كشفت عملية التصويت في الانتخابات البرلمانية، عزوف الكثير من المواطنين عن المشاركة فى العمل السياسي، بعدما أظهرت نسب المشاركة لليوم الأول أرقامًا تكاد تكون محبطة، مصحوبة بمؤشرات تفيد استمرار ضعف الإقبال، رغم الخطاب السابق للرئيس عبد الفتاح السيسي -والذي حث فيه المواطنين على ضرورة المشاركة في الانتخابات -، والذي تعرضه الفضائيات بشكل مكثف على مدار اليوم، ورغم حالة الحث والمناشدة المستمرة من جانب الإعلاميين في مختلف هذه القنوات، إلا أن هذا كله ظل دون جدوى.
وفي هذا الإطار نعرض أبرز الأسباب التي ساهمت في عزوف المواطنين عن التصويت في الانتخابات البرلمانية..
أولًا: الأداء الإعلامي
تسبب الأداء الإعلامي لأغلب الإعلاميين على مدار الشهور الماضية، في بث نوعًا من الشك وفقدان الثقة مصحوبة بالريبة والتفتيش في النوايا تجاه كافة المشاركين في العمل السياسي، والذي وصل إلى حد التخوين والطعن في وطنية البعض إذا أبدى مجرد رأي مخالف تجاه قضية أو أمر بعينه، وهو ما ساهم في مسألة العزوف التام من جانب المواطن عن أي عمل سياسي.
ثانيًا: التأجيل المتكرر للانتخابات
حالة الارتباك التي ارتبطت بتحديد موعد إجراء العملية الانتخابية والتأجيل المتكرر لها أكثر من مرة، بعد أن كان من المفترض أن يتم إجراؤها بنهاية العام الماضي، خلقت حالة من الإحباط لدى المرشحين أنفسهم قبل الناخبين في جدية انعقاد الانتخابات، الأمر الذي سبب نوعًا من البلادة في نظرة المواطنين تجاه جدوى العملية الانتخابية برمتها.
ثالثًا: عدم الدراية بالمرشحين
نتيجة التأخر فى تحديد موعد إجراء الانتخابات وفتح باب الترشح لمرتين صاحبهم دخول مرشحين وخروج آخرين، اختلفت خريطة المرشحين مع دخول البعض وخروج آخرين، وظهور أسماء جديدة وكثيرة للغاية وابتعاد الوجوه المعروفة للشارع خلال الفترات الماضية، بجانب أن المال لعب دورًا في تغيير معالم الأسماء المرشحة بسبب ارتفاع تكلفة الكشف الطبي والتأمين والتي وصلت تقريبًا لـ10 آلاف جنيه.
رابعًا: قانون تقسيم الدوائر
أثارت أزمة قانون تقسيم الدوائر وملاحقات بطلان التقسيم قضائيًا، حالة من الملل لدى المواطن، بجانب وجود أصوات ناقدة للتقسيم في شكله الحالي، خاصة فيما يخص زيادة مساحة الدوائر حتى وإن زادت المقاعد فقلل ذلك من فرص الشباب والمرأة في القدرة على المنافسة، حيث أصبحت الفرصة أكثر لصالح المال السياسي ورموز النظام السابق، وبالتالى ابتعد الشباب عن الترشح وابتعد معهم ناخبوهم من الشباب أيضًا.
خامسًا: أزمة الثقة لدى المرشحين
أثارت أزمة الثقة في قدرة البرلمان على الاستمرار وتكهنات وتهديدات الحل، في عزوف الكثير من الأسماء ذات الثقل في دوائرها، وعدم الرغبة في المجازفة بالترشح لخوض السباق الانتخابي، في ظل النبرة التي تعالت على مدار الفترة الماضية للكثير من الخبراء والمحللين أن البرلمان سيكون بلا هوية واضحة ومصيره الحل.
سادسًا: البرلمان بالمعطل للرئيس
زادات وتيرة الحديث بل وفرضت المساحات ليلًا نهارًا في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمفروءة، للتأكيد بأن البرلمان المقبل في حالة انعقاده، سيكون معطلًا لخطط الرئيس في التنمية والبناء والمشاريع التي ينفذها لدفع باقتصاد البلاد، وأنه سيتدخل في كل التفاصيل من باب إثبات حضوره بشكل يضيع الوقت ويعطل مسيرة النهوض.
سابعًا: البرلمان مسرح الجدل
في غضون تبرير العديد من الخبراء السياسين، لتأجيل الانتخابات لأكثر من مرة بالإضافة إلى الضبابية الشديدة التي لزمت الحديث عن إمكانية إجرائها من الأساس، لجأ البعض إلى عملية التقليل من أهمية البرلمان، ووصفوه بأنه سيكون مجمعًا يضم أهل الجدل الذي لا ينتهي، حتى بدى وكأنه سيكون مجرد "مكلمة" لا قيمة له ولا تأثير، مما أعطى مؤشرًا سلبيًا للصورة الذهنية الخاطئة التي تشكلت في وعي ونظر الناخبين تجاه البرلمان.
ثامنًا: النوايا الحسنة والنفاق وتعديل الدستور
أحدثت دعوات بعض الإعلاميين بتعديل مواد الدستور قبل إجراء الانتخابات البرلمانية، عقب كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسي، التي ألقاها خلال فعاليات أسبوع شباب الجامعات والمعاهد المصرية العاشر بجامعة قناة السويس في الإسماعيلية، وقال فيها "إن الدستور كُتب بالكثير من النوايا الحسنة، والبلاد لا تبنى بالنوايا الحسنة"، حالة من الارتباك الشديد لدى المواطنين الذين تحسسوا النفاق والخوف في الدعوة، خاصة وأن هؤلاء الإعلاميين أنفسهم هم من أشادوا بالدستور في السابق ودعوا الناس للنزول بكثافة للتصويت بـ"نعم" على مواد الدستور، خاصة وأن تلك الدعوات صاحبها تشكيك في نوايا البرلمان الذي لم تكن ملامح مرشحيه قد ظهرت وقتها.
تاسعًا: بعبع الغرامات
الشروع في تخويف المواطنين وتهديدهم في حالة عدم المشاركة، بفرض غرامة تصل إلى 500 جنيه، والتي تتخذ كإجراء صار روتينيًا قبل كل عملية انتخابية، ترتب عنه رد فعل عكسي لدى المواطن الذي قابل هذا الإجراء بـ"العند".
عاشرًا: فتاوى الإثم
أصدرت دار الإفتاء المصرية، فتوى جديدة أكدت خلالها أن "المتخلف عن التصويت في الانتخابات آثم شرعا"، سبق بها الدكتور أحمد عمر هاشم، لتجريم العزوف عن الانتخاب بسند شرعي، فتوى "إثم عدم الانتخاب" وما هي إلا تطور طبيعي للعقوبة المالية، ليصبح المتخلف عن التصويت مزدوج العقاب "دنيوي في الغرامة، وأخروي في الإثم"، مما ولد نوعًا من الشعور بخلط الدين بالسياسة.
الحادي عشر: الدعاية المستفزة للمشاركة
ساهمت الدعاية الخاصة بحث المواطنين على المشاركة في العملية الانتخابية، في استفزاز الكثيرين، خاصة في الإعلان الرسمى الذي أذاعته كل القنوات، بعدما ربطت المشاركة بالشرف، حيث اختتم الإعلان الترويجي بشعار أثار غضب الكثيرين وهو "صوتك هو عرضك".
الثانى عشر: عزوف الشباب
واصل الشباب عزوفه عن المشاركة فى العملية الانتخابية، نتيجة شعوره بالتهميش وغياب دوره وتأثيره في العملية السياسية بشكل عام، على الرغم من تأكيد الرئيس عبد الفتاج السيسى في أكثر من مناسبة بأهمية دور الشباب وأنهم هم مستقبل البلاد، خاصة وأنهم يشكلون ما يقرب من 60% من الشعب المصري، الأمر الذي ولد فجوة واضحة وكبيرة، في ظل اهتمام الفئات العمرية الأخرى بالانتخابات البرلمانية.
المصدر