العيدية فرحة الصغار وغرامة الكبار ، العيدية حول العالم ، تسمية العيدية في البلدان
العيدية فرحة الصغار وغرامة الكبار ، العيدية حول العالم ، تسمية العيدية في البلدان
العيدية من أجمل مظاهر العيد التي يفرح بها الأطفال ويضعون توقعاتهم لحجم ما سيحصلون عليه ويخططون لإنفاقها قبل العيد بأيام, هذه المنحة القيمة من الأيادي الدافئة هي نوع من مشاركة الكبار لفرحة صغارهم بحلول العيد وتجسيد مادي للحب, وهي غالبًا ما تكون مبلغًا من المال.العيدية كلمة عربية منسوبة إلى العيد بمعنى العطاء أو العطف, وترجع هذه العادة إلى عصر المماليك, فكان السلطان المملوكي يصرف راتبًا بمناسبة العيد للأتباع من الجنود والأمراء ومَن يعملون معه؛ وكان اسمها "الجامكية" وتم تحريفها إلى كلمة العيدية.
وتتفاوت قيمة العيدية تبعًا للراتب, فكانت تقدم للبعض على شكل طبق مملوء بالدنانير الذهبية, وآخرون تقدم لهم دنانير من الفضة, إلى جانب الدنانير كانت تقدم المأكولات الفاخرة.
وفي العصر العثماني أخذت العيدية أشكالاً أخرى فكانت تقدم نقودًا وهدايا للأطفال, واستمر هذا التقليد إلى العصر الحديث.
أشكال متعددة
ويختلف شكل العيدية من بلدٍ لآخر ومن قطر لآخر, ففي سوريا يطلق على العيدية اسم "الخرجية" ويعطيها الآباء والأمهات والأقارب للأطفال أثناء زيارتهم لبيوت الأقارب في أيام العيد, وفي المملكة العربية السعودية يتم تخصيص يومين من أيام العيد للعيدية بحيث يكون هناك يوم للبنين, وآخر للبنات, يعرفان بأيام الطلبة؛ حيث يقوم فيها الأطفال بطرق الأبواب والطلب من أصحاب المنازل في البلدة إعطاءهم العيدية، كلٌّ حسب ما يجود به وقدر استطاعته، فمنهم مَن يُقدِّم الحلوى أو حب القريض, أو حب القمح المحموس.
أما في الكويت فيقوم الأطفال في يوم العيد بالمرور على البيوت لأخذ العيدية، التي كثيرًا ما تكون من "القرقيعان" وهو عبارة عن خليط من المكسرات والزبيب يعطيه أصحاب البيوت.
وفي السودان يقوم الآباء والأقارب بإعطاء الأطفال قطعًا نقديةً معدنيةً تخصص بالكامل من أجل أن يشتري الأطفال ما يحبون من الألعاب.
وفي عمان يتم تبادل الزيارات بين أفراد المجتمع والأسر من قرية إلى قرية ويتجمع الأطفال والنساء بمكان يسمى "القلة" أو العيود, وهذه عبارة عن حلقة يتم فيها تبادل التهاني وإعطاء الأطفال العيدية, وكالعادة يعد أصحاب البيوت كمية من الهدايا خِصِّيصَى للأطفال الذين يأتون لتهنئتهم وزيارتهم.
ومن الأقطار العربية إلى البلاد الإسلامية التي كانت تقع في الماضي ضمن الاتحاد السوفيتي السابق؛ ففي طاجيكستان ينظم الأطفال زيارات في يوم العيد؛ حيث يسيرون جماعات صغيرة وبيد كل واحد منهم كيس صغير لجمع العيدية والهدايا, ويقفون عند أبواب المنازل وينشدون بصوت واحد هذا النشيد المسجع "عيد نو مبارك تخمها قتارك"، أي: يا صاحب البيت عيدك مبارك فأخرج لنا عيديتنا.
وعندما يسمع أهل المنزل مجيء الأطفال المهنئين يخرجون إليهم حاملين الهدايا والنقود "العيدية" ليوزعوها عليهم.
أهمية العيدية وحول أهمية العيدية بالنسبة للصغار يرى معاذ محمد -11 عامًا- أن العيدية شيء مهم جدًّا، ويصفها بأنها أهم حدث في السنة كلها لأنها على حد تعبيره: الفلوس الحقيقية التي يتحصل عليها طوال العام, ويؤكد معاذ أنه يحرص جدًّا على التفكير 100 مرة في الطريقة التي سوف يستثمر بها العيدية بشرط أن يستثمرها في أمر لا يمكن له أن يفعله إلا بماله الخاص، فيقول: لا أحب أن أصرف العيدية في الذهاب للملاهي مثلاً؛ لأن أبي من الممكن أن يأخذني للملاهي ويدفع هو, ولا أحب أن أشتري بها ملابس لأن أبي سوف يشتري لي الملابس عاجلاً أم أجلاً, ولكني أفضِّل أن أشتري بها شيئًا أحبه, وغالبًا ما يكون هذا الشيء غاليًا فيساعدني أبي وأمي وأكمل ثمنه. وعن الأشياء التي يفضل معاذ شراءها بالعيدية قال: الألعاب هي أهم شيء بالطبع.
أما يوسف صلاح -9 سنوات- فيرى أن العيدية هي أجمل ما في العيد، ويؤكد حرصه في العيد على زيارة أكبر قدر ممكن من الأقارب من أجل جمع أكبر قدر من العيدية, ويشير يوسف إلى أنه يحب الأوراق النقدية ذات الفئات الكبيرة؛ لأنها هي التي تشتري الألعاب الغالية التي يحب أن يشتريها أما أخوه الصغير -4 سنوات- فيفضل العملات المعدنية لأنه يلعب بها ولها ألوان براقة.
ورق أم معدن ؟
أما محمود صلاح -15 عامًا- فيصف العيدية بأنها الحدث الأهم في العام؛ لأن ميزانية العام كله يتم "تظبيطها" على أساس العيدية. ويؤكد محمود أنه يمضي كثيرًا من الوقت قبل العيد في حساب العيدية المتوقعة هذا العام؛ حيث يقوم بكتابة أسماء كل الأقارب في ورقة كبيرة ويضع المبلغ المتوقع من كل واحد ثم يقوم بتجميعه, ويقول محمود: في كل مرة تزيد الحصيلة عن توقعاتي؛ لأنه غالبًا ما يزورنا صديق لأبي أو صديقة لوالدتي وتعطيني عيدية لم تكن في توقعاتي.
ويؤكد محمود أن استثمار العيدية هو مشروع كبير يخطط له بمنتهى الحرص, ولكن هذا التخطيط غالبًا ما ينتهي بصرف العيدية في فسحة مع أصدقائه آخر أيام العيد أو بعد العيد.
لذة الأخذ والعطاء
أما أحمد سالم -22 عامًا- فيروي ذكرياته مع العيدية قائلاً: كنت أدخر كل عيديتي في عيد الفطر لأذهب بها إلى معرض الكتاب لأني أحب القراءة جدًّا, وأتذكر جيدًا أن أول مبلغ جمعته من أجل هذه المهمة كان 25 جنيهًا اشتريت بها كمية كبيرة جدًّا من القصص والكتب وبعض الألعاب البسيطة من المعرض, أما عيدية عيد الأضحى فكنت أدخرها من أجل شراء هدية لأمي في عيد الأم.
ويضيف أحمد: لا أتلقى عيدية منذ عدة سنوات إلا أن الوضع انقلب الآن فأنا أعطي أولاد إخوتي الآن العيدية، والتي تكون غالبًا مبالغ صغيرة؛ لأنني ما زلت خريجًا جديدًا ومرتبي لا يرقى لأن أعطيهم عيديات كبيرة، إلا أنني أشعر بلذة مضاعفة عن تلك التي كنت أشعر بها وأنا طفل وآخذ العيدية من أقاربي الكبار في السن.
سعاد فتحي -20 عامًا- تؤكد أنها لا تزال حتى الآن تشعر بلذة غريبة وهي تأخذ العيدية من أبيها أو أخيها الأكبر بالرغم من أن العيدية رمزية ولا تتعدى كونها ورقةً جديدةً من فئة الخمسة جنيهات إلا أنها ترى أن هذا يرجعها إلى ذكريات الطفولة, وتقول سعاد: أبي عندما ذهب هذه الأيام ليغير العملات من أجل العيدية لم يجد عملات ورقية جديدة في البنك، فغيَّر النقود بعملات معدنية من فئة الجنيه, ولهذا فقد قررت أن أصدر أمرًا لكل مَن يقومون بإعطائي العيدية إلى أن يحولوها إلى عملاتٍ معدنية من فئة الجنيه، واشتريتُ كيسًا من القماش المنقوش قررت أن أجمع فيه كل مبالغ العيدية هذا العام حتى أحصل في نهاية العيد على (صرة من الدنانير).
ترتيب العيدية
في المقابل فإن الآباء يحسبون للعيدية حسابًا خاصًّا لأنها تعد ميزانية إضافية على ميزانية الملابس ومتطلبات العيد الأخرى, وهو ما عبَّر عنه أحمد علي بأنه يجهز للعيدية قبلها بفترة بدءًا من ادخار جزءٍ من المال كل شهرٍ لتوفير ميزانية العيدية ثم البحث عن أموال جديدة وقبل دخول العيد مباشرةً يحسب عدد الأفراد الذين سيكون لهم شرف العيدية، والذين حددهم أحمد في أبنائه وأبناء إخوته وأخواته ووالدته وزوجته وأخواته البنات، مع إضافات بسيطة قد تكون أبناء أشقاء زوجته.
ويضيف أحمد إنه يفضل ألا يتم فتح موضوع العيدية على البحري؛ نظرًا لضيق ذات اليد عند معظم الأسر, وبالتالي فإن التوسع في العيديات سوف يثقل كاهله أكثر مما هو عليه.
تحذير
الخبراء من جهتهم يرون أن للعيدية قيمة اجتماعية مهمة جدًّا, وخاصةً بالنسبة للأطفال فهي كما يقول الخبير النفسي د. محمود عبد الرحمن حمودة الأستاذ بجامعة الأزهر والحاصل على جائزة الدولة التقديرية: إن العيدية تنمي قدرة الطفل على التصرف وأخذ القرارات فيما يمتلك من نقود وتدربه في المستقبل على كيفية التصرف في أمواله والتخطيط السليم لصرف نقوده.
ويرى أن تشجيع الطفل على التصرف السليم في عيديته يعطيه ثقة بنفسه, إلا أنه عاد وقال: إن على الآباء عدم انتقاد أطفالهم صراحةً في طريقة صرفهم للعيدية واتهامهم بالإسراف والتبذير؛ لأن هذا يفسد سعادتهم بها, ونصح الدكتور عبد الرحمن الآباء بضرورة نصح الأطفال بلطفٍ في هذا الأمر بالذات حتى تتكون لدى الطفل شخصية قوية مستقلة تتعلم كيف تصرف أمورها بنفسها مع الوقت, ولم يمانع الدكتور عبد الرحمن من أن يكون للأهل دور في مشاركة أطفالهم في التخطيط لإنفاق العيدية بشرط أن يكون القرار الأخير للطفل حتى يحقق رغباته.
وحول أثر العيدية على نفسية الطفل يقول الدكتور عبد الرحمن: العيدية تشعر الصغير باهتمام الكبار ورعايتهم فيزيد إحساسه بالأمان وهو شيء ضروري لصحته النفسية. أما بالنسبة لفائدة العيدية للكبار فيقول: إن العيدية لها فائدة أيضًا للكبار فهي تخرجهم من انشغالهم بذاتهم إلى الانشغال بسعادة الصغار, وبذلك يكتشف الشخص أن السعادة الحقيقية تكمن في إسعاد الآخرين وبهذا تكتمل صحته النفسية.
غياب القيمة
وترى الدكتورة ثريا عبد الخالق أستاذ ورئيس قسم علم الاجتماع بكلية الآداب جامعة المنوفية أن للعيدية أثرين مهمين؛ الأول أثر مادي والآخر معنوي, مشيرةً إلى أن الأثر المادي للعيدية اندثر, وذلك بسبب غلاء المعيشة, وتدني قيمة الجنيه المصري, أما عن الأثر المعنوي فترى أنه قد قلَّ كثيرًا عما كان عليه في الماضي, وهو أثر طبيعي متواكب مع اندثار العديد من مظاهر العيد وفرحته.
وتصل الدكتورة ثريا في تحليلها إلى درجة أن العيدية قد اختفت نوعًا ما عن الماضي وأصبح الأب فقط وعدد محدود جدًّا من الأقارب هم مَن يقدمون العيدية للطفل، على عكس الماضي عندما كان الطفل يأخذ العيدية من عشرة أشخاص على الأقل سواء أقارب له أو من أصدقاء والده.
وربطت الدكتورة ثريا بين هذه الظاهرة وظاهرة اختفاء العديد من مظاهر العيد كشراء الملابس الجديدة وعمل الكعك والبسكويت.
وتشير الدكتورة ثريا إلى أنه لو ظلَّ الوضع الاقتصادي والاجتماعي على ما هو عليه فلن يكون العيد بضعة أعوام سوى يوم لا يختلف كثيرًا عن أية عطلة رسمية أخرى كالاحتفال بانتصارات أكتوبر، وعندها سيكون ما يميز العيد أنه مناسبة دينية, أما انتصارات أكتوبر فهي مناسبة وطنية.