أو

الدخول بواسطة حسابك بمواقع التواصل

#1

14 صفعة السعادة

صفعة السعادة

يوم وُلد طفلنا الأوّل، كنتُ سعيداً إلى الحدّ الذي اشتريت فيه لزوجتي سيارة جديدة. وأذكر أنّ هندية، وهذا هو اسمها، شكرتني وهي تبكي ثمّ قالت: "سامحني". وقد فهمت ما تقصد من دون الحاجة إلى تفاصيل وشُروحات. أليسَت هي التي رفضت الاقتران بي وهددت بالانتحار وقالت لأبيها: "لن أتزوج أستاذي العجوز ولو ذبحتني"؟
طبعاً، أجبرها أبوها على الزواج من دون أن يذبحها. ولم أكن أعرف شيئاً عن المعارك التي دارت وراء جدران بيتهم، لكن هندية رَوَت لي كل شيء، في ما بعد، أي بعد أن إستراحت لي ولم تعُد تُصاب بطفح جلدي غريب كلما لمستها. والحقيقة، هي أنني كنتُ أستاذها في كلية الآداب، وكانت هي طالبة في السنة الثانية، حين لفتت انتباهي بذكائها وجَمالها الخاصّيْن وسمرتها الجذابة المتوهّجة بدماء الشباب الحار. هل سموها هندية لهذا السبب؟ والحقيقة الثانية، هي أنني لم أكن عجوزاً، بل أقترب من الأربعين، وخارجاً من زواج فاشل مع زميلة أجنبية درست معي في الجامعة، ولم يُثمر أطفالاً. وأظنّ أنّ هذا هو الذي دفع هندية إلى رفضي، عَدَا عن أنني كنت فقط لاحظت وجود حالة استلطاف بينها وبين أحد طلبة صفها. هل كان عليَّ أن أتراجع لأن مَن أعجبتني تحب شاباً لم ينبت له شاربان بعد ومن المستحيل أن يتقدم لخطبتها، بسبب ضيق ذات اليد، وسيُذيقها المُرّ عبر علاقة لا طائل من ورائها؟ هل تعيش المرأة بأشعار ركيكة مكتوبة على ورق مدرسي؟
لم تُحدّثني هندية عن ذلك الشاب، ولم أفاتحها في موضوعه. كان أتفه من أن أجعله من قضيتي. فقد كان عليَّ أن أخوض تحدّياً لكي أكسَب قلب زوجتي وأجعلها تقَبل بي وتفتح عقلها على صفاتي ومكانتي، وما يمكن أن أقدمه لها من امتيازات مادية، مادامت العاطفية تأتي تحصيلاً لحاصل. وأعترف بأنّها كانت قاسية وصلبة، لكنها لانَت تحت إلحاح حناني الذي حاصرها من كل جانب، وأنعشتها رجولتي التي تركزت عليها ووضعتها في عرش الملكة الذي لا يمكن أن تشغله غيرها. هل أقول إنها عاشت معي أحلى سنوات العمر؟ الذي أعرفه أنها أحبَّتني وأسعدتني وملأت بيتي بخمسة أبناء وبنات، كل منهم قمر من ذهب. لقد سامحتها من زمان على هفوة قلبها، قبل لقائنا، منذ ولادة ابننا البكر الذي سنحتفل، بعد أيام، بزواجه بحبيبة قلبه.
مازالت صفعة والدي ترنُّ في أذني بعد كل هذه السنوات. لقد كانت أوّل مرة يضربني فيها، كما كانت الأخيرة. وأنا لا أدري كيف رفع كفّه وهوَى بها على وجهي حين ارتفع صوت نحيبي وأنا أصرخ: "لن أتزوجه ولو ذبحتني.. لن أتزوج هذا العجوز الدميم". ولولا تلك الصفعة لَمَا كنت اليوم أرفل في ما أنا فيه من سعادة وغرام لا ينتهيان. نعم، لقد أغرمتُ بالعجوز الدميم، لأنّه لم يكن عجوزاً ولا دميماً. كل ما هنالك أنني كنتُ معجبة بزميل لي يكتب الشعر ويخصّني بقصائد الغزل. لهذا تصورت أنّ الأستاذ الذي تقدّم لخطبتي منشار غليظ جاء ليقطعني عن شجرة شبابي ويحنّطني في قبو مظلم لا أسمع فيه الشعر، بل سعال رجل مريض.




في الأيام الأولى لزواجي الذي أرغمت عليه، كانت بُقع قرمزيّة تتسلل إلى وجهي وذراعيَّ كلما مَسَّني زوجي. وقد أخافتني تلك الحالة وخشيت أن تترك أثرها على جلدي إلى الأبد، على الرغم من بشرتي الداكنة التي جعلت أبي يُسمّيني هندية. لكن زوجي صبر عليَّ صبراً جميلاً، وأخذني إلى الطبيبة، وأحاطني بدفئه وحنانه، وساعدني على اجتياز تلك المرحلة، من دون إجبار ولا تهديد. إنّ الحنان ساحر، لكن ما جذبني إلى زوجي لم يكن لطفه وحنوّه فحسب، بل تلك الثقافة الواسعة التي كانت تنعكس على تصرفاته وأقواله وعلاقاته مع الآخرين. إنّه يفهم الدنيا ويعرف كيف يتعامل معها. وقد شعرت بأنني جاهلة قياساً به، وهو صندوق العجائب الذي يُعلمني كل يوم جديداً.

وبثقافته الحياتية عرف كيف يحتويني، وكيف يتقرّب منّي، وكيف يُنسيني هفوة الأمس ويُظللني بفيء رجل مقتدر وشامخ ولا يعدله رجل آخر. لقد أحببته إلى الحد الذي شعرت فيه بالعرفان لتلك الصفعة القديمة، وصرت أغار عليه من نظرات النساء ومن نضارة طالباته الجديدات ومن النسمة التي تهبُّ على قامته البهيّة. وأعترف بأنه لم يَدع لي حجة للغيرة ولا للحسرة. لقد كان حبيباً من طراز رائع وأباً يحبه أبناؤه ويتعلقون به أكثر من تعلقهم بي. لقد كبرت معه وأصبحت لائقة به. أما هو فقد ظل، على الرغم من السنوات، جذاباً وأنيقاً ومُتجدّد الأفكار، وازداد أفقه الثقافي اتَّساعاً. كيف رآه خيالي السخيف دميماً وعجوزاً؟ ولأنني أعرف أنني كنت محظوظة به، عاهدتُ نفسي على أن أملأ بيته بالحب والسعادة والهدوء الذي يحتاج إليه في عمله وأبحاثه. وأرجو أن يكون قد سامحني على بدايتي الصعبة معه، وأن نستعد معاً لكي نصبح جدّين لطيفين.
منقول
صفعة السعادة




إظهار التوقيع
توقيع : وغارت الحوراء
#2

افتراضي رد: صفعة السعادة

يعطيكي العافيه
إظهار التوقيع
توقيع : ЙǑŏƒ
#3

افتراضي رد: صفعة السعادة

تسام ياقمر

إظهار التوقيع
توقيع : زاهرة الياياسمين
#4

افتراضي رد: صفعة السعادة

تسلمي يا قمر
إظهار التوقيع
توقيع : الزهر مكانش
#5

افتراضي رد: صفعة السعادة

قصه رائعه
الف شكر غاليتي

إظهار التوقيع
توقيع : صفاء الحياة
#6

افتراضي رد: صفعة السعادة

الله يعطيك العافية.
#7

افتراضي رد: صفعة السعادة

قصة رررووعة
ربي يرزقنا الحب الحلال

#8

افتراضي رد: صفعة السعادة

رد: صفعة السعادة
إظهار التوقيع
توقيع : حياه الروح 5


قد تكوني مهتمة بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى
طرق أكيدة للعثور على السعادة اماني 2011 العيادة النفسية والتنمية البشرية
السعادة والصحة .. ليست للبيع اماني 2011 منوعات x منوعات - مواضيع مختلفة
هذه أسباب السعادة انا دلوعة اوووى العيادة النفسية والتنمية البشرية
ما هي السعادة عرين منوعات x منوعات - مواضيع مختلفة
مفهوم السعادة وحقيقتها بنوتة زى العسل فتيات تحت العشرين


الساعة الآن 07:28 PM


جميع المشاركات تمثل وجهة نظر كاتبها وليس بالضرورة وجهة نظر الموقع


التسجيل بواسطة حسابك بمواقع التواصل