تزوجوا الأدب.. فعاشوا عزابا للأبد .. لمحة وفاء ؟! عازب ارتبط بالكتب فتزوج الفكر : علماء.. كتاب، مشاهير، وفنانون عزوبيتهم الأبدية مثيرة للجدل؛ لذا قررنا الخوض في حياتهم بحثا عن إجابة لسؤال لماذا أصبحوا عزابا؟ أشهر هؤلاء العزاب في العصر الحديث هو العقاد تزوج الفكر والأدب والفلسفة وأنجب أكثر من 85 كتابا في الفكر والإسلاميات والأدب. على الرغم من عزوبيته فإن علاقته بالمرأة لم تنقطع، والشخصيات النسائية لم تكن سرا في حياته فهو نفسه كشف عنها، مثل الأديبة اللبنانية مي زيادة، أحب فيها رؤيتها العقلانية. وهو على العكس عشق في "سارة" التي كتب رواية باسمها، الأنوثة والجمال، المرأة.
لكن هل استطاع العقاد أن ينسى سارة؟. دموع العقاد يحكي صديقه الدكتور عبد الفتاح الريدي: لاحظت أن العقاد في آخر أيامه كان يحن إلى هذا الحب، وفي إحدى ندوات الجمعة المسائية قرأ عليه أحدنا قصيدة في سارة من ديوانه، فما كان من العقاد إلا أن قام والدموع تنهمر من عينيه وغادر الجلسة. عباس العقاد وفي حديث له مع باحثة أمريكية جاءت إلى القاهرة لتعد معه رسالة بعنوان "العقاد الفيلسوف" سألته: لقد عجبت عندما سمعت أنك تكره المرأة بالرغم من أنك تعاملني معاملة في غاية الرقة فهل هذا صحيح؟ فقال العقاد: إن الذين قالوا لك هذا خدعوك فغير صحيح أنني أكره المرأة. فقالت له: إذن ما هي الحقيقة؟
فقال: الحقيقة أنني أفهم طبيعة المرأة جيدا، أفهم نفسيتها، ولي رأى فيها. فسألته: إذن لماذا لم تتزوج؟ فقال: لأني لم أجد الزوجة المناسبة جيدا.. أو لأنني لم أجد التبادل العاطفي بين روحي وبين من أحببت، ولقد أحببت في سن مبكرة، الرابعة عشره، وكان حبا صبيانيا فقالت له: يبدو أن الحب كان دائما عندك من طرف واحد، فضحك العقاد وهو يردد بيت بن الملوح: جننا بليلى وهي جنت بغيرنا .. وأخرى بنا مجنونة لا نريدها الفيلسوف العازب..!!! عبد الرحمن بدوي، أو الفيلسوف، بدأ حياته الفكرية معتنقا للفلسفة الوجودية التي تودي بصاحبها إلى مهالك الإلحاد، هو صاحب الزمان الوجودي ألّف أكثر من 150 كتابا في
الفكر والفلسفة، أيد بدوي ثورة يوليو في بداياتها لكنه استدار على عقبيه بعد أن أدرك حال الديمقراطية على يديها وقال: "ثورة يوليو هي بداية الكوارث التي لحقت بمصر سياسيا واجتماعيا وثقافيا، شوهت ملامح الإنسان المصري عندما فتحت الأبواب للانتهازيين والأفاقين". طغى على الفيلسوف، المولود في 4 فبراير 1917 في قرية شرباص بمحافظة دمياط والمتوفى في 25-7-2002، هدفه العلمي فأنساه نفسه أو تجاهلها، فبهتت صورة المرأة بل واختفت تماما، حتى هوى الشباب وسنوات الجامعة لا نجد لها أثرا، كان بدوي الحصان البري الذي لم ينجح أحدا في استئناسه. أحد أعدائه د. فؤاد زكريا يقول عن علاقته
بالمرأة: "المؤكد أن هناك مشكلة ما في حياة هذا الرجل الخاصة، ولعلك تلاحظ أنه في كتاب سيرة حياتي تكلم كثيرا عن أبيه ولم يتحدث عن أمه نهائيا وكأنها لم تكن موجودة، ولعلك تستطيع أن تفسر ذلك فوريديا لتكشف أن بدوي كان يعانى من مشكلة نفسية أو جنسية، ولِمَ لا؟". أما د. ثروت بدوي أخو الفيلسوف فيقول: كان والدي ووالدتي من الحريصين على أن يتزوج شقيقي الدكتور عبد الرحمن بدوي فور تخرجه في الجامعة لكنه قرر لنفسه طريق العزوبية إلى الأبد؛ لأنه أدرك أن تكوين بيت وأسرة وأولاد سيأتي حتما على حساب البحث العلمي والاستغراق فيه، وعلى الرغم من ذلك كانت والدتي تنتظر أن يعلن
موافقته على الزواج ليدور البحث عن عروسة تليق به. هل ندم على عدم الزواج؟ في الخمسينيات والستينيات كنا نشعر ببعض الندم، لكن للإنصاف لم يحدث في يوم من الأيام أن اتخذ خطوات إيجابية في هذا الطريق. مجمل القول في حياة بدوي ما جاء في حواره مع الشاعر فاروق جويدة في باريس "لقد تزوجت المعرفة، ولو أنني تزوجت ما كنت كتبت كل هذه الكتب". حمدان.. الراهب : جمال حمدان إبريل أقسى الشهور.. هكذا بدأ الشاعر الانجليزي ت.س إليوت قصيدته الشهيرة "الأرض الخراب"، وهكذا أيضا يرسم لنا هذا الشهر الكئيب العاصف أكثر الصور قسوة وعبثية؛ ففي 17 إبريل عام 1993 رحل العبقري
جمال حمدان صاحب موسوعة شخصية مصر إثر حادث اشتعال أنبوبة بوتاجاز في شقته، اختلفت آراء المفسرين لهذا الحادث، ولكن أصابع الاتهام أشارت إلى الموساد الإسرائيلي في تنفيذ العملية؛ فالرجل كتب كثيرا عن اليهود وفضح أكاذيبهم، أهم أعماله اختفت إثر الحادث وهي موسوعة العالم الإسلامي المعاصر والتي كان بصدد إرسالها إلى المطبعة يقال إنها السبب في حادث اغتياله وقت اختفت هذه الموسوعة ولا يعرف أحد حتى الآن أين ذهبت. كان حمدان أستاذا مرموقا للجغرافيا السياسية بكلية الآداب جامعة القاهرة، لكنه اعتزل الحياة الجامعية عام 1963 وتفرغ للعلم بين جدران منزله ولم يتزوج.
المدهش أن حمدان ذلك الرجل الذي كان يحمل ملامح صارمة وشخصية تفتقد اللباقة الاجتماعية وله سلوك كحد السيف، كان في غاية الرومانسية، ويحكي أصدقاؤه والمقربون عن تلك الفتاة الشقراء التي أحبها في أثناء بعثة الدكتوراة في جامعة ريدنج بإنجلترا، وانتهى هذا الحب بالفشل لأسباب غامضة. ولكنه ظل مخلصا لها طيلة حياته، محتفظا بصورتها التي لم تلتهمها ألسنة نيران أنبوبة البوتاجاز، وكأنها أرادت أن تصالحه فتركت له صورتها بعيدة عن ألسنة اللهب. لحمدان علاقة أخرى بإحدى زميلاته التي ارتبطت معه بعلاقة عاطفية كانت معروفة للجميع، ولكنها تخلت عنه إثر اصطدامه بالفساد الإداري بالكلية -آنذاك- حيث تمت ترقيته إلى أستاذ بقسم الجغرافيا في قرار واحد مع زميل له اعتاد أن يسرق مؤلفات د. حمدان ويقوم بتدريسها لطلبة الجغرافيا بالسودان.
انتهت هذه الأزمة باستقالة حمدان، تخلت عنه زميلته إبان هذه الأزمة وأخبرته أنها في انتظار ترقية وتخشى أن تؤثر علاقتهما على مستقبلها الوظيفي. لتنتهي حياة حمدان بالعزوبية الأبدية بعد هذه العلاقة. شاعر حضاري خليل حاوي الشاعر اللبناني، من أعظم رواد القصيدة العربية الحديثة، يبرز نتاجه الشعري علامة مضيئة في خريطة الشعر العربي من دواوينه "نهر الرماد، والناي والرياح، وبيادر الجوع، والرعد الرجيح، ومن جحيم الكوميديا عام 1979، يمكن اعتباره الشاعر الحضاري في تاريخنا الثقافي والإبداعي الحديث. ولد حاوي بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى مطلع 1919 في الشوير إحدى قرى لبنان،
وانتحر في 6 يونيو في الذكرى الخامسة عشرة للنكبة العربية، احتجاجا على زمن الهزائم العربية. عاش حاوي حياته عازبا وعلاقته بالمرأة تتلخص في "ديزي الأمير" الكاتبة القصصية العراقية، ارتبطت ديزي بعلاقة خطوبة مع الشاعر النزق وقد كادت هذه العلاقة أن تودي بالاثنين إلى الزواج الفعلي، لكنه لم يتم لأسباب بدت آنذاك غامضة. ورغم أن كثيرين حاولوا معرفة الأسباب والبحث في كنه العلاقة بين القاصة الخجولة والشاعر النزق فإن المحاولات فشلت في تقديم ما يمكن أن يتجاوز مستوى الإشاعات. ولأنه انتحر بعد انفصاله عنها افترض الجميع أنه انتحر لهذا السبب، لكنها وحدها من تعرف "السبب الحقيقي"
الذي لا يزال غامضا. عبد الحميد الديب، ابن قرية كمشيش بالمنوفية كان شاعرا مطبوعا وصف بأنه مثل الشعراء الصعاليك الذين كانت لهم شهرة واسعة في مقاومتهم الفقر بالشعر. يقول في قصيدة يصور فيها عدم قدرته على دفع إيجار سكنه: لعنت كراء البيت كم ذا أهنتني.. وأذللت نفسي بيد كل رحاب ألا سكن ملكي ولو بجهنم.. فما ظفرت نفسي برد جواب عاش الديب حياته صعلوكا متمردا لم يتزوج، وعلاقته بالمرأة تنحصر في امرأة يهودية لعوب أذاقته من الطعام والشراب ما هو محروم منه حتى أدمن كل ذلك وحتى أدمنها وحتى طوعته حتى صار مساعدا لها على ترويج المخدرات ومن حصيلة ما يبيع تعطيه، بل
كانت تجود عليه بالقليل من النقود واستمر على هذا الحال حتى دخل مستشفى الخانكة للعلاج من الإدمان. مات الديب تاركا وراءه لمن عرفهم وعرفوه قوله: قد عشت فيكم بلا أهل ولا وطن، وليس لي حبيب في ربوعكم إلا حبيبين قلمي وأوراقي". معشوقة الأندلس الدكتور الطاهر مكي أحد العُزاب المعاصرين. تخرج في كلية دار العلوم عام 1952 ثم سافر إلى مدريد لدراسة اللغة الأسبانية عام 1957، وحصل على الدكتوراة في الأدب الأندلسي وتاريخه، ثم عين أستاذا للحضارة العربية بجامعة كولومبيا بأمريكا والجزويت في يوجونا، بعد العودة إلى مصر عمل بكلية دار العلوم وأصدر عشرات الكتب وحصل على
جائزة الدولة التقديرية عام 1992. إبان رحلة الدراسة في أسبانيا نسج القدر في حياة مكي قصة رومانسية جميلة أقعدته عن الزواج، حيث التقى بفتاة أسبانية أحبته ووقفت بجانبه، وكم هو صعب أن تجد في الغربة من يحنو عليك، سألت الدكتور مكي عن هذه القصة ولماذا لم يتزوج إلى الآن؟ يقول: "في أسبانيا التقيت فتاة مسيحية، لكن أهلها رفضوا زواجها مني، فاعتزلت الحياة لتصبح راهبة في الكنيسة، أما أنا وكنوع من الوفاء لهذا الحب فلم أستطع بعد عودتي من أسبانيا أن أقيم علاقة مع امرأة أخرى، وفضلت أن أظل على الوفاء لهذه الراهبة طيلة حياتي، ولست نادما على عدم الزواج، رغم متاعب الوحدة خاصة في خريف العمر
منقول