[IMG]https://***- /bas/0017.gif[/IMG]
"لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ"
[IMG]https://***- /fa/0140.gif[/IMG]
الحمدُ لله الذي جعلَ في قصصِ الأنبياءِ عظةً وعبرةً وتسليةً للمؤمنين، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وليُّ الصالحين، وأشهدُ أن محمداً عبده ورسوله إمامُ الأنبياءِ وقُدوةُ الدعاةِ الصالحين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
[IMG]https://***- /fa/0144.gif[/IMG]
قال الله وتعالى
"لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ"
{لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى} يوسف.
* إنَّ الأمة اليوم قد بعدت عن عهد النبوة، فشاع في بعض جوانبها بعد عن المنهج النبوي في كثير من المجتمعات الإسلامية، ولهذا الخلل المنهجي تأخر الانتصار وضعفت النتائج، وفي هذه السورة بيان واقعي عملي للمنهج النبوي الذي إن أخذنا به لن نضل بعده أبداً، مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم:
"تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا أبدا كتاب الله وسنتي"
فإن فيها بيان سبيل نجاة للأمة، فحتى تخرج أمتنا من البلاء الذي هي فيه، ومن أجل أن يرتفع مستواها لكي تحقق النصر على أعدائها، لابد أن تأخذ بالأصول والمنطلقات التي أخذ بها يوسف عليه السلام فحقق هذا النصر العظيم،
[IMG]https://***- /fa/0144.gif[/IMG]
الدروس والعبرمن قصة يوسف:
1- هذه السورة المكية ترسم {المنهج الحق للداعية}في الدعوة إلى الله تعالى
_ كما قال الله _تعالى: "قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ" (يوسف:108)،
والمعنى/
يقول [ الله ] تعالى لعبده ورسوله إلى الثقلين : الإنس والجن ، آمرا له أن يخبر الناس : أن هذه سبيله ، أي طريقه ومسلكه وسنته ، وهي الدعوة إلى شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، يدعو إلى الله بها على بصيرة من ذلك ، ويقين وبرهان ، هو وكل من اتبعه ، يدعو إلى ما دعا إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بصيرة ويقين وبرهان شرعي وعقلي...ابن كثير
_أي قل يا محمد هذه طريقي وسنتي ومنهاجي ; قاله ابن زيد . وقال الربيع : دعوتي ، مقاتل : ديني ، والمعنى واحد ; أي الذي أنا عليه وأدعو إليه يؤدي إلى الجنة .
" على بصيرة " أي على يقين وحق " القرطبى
2- {التفاؤل العجيب }
الذي يبعث الجد والأمل في نفوس الأنبياء، يوسف عليه السلام في كل مراحل حياته لم يفارقه التفاؤل، وأبوه يعقوب عليه السلام في أحلك وأشد ظروفه لم يفارقه التفاؤل، حتى أنك تجده عليه السلام يخاطب بنيه في وقت حرجة، وذلك عندما جاؤوا بنبأ حجز أخيهم في مصر، فيقول: "بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ" (يوسف:83، 84)، ومع أنه في تلك الحالة، ومع حرج الموقف، ومع تلك الظروف، ومع قول بنيه: "تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ" (يوسف: من الآية85). يقول لهم: "يَابَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ" (يوسف:87).
**أمتنا تعيش هذه الآونة ظروفاً حرجة شديدة، فما أحوجها للتفاؤل، الذي يدفعها للعمل من أجل تحقيق موعود الله لها، فإن المهزوم من هزمته نفسه قبل أن يهزمه عدوه، وإذا دخل اليأس والقنوط على القلوب فشلت وخارت واستسلمت لعدوها.
فلتأخذ من يعقوب درساً، فيعقوب عليه السلام لم يفارقه التفاؤل أبداً، وكذلك كان يوسف عليه السلام ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم.
3- ومن الدروس في هذه السورة العظيمة نبذ ثلاثة أمور مهلكة، نادت السورة بمجموعها :
لا {{تنازل، لا استعجال، لا يأس.}}
فيوسف ووالده عليهما السلام لم يصاحبهم الاستعجال ولا اليأس ولا التنازل.
وهذه الثلاثة إذا دخلت على الفرد أو الأمة أهلكتها.
فالاستعجال عاقبته وخيمة، ومن المقرر أن من استعجل شيئاً قبل أوانه عوقب بحرمانه.. قضاءً.. وواقعاً.
أما التنازل، فهو الداء الذي وقع فيه كثير من الناس، بل كثير من الجماعات الإسلامية في عصرنا الحاضر مع الظالمين، فكان من الطبيعي ألا يتحقق النجاح المأمول.
وأما اليأس والتشاؤم فإذا دخل على النفوس أحبطها وأتعبها وأثقلها، ومن كانت نفسه مضعضعة مهزوزة فكيف ينتصر على عدوه! إن خذلان النفس لصاحبها من أول أسباب انتصار عدوها، وقد تمنع أقوام في حصون ودساكر "فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ" (الحشر: من الآية2).
4- إن من أعظم أسباب عدم استجابة الناس، التذبذب والاضطراب والتغير في حياة الداعية، ومن دروس هذه السورة{{ اضطراد _أى ثبات _ منهج يوسف –عليه السلام- وعدم تذبذبه،}} من أول حياته، وحتى آخر لحظات عمره، فهو مضطرد مستمر في منهج معتدل في سرائه وضرائه؛ في البئر، في السجن، في الملك، وهو يرفع أبويه على العرش ويخروا له سجداً، في كل أحواله التي قصتها الصورة تلحظ اطراداً عجباً.
_ والدعاة وطلاب العلم، بل الأمة كل الأمة تحتاج إلى الاستقامة والاطراد على المنهج الصحيح، وبخاصة في هذه الظروف التي تقلب فيها رياح الفتن أوجه القلوب وتصرفها.
5- نجد أيضاً في هذه السورة { أهمية القصة وأثرها على حياة الداعي والمدعو}
وقد اشتملت سور القرآن على عدد من القصص كما بين الله في هذه السورة "لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ" (يوسف: من الآية111)، وقال: "نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ" (يوسف: من الآية3).
فالحاجة ماسة باستخدام هذا الأسلوب القرآني من قبل الدعاة وطلاب العلم، وبعضهم يقلل من أهمية هذا الأسلوب من حيث لا يشعر، مع أن القرآن أعطاه أهمية كبرى، فالقرآن مليء بقصص الأولين وأخبار الماضين.
6- أيضاً في هذه السورة {دروس سلوكية وأخلاقية وتربوية ونفسية مهمة،} وخذ في هذه العجالة على سبيل المثال
_ الدعوة إلى عفة اللسان.. تجد يوسف عليه السلام قد قام داعية وأستاذاً يلقي المحاضرات العملية في هذه القضية في كل السورة، تأمل على سبيل المثال يوم أن جاء الرسول يأمر بإخراجه من السجن، فأجابه: "ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ" (يوسف: من الآية50)
_فلم يشر إلى امرأة العزيز، ولم يقل: التي راودتني، وإنما اكتفى بإشارة اقتضتها الحاجة إلى تبرئة مقامه.
وعندما اتهم بالتهمة الباطلة، في قول إخوته كما حكى الله عنهم: "إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ" (يوسف: من الآية77)، لم يتول رداً أو إساءة بل كتم جوابه، وكظم غيظه وقال في نفسه ماحكاها الله بقوله: "أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَاناً" (يوسف: من الآية77).
ومن عفة لسانه أيضاً عندما قالوا له:
"إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ" (يوسف: من الآية78). قال: "مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ" (يوسف: من الآية79). فلم يقل لن نأخذ إلا السارق ؛ لأنه يعلم أن أخاه لم يسرق، ولذلك جاء بعبارة دقيقة، فقال: " إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ" فلم يصفه بما هو منه بريء.
7- كذلك نجد في السورة{ قواعد وأصول في سياسة الشرعية } التي نحن في أمس الحاجة إليها في هذا العصر، نجد قواعد وأصول في الشورى، في التخطيط، في بعد النظر، في العدل... وغيرها.
8- نجد في السورة أيضاً{ قواعد وأصول في معالجة الأزمات }، على مستوى الفرد وعلى مستوى الأمة، وأمتنا تمر بأزمات متنوعة، ومن أقوى الأزمات التي ورد ذكرها في السورة السبع الشداد والسبع التي فيها الخصب، وفي أسلوب إدارته - عليه السلام -للأزمة التي مرت بمصر فوائد ينبغي أن نقف معها.
9- نجد أيضاً في السورة {منهاجاً في الحكم على الرؤى }_
وبيان لبعض شأنها فالسورة ذكرت الرؤيا في ثلاث مواضع مبسوطة من جملة ستة في القرآن، وقد قال صلى الله عليه وسلم:
(كشف رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الستارةَ، والناسُ صفوفٌ خلف أبي بكرٍ, فقال: أيها الناسُ إنه لم يبقَ من مبشراتِ النبوةِ إلا الرؤيا الصالحةُ يراها المسلمُ أو تُرى له, ألا وإني نُهيتُ أن أقرأَ القرآنَ راكعًا أو ساجدًا, فأما الركوعُ فعظموا فيه الربَّ عز وجل وأما السجودُ فاجتهدوا في الدعاءِ فقَمِنٌ أن يستجابَ لكم).الراوي:عبدالله بن عباس المحدث:مسلم المصدر:صحيح مسلم الجزء أو الصفحة:479 حكم المحدث:صحيح
غير أنه وقع فيها –عند الناس- من الخلل والخطأ ما ينبغي التنبيه عليه، فهناك من أنكر الرؤيا وقلل من شأنها وقال كما قال أصحاب الملك: أضغاث أحلام، وهناك من جعل الرؤيا تشريعاً بكل أسف وآخرون وسط بين ذلك.
10- نجد في السورة كذلك{ عاقبة المكر } وأنه يرجع على صاحبه، فإخوة يوسف مكروا به "وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ" (يوسف: من الآية102)
_من أجل إبعاده، فكيف كانت العاقبة؟ امرأة العزيز كادت ومكرت، غلقت الأبواب، وأعتدت للنساء متكأً، وادعت، فلمن كانت العاقبة؟ إن المكر يحاك الآن على مستوى الأمم وعلى مستوى الأفراد، وسورة يوسف تقول لكل ماكر: إياك إياك.. "وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ" (الأنفال: من الآية30)، "وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ" (فاطر: من الآية43).. وفي ذلك طمأنة للأمة وبيان لها بأن مكر أعدائها سيبور ويرتد عليهم.
11- كذلك نجد في سورة يوسف{ قصص التائبين المستغفرين } وأثر التوبة والاستغفار في الحياة، وقد تتبعت الدعوة إلى التوبة والاستغفار في القرآن فوجدت أنه ما من نبي إلا أمر قومه بهما.
وجدت أن في الاستغفار سهولة على اللسان، مع أنه من أخص الدعاء والدعاء هو العبادة كما في الحديث، وقال الله تعالى:
"ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ" (غافر: من الآية60)، فالتوبة والاستغفار من السمات الظاهرة في سورة يوسف عليه السلام.
12- نجد في هذه السورة { استثمار الفرص } :
وخاصة من قبل يوسف عليه السلام في السجن، قبل السجن، بعد السجن، وهو عزيز مصر، والأمة بحاجة إلى أن تستثمر الفرص استثماراً حقيقياً في موضعه.
13- نجد أيضاً {الصبر وعاقبته} وبياناً لبعض أنواعه
_ "فَصَبْرٌ جَمِيلٌ" (يوسف: من الآية18)، كما صبر يعقوب _عليه السلام_، وكما صبر يوسف. "إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ"
(يوسف: من الآية90).
14- وأخيراً نجد { الإحسان} في سورة يوسف:
_والإحسان أشمل مما يفهمه كثير من الناس، بل كثير من الناس يفسر الإحسان بمعنى قاصر، وهو إعطاء المحتاج، أو التصدق على المحتاج. غير أن الإحسان في سورة يوسف، ورد في قرابة خمسة مواضع، في كل مراحل حياته، فكان سبباً من أسباب السؤدد والقوة والتمكن.
تابعوا