نها قصيدة كنبض القلب حين يصل مداه.. إنها تتدفق بالشعور والحياة.. وهو يزعم أنه
"ذوت الصبابة وانطوت وفرغتُ من آلامها" ولكنَّ هذا غير صحيح فالحب الصادق يندر أن
يذوي ولو لمحبوب غادر، فإن المشاعر تظل تجتلد في الدم والقلب في صراع من الدراما السوداء
بين صد الحبيب من القلب وتمكنه فيه ،خاصة حين تكون الذكريات ماثلة أمام عينيه: "لكنني ألقى
المنايا من بقايا جامها، عادت لقلبي الذكريات بحشدها وزحامها، في ليلة نكراء أرقني طويلُ ظلامها"
ولم يطل ليله من خير بل من قلبه الجريح لشدة حبه للحبيب ورفضه لهذا الحبيب الغادر ولهذا ينتفض
ويثور ليقضي - يحاول - على ما يذكره بها وأقواه رسائلها التي يراها "نامت
رسائل حبها كالطفل في
أحلامها فحلفتُ لا رقدتء ولا ذاقتء شهي منامها" ثار على عذابه الأليم الذي تشح به رسائلها الحلوة
أيام الوفاء والوصال وظن أن الخلاص من هذا العذاب بحرق هذه الرسائل وإعدامها فلا يراها مرة
أخرى ويغتال بهذا قصة حبه كلها "أشعلتُ فيها النار ترعى في عزيز حطامها، تغتال قصة حبنا من بدئها
لختامها" ولكن المسألة بهذه السهولة؟ لقد قادته ثورة الغضب لخرق الرسائل وها هو ذا يرى النار تشتعل
فيها وفي سطورها التي دونت قصة حبهم من بدئها لختامها ولكن آه لم يزده هذا إلا غراماً على غرام بل
حوله إلى رماد آدمي يبكي على رماد الرسائل "أحرقتها ورميتُ قلبي في صميم ضرامها،
وبكى الرمادُ الآدميُّ على رماد غرامها".
ونجد شعراً آخر لعاشق آخر، هو بدر بن عبدالمحسن، وهو لم يحرق رسائلها، ولم تحرق
رسائله، ولكنها جاءت ترد له رسائله أيام الحب، وتطالبه برد رسائلها فقد انتهى كل شيء:
"وليلة كانت الفرقى
وقالت لي في أمان الله..
وليله ذكرها يبقى
على جرحي ولا انساهء
وجتء تاخد رسايلها..
وخصله من جدايلها..
وتديني جواباتي
بقايا عمري بسماتي
لا تردين الرسايل ويش اسوي بالورقء؟..
وكل معنى للمحبة ضاع فيها واحترق..
ويا ليت البسمة ما كانت.. ولا الاحساس..
ويا ليت الدنيا خانتني وكل الناسء..
ولا خنتي هواي أنت
ولا قلت في أمان الله"
ونجد شاعرة عربية قديمة، وصفت بلوعه حال العشاق
حين استلام الكتاب (الرسالة) وهي أم الحنَّاء الأندلسية:
جاء الكتابُ من الحبيب بأنَّهُ
سيزورني فاستعبرت أجفاني!
يا عينُ صارتء دمعك عندك عادة
تبكينَ في فَرَح وفي أحزان
فاستقبلي بالبشءر يومَ لقائه
ودعي الدموع لليلة الهجران!