أو

الدخول بواسطة حسابك بمواقع التواصل

#1

12 سيرة بني هلال والإلياذة: اتفاق واختلاف,من هم بنى هلال و الإلياذة

سيرة بني هلال والإلياذة: اتفاق واختلاف,من هم بنى هلال و الإلياذة


السير العربية تروى نثرا وشعرا إلا سيرة بني هلال التي تروي شعراً وهي بذلك تلتقي مع ملاحم هوميروس.
د. أحمد شمس الدين الحجاجي


قد يكون هذا العنوان غريبا لمن لا يعرف السيرة الهلالية, أو من لا يعرف الإلياذة, ولا شك أن هناك اختلافاً كبير بينهما وهناك أيضا علاقات متشابهة وكثيرة, وحين نحاول تحديد العلاقات المتشابهة بينهما, يبرز سؤال واضح, من أين أتت هذه التشابهات؟ وهل هذه التشابهات نتيجة وحدة العقل الإنساني حين يخلق دراما تبني على الصراع بين أبطال لهم هدف واحد, هو مواجهة أعدائهم والإنتصار عليهم وإبراز نشوة النصر التي تمنح الخلود لأصحابها, أم أن هناك علاقات وثيقة بين النصين أدت إلى هذا التشابه؟

لكن الغريب أن أوجه الإختلاف تقرب بينهما إلى حد كبير, فهذا الخلاف يمثل التناقض بين الأشياء المتشابهة، أما الإختلاف الذي نسعي للتدليل عليه في هذا البحث فهو يجعلنا نتساءل, هل حدث اتصال واضح بين صناع الهلالية من الرواة وبين الإلياذة؟ إنه من الواضح أن أحداً من الأميين الذين رووا السيرة ليست له علاقة مباشرة بالإلياذة بأي شكل من الأشكال, غير أنه لو أمعنا النظر لجذور الثقافة المصرية لوجدنا أن هناك اتصالاً قويا.

لقد قامت الإسكندرية وجامعتها بدور كبير في دراسة الإلياذة وتقديمها وكانت قيادة الحكم في مصر الإغريقية تهتم بهذه الثقافة التي أصبحت جزءا مهما من ثقافة مصر في العالم القديم. لم تنقطع هذه الثقافة بدخول الرومان مصر, ولا أظن أن ملحمتي الإلياذة والأودسة قد توقفت معرفتها بين جمهور المثقفين والعامة, صحيح أن هذه الروايات قد تكسرت وأصبحت حكايات خرجت من الحكايات والأساطير اليونانية ودخلتها كثيرا من المعتقدات الشعبية الخاصة بالمسيحيين والمسلمين من العامة ومع الزمن بعدت هذه القصص عن أصلها وتداخلت مع أقاصيص العامة.

***-

ولكي نحدد أوجه التشابه, يحسن أن نتعرف على السيرة فهي في المصطلح النقدي "ترجمة حياة فرد" وفي التراث الشعبي "ترجمة حياة فرد أو حياة جماعة" والسيرة الهلالية تنقسم إلى أربعة أقسام, كل منها يمثل وحدة خاصة بها:

القسم الأول: وهو المواليد, وهذا الجزء يتحدث عن مولد أبطال السيرة ونموهم وتكونهم أبطالا حتى زواجهم, وتتجه فيه قبائل الهلالية بأحلافها لتصبح كلا موحداً يمكن تسميته التجمع الهلالي.

والقسم الثاني هو "الريادة": وفيه يخرج أبو زيد الهلالي مع أبناء أخته الثلاثة ليرودوا تونس, ويعرفوا أخبارها ومسالكها ونقط ضعفها وطرقها, ومعرفة قدرتهم على غزوها.

القسم الثالث هو "التغريبة": وهي هجرة التجمع الهلالي لغزو تونس ووقفتهم أمام أسوارها لمدة أربعة عشر عاماً.

والقسم الرابع هو فصل "الأيتام": ويتم بعد سقوط تونس وانقسام التجمع الهلالي وقيام الحروب بينهم.

والقسم الذي يمكن أن نقوم بدراسته لمعرفة بعض أوجه التشابه بين السيرة الهلالية وملحمة الإلياذة هو الجزء الخاص بـ "التغريبة".

مصطلح ملحمة أصلاً دخيل على مصطلح النقد العربي إذ أن المثقفين يسمون السير الشعبية ملاحم, بينما ليس لدينا ملاحم, فالملحمة جزء من كل, أو هي جزء من سيرة وعندنا أكثر من سيرة كاملة, وعند النظر إلى ملحمتي الإلياذة والأودسية نجد أن كلا منهما تمثل جزءاً من سيرة بني اليونان فهي متقطعة من كل, ولم تتقطع السيرة عندنا ليصبح كل جزء منها عملاً فنيا متكاملا, فهي مازالت مرتبطة ببعضها ارتباطا وثيقا, فالسيرة العربية إما إنها استمرت تروى كاملة مثل السيرة الهلالية أو انقطعت روايتها مثل كل السير الشعبية العربية. وجميع السير العربية تروى بالنثر المختلط بالشعر إلا سيرة بني هلال التي تروي شعراً، وهي بذلك تلتقي مع ملاحم هوميروس.

ويمكن أن نقف عند الإلياذة وعالمها والتغربية وعالمها لنرى أوجه التشابه بينهما, فالحدث في الإلياذة مبني على غضبة أخيل، وسبق هذه الغضبة وقفة تحدثت عنها الإلياذة دون تفصيل، وفي إشارات سريعة داخل النص، وهي أسباب تجمع الإغريق لحرب طروادة، وكانت هيلين الجميلة زوجة أمير أسبرطة منيلاوس هي سبب هذه الحرب, فقد ذهب الأمير باريس ابن الملك بريام ملك طروادة في مهمة إلى بلاد اليونان, وبدلا من أن يقوم بالمهمة اختطف أميرتهم هيلين الجميلة وذهب بها إلى طروادة مما حرك غضب ملوك اليونان وتجمعهم والخروج لغزو طروادة دفاعاً عن شرفهم الذي أساء إليه فرار هيلين الجميلة مع الأمير باريس.

وإذا كان غزو طروادة تم بسبب امراة، فإن سبب غزو تونس كان أيضا بسبب امراة هي عزيزة الجميلة. كانت عزيزة هي أجمل بنات تونس يتغني الرواة بجمالها ويشدون انتباه جمهورهم بهذا الوصف فهي الصورة الكاملة للمرأة الجميلة فقد أحبها والدها ورفض تزويجها ورويت قصص كثيرة عن حب هذا الاب لابنته, كانت تعيش في قصرها سجينة وجاريتها مي تخدمها, وكانت مي جارية في بيت سلطان بني هلال سرحان والد يونس الذي فاق جميع فتيان عصره جمالاً, أعطي السلطان مي هدية لشاعر جوال أخذها في سفراته وباعها في تونس لسلطانها "معبد" السلطان الذي أعطاها هدية لابنته, كانت مي تنظر إلى عزيزة وتقول لها إن هذا الجمال لا يصلح إلا لجمال يونس, وكانت تصف لها جمالها حتي وقعت في هواه على السماع.

كانت عزيزة تعلم أن رؤيتها ليونس من الأمور المستحيلة فإنه لن يأتي إلى تونس، وهي لن تذهب إلي موطنه "نجد" ولكنها لم تعدم الوسيلة, أرسلت رسالة إلى حاكم تونس السابق "جبر القريشي" الذي احتل والدها مكانه في انقلاب قاده "الزناتي خليفة", تدفعه في الرسالة للاستنجاد ببني هلال ليعيدوا له ملك تونس, فيذهب إلى نجد ويقابل أميرها السلطان "حسن بن سرحان" ويغريه بالذهاب إلى تونس المرية.
وتبدأ رحلة جديدة هي رحلة أبو زيد مع أبناء أخته الثلاثة ليرودوا الغرب ويقضي سبع سنوات في الرحلة يعود بعدها إلى نجد وحيدا فقد أخذت "عزيزة" وأقفلت عليه باب بيتها وتضاربت الأقوال حول أخويه "يحيي" و"مرعي".

خطفت "عزيزة" "يونس" فكانت بذلك مختلفة عن هيلين التي خطفها باريس, وما كان من "أبي زيد" إلا أن دفع قومه إلى الخروج إلى تونس للانتقام ممن أساءوا إليه وإلى أبناء أخته لتبدأ التغريبة.

وبداية التغريبة تلتقي مع بداية الإلياذة, فقد كانت البداية هي غضبة أخيل واعتزاله الحرب وعاني اليونانيون عشر سنوات في الحرب ليتدخل أخيل تدخلا حاسما في آخر هذه السنوات, وغاب أيضا دياب بطل التجمع الهلالي واعتزل الحرب, كانت غضبته بسبب محاولة تهميشه, ونصحت الجاز المرأة التي لعبت دورا مهما في السيرة الهلالية أن يبقوه بعيدا عن المعركة إلى أن تأتي اللحظة المناسبة التي كتب فيها "القدر" أن يكون هو قاتل "الزناتي خليفة"، ومنهيا معركة تونس.

لقد أراد "أبو زيد" أن يرتب حركة الجيش الهلالي المتجه إلى تونس فجعل "ديابا" قائداً للمسيرة مع رجاله, ولكن السلطان "حسن" رفض ذلك حيث أنه يرى أنه أحق بذلك فهو السلطان, حاول "أبو زيد" أن يجعله يدرك أن المقدمة تتحمل الأعباء القاسية الأولى وليجعل "ديابا" المتحمل للمسئولية. لم يقتنع السلطان "حسن" فتأخر موقع "دياب" حتي وصلوا إلى وادي غلامس غرب ليبيا وطلبوا منه أن يمكث فيه ليحمي ثروات الهلالية من الإبل والأغنام, فمكث دياب غاضبا وقد قرر ألا يشترك معهم في حرب تونس.

ذهب الهلالية إلى تونس ليواجهوا "الزناتي خليفة", طالت المعركة فقد كان "الزناتي خليفة" بطلا لا يقاوم, قتل أبطالا كثيرين من أبطال بني هلال, استمرت المعركة أربعة عشر عاما والبطل العجوز "الزناتي خليفة "صامد لا يقهر, وتدخلت قوة كونية جديدة مرتبطة بالحلم وبقراءة تخت الرمل بأن نهاية الزناتي قد قربت, وأنها ستكون على يد "دياب", إنهم يعلمون ذلك ولكن بدا أن الوقت قد حان لينفذ "القدر" وعليهم أن يعيدوا "دياباً" إلى المعركة ليضع نهاية للحرب وينقذهم من "الزناتي خليفة", وكما أرسلت الرسل إلى أخيل ليعود إلى الحرب أرسلت الرسل إلى دياب، وكما رفض أخيل العودة إلى الحرب رفض "دياب".

وكان أهم رسول ذهب إلى "أخيل" ليجعله يعود إلى الحرب هو صديقه الحميم "بتروكلوس", طلب منه أن ينسي الإهانات التي لحقت به علي يد الإغريق فيرفض, غير أنه إعزاز منه له يسمح له أن يخرج علي رأس قوات "أخيل" ويعيره حلته العسكرية وأسلحته, فيخرج صديقه للحرب ويصيب الطرواديين بالفزع ويطاردهم حتى أسوار مدينتهم، ولكن الآلهة تقف ضده فـ "أبولو" يقف ضده ويصيبه أحد الآلهة من الخلف فيجهز عليه "هكتور" ويقتله, وتتغير مسيرة الحرب فنبأ مقتله يهز مشاعر "أخيل", إذ ليس هناك مفر من أن يخرج لينتقم لصديقه ويحارب الطرواديين وقائدهم "هكتور" ويتغير ميزان المعركة تماماً.

وحدث شيء شبيه بذلك في التغريبة, طبيعي ليس هناك آلهة لتتدخل، ولكن هناك عقول بشرية تفكر وتدبر وتتحرك, وصاحب العقل البشري القوي الذي لعب دورا قويا لا يقل عن دور آلهة أثينا في المعركة، هي "الجاز" أخت السلطان "حسن", فقد سقط أبطال بني هلال على يد بطل تونس وهو يدافع عن أسوارها. قتل تسعين من أبطالهم في وقت صغير في مبارزات فردية وأصبح موقف بني هلال صعبا فالهزيمة بالنسبة إليهم مدمرة, فهم غرباء عن الوطن ولا مكان لهم يمكن أن يلجأوا إليه, فتقترح "الجاز" على زوجات الأبطال الأرامل أن يقصوا شعورهن وأن يرسلوا بها إلى "دياب" وعده بنو هلال أن تكون له تونس إن جاء وأنقذهم من "الزناتي", إنهم يعلمون جيدا أن أحدا لن ينقذهم من الزناتي سوي "دياب", لقد قال الرمل ذلك وفي قولته تحدد "القدر" ولا خلاص من ذلك, ولكن "دياب" يرفض دخول المعركة وترك وادي غلامس, ولم تجد حكيمة الجماعة "الجاز" سوى أن تدفع بـ "عامر الخفاجي" ليدخل المعركة مبارزاً للزناتي خليفة, وكان "عامر الخفاجي" - صديق "دياب" - قد دخل معه في حلف وأصبح بذلك مسئولا عنه, وهي تعلم أن "عامر" لن يصمد أمام "الزناتي خليفة" وأن موته هو الذي سيعيد "دياب" إلى المعركة, فلن يقبل "دياب" أن يقتل صديقه دون أن يأخذ بثأره.

حين وقعت عليه القرعة ليدخل الحرب ضد الزناتي خليفة رفضت "الجاز" بحجة أنها لا تريد أن تؤذيه، فـ "الزناتي خليفة" بطل لا يقف في وجهه أحد, فتحمس "عامر الخفاجي" لدخول المعركة لمبارزة الزناتي، وتتم المبارزة فيتراجع الزناتي إلى أسوار تونس، وكان ذلك خطة منه, فقد اندفع الخفاجي وراء الزناتي نحو أسوار تونس وهو نفس ما صنعه "بتروكلوس" في توجهه نحو أسوار طروادة, وإذا كان "أبولو" قد طعن "بتروكلوس" من الخلف ثم أجهز عليه هكتور فإن أحد أبناء عم الزناتي قد طعن "الخفاجي" من الخلف ثم أجهز عليه "الزناتي خليفة" بعد ذلك, ورجع الفرس بلا فارسه لتبدأ لحظة مأساوية في السيرة ويعيد الهلالية جسد "الخفاجي" وهو في الرمق الأخير, فيأخذ في رثاء نفسه بمرثية من أهم القصائد الغنائية في السيرة.

كان مقتل "عامر الخفاجي" محققا للأحلام التي كان يحلمها "الزناتي خليفة" وتحلمها ابنته وكان محققا للنبؤات التي كان تخت الرمل يخبر بها, كما كانت وفاة "بتروكلوس" نزيرا بنهاية "هيكتور" فلقد استغلت "الجاز" سيدة التجمع الهلالي وفاة "عامر الخفاجي" وأرسلت إلى دياب تخبره بمقتله وهي تعلم أنه لا بد قادم ليثأر له.

نفس الموقف يلتقي مع أحداث الإلياذة فـ "أخيل" يقدم بعد مقتل "بتروكلوس" ليثأر له فيشد من أزر اليونانيين ويحارب الطرواديين ويقتل فيهم مقتلة عظيمة ويملئ بجثثهم النهر حتي غضب النهر من ذلك ويلتقي مع "هيكتور" بطل طروادة وسيدها وحاميها والمفترض أن يرث ملكها بعد وفاة والده الذي يفضله على كل أبنائه لصفاته الحميدة.

لقد تمكن الطرواديون وهم يتقهقرون أن يحتموا بأسوار طروادة ولكن "هيكتور" ظل خارج أسوارها يحارب اليونانيين بضراوة وهنا يقابله "أخيل" فيهرب منه ثلاث مرات حول أسوار طروادة, فتعرقل الإلهة "أثينا" هروب "هيكتور" فيلحق "أخيل" به ويتوسل إليه "هيكتور" أن يعيد جثته إلى أهله وقد أدرك أنه ميت لا محالة, إنه يعرف قدره وإنه سيموت بعد موت "بتروكلوس", ويتمكن "أخيل" من قتله ولكن موت "هيكتور" لم يشفِ غليله على قتله لصديقه "بتروكليس", لقد كان حزنه عليه شديدا وعميقا وإمعانا في حقده عليه يجر جسمانه وهو مشدود إلى العربة ثلاث مرات حول قبر صديقه, لقد مثل "أخيل" "بهكتور" تمثيلا غير لائق بصنيع بطل, ورفضت الآلهة حتى أمه حورية البحر "سيتيس" هذا الفعل، وذهبت إليه وطلبت إليه إعادة جثة "هيكتور" إلى والده فيهدأ "أخيل" قليلا.





لقد عذب هذا الفعل الملك "بيريام" ما حدث لابنه الحبيب فيذهب إليه ويقدم إليه الهدايا متذللا راجيا أن يسمح له بأخذ ولده, ويعود "بيريام" إلى طروادة ليقيم محرقة ضخمة لابنه ويكون هذا الحدث هو نهاية الإلياذة, يتكرر هذا الحدث بشكل آخر في التغريبة.

كان "الزناتي خليفة" بطل المغارب شيخا كبيرا، وربما كان أكبر سنا من بريام، وقد حان اليوم المحدد لوفاته. كان يبلغ من العمر حوالي أربعا وتسعين عاما، وقيل إنه تجاوز المائة, وبنيت حوله أسطورة فريدة تلتقي مع أو تقارب أسطورة "أخيل" ابن حورية البحر "سيتيس". فقد قيل في إحدي الروايات أن أمه جنية، وإن كان "أخيل" لا تؤذيه الرماح أو السهام أو السيوف إلا في الجزء الضعيف من جسده هو كعبه، فإن "الزناتي خليفة" فيه شيء مختلف عن البشر فإنه بضلع واحد، كما اللوح، وإن جراحه تطيب على الندى, ومع هذا التشابه فهو لا يقف موازيا "أخيل" وإنما يقف في التغريبه موازيا "لهيكتور" البطل المدافع عن قومه, فالهلالية معتدون أما هو فحامي العرض والأرض المدافع عن تونس, ومع أن وجود "الزناتي خليفة" مركبا تركيبة أسطورية تدخلت فيها القوة الكونية وهو رجل عقلاني لا يؤمن بالنبؤات أو على الاقل يقتلها والأحلام تنبأت بموته والرمل يحدد لحظة هذا الموت، وهو لا يريد أن يصدق ذلك.

لقد جاء "الزناتي خليفة" يوم الخميس إلى الميدان، بعد أن جمع رجاله واستعد استعداد من يستهن ببيع عمره فكانت المفاجأة, لقد وجد عرب الزغابة المنتمين إلى التجمع الهلالي وقائدهم "دياب" قد سبقوه إلى الميدان فتعجب من ذلك، فهو طوال أربع عشرة سنة لم يسبقه إلى الميدان فارس, فيخبره "دياب" أن هذه لحظته التي أخبر عنها الرمل، فيرد عليه الزناتي بأن الإيمان بالرمل هو نسيان لأمر الله، وأنه ليس بيد أحد أدلة على صدق الرمل، ويتفقان على أن "دياب" لن يدخل المعركة إلا إذا ناداه "الزناتي خليفة" باسمه, ووافق خليفة على ذلك.

وأراد خليفة أن يعزل "ديابا" عن أهله وأخذ يقاتل بني هلال ويضربهم ضرب جسور ويلقي بهم كأنهم خرق ممزقة, لقد أسكر فعله بلا شراب حتى قتل منهم ألفي قتيل, وانتشى بفعله ولم يجد لذة بهذا القتل السهل فأراد رئيسهم "ديابا" فنادى عليه باسمه، وإذا بـ "دياب" يرد عليه "لبيك يلي تنادي.. أنا الزغبي أديني.. " فرد عليه "تعالي مرحبا بك ..".

هناك روايتان لقتل "الزناتي" إحداها تجعل حصان "الزناتي" يطمع في "الخضرة" فرس "دياب" مما جعل "دياب" يستغل الموقف فيلقي بحربته ذات المنشار لتخترق عين "الزناتي"، وتقول الرواية أن "أبا زيد الهلالي سلامة" أدرك أنه يجب الإسراع بقتل "الزناتي خليفة" لأن جرحه يطيب على الندى، ولا داعي للإنتظار حتى يسقط الندى فتعود "للزناتي" قوته, فيضع السم في جرحه.

والرواية الثانية تذكر أن "ديابا" ركز الحربة في عين "الزناتي" ودار حوله يمينا ويسارا وهو ملقى على الثرى، ثم أخذ يجره بالحربة جرا حتى أدخله خيم أهل الزغابة, لقد التقى هذا الموقف القاسي مع قسوة "أخيل" حين قتل "هيكتور".

كان "دياب" حزينا على مقتل صديقه "عامر الخفاجي", ولكن التمثيل بالجثث يعد مخالفا للشريعة الإسلامية، ويعد هذا خروجا عليها وطبيعي هذا الشيخ الكبير البطل المحارب لم يجد له أبا يدافع عنه كما دافع "بريام" عن ابنه، ولكن السيرة استبدلت به "أبو زيد الهلالي سلامة، فإنه لم يعجب بما فعله "دياب" فهو رجل تصفه الرواية بأنه حافظ للقوانين وللشريعة وبالأعراف وهو لا يقبل أن يمثل بميت، وجاء مسرعا هو والسلطان "حسن بن سرحان" وصرخ هذا لا يرضي الرحمن وجرد زانته في مواجهته "دياب" يهدده بها ويطالبه أن يخلع الحربة من عين "الزناتي" فليس من المعقول أن يعامل "الزناتي" عند هزيمته هذه المعاملة, فـ "الزناتي" كان كفؤا لكل أعدائه. وأن يقتل "الزناتي" في معركة هذه إرادة الله ولكن التمثيل بالقتيل هو عار عليهم جميعا ومع أن العداوة كانت شديدة بين "الزناتي خليفة" و"أبي زيد الهلالي سلامة" إلا أن كلا منهما كان يحب الاخر ويحترمه.

كان "الزناتي" يتمني أن يكون "أبو زيد" ابنا له أو أخا، و"أبو زيد" كان يتمني أن يكون له أبا, لقد كرم "أبو زيد" "الزناتي" بالصلاة عليه ودفنه وأخذ العزاء فيه كما فعل "بريام" لابنه فعل "أبو زيد" "للزناتي خليفة" فعل الابن لأبيه.

وكما انتهت الإلياذة بقتل "هيكتور"، ودفنه انتهت التغريبة بموت "الزناتي" ودفنه.

لقد التقت التغريبة بالإلياذة واختلفت، فلا شك إن إبداع العملين تم في بيئتين عقليتين مختلفتين ثقافيا واجتماعيا ودينيا وهذا ممكن أن يفسر الإتفاق والإختلاف بينهما.


المصادر والمراجع

أولا: المصادر الشفوية:
- مقتل الزناتي خليفة. رواية شفوية لعوض الله عبدالجليل من الحجز بحري مركز إدفو. جمعها ودونها أحمد شمس الدين الحجاجي في 18/4/1979.
- مقتل الزناتي خليفة. رواية شفوية للنادي عثمان بالطود قبلي. مركز الأقصر جمعها أحمد شمس الدين الحجاجي في 13/4/1979.
- مقتل الزناتي خليفة. رواية شفوية للمرحوم جابر أبو حسين، من حفل أقيم في المسمطة مجموعة حسين جابر من آبار الوقف مركز أخميم تدوين أحمد شمس الدين الحجاجي.
- حلم سعدة. رواية نور الدين حماد – شريط كاسيت يباع في الأسواق.
ثانيا: المصادر المدونة:
- تغريبة بني هلال. القاهرة: مطبعة محمد علي صبح (د. ت).
- سيرة العرب الحجازية. الدرة المنيفة في حرب وقتل الزناتي خليفة. القاهرة: دار الطباعة اليوسفية (د. ت).
ثالثا: المراجع العربية:
- الحجاجي, أحمد شمس الدين. مولد البطل في السيرة الشعبية, القاهرة: دار الهلال 1990, العدد 484.
- شعراوي, عبدالمعطي. هوميروس شاعر الإلياذة والأوديسا, القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب. المكتبة الثقافية, 1985.
رابعا: المراجع المترجمة:
- الإلياذة. تحرير ومراجعة أحمد عتمان, ترجمة نخبة من المترجمين, القاهرة: المجلس الأعلى للثقافة, المشروع القومي للترجمة, العدد 750.
سيرة بني هلال والإلياذة: اتفاق واختلاف,من هم بنى هلال و الإلياذة




إظهار التوقيع
توقيع : ربي رضاك والجنة
#2

افتراضي رد: سيرة بني هلال والإلياذة: اتفاق واختلاف,من هم بنى هلال و الإلياذة

تسلم ياقمر

إظهار التوقيع
توقيع : زاهرة الياياسمين
#3

افتراضي رد: سيرة بني هلال والإلياذة: اتفاق واختلاف,من هم بنى هلال و الإلياذة

رد: سيرة بني هلال والإلياذة: اتفاق واختلاف,من هم بنى هلال و الإلياذة

إظهار التوقيع
توقيع : العدولة هدير


قد تكوني مهتمة بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى
دروس من سيرة حبيبنا ﷺ( الجزء السابع) أم أمة الله السنة النبوية الشريفة
نزول دم بني من الحامل . نزول دم بني قبل الدورة . نزول دم بني وقت الدورة . نزول دم بني فراشة المنتدي سوق عدلات النسائي العام
بقرة بني إسرائيل قصه بقرة بنى اسرائيل ريموووو العقيدة الإسلامية


الساعة الآن 04:24 PM


جميع المشاركات تمثل وجهة نظر كاتبها وليس بالضرورة وجهة نظر الموقع


التسجيل بواسطة حسابك بمواقع التواصل