الذنوب هي جمع ذنب، والذَّنب سُمِّي ذَنباً نِسبةً إلى الذَّنب على اعتبار ما يحصل عقِبَه، وفي الأصل هو الأخذ بذنب الشيء، واصطلاحاً هو كل عملٍ مُخالفٍ للشريعة أو أتى فيه أمراً نهى الله سبحانه وتعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم عن إتيانه. والخلوة هي اختفاء العبد عن أعين الناس، فيكون في مكانٍ بعيدٍ أو مغلق لا يراه أحد من البشر، وهو في هذه الحالة يقوم بارتكاب الذنوب. وفي هذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث ثوبان (لأعلمن أقواماً من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضاً فيجعلها الله عز وجل هباء منثورا". قال ثوبان: يا رسول الله صفهم لنا، جلهم لنا ألا نكون منهم ونحن لا نعلم، قال: "أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم ويأخذون من الليل كما تأخذون ولكنهم أقوام إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها)، فهذه الذنوب تذهب بعمل العبد وهو لا يدري ولا يظنها تفعل به مثل ذلك. من يقوم بعمل ذنوب الخلوات هو من جعل الله أهوَن الناظرين إليه، فهو يخاف الناس أكثر من خوفه من الله عزَّ وجل، فهو يختفي عن أعين الناس ليعمل الذنب الذي عقد عليه العزم؛ أو ذنباً أتى له في لحظتها، فيفعله ولا يهتمُّ أو ينسى بأن الله يراه ويعلم ما يفعل، وفي ذلك قال تعالى (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً)، فالله مُحيطٌ بهم، يراهم من جميع الزوايا والاتجاهات، فلا يظنُّوا أنهم بمجرَّد الاختفاء عن أعيُن الناس فإنهم بمأمنٍ من عين الله. قال صلى الله عليه وسلم (كلُّ ابن آدم خطَّاء، وخير الخطَّائين التوَّابون)، فمن الطبيعي أن يقع العبد المسلم في خطيئة أو يقوم بعمل ذنبٍ في خلوته؛ سواء عن قصد أو من غير قصد، ولكن كما قرأنا في الحديث الشريف؛ فإن التوبة علاج لكل أمرٍ مُخالفٍ يفعله العبد. وقال تعالى في مُحكم تنزيله (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا)، إن الله الأعلم بعباده قد جعل لهم باباً لا يُغلَق حتى تبلغ الروح الحلقوم؛ وهو باب التوبة، فأي عبدٍ اقترف أي ذنب فعليه بالتوبة إلى الله بصدق نِيَّة والله يغفر الذنوب جميعاً. وكذلك إكثار العبد من الاستغفار والمسارعة إليه، فهو يُنجِّي العبد ويزيل عنه الإثم، بل إنه مفتاح الرزق كذلك. من أجل أن يبتعد العبد عن ذنوب الخلوات؛ عليه أن يتذكر دائماً بأن الله يراقبه، قال تعالى (وما يلفظ من قولٍ إلا لديه رقيبٌ عتيد)، كل أمرٍ أو حرفٍ يقوله مسجَّلٌ إما له أو عليه في صحيفته، وكما قال رسول الله عليه الصلاة والسلام (الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك)، اعلم أن الله يراك، وتيقَّن من هذه الحقيقة التي لا نِزاع فيها، ولا تجعل الله أهون الناظرين إليك، وصحيفتك ستُعرضُ عليك يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون، فانظر بما ستملأها.