في إحدى زياراتنا لبلد عربي شقيق أخبرنا سائق الأجرة الذي أوصلنا من المطار إلى الفندق بعد أن استأنس بنا: إنه وأسرته في مشكلة إنسانية عميقة ولا يعرف كيف يحلها.
وحينما سألناه عن تفاصيلها، رد بنبرة ألم حقيقي، قائلا: إنه في إحدى الإجازات القريبة جاءهم رجل سعودي يبدو على مظهره التعقل والاحترام طالبا الزواج من إحدى فتياتهم لأنه سمع عن حسن سيرتهن وجمال أشكالهن، فوافقنا حيث أغرانا بالمال والمظهر والأسلوب، بل اختار أصغر بناتنا وأجملهن، فرضينا دون تردد على أساس أن نسبة أمثال هذا الرجل مكسب لأي أسرة مسلمة صالحة.
ثم صمت برهة وقد علا وجهه الألم الشديد والحيرة البالغة، فما كان أمامنا إلا أن سألناه مستغربين: الملاحظ أنكم تبدون محظوظين بمثل هذا الإنسان، فما الضير في هذا الأمر، لأن الوضع يستدعي أن تحمدوا الله، لا أن تحزن هذا الحزن البادي على محياك دون سبب؟! .
ولكنه قال مردفا لكلامه السابق ومجيبا عن تساؤلاتنا: بعد عشرين يوما من الزواج اختفى العريس ولم يعد بعدها أبدا، وانتظرنا طويلا إلا أنه قد غادر البلاد كما هو متوقع!! ثم التفت إلى الشخص الراكب بجواره متسائلا و مستنجدا بقوله: فما العمل الآن وقد أعيتنا الحيلة وابنتنا معلقة نفسيا وشرعيا؟!
حينئذ رد عليه كبير الأسرة قائلا: هي معضلة مربكة لكم، ومخجلة للفاعل أعانكم الله، ولكن ليس أمامكم الآن إلا أن تستنجدوا بالسفارة إن كانت ابنتك حاملا، أما إن لم تكن كذلك فليس لكم إلا الصبر والاحتساب والنسيان.
أضع تفاصيل هذه " القصة الواقعية " التي رويت على مسامعي أمام بعض رجال مجتمعنا من الذين أباحوا لأنفسهم التلاعب بمشاعر نساء بريئات بقين يحلمن بالزواج السعيد والأسرة المستقرة والأبناء الصالحين الذين يتربون بين والديهم معا، وفجأة اندثرت كل هذه الآمال بسبب رجال لا تهمهم إلا متعتهم العابرة.
والأغرب من ذلك أن كثيرا من أمثال هؤلاء الرجال يكررون فعلتهم في عدة بلدان عربية وإسلامية دون وازع من مسؤولية أو رحمة، رغم كونهم متزوجين ومستقرين أسريا وقانعين بحياتهم ولا يفكرون مطلقا في تغييرها، ولكن لابد من استغلال الإجازات في شيء يسعدهم حتى لو كان مدمرا لسواهم. وإثباتا لكل ما مضى: فقد نشرت الصحف المحلية أن شرطة دولة إسلامية في شرق آسيا رحلت عددا من المزواجين السعوديين؛ لأنه قد ثبت عليهم (
زواج المتعة) الذي تكرر منهم عدة مرات؟!
كل هذه التصرفات غير المسؤولة وما شابهها لا تسيء لبلادنا فحسب، إنما تعطي انطباعا خاطئا عن دين الإسلام الذي هو دين الرحمة والعدالة والإنسانية، وحينما أباح التعدد كان (
لصالح المرأة والرجل معا) فلا يكون الإقدام عليه إلا بروية وحكمة لحاجة حقيقية صادقة نفسيا أو جسديا أو اجتماعيا، (
فكم من امرأة هنا في بلادنا) أيضا أصيبت بعقد نفسية عميقة بسبب الزواج بنية الطلاق المبيت، فتعدد الأزواج في حياتها دون خطأ منها، فتعتقد أن الشرع قد ظلمها بينما الذي غبنها هو بعض المتسرعين الذين تحكمهم الأنانية المفرطة.
فالزواج قرار عظيم يعني تكوين أسرة صالحة، واستقرار أطفال ضعفاء، وإحصان امرأة بريئة ظلت طيلة سنوات تحلم بفارس الأحلام، وليس الزواج (
عسفا للدين وتفسيرا للفتاوى حسب الأهواء)، لأنه إيجاب وقبول من الطرفين وليس غدرا مبيتا، لذا كان الطلاق أبغض الحلال إلى الله تعالى.
و(
إعلان الزواج) أمر في غاية الأهمية إلى حد وجوب حضور شاهدين عدلين مع ولي الزوجة، وليس مجرد تعارف عابر بين ذكر وأنثى وورقة صفراء قد تحوي حكما بالإعدام لطرف ضعيف دون علمه، وإلا لما استحب الإسلام إلى (
درجة التشجيع): الطرب المباح بالدف المسموع الذي يعلن الفرحة لل
محيطين، رغم كرهه للغناء في المواضع الأخرى لأنه أحد مداخل الشيطان.
فلطفا بالنساء أيها الرجال في (
كل مكان وزمان)، وحاشاكم من (
التلاعب بعواطفهن) - التي فطرت على الرقة والجيشان - تحت أية حجة واهية أو وعد كاذب، فتحتضن المرأة بأسبابكم جرحها الدائم سواء باسم (
الحلال أو الحرام)، لأن الأيام دول والعدالة الإلهية سباقة.