إنها الصحابية الجليلة فاطمة بنت أسد –رضى الله عنها- أسلمت وكانت من المهاجرات الأوائل وهى أول هاشمية ولدت هاشمياً
وقبل أن نتعايش بقلوبنا وأرواحنا مع سيرة تلك الصحابية الكريمة أود أن نقف جميعاً وقفة تأمل وتدبر أمام هذا الدور العظيم الذى قامت به هذه الصحابية لخدمة هذا الدين العظيم
فإن كان النبى –صلى الله عليه وسلم- (أنا وكافل اليتيم فى الجنة هكذا –وأشار بالسبابة والوسطى- وفرج بينهما) أخرجه البخارى وأحمد عن سهل بن سعد
فما ظنكن بامرأة كفلت أعظم وأطهر يتيم فى الدنيا كلها ألا وهو: الحبيب محمد –صلى الله عليه وسلم- الذى كان يتمه تشريفاً لكل يتيم فى الدنيا كلها؟؟
فهل عرفتن قدر هذه الصحابية الجليلة التى كفلت الحبيب –صلى الله عليه وسلم- ووضعته فى عينيها وأغلقت عليه جفنيها خوفاً عليه حتى من نسيم الهواء؟؟
كان النبى –صلى الله عليه وسلم- يتيماً فكفله جده عبد المطلب وكان يحبه حباً شديداً وعندما شعر بدنو أجله أوصى ولده أبا طالب بأن يكفل الحبيب –صلى الله عليه وسلم- وأوصاه به خيراً فقد كان عبد المطلب يشعر بأنه لن يحافظ على حفيده ويحوطه بالرحمة والحنان إلا زوجة أبى طالب لما كان يشعر من الرحمة التى تتدفق من قلبها
ومات عبد المطلب وانتقل الحبيب –صلى الله عليه وسلم- إلى بيت أبى طالب فوجد فى بيته أماً رحيمة جعلته يشعر بأنها أمه بعد أمه التى ماتت
وكانت فاطمة بنت أسد –رضى الله عنها- تحوطه برعايتها وتشمله برحمتها حتى إنها كانت تخاف عليه أكثر من خوفها على أولادها
ودخلت البركة فى هذا البيت الكريم وبخاصة فى طعام الأولاد إذا أكل معهم الحبيب –صلى الله عليه وسلم- وكانت الصحابية الجليلة ترى كل هذه البركات التى دخلت بيتها وهى لا تكاد تصدق نفسها فكانت تزداد حباً للنبى –صلى الله عليه وسلم- يوماً بعد يوم حتى كان يشعر بأن الله رزقه بتلك الأم الرحيمة ليعوضه عن موت أمه..فهى ترعاه فى طفولته وشبابه وتخصه بالتقدير والاحترام وتشمله بعطفها وحنانها وظلت ترعاه إلى أن تزوج بخديجة –رضى الله عنها-
ولما بُعث الحبيب –صلى الله عليه وسلم- ليحمل الخير والنور للدنيا كلها كانت فاطمة بنت أسد –رضى الله عنها- من النساء اللاتى سارعن إلى الدخول فى الإسلام فآمنت بالله ورسوله وأسلم أولادها كلهم وكان أولهم على بن أبى طالب –رضى الله عنه- وأما زوجها أبو طالب فاعتذر اعتذاراً لطيفاً ولم يُسلم
وبدأت فاطمة –رضى الله عنها- تعيش حياة جديدة كلها إيمان وطاعة لله وللرسول الذى تربى فى بيتها وارتوى من عطفها وحنانها
عانت فراق ابنها جعفر بن أبى طالب إلى الحبشة مع زوجته ومن هاجر
وحوصرت فى الشعب وأكلت ورق الشجر مع المسلمين المحاصرين
وهاجرت إلى المدينة فراراً بدينها ونزلت فى رحاب أخواتها من نساء الأنصار
وكان النبى –صلى الله عليه وسلم- يحبها محبة الابن لأمه الرحيمة وكان يزورها دائماً ويُقيل فى بيتها ويُحسن إليها ويرعاها كما كانت تُحسن إليه وترعاه فى صغره
ولمكانتها الرفيعة عند الرسول –صلى الله عليه وسلم- كان يُتحفها بالهدية فعن جعدة بن هبيرة عن على قال: أُهدى إلى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- حلة إستبرق فقال: (اجعلها خمراً بين الفواطم) فشققتها أربعة أخمرة، خماراً لفاطمة بنت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ، وخماراً لفاطمة بنت أسد –رضى الله عنها- ، وخماراً لفاطمة بنت حمزة، ولم يذكر الرابعة.
ولقد كان لفاطمة بنت أسد –رضى الله عنها- مكانة سامية فى نفوس الصحابة، فهذا الحجاج بن علاط السلمى يمدح على بن أبى طالب –رضى الله عنه- عندما قتل طلحة بن أبى طلحة صاحب لواء المشركين يوم أحد ويذكر أمه فاطمة:
لله أى مذنب عن حربه
أعنى ابن فاطمة المعم المخولا
جادت يداك له بعاجل طعنة
تركت طليحة للجبين مجندلا
ولما تزوج ابنها على –رضى الله عنه- بنت الرسول فاطمة –رضى الله عنها- كانت فاطمة بنت أسد مثالاً عظيماً للحماة الطيبة والأم الرحيمة وكانت تحب زوجة ابنها حباً شديداً وكانت تتعاون معها فى أعمال البيت
وحان وقت الرحيل وماتت فاطمة –رضى الله عنها- ودفنت بالمدينة المنورة وأكرمها الله تعالى بأن نزل النبى –صلى الله عليه وسلم- فى قبرها ليدفنها وقد قيل أنه لم ينزل فى قبر أحد قط إلا خمسة قبور، ثلاث نسوة ورجلين، منها قبر خديجة بنت خويلد –رضى الله عنها- بمكة، وقبر ابن خديجة رباه النبى ودفن بالمدينة، وقبر عبد الله المزنى الذى يقال له ذو البجادين، وقبر أم رومان زوجة أبى بكر الصديق، وقبر فاطمة بنت أسد –رضى الله عنهم جميعا-
وهاهو النبى –صلى الله عليه وسلم- صاحب القلب الوفى لم ينسَ أبداً هذه المرأة الصالحة التى كانت له أماً بعد أمه فنزل فى قبرها ليدفنها فكان فى هذا كرامة لها –رضى الله عنها وأرضاها- وجلس عند رأسها فقال:
(رحمك الله يا أمى، كنت بعد أمى تجوعين وتشبعيننى، وتعرين وتكسينى، وتمنعين نفسك طيباً وتطعمينى، تريدين بذلك وجه الله والدار الآخرة)
ثم أمر أن تغسل ثلاثاً فلما بلغ الماء الذى فيه الكافور سكبه الرسول بيده ثم خلع قميصه فألبسها إياه وكفنها ببرد فوقه، ثم دعا أسامة بن زيد وأبا أيوب الأنصارى وعمر بن الخطاب وغلاماً أسود يحفرون، فلما بلغوا اللحد حفره الرسول بيده وأخرج ترابه بيده، ولما فرغ دخل فاضطجع فيه فقال: (الله الذى يحيى ويميت، وهو حى لا يموت، اغفر لأمى فاطمة بنت أسد، ولقنها حجتها، ووسع عليها مدخلها بحق نبيك والأنبياء الذين قبلى فإنك أرحم الراحمين) وكبر عليها أربعاً، وأدخلوها اللحد هو والعباس وأبو بكر الصديق –رضى الله عنهم-
وعن ابن عباس –رضى الله عنهما- قال:
لما ماتت فاطمة أم على بن أبى طالب خلع النبى قميصه وألبسها إياه واضطجع فى قبرها، فلما سوى عليها التراب قال بعضهم: يارسول الله رأيناك صنعت شيئاً لم تصنعه بأحد!!
فقال: (ألبستها قميصى لتلبس من ثياب الجنة واضطجعت معها فى قبرها ليخفف عنها من ضغطة القبر إنها كانت من أحسن خلق الله إلى صنيعاً بعد أبى طالب)
فرضى الله عنها وأرضاها وجعل جنة الفردوس مثواها