يحتل قطاع التعليم الفني في العالم مكانة متقدمة حيث يعتبر المورد الرئيسي للقطاع الصناعي والتجاري الذي تقوم عليها صناعة الاقتصاد لأي دولة..
الا انه في مصر تراجع تراجعا كبيرا خلال الثلاثين عاما الماضية بفعل عوامل كثيرة منها سوء الادارة بالعملية التعليمية نفسها وعدم استيعاب السوق الصناعي للأعداد..
«أخبار اليوم» حملت ملف التعليم الفني إلي الدكتور محمد يوسف وزير التعليم الفني والتدريب وطرحت عليه مشاكله ليقدم رؤيته لحلها والاسباب الجوهرية وراء تراكم تلك المساوئ وكيفية حلها ولماذا تأخرت الحلول حتي الآن رغم توليه حقيبة الوزارة منذ ما يزيد علي ستة أشهر ورؤيته لتفعيل نسبة الحضور والغياب وسد ابواب التحايل عليها خلال الفترة القادمة.. في هذا الحوار:
■ سبق توليكم منصبكم أن كنتم نائب وزير التعليم الفني..ولمستم مشاكل التعليم الفني قبل توليكم مسئولية الوزارة..ما تشخيصكم لأمراض التعليم الفني في مصر بعجالة؟
- المفترض أن نقوم بصناعة طالب مؤهل لسوق العمل، وإذا لم نعلم ماذا يريد سوق العمل فإننا لن نستطيع إخراج طالب بمؤهلات تدخله سوق العمل، والحادث في مصر أن سوق العمل يتحدث بلغة لا يفهمها سوق التعليم الفني، وهذا ما نقوم حاليا بتداركه بإيجاد لغة مشتركة بيننا وبين سوق العمل سواء في مصر أو خارجها..أصبح لدينا منتج ولكننا لا نجد السوق المناسب لبيعه وبالتالي أصبحنا الآن علي دراية أكبر باحتياجات سوق العمل.
■ هل أنتم راضون عن حال المدارس الفنية في مصر...ومستوي الخريجين؟
- بالطبع لا، آفة العملية التعليمية لدينا تكمن في انعدام الانضباط الذي يعد مرضا مزمنا في كل مدارس التعليم الفني في مصر سواء من الطلبة أو المعلمين، المنظومة كلها في حاجة إلي إعادة الانضباط والجدية، لا تنس أن التعليم الفني دخل مرحلة النسيان منذ ما يزيد علي30 سنة، وبالتالي كان لزاما علينا معرفة احتياجات سوق العمل أولا، ثم نشعر الطلاب وكل من يمت بصلة للمنظومة التعليمية بالانضباط والجدية..وهذه فلسفة عملنا في المرحلة الحالية.
■ من أين ستبدﺃ مشوار الإصلاح؟
- لابد من العمل بالتوازي في كل هذه المحاور ولن نغفل جانبا علي حساب الآخر، ولكن لابد أولا من إعادة الانضباط والجدية للمدرسة سواء من جانب المعلمين أو الطلبة، توازيها عملية تدريب المعلمين التي تتم مع اليونسكو والاتحاد الأوروبي..وهناك محور آخر لتطوير المناهج..وزيادة الربط مع سوق العمل..تلك هي محاور إصلاح رئيسية ينبغي العمل عليها جميعا بالتوازي.
■ يري البعض أن مرض منظومة التعليم الفني يكمن في مدارس غير فاعلة وغير مؤهلة للتعاطي مع مناهج في غياب ورش عمل قادرة علي استيعاب الجانب العملي من العملية الدراسية.. كيف ترد علي ذلك؟
- المشكلة ليست إمكانيات فقط ..ما تم صرفه علي التعليم الفني يقدر بالملايين وهناك منح وبروتوكولات ومشروعات أوروبية وأجنبية وجهت للتعليم الفني، ولم تكن النتائج هي المرجوة، الإمكانيات هي مجرد حلول تجميلية وليست حلولا تستمر معنا، تتقاطع فيها النواحي الاقتصادية والبيئية والاجتماعية، ما كان يحدث أن المنح كانت تأتي إلينا ويتم استخدامها في تطوير بعض الإمكانيات وبمجرد نفاد ميزانية المنحة أو المشروع نعود مجددا إلي نقطة الصفر، وبالتالي فقد ظهرت الحاجة إلي الحلول المستدامة.
■ العام القادم هو أول عام دراسي يشهد وجود وزارة للتعليم الفني...كيف سيختلف هذا العام عن سابقيه؟
- أعد بعام دراسي منضبط، وإعادة الحياة للجانب العملي من العملية التعليمية، والقانون يحتم حضور الطالب 75% من العملي للنجاح، ولكن ما كان يحدث في الأعوام الماضية أنه كان يتم استثناء نسب الحضور بقرار من الوزير كل عام وبالتالي يعتمدون علي الامتحان النظري الذي لا يمثل سوي 25% فقط من المناهج، لذلك رفضت هذا العام التوقيع علي استثناءات، وجاءت نسبة النجاح هذا العام في امتحانات الدبلومات 53% وهي النسبة الأقل في تاريخ التعليم الفني،وهو أمر لا أخشاه ن فارتفاع نسب النجاح ليس مقياس لنجاح سياسات الوزير المسئول، ولكن حرصا علي مستقبل أبنائنا الطلبة سمحنا لهم بتعويض نسبة الـ 75% للحضور في فترة الإجازة الصيفية ولن يدخلوا امتحانات الدور الثاني إلا بعد اجتيازهم نسب الحضور، ولن نعود إلي زمن الاستثناءات مرة أخري.
■ كم بلغت ميزانية التعليم الفني في الموازنة الجديدة ؟
- مليار و440 مليون جنيه، وهي المبالغ المخصصة للباب السادس من الموازنة والمهتم بالاستثمار، بعد أن نجنب موازنة الأجور والمرتبات، ولكن الجانب الخاص بالاستثمار هو الأهم بالنسبة لي، إضافة إلي حوالي 260 مليون جنيه مخصصة للأبنية التعليمية.
■ وهل تكفي هذه الموازنة؟
المشكلة عندنا في ميزانية بناء المدارس، فنحن لدينا 1978 مدرسة بها 1150 مبني، ويمكن أن تلحظ من الأرقام أن لدينا العديد من المدارس تعمل بنظام الفترتين، ولدينا ايضا 79 مبني مدرسيا في حاجة إلي إحلال كامل، بخلاف ما نحتاجه من بناء مدارس جديدة، وبالتالي 260 مليون جنيه فقط لا تكفي، ولكننا نحاول استغلال مواردنا وحسن استخدامها.
■ كم عدد طلاب مدارس التعليم الفني وعدد الطلبة بها؟
- 2 مليون طالب وطالبة يمثلون 60% من طلبة المرحلة الثانوية في مصر، وبلغ عدد خريجي الدبلومات هذا العام حوالي 630 ألف خريج.
■ ألا تري أنها طاقة مهدرة حتي الآن بسبب ضعف النظام التعليمي واعتباره مجرد مؤهل متوسط أو فوق متوسط في أفضل الحالات؟
- الدبلومات الفنية فيها طلبة موهوبون جدا ولكن للأسف كانوا منسيين، بالرغم من أن أعداد طلبة التعليم الفني تفوق التعليم بـ60%..كما أن نظام العمل به يؤدي إلي خريجين لا يناسبون سوق العمل، والإحصائيات تقول ان 30% من خريجي التعليم الفني يرفضون الوظائف المعروضة عليهم لأنها لا تناسبهم اجتماعيا.
■ وما سبب هذا الرفض؟
- الصناعة في مصر مشكلتها في عدم وجود العامل الماهر مثل النجار والحداد والسباك، وهذه النوعية من المهن للأسف لا نخرجها لسوق العمل، لأن خريج التعليم الفني نستطيع أن نقول إنه رئيس وردية أو رئيس عمال..96% منهم فنيون وهي درجة من الدرجات الإشرافية فأصبح لدينا دولة من المديرين وبالتالي لا يرضون بأقل من ذلك، والوزن النسبي للعمالة في مصر يقول ان 27% من العمالة المصرية تعمل في الزراعة و15% تعمل في التشييد والبناء و17 % في الصناعات الأخري.. وبتتبع هرم العمالة في مصر وجدنا اننا نفتقد فيه العامل الماهر، وهو ما نطلق عليه "بلية"، وهو الطفل الذي كان يتسرب من التعليم ويتجه لسوق العمل، ولكن مع الاهتمام بالعملية التعليمية وجهود الدولة لمنع وتقليل التسرب قلت نسب هذه العمالة، وهو ما يحتم علينا تعويض هذا النقص الذي يتم من خلال الاهتمام بالتعليم المهني وليس الفني..
■ ما نسب البطالة وسط خريجي التعليم الفني؟
- 38% في التعليم الفني مقارنة بـ44% في التعليم العام، أما في الأعمال الحرفية فنسبة البطالة تكاد لا تذكر ومن هنا سوف نحرص في الفترة المقبلة علي تقسيم مخرجات التعليم الفني لتوفير احتياجات سوق العمل، والتوسع في التعليم المهني.
■ وما الفرق بين الفني والمهني؟
- التعليم المهني هو الذي يخرج العامل الماهر مثل السباك أو النجار والحداد وغيرهم وهو ما نطلق عليه في لغة السوق "الصنايعي" عكس التعليم الفني الذي يخرج المشرف علي هؤلاء وبالتالي منظومة التعليم الفني في مصر باتت تخرج سنويا آلاف المديرين وأغفلت الصنايعي الماهر..أصدرت قرارا وزاريا بزيادة نسب التعليم المهني لتكون 16.5% لتوفير العامل الماهر،بعد أن أصبحنا دولة من المديرين والمشرفين ولا توجد عمالة مهنية مدربة.
■ كم عدد شعب وتخصصات التعليم الفني في مصر؟ وهل نحن في حاجة إلي كل هذه التخصصات؟
- لدينا التعليم الفني الصناعي نظام 3 سنوات وخمس سنوات والتعليم الفني الزراعي والفني التجاري والفندقي، ونتوسع حاليا في نظام التعليم المهني نظام 3 سنوات و5 سنوات.
■ هل هناك اتجاه لإلغاء التعليم الفني التجاري والصناعي مثلا؟
- لا يوجد إلغاء لأي نوع من أنواع التعليم الفني في مصر ،والخريطة النسبية للتعليم الفني في مصر تقول ان التعليم الصناعي 55% والتجاري 33% والزراعي10% والفندقي 2%، ولكننا نعمل علي تقليص اعداد التعليم الفني التجاري حاليا في ظل ازدياد أعداد خريجي بكالوريوس التجارة وارتفاع نسب البطالة بينهم، وبالتالي تكون الفرص اقل بالنسبة لطالب الدبلوم التجاري، ويصاحب ذلك توسع في التعليم الزراعي والفندقي لأن سوق العمل يطلبه.
■ وهل ستكون هناك تخصصات جديدة ؟
- الإحصائيات تقول ان 55% من خريجي التعليم الفني لا يعملون في إطار تخصصاتهم، وخصوصا الفتيات، وبالفعل لا نري فتاة تعمل فني كهرباء أو نجارا، لذلك سوف نستحدث تخصصات جديدة خاصة بالفتيات لتوسيع دائرة الاختيارات أمامهن خصوصا في منطقة الصعيد مثل صناعات الملابس الجاهزة والتدبير المنزلي، طبقا لاحتياجات المجتمع.
■ هل سيتم تطوير المناهج لتناسب سوق العمل؟
- بالطبع، وهناك لجنة خبراء تعمل علي تقييم المناهج الحالية وعمل مناهج جديدة، وسوف يتم العمل بالمناهج الجديدة بدءا من العام الدراسي بعد المقبل في 2025/2017.
■ ولماذا التأخر كل هذا الوقت؟
- لا يوجد تأخر فأنا توليت الوزارة في مارس الماضي، وكانت وزارة دولة للتعليم الفني تضع السياسات فقط وفي شهر مايو الماضي أصبحت وزارة بصلاحيات كاملة، ناهيك ان مناهج التعليم الفني كثيرة ومتشعبة عكس مناهج التعليم العام، وبالتالي فالمدة الزمنية مناسبة جدا خصوصا أن العمل يتم علي قدم وساق.
■ ما خطتكم المستقبلية لتطوير التعليم الفني في مصر ؟
هناك خطتان.. خطة طويلة المدي واخري قصيرة المدي ،لذلك سنعمل علي التطوير الشامل وتوطيد العلاقة مع الجهات والمؤسسات الصناعية بصورة أكبر لخلق نوع من التعليم المزدوج والتبادلي مع الشركات وجهات الصناعة، وتقسيم العمالة حسب الاحتياج الاقتصادي..في المانيا مثلا عملوا لفترة علي إيجاد فني متخصص في الخلايا الشمسية لتوليد الطاقة لأن الدولة كانت راغبة في تطوير هذه الصناعة ،وبالتالي فعلينا تقسيم العمالة في مصر.
■ وكم تستغرق هذه الخطط من الوقت؟
- لن نلحظها قبل 4 سنوات من الآن لأننا نعيد بناء منظومة تعليمية متكاملة، لكننا لن ننتظر الـ4 سنوات، لذلك فهناك الخطة قصيرة المدي القائمة علي التعاون مع المؤسسات الصناعية وتفعيل منظومة التعليم الفني المزدوج.
■ هناك مشروعات للتعليم الفني مثل مبارك كول".. هل هناك مشروعات جديدة مماثلة مع بعض الدول المتقدمة صناعيا ؟
- أصبح الآن هذا المشروع يعرف بالتعليم المزدوج ويوجد لديه إدارات قائمة بذاتها معنية بهذا المشروع وسنعمل علي زيادة أعداده، وسألتقي مع الألمان في ذلك الأمر وهم مرحبون جدا بفكرة تطوير منظومة الحوكمة الخاصة بها، وتوجد منح مقدمة للطلبة من إحدي شركات السيارات الشهيرة وشركة إلكترونيات ألمانية ضخمة أيضا، أستطيع أن أقول ان التوسع في هذا المشروع يأتي ضمن الخطط قصيرة الأجل، إضافة إلي توسيع قاعدة شراكات التعاون مع الجهات والمؤسسات المختلفة ورجال الأعمال فهناك شراكة مع مصر الخير في تطوير مدرسة للبتروكيماويات في السويس.
■ مراكز التدريب المهني المنتشرة في بعض الشركات والمصانع والوزارات التي من المفترض أن يكون دورها إعداد كوادر فنية مدربة أين هي الآن ؟
- هي مهمة وتعتمد بدرجة أساسية علي التدرج والتطوير المهني المستمر وهي خاصة بالشركات وتتبع وزارة الإسكان، ولا أخفي اننا بصدد إدخالها في المنظومة لتطوير التعليم الفني بالتعاون مع الإسكان، ونحن نعتمد شهاداتهم ومهاراتهم باستمرار ونسعي لتطوير اداء هذه المراكز، ودورهم مهم في التعليم المستمر في الشركات .
أخبار اليوم