أو

الدخول بواسطة حسابك بمواقع التواصل

#1

2131 1168506062 تفسير ما تيسر من سورة يوسفالآيات (53- 57)

[IMG]https://***- /bas/0005.gif[/IMG]
تفسير ما تيسر من سورة يوسف
[IMG]https://***- /fa/0063.gif[/IMG]
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
تفسير الآيات (53- 57):
تفسير ما تيسر من سورة يوسفالآيات (53- 57)



{وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (53) وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ (54) قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (55) وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (56) وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (57)}

[IMG]https://***- /fa/0063.gif[/IMG]

.شرح الكلمات:

{لأمارة بالسوء}: أي كثيرة الأمر والسوء هو ما يُسيء إلى النفس البشرية مثل الذنوب.
{إلا ما رحم ربي}: أي إلا من رحمه الله فإِن نفسه لا تأمر بالسوء لطيبها وطهارتها.
{استخلصه لنفسي}: أجعله من خلصائي من أهل مشورتي وأسراري.
{مكين أمين}: أي ذو مكانة تتمكن بها من فعل ما تشاء، أمين مؤتمن على كل شيء عندنا.
{خزائن الأرض}: أي خزائن الدولة في أرض مصر.والمراد خزائن كانت موجودة ، وهي خزائن الأموال؛ إذ لا يخلو سلطان من خزائن معدودة لنوائب بلاده لا الخزائن التي زيدت من بعد لخزن الأقوات استعداداً للسنوات المعبر عنها بقوله : { مما تحصنون }
{إني حفيظ عليم}: أي أحافظ على ما تسنده إليّ واحفظه، عليم بتدبيره.
{يتبوأ}: أي ينزل ويحل حيث يشاء بعد ما كان في غيابة الجُب وضيف السجن.

[IMG]https://***- /fa/0063.gif[/IMG]


.معنى الآيات:
۞ وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي ۚ إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي ۚ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ}
ثم لما كان في هذا الكلام نوع تزكية لنفسها، وأنه لم يجر منها ذنب في شأن يوسف، استدركت فقالت: { وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي } أي: من المراودة والهمِّ، والحرص الشديد، والكيد في ذلك.


{ إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ } أي: لكثيرة الأمر لصاحبها بالسوء، أي: الفاحشة، وسائرالذنوب، فإنها مركب الشيطان، ومنها يدخل على الإنسان { إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي } فنجاه من نفسه الأمارة، حتى صارت نفسه مطمئنة إلى ربها، منقادة لداعي الهدى، متعاصية عن داعي الردى، فذلك ليس من النفس، بل من فضل الله ورحمته بعبده.


{ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ } أي: هو غفور لمن تجرأ على الذنوب والمعاصي، إذا تاب وأناب، { رَحِيمٌ } بقبول توبته، وتوفيقه للأعمال الصالحة،. وهذا هو الصواب أن هذا من قول امرأة العزيز، لا من قول يوسف، فإن السياق في كلامها، ويوسف إذ ذاك في السجن لم يحضر... وهذا القول هو الأشهر والأليق والأنسب بسياق القصة ومعاني الكلام . وقد حكاه الماوردي في تفسيره ، وانتدب لنصره الإمام العلامة أبو العباس ابن تيمية ، رحمه الله





[IMG]https://***- /fa/0074.gif[/IMG]


{وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي ۖ فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ}
فلما تحقق الملك والناس براءة يوسف التامة، أرسل إليه الملك وقال: { ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي } أي: أجعله خصيصة لي ومقربا لديَّ فأتوه به مكرما محترما، { فَلَمَّا كَلَّمَهُ } أعجبه كلامه، وزاد موقعه عنده فقال له: { إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا } أي: عندنا
{ مَكِينٌ أَمِينٌ } أي: متمكن، أمين على الأسرار
يقول الطنطاوى فى تفسيره:
وتلك المقالة من الملك ليوسف،هي أولى بشائر عاقبة الصبر وعزة النفس، وطهارة القلب، والاستعصام بحبل الله المتين ..


[IMG]https://***- /fa/0074.gif[/IMG]


قَالَ{ اجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَائِنِ الْأَرْضِ ۖ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ}
{ قَالَ } يوسف طلبا للمصلحة العامة: { اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ } أي: على خزائن جبايات الأرض وغلالها، وكيلا حافظا مدبرا.
{ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ } أي: حفيظ للذي أتولاه، فلا يضيع منه شيء في غير محله، وضابط للداخل والخارج، عليم بكيفية التدبير والإعطاء والمنع، والتصرف في جميع أنواع التصرفات، وليس ذلك حرصا من يوسف على الولاية، وإنما هو رغبة منه في النفع العام، وقد عرف من نفسه من الكفاءة والأمانة والحفظ ما لم يكونوا يعرفونه.

فلذلك طلب من الملك أن يجعله على خزائن الأرض، فجعله الملك على خزائن الأرض وولاه إياها.
يقول ابن عاشور فى تفسيره:
_واقتراح يوسف عليه السلام ذلك إعداد لنفسه للقيام بمصالح الأمة على سنة أهل الفضل والكمال من ارتياح نفوسهم للعمل في المصالح ، ولذلك لم يسأل مالاً لنفسه ولا عَرَضاً من متاع الدنيا ، ولكنه سأل أن يوليه خزائن المملكة ليحفظ الأموال ويعدل في توزيعها ويرفق بالأمة في جمعها وإبلاغها لمحالّها .

_وهذه الآية أصل لوجوب عرض المرء نفسه لولاية عمل من أمور الأمة إذا علم أنه لا يصلح له غيره لأن ذلك من النصح للأمة ، وخاصة إذا لم يكن ممّن يتهم على إيثار منفعة نفسه على مصلحة الأمة . وقد علم يوسف عليه السلام أنه أفضل الناس هنالك لأنه كان المؤمن الوحيد في ذلك القطر ، فهو لإيمانه بالله يبث أصول الفضائل التي تقتضيها شريعة آبائه إبراهيم وإسحاق ويعقوب عليهم السلام . فلا يعارض هذا ما جاء في «صحيح البخاري» عن عبد الرحمن بن سمرة قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم "يا عبدَ الرحمنِ ، لا تسألِ الإمارةَ ، فإنك إن أُعطِيتَها عن مسألةٍ وُكِلْتَ إليها ، وإن أُعْطِيتَها عن غيرِ مسألةٍ أُعِنتَ عليها ، وإذا حلفتَ على يمينٍ ، فرأيتَ غيرَها خيرًا منها ، فكفِّرْ عن يمينِك وأْتِ الذي هو خيرٌ}
رواه البخاري

قوله:وإن أعطيتَها عن غير مسألة أُعنت عليها " لأن عبد الرحمن بن سمرة لم يكن منفرداً بالفضل من بين أمثاله ولا راجحاً على جميعهم
[IMG]https://***- /fa/0074.gif[/IMG]


وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ ۚ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاءُ ۖ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ
{ وَكَذَلِكَ } أي: بهذه الأسباب والمقدمات المذكورة، { مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ } في عيش رغد، ونعمة واسعة، وجاه عريض، { نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ } أي: هذا من رحمة الله بيوسف التي أصابه بها وقدرها له، وليست مقصورة على نعمة الدنيا.{ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ } ويوسف عليه السلام من سادات المحسنين، فله في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة
[IMG]https://***- /fa/0074.gif[/IMG]


{وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ}
{ وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ } من أجر الدنيا { لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ } أي: لمن جمع بين التقوى والإيمان، فبالتقوى تترك الأمور المحرمة من كبائر الذنوب وصغائرها، وبالإيمان التام يحصل تصديق القلب، بما أمر الله بالتصديق به، وتتبعه أعمال القلوب وأعمال الجوارح، من الواجبات والمستحبات.


[IMG]https://***- /fa/0063.gif[/IMG]


فى ظلال الآيات:
_ نجد شخصية يوسف - عليه السلام - وقد استقامت مع نشأتها والأحداث التي مرت بها , والابتلاءات التي اجتازتها , في ظل التربية الربانية للعبد الصالح , الذي يعد ليمكن له في الأرض , وليقوم بالدعوة إلى دين الله وهو ممكن له في الأرض , وهو قابض على مقاليد الأمور في مركز التموين في الشرق الأوسط !
_ وأول ملامح هذه المرحلة هذا الاعتزاز بالله , والاطمئنان إليه , والثقة به , والتجرد له , والتعري من كل قيم الأرض , والتحرر من كل أوهاقها , واستصغار شأن القوى المتحكمة فيها , وهوان تلك القيم وهذه القوى في النفس الموصولة الأسباب بالله - سبحانه وتعالى !
_ تبدو هذه الظاهرة الواضحة في موقف يوسف , ورسول الملك يجيء إليه في سجنه يبلغه رغبة الملك في أن يراه . . فلا يخف يوسف - عليه السلام - لطلب الملك ; ولا يتلهف على مغادرة سجنه الظالم المظلم إلى رحاب الملك الذي يرغب في لقائه ; ولا تستخفه الفرحة بالخروج من هذا الضيق .
_ ولا تتجلى هذه الظاهرة - وما وراءها من التغيرات العميقة في الموازين والقيم والمشاعر في نفس يوسفالصديق , إلا حين نعود القهقرى بضع سنين , لنجد يوسف يوصي ساقي الملك - وهو يظن أنه ناج - أن يذكره عند ربه . . إن الإيمان هو الإيمان , ولكن هذه هي الطمأنينة . الطمأنينة التي تنسكب في القلب وهو يلابس قدر الله في جريانه . . وهو يرى كيف يتحقق هذا القدر أمام عينيه فعلا . . الطمأنينة التي كان يطلبها جده إبراهيم عليه السلام , وهو يقول لربه: (رب أرني كيف تحيي الموتى)فيسأله ربه - وربه يعلم:- (أولم تؤمن ؟)فيقول - وربه يعلم حقيقة ما يشعر وما يقول -: (بلى ! ولكن ليطمئن قلبي). .
_إنها هي هي الطمأنينة التي تسكبها التربية الربانية في قلوب الصفوة المختارة , بالابتلاء والمعاناة , والرؤية والمشاهدة , والمعرفة والتذوق . . ثم الثقة والسكينة . .
_وهذه هي الظاهرة الواضحة في كل مواقف يوسف من بعد , حتى يكون الموقف الأخير في نجائه مع ربه , منخلعا من كل شيء تهفو له النفوس في هذه الأرض:
(رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث . فاطر السماوات والأرض , أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين).
_مشهد الملك يستجوب النسوة اللاتي قطعن أيديهن - كما رغب إليه يوسف أن يفعل - تمحيصا لتلك المكايد التي أدخلته السجن , وإعلانا لبراءته على الملأ , قبل أن يبدأ مرحلة جديدة في حياته ; وهو يبدؤها واثقا مطمئنا , في نفسه سكينة وفي قلبه طمأنينة وقد أحس أنها ستكون مرحلة ظهور في حياة الدولة , وفي حياة الدعوة كذلك . فيحسن أن يبدأها وكل ما حوله واضح , ولا شيء من غبار الماضي يلاحقه وهو بريء .
_ومع أنه قد تجمل فلم يذكر عن امرأة العزيز شيئا , ولم يشر إليها على وجه التخصيص , إنما رغب إلى الملك أن يفحص أمر عن النسوة اللاتي قطعن أيديهن , فإن امرأة العزيز تقدمت لتعلن الحقيقة كاملة:
قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (51) ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ (52)وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (53)}
وفي هذه الفقرة الأخيرة تبدو المرأة مؤمنة متحرجة , تبريء نفسها من خيانة يوسف في غيبته ; ولكنها تتحفظ فلا تدعي البراءة المطللقة , لأن النفس أمارة بالسوء - إلا ما رحم ربي - ثم تعلن ما يدل على إيمانها بالله - ولعل ذلك كان اتباعا ليوسف - (إن ربي غفور رحيم). .


[IMG]https://***- /fa/0074.gif[/IMG]


وبذلك يسدل الستار على ماضي الآلام في حياة يوسف الصديق . وتبدأ مرحلة الرخاء والعز والتمكين . .
(وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ (54) قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (55) وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (56) وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (57)}). .
_لقد تبينت للملك براءة يوسف , وتبين له معها علمه في تفسير الرؤيا , وحكمته في طلب تمحيص أمر النسوة كذلك تبينت له كرامته وإباؤه , وهو لا يتهافت على الخروج من السجن , ولا يتهافت على لقاء الملك . وأي ملك ؟ ملك مصر ! ولكن يقف وقفة الرجل الكريم المتهم في سمعته , المسجون ظلما , يطلب رفع الاتهام عن سمعته قبل أن يطلب رفع السجن عن بدنه ; ويطلب الكرامة لشخصه ولدينه الذي يمثله قبل أن يطلب الحظوة عند الملك . .
_كل أولئك أوقع في نفس الملك احترام هذا الرجل وحبه فقال:
( ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي). .

_ فهو لا يأتي به من السجن ليطلق سراحه ; ولا ليرى هذا الذي يفسر الرؤى ; ولا ليسمعه كلمة "الرضاء الملكي السامي ! " فيطير بها فرحا . . كلا ! إنما يطلبه ليستخلصه لنفسه , ويجعله بمكان المستشار والنجي والصديق . .
=فيا ليت رجالا يمرغون كرامتهم على أقدام الحكام - وهم أبرياء مطلقو السراح - فيضعوا النير _القيود_ في أعناقهم بأيديهم ; ويتهافتوا على نظرة رضى وكلمة ثناء , وعلى حظوة الأتباع لا مكانة الأصفياء . . يا ليت رجالا من هؤلاء يقرأون هذا القرآن , ويقرأون قصة يوسف , ليعرفوا أن الكرامة والإباء والاعتزاز تدر من الربح - حتى المادي - أضعاف ما يدره التمرغ والتزلف والانحناء !


[IMG]https://***- /fa/0074.gif[/IMG]


ويحذف السياق جزئية تنفيذ الأمر لنجد يوسف مع الملك . .
(فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ ). .
_فلما كلمه تحقق له صدق ما توسمه . فإذا هو يطمئنه على أنَّه عند الملك ذو مكانة وفي أمان .
فليس هو الفتى العبراني الموسوم بالعبودية . إنما هو مكين . وليس هو المتهم المهدد بالسجن . إنما هو أمين . وتلك المكانة وهذا الأمان لدى الملك وفي حماه . فماذا قال يوسف ؟؟؟
_إنه لم يسجد شكرا كما يسجد رجال الحاشية المتملقون للطواغيت .
_ولم يقل له:عشت يا مولاي وأنا عبدك الخاضع أو خادمك الأمين , كما يقول المتملقون للطواغيت ! كلا إنما طالب بما يعتقد أنه قادر على أن ينهض به من الأعباء في الأزمة القادمة التي أول بها رؤيا الملك , خيرا مما ينهض بها أحد في البلاد ; وبما يعتقد أنه سيصون به أرواحا من الموت وبلادا من الخراب , ومجتمعا من الفتنة - فتنة الجوع - فكان قويا في إدراكه لحاجة الموقف إلى خبرته وكفايته وأمانته , قوته في الاحتفاظ بكرامته وإبائه:
(قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ). .
_إنَّ الأزمة القادمة في حاجة إلى الحفظ والصيانة والقدرة على إدارة الأمور بدقة وضبط الزراعة والمحاصيل وصيانتها . وفي حاجة إلى الخبرة وحسن التصرف والعلم بكافة فروعه الضرورية لتلك المهمة في سنوات الخصب وفي سني الجدب على السواء . ومن ثم ذكر يوسف من صفاته ما تحتاج إليه المهمة التي يرى أنه أقدر عليها , وأن وراءها خيرا كبيرا لشعب مصر وللشعوب المجاورة:
( إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ). .
_ولم يكن يوسف يطلب لشخصه وهو يرى إقبال الملك عليه فيطلب أن يجعله على خزائن الأرض . . إنما كان حصيفا في اختيار اللحظة التي يستجاب له فيها لينهض بالواجب المرهق الثقيل ذي التبعة الضخمة في أشد أوقات الأزمة ; وليكون مسؤولا عن إطعام شعب كامل وشعوب كذلك تجاوره طوال سبع سنوات , لا زرع فيها ولا ضرع . فليس هذا غنما يطلبه يوسف لنفسه . فإن التكفل بإطعام شعب جائع سبع سنوات متوالية لا يقول أحد إنه غنيمة . إنما هي تبعة يهرب منها الرجال , لأنها قد تكلفهم رؤوسهم , والجوع كافر , وقد تمزق الجماهير الجائعة أجسادهم في لحظات الكفر والجنون .


[IMG]https://***- /fa/0074.gif[/IMG]


{قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (55)}
وهنا تعرض شبهة . . أليس في قول يوسف - عليه السلام هذا

أمران محظوران في النظام الإسلامي:
_ أولهما:طلب التولية , وهو محظور بنص قول الرسول صلى الله عليه وسلم
ففى الحديث:

عن أبى موسى الأشعري عبدالله بن قيس
"دخلتُ على النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ . أنا ورجلانِ من بني عمي . فقال أحدُ الرجلَينِ : يا رسولَ اللهِ ! أمِّرْنا على بعضِ ما ولا ك اللهُ عزَّ وجلَّ . وقال الآخرُ مثلَ ذلك . فقال

( إنا ، واللهِ ! لا نولِّي على هذا العملِ أحدًا سأله . ولا أحدًا حرِصَ عليه )

.رواه مسلم
_ وثانيهما:تزكية النفس , وهي محظورة بقوله تعالى: (فلا تُزكُوا أنفُسَكُم)؟؟
_ولا نريد أن نجيب بأن هذه القواعد إنما تقررت في النظام الإسلامي الذي تقرر على عهد محمد صلى الله عليه وسلم وأنها لم تكن مقررة على أيام يوسف - عليه السلام - والمسائل التنظيمية في هذا الدين ليست موحدة كأصول العقيدة , الثابتة في كل رسالة وعلى يد كل رسول . .
_لا نريد أن نجيب بهذا , وإن كان له وجه , لأننا نرى أن الأمر في هذه المسألة أبعد أعماقا , وأوسع آفاقا من أن يرتكن إلى هذا الوجه ; وأنه إنما يرتكن إلى اعتبارات أخرى لا بد من إدراكها , لإدراك منهج الاستدلال من الأصول والنصوص , ولإعطاء أصول الفقه وأحكامه تلك الطبيعة الحركية الأصيلة في كيانها , والتي خمدت وجمدت في عقول الفقهاء وفي عقلية الفقه كلها في قرون الخمود والركود !
_إن الفقه الإسلامي لم ينشأ في فراغ , كما أنَّه لا يعيش ولا يفهم في فراغ ! . .
_لقد نشأ الفقه الإسلامي في مجتمع مسلم , ونشأ من خلال حركة هذا المجتمع في مواجهة حاجات الحياة الإسلامية الواقعية . كذلك لم يكن الفقه الإسلامي هو الذي أنشأ المجتمع المسلم ; إنما كان المجتمع المسلم بحركته الواقعية لمواجهة حاجات الحياة الإسلامية هو الذي أنشأ الفقه الإسلامي . .
_وهاتان الحقيقتان التاريخيتان الواقعيتان عظيمتا الدلالة ; كما أنهما ضروريتان لفهم طبيعة الفقه الإسلامي ; وإدراك الطبيعة الحركية للأحكام الفقهية الإسلامية .
_إنَّ يوسف يعلم أنَّه لم يكن يعيش في مجتمع مسلم تنطبق عليه قاعدة عدم تزكية النفس عند الناس وطلب الإمارة على أساس هذه التزكية . كما أنه كان يرى أن الظروف تمكن له من أن يكون حاكما مطاعا لا خادما في وضع جاهلي . وكان الأمر كما توقع فتمكن بسيطرته من الدعوة لدينه ونشره في مصر في أيام حكمه . وقد توارى العزيز وتوارى الملك تماما . .


[IMG]https://***- /fa/0074.gif[/IMG]


ثم نعود بعد هذا الاستطراد إلى صلب القصة وإلى صلب السياق . إن السياق لا يثبت أن الملك وافق .
_فكأنما يقول:إن الطلب تضمن الموافقة ! زيادة في تكريم يوسف , وإظهار مكانته عند الملك . فيكفي أن يقول ليجاب , بل ليكون قوله هو الجواب . . ومن ثمَّ يحذف رد الملك , ويدع القاريء يفهم أنه أصبح في المكان الذي طلبه .
_ويؤيد هذا الذي نقوله تعقيب السياق:
(وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (56)). .
_فعلى هذا النحو من إظهار براءة يوسف , ومن إعجاب الملك به , ومن الاستجابة له فيما طلب . . على هذا النحو مكنا ليوسف في الأرض , وثبتنا قدميه , وجعلنا له فيها مكانا ملحوظا . والأرض هي مصر . أو هي هذه الأرض كلها باعتبار أن مصر يومذاك أعظم ممالكها .
_(يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ). .
يتخذ منها المنزل الذي يريد , والمكان الذي يريد , والمكانة التي يريد . في مقابل الجب وما فيه من مخاوف , والسجن وما فيه من قيود .

_( نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاء ). .
فنبدله من العسر يسرا , ومن الضيق فرجا , ومن الخوف أمنا , ومن القيد حرية , ومن الهوان على الناس عزا ومقاما عليا .
_(وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ). .
الذين يحسنون الإيمان بالله , والتوكل عليه , والاتجاه إليه , ويحسنون السلوك والعمل والتصرف مع النَّاس . . هذا في الدنيا . .
_(وَلَأَجْرُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ). .
فلا ينقص منه المتاع في الدنيا وإن كان خيرا من متاع الدنيا , متى آمن الإنسان واتقى . فاطمأن بإيمانه إلى ربه , وراقبه بتقواه في سره وجهره .
وهكذا عوض الله يوسف عن المحنة , تلك المكانة في الأرض , وهذه البشرى في الآخرة جزاء وفاقا على الإيمان والصبر والإحسان .
_ودارت عجلة الزمن . وطوى السياق دوراتها بما كان فيها طوال سنوات الرخاء . فلم يذكر كيف كان الخصب , وكيف زرع الناس . وكيف أدار يوسف جهاز الدولة . وكيف نظم ودبر وادخر . كأن هذه كلها أمور مقررة بقوله:
(إني حفيظ عليم). .
وكذلك لم يذكر مقدم سني الجدب , وكيف تلقاها الناس , وكيف ضاعت الأرزاق . . لأنَّ هذا كله ملحوظ في رؤيا الملك وتأويلها:
(ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلا مما تحصنون). .



[IMG]https://***- /fa/0063.gif[/IMG]


.من هداية الآيات:
1- فضيلة هضم النفس باتهامها بالنقص والتقصير.
2- تحقيق الحكمة القائلة: المرءُ مخبوء تحت لسانه.
3- جواز ذكْرِ المُرشَّح للعمل كحذق الصنعة ونحوه ولا يعد تزكية للنفس.
4- فضيلة الإِحسان في المعتقد والقول والعمل.
5- فضل الإِيمان والتقوى.




[IMG]https://***- /fa/0063.gif[/IMG]



المراجع:
تفسير ابن كثير [ تفسير القرآن العظيم ].
تيسير الكريم الرحمن فى تفسيركلام المنان للسعدى
كتاب "التحرير والتنوير" وصاحبه محمد الطاهر بن عاشور
سيد قطب فى ظلال القرآن.
الجزائرى أيسر التفاسير.
الطنطاوى التفسير الوسيط
موقع التحقق من صحة الاحاديث

بارك الله فيكم على طيب المتابعة.. والحمد لله رب العالمين

دمتم طيبين
[IMG]https://***- /flow/0006.gif[/IMG]




إظهار التوقيع
توقيع : أم أمة الله
#2

افتراضي رد: تفسير ما تيسر من سورة يوسفالآيات (53- 57)

بسم الله ما شاء الله
سورة يوسف من اكثر السور التي تريح قلبي و اداوم علي قراءتها

شكرا جزيلا

إظهار التوقيع
توقيع : منار الاسلام
#3

افتراضي رد: تفسير ما تيسر من سورة يوسفالآيات (53- 57)

♡ جميل اووى

جزاكٍ الله خيرا


إظهار التوقيع
توقيع : ربي رضاك والجنة


قد تكوني مهتمة بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى
القران الكريم كاملاً بصوت السديس .mp3 - استماع وتحميل Admin القرآن الكريم
القران الكريم كاملاً بصوت الحصري 2025 .mp3 - استماع وتحميل Admin القرآن الكريم
مصحف الشيخ ماهر المعيقلي كاملاً بجودة عالية mp3 عاشقة الفردوس القرآن الكريم
*تفسير سورة النســـاء كاملة* أم أمة الله القرآن الكريم
تحميل القرآن الكريم كاملاً لمشارى راشد mp3 حبيبة أبوها القرآن الكريم


الساعة الآن 01:33 PM


جميع المشاركات تمثل وجهة نظر كاتبها وليس بالضرورة وجهة نظر الموقع


التسجيل بواسطة حسابك بمواقع التواصل