم يستطع أن يستاك لأنّ السِواك خشنٌعلى لثته ، فأخذته منهعائشةووضعته في فمّها لتُلينه قليلاثم أعطته للرسول ليَِستاكَ ، فتقول أخر شيء دخل فم الرسول هوِ رِيقي ، و بعدها طلب الرسولمن الجميع أن يخرجوا فخرجوا إلاّعائشةبقيت معه ، و تقولعائشةأنّ النبّيمات و هو على صَدرِهافوضع رأسه بين سِحرها و نَحرها و هذا الشيءالوحيد الذيكانت تعتز به و لقد أحست بموته ، فقالت أنها سمعت الرسول يَرُد التحيةففهمت أنه يُكلمُجبريلفأتاهجبريلومَلَكُ الموتالذي سأله إن كان يُريد البقاء فيالدنيا أو الموت ، فقالالرسولبل الرفيقالأعلى بل الرفيق الأعلى.
فماتالنبّي فأحست بثِقلهعليها فَعلِمَت أنه قدمات ، فخرجت تجري إلى المسجدمن باببيتها الذي لم يكُن يخرج منه أحد إلا الرسول، فدُهش الناسلرؤيةعائشةو هي تبكي و تقول ماتالرسول فانفجر المسجدبالبُكاء ، فدخلأبو بكرو تأكد من موته.
فتعالت الأصوات في المسجد النبّوي فدخل عمر بن الخطاب على النبّي و قال من الذي قد قال أنّ النبّي قد مات فأقطع له عُنُقه ؟ ! ثم دخل أبو بكر الصدّيق فوجد النبّي ميِّتًا فقال وا نبّياه وا خليلاه وا حبيباه ثم نظر إلى وجه النبّي و قال ما أجملك و أنت حيّ و ما أجملك و أنت ميّت ، طِبتَ حيًّا و طِبتَ ميّتًا ، ثم قال لعمر أسكت يا عمر ، ثم خرج إلى الناس و قال لهم من كان يَعبد محمّدَا فإنّ محمدًا قد مات و من كان يعبد الله فإنّ الله حيّ لا يموت وتلا قوله ۝۝﴿و مَا مُحمَد إلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبلهِ الرُسُلْ أفإنِ مَاتَ أو قُتِلْ انقَلَبتُمْ على أعقَابِكُمْ و مَنْ يَنقَلِبْ على عَقِبَيهِ فلنْ يَضُرَّ الله شَيئَا و سيَجزِي الله الشَاكِرينَ .
و يقول عمر بن الخطاب في ذلك لمّا سمعت هذه الآية على لِسان أبي بكرسَكنتُ و لكأنّّي أسمعها لأوّل مرّة ووقتها تأكدت أنّ النبّي قد مات ، فخرجت لأبحث عن مَكانٍ أبكي فيه وحدي ، فناداني أبو بكرو قال لي يا عمر رسالة النبّي ، فبايعت الناس أبا بكر ليكون خليفةَ المسلمين .

ثم دخل الصحابة على النبّي ليُغسِّلوه ، و يقول علّي بن أبي طالب في ذلك أمرني رسول الله أن يُغَسَّلَ في ثِيابه ، فدخل أهل بيته لتغسيله علّي و العبّاس و الفضل بن العبّاس و أسامة بن زيد ثم جاء أوس من الأنصار فقال لعلّي يا علّي أين نصيبي في رسول الله ؟ دعوني أغسله معكم ، فأخذ العبّاس و الفضل يُقَلّبان النبّي و أسامة يسكب الماء و علّي يغسله .


#34

افتراضي رد: هذا هو انبيّك محمد و الشافع لك يوم القيامة ,,متجدد

ثم دخلت عليه الناس أفواجًا أفواجَا للصلاة عليه ، فأوّل مجموعةٍ ضَمّت أبو بكر الصّديق و عمرفقال عمر أشهد أنّك قد بلغت الرسالة و أديّت الأمانة و نَصحت الأمّة و جاهدت في سبيل الله .
ثم تتالت بقيّة المجموعات تِبَاعًا ، ثم دخلت النِساء للصلاة عليه و من ثمَّ الأطفال .
و بعدها جاء الوقت الحاسم وقت الدفن و الوداع فكلّ الصحابة استعظموا هذا الموقف و لم يُحبّذوا فِكرة وضع التُراب عليه إلاّ أنهم تشجّعوا و تماسكوا و تذكروا قول النبّي لهم حَياتي خيرٌ لكم أَهْدِيكم إلى الخير و مَماتي خير لكم تُعرضُ عليَّ أعمالكم يوم الخميس فما كان فيها خيرٌ حمدتُ الله و ما كان فيها شرّ استغفرت لكم الله، فقالوا له أتعرفنا يا رسول الله بعد مماتك ؟ ! فقال لهُم أعرفكم بأسمائكم و أنسابكم ، فقالوا كيف تدعو الله لنا و الدُود قد أكل جِسمك ؟ فقال لهم إنّ الله قد حرّم الأرض على أجساد الأنبياء .
فمات خير خلق الله و مِثلَهُ مِثل باقي الناس ضَمّه قبر من قبور الأرض ، فوضع الصحابة النبّي في قبره و باشروا بوضع التُراب عليهم ، فجاء المُغيرة بن شُعبة و رمى بخاتمه في القبر و قال للصحابة رُويدكم لقد سَقط منّي خاتمي ، فقالوا له انزل و أَحْضِره ، فنزل المُغيرة إلى القبر و احتضن النبّي و أخذ يبكي ، ثم قال لقد أحببت أن أكون آخر من يُودّعك يا رسول الله ، فأخذ خاتمه و خرج .
فتمّ دفن النبّي ووقتها نادت فاطمة على أنَس و قالت له يا أنس أطابت لكُم أنفسكم أن تضعوا التُراب على رسول الله ؟! فسكت أنس و بكى ثم انصرف ، و يقول مالك بن أنس في ذلك دخل الرسول المدينة يوم الاثنين فأضاء منها كلّ شيء و خرج منها يوم الاثنين فأظلم فيها كلّ شيء.
فهكذا كانت وفاة أحَبّّ خلق الله إلى قُلوبنا فيومها عمّ الحُزن المدينة المُنّورّة فاخترق قُلوبهم و باتوا حُزانى لا يُكَلِّم أحدُ منهم الآخر و حتى الزوج مع زوجته الكلُّ يبكي لا غير .
و في اليوم المُوالي لوفاة النبّي خرج بِلال ليُؤذِنَ للصلاة فلم يستطع أن ينطق أشهد أن محمدا رسول اللهفأجهش بالبُكاء ، فقصد أبا بكر الصّديقو قال له يا خليفة رسول الله أعفني من التأذين و كان له ذلك .
فهكذا مات الرسول إلاّ أن سَلامه علينا لم و لن يَمُتْ فهو يَصِلُنا منه كلّما سلَّمنا عليه ،و قد قال في ذلك (( من صلى عليّ عند قبري سمِعته ،و من صلى عليّ َنائيا و كلّ بها ملك يبلغني و كفي أمر دنياه و آخرته و كنت له شهيدا أو شفيعا )).
و قال أيضًا (( من صلى عليّ يوم الجمعة مائتي صلاة غفِرَ له ذنبه مائتي عام )) .
و قال الحبيب الغالي أيضًا ((من قال حين يسمعُ النداء ، اللهم ربّ هذه الدعوة التامة و الصلاة القائمة آت محمد الوسيلة و الفضيلة و ابعثه مقاما محمودا الذي وعدته ،حلت له شفاعتي يوم القيامة )) .
و قد قالسيّد ولد آدمأيضًا (( لا تجعلوني كقدحِ الراكب يجعل ماءه في قدحه فان احتاج إليه شربه و إلاّ صبّه ، اجعلوني في أول كلامكم و أوسطه وآخره )) ,
فاللهم صلِّ و سلم على حبيبنا و قرة أعيننا محمدعدد خلقك و رضا نفسك و زينة عرشك و مِدادَ كلماتك

#35

افتراضي رد: هذا هو انبيّك محمد و الشافع لك يوم القيامة ,,متجدد

شفـــاعة النبّي

أحبّ الخلق إلى الله خاتم الأنبياء و المُرسلين و هادي الناس إلى النُور المُبين محمدالذي أحبّ أّمّته فاستسمحَ في نفسه و في ابنته فاطمة الزهراءليُسرِّعَ الحسابَ يوم القيامة ، فهو الوحيد الذي لم يتخلى عن أمّته بعدما فََرّطت كلّ الأنبياء في أمَّمِها بسبب عَجزهم لأنّهم فَعلُوا أشياءًا جعلتهم يستحون من الله لطلب الشفاعة منه ، فأمّا سيّدنا آدم قال لأمّته نفسي ، نفسي إنّ الله اليوم غاضبٌ غضبةً لم يغضب مِثلها قطّو أنا أكلت منشجرة الزقومفاذهبوا إلى إبراهيمالذي يقول هو أيضًانفسي ، نفسي إنّ الله اليوم غاضبٌ غضبةًَ لم يغضب مثلها قطو أنا كذبت على الله ثلاثُ كذباتفاذهبوا إلى موسى ، أمّا سيّدنا موسى فإنّهيقولأيضًا نفسي ، نفسي إنّ الله اليوم غاضبٌ غضبة لم يغضب مثلها قطّ و أناقتلت النفسفاذهبوا إلى عيسى، وبدوره سيّدنا عيسىيقول لهم نفس الكلام و يطلب منهم الذهاب إلى محمد، أمّا سيّدنا محمديقولأنا لها ، أنا لها ، اللهـم إني لا أسألك نفسي أو ابنتي فاطمة الزهراء اللّهم أمـتي أمّـتــي ، فيسجد للـهتحت العرش و يُثني عليه و يحمده و يطلب منه تعجيل الحساب ، فيجيبه الـــلـه و يأمر بالحساب .
فقد كان النبّي حريصًا على أمّته أكثر من حِرصِه على نفسه لأنّه يُحبّها ، فهو الشافع و المُشَفّع يوم القيامة لأبناء أّمّته ، و يقول الرسول أنّه عندما صَعِد مع جبريل إلى السماء في رحلة الإسراء و المعراجرأى سَوادًا عظيمَا لكثافة شعر الرأس فسأله إن كانت أُمّته ؟ فقال له جبريللا يا محمد إنّها أُمّة موسى ، ثم رأى سَوادًا أعظمَ من الأَوّلْ فقال أهذه أُمّتي؟ فقال له جبريل نعم إنّها أمّتك التي تشفع لها يوم القيامة وسبعونَ ألفًا من أمّتك يدخلون الجنّة بدون ِحساب .
و يومها يقول الرسولللــه يا رب أُمّتي ، أمّـتـي فيقول الله يا محمد أزيدكَ في كلّألف من أّمتك سبعين ألفمن الألف يدخلون الجنة بغير ِحساب .
و عن الصحابة أنّ الرسول كان قد حَدثهم عن يوم القيامة ذلك اليوم الذي يأمر اللــــه فيه سيّدنا أدم بإخراج ألف من ذُريتهللحساب ومن هذه الألف تسع مائة و تسعٌ و تسعونيدخلونالنارو واحد فقطمنهم يدخلالجنة، إلاّ أنّ تسع مائة و تسع و تسعون هم من الأمم السابقة أمّا الواحد فهو من أمُّة محمد، و قد تدخل نصف أمته الجنة .
و يوم تُعرض أُمّة سيّدنا محمد على جهنم فإنّ الرسول يقول للـه يا ربّ هذا من أمّتي فيحاول الرسولأن َيشدهم من خناصرهم حتى لا يسقطوا في جهنم و يتمكن من َشدهم إلى الجنّة .
و يومها تبدأ شفاعة الرسول فيذهب إلى الله طَالبًا منه الشفاعة فيقول يا رب أمّتي أمّــــتيفيسقي أمّته الداخلة الجنّة شربةً ماءٍ من يديه لا يضمؤوا بعدها ، ثم يشفع الرسول لمن ذُنوبهم خفيفة و لكنه يُريد أن تدخل بقيّة أُمته الجنّة ، فيذهب إلى اللهو يقول له يا رب أمتي ، أمتي فيقول الله يا محمد من قال لا إله إلاّ الله و هو موقنٌ بها ِمثقال حبة من خردل أخرجه من النار و أدخله الجنةفيحدُّ له حدًا فيخرجهم من النار و يُدخلهم الجنة ، فيذهب الرسول ثم يعود إلى الله مرّة ثانية و يقول يا رب أمتي أمتي ، فيقول الـلهيا محمد من قال لا إله إلاّ الله و هو موقن بها مثقال شعيرة أخرجه من النار و أدخله الجنة ،فيحدُّ له حدّا فيخرجهم من النار و يُدخلهم الجنة ، فيذهب الرسول ثم يعود مرّة ثالثةو يقول يا رب أمتي أمتي، فيقول اللهيا محمد من قال لا إله إلاّ الله و هو موقن بها ِمثقال ذرة من خير أخرجه من النار و أدخله الجنةفيحد له حدّا يُخرجهم من النار و يُدخلهم الجنّة ، ثم يُريد الرسول أن يرجع إلى الله مرّةرابعة لكنّه يستحي ، فيقول الله لقد شفِعت كل الأنبياء لأممها و كذا الملائكة فكيف لا أغفر لعبادي و أنا خالقهم ، فيُخرج طائفةً من النار فيضعهم في نهر اسمه نهر الحياةو يكتب على جِباههم عُتقاء الله و يُدخلهم الجنة ، فيرَوهم أهل الجنة فيقولون لهم هؤلاء هم الجهنّميون ، فيقول لهم الله بل هؤلاء هم عتقائي و من عفا عنهم القهار .

فهذا هو النبّي الذي يشفع لأمّته لكي تَدخل الجنة فكيف لا نُحبه و هو أحبّنا و قال عند حُجة الوداعللصحابةإني أشتاق لأخوتي و هم أُمتي التي تأتي من بعدي فيؤمنون بي بدون أن يروني فأقرؤوهم مني السلام فنتمنى أن نكون خير أمّةٍ للنبّي حتى نستطيع أن نلقاه في الجنّة بإذن الله

#36

افتراضي رد: هذا هو انبيّك محمد و الشافع لك يوم القيامة ,,متجدد

رد: هذا هو انبيّك محمد و الشافع لك يوم القيامة ,,متجدد
إظهار التوقيع
توقيع : هبه شلبي
#37

افتراضي رد: هذا هو انبيّك محمد و الشافع لك يوم القيامة ,,متجدد

تسلم كتيييير
إظهار التوقيع
توقيع : shazaeraqe
#38

افتراضي رد: هذا هو انبيّك محمد و الشافع لك يوم القيامة ,,متجدد

جميييل
إظهار التوقيع
توقيع : shazaeraqe
#39

افتراضي رد: هذا هو انبيّك محمد و الشافع لك يوم القيامة ,,متجدد

بورك فييييييييك
إظهار التوقيع
توقيع : shazaeraqe
#40

افتراضي رد: هذا هو انبيّك محمد و الشافع لك يوم القيامة ,,متجدد


المشاركة الأصلية كتبت بواسطة بودى هنوش
رد: هذا هو انبيّك محمد و الشافع لك يوم القيامة ,,متجدد
شكرا يا قمر تسلمي اتمنى ان تكةني قد استفدتي

#41

افتراضي رد: هذا هو انبيّك محمد و الشافع لك يوم القيامة ,,متجدد

شكرا جزيلا حبيبتي
إظهار التوقيع
توقيع : احبك رغما عنك
#42

افتراضي رد: هذا هو انبيّك محمد و الشافع لك يوم القيامة ,,متجدد

رد: هذا هو انبيّك محمد و الشافع لك يوم القيامة ,,متجدد
رد: هذا هو انبيّك محمد و الشافع لك يوم القيامة ,,متجددرد: هذا هو انبيّك محمد و الشافع لك يوم القيامة ,,متجددرد: هذا هو انبيّك محمد و الشافع لك يوم القيامة ,,متجدد

إظهار التوقيع
توقيع : حياه الروح 5


قد تكوني مهتمة بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى
60 سؤالا في أحكام الحيض والنفاس للشيخ بن عثيمين رحمه الله شوشو السكرة فتاوي وفقه المرأة المسلمة
اسباب العقم وتأخر الإنجاب عند المرأة ريموووو مرحلة الحمل والولاده
قتاوي حكم الاختلاط شوشو السكرة فتاوي وفقه المرأة المسلمة
اسماء و صفات يوم القيامة منة الله احمد المنتدي الاسلامي العام
وقفات مع مغسلى الاموات (1) ملك قلبى قصص - حكايات - روايات


الساعة الآن 11:27 PM


جميع المشاركات تمثل وجهة نظر كاتبها وليس بالضرورة وجهة نظر الموقع


التسجيل بواسطة حسابك بمواقع التواصل