[color="darkorchid"دليلك لتعليم طفلك القراءة والكتابة
الحلقة الأولى
لَم يَعُد مقبولاً في القرن الحادي والعشرين أن يَنشأ الإنسان جاهلاً لأبسط مهارات التعليم: القراءة والكتابة، ولكلِّ أمة لُغتها التي تعتزُّ بها، وتَنقلها لأبنائها، وهناك فارق كبير بين اللغة التي يتحتَّم على الطفل إدراكُها؛ ليُتقنَ القراءة والكتابة، ويعرف كيف يتواصَل كتابيًّا مع الآخرين، وبين اللغة الدارجة التي يَستخدمها في التواصُل الشفهي مع أُسرته وأصدقائه، وفي العربية يمكن أن نميِّز إذًا بين إتقان اللغة العربية الفصحى وبين العاميَّة الدارجة، والطفل يُدرك الثانية بسهولة منذ نعومة أظفاره، أمَّا الأولى فبحاجة لجُهد من الأَبَوَيْن ومن الطفل لتعلُّمها.
ولأن لكلِّ لغة ظروفها، فإن الأساليب المُتبعة لتعليم الطفل العربيةَ قد تختلف عن الإنجليزية أو غيرها من اللغات، ويقع الكثير من الأطفال ضحيَّةً؛ إمَّا لجهل الآباء والأُمَّهات بالأساليب الصحيحة لتعليم اللغة وأصولها، وإمَّا للمجتمع الذي أشاع العاميَّة على حساب الفصحى، وزَجَّ بالأطفال فيما بعد للمدارس الأجنبيَّة، والنتيجة طفل جاهل بالعربية الفصحى، هذا لا يعني أنه يتحتَّم على الأطفال جميعًا أن يَبرعوا في العربية، وإنما يعني أنَّ عليهم تعلُّمها بدرجة تكفي على الأقل لفَهْم الجُمَل على مستويات أعلى من التركيب، كذلك القدرة على الصياغة بالعربية على مستوًى جيِّد، ودون أن تأتي جُملهم متكسِّرة مُختلطة مَعيبة.
إن ما يجب أن تَضَعَه في اعتبارك - عندما ترغب في تعليم طفلك العربية، أو أيِّ لغة أخرى - أن تعرف متى ستبدأ هذا التدريب؟ وهذا مرتبط بعوامل عديدة أهمها النُّضج العقلي.
من الطبيعي أن يكون هناك توازٍ بين النُّضج الجسدي والعُمر الزمني للطفل، وبين النُّضج العقلي والعمر العقلي، وهذا ما يعبِّر عنه علماء علم النفس بدرجة الذكاء؛ حيث تعتمد العديد من مقاييس الذكاء على تحديد مستوى الفرد من حيث عمره العقلي، فإذا كان العمر العقلي متوافِقًا مع العمر الزمني، كان الطفل طبيعيًّا، وإن كان العمر العقلي أقلَّ، بحيث يوصف الطفل ذو السنوات الستِّ بأنَّ عُمره العقلي 4 سنوات، فهذا طفل غير طبيعي، ويوصف بأنَّ ذكاءَه مُنخفض، وقد يكون العمر العقلي فائقًا للزمني، وهنا يُصبح الطفل ذكيًّا بدرجة أعلى من الطبيعي، وقد يصل لوصفه بالعبقرية.
إذًا؛ أوَّل ما ستركِّز عليه هو النُّضج العقلي للطفل، والمطلوب أن يَصِلَ الطفل لمرحلة تُمكِّنه من نُطق الحروف في حياته اليوميَّة بشكلٍ جيِّد، يُمكنه من ترتيب أشيائه، مثلاً: يُمكنه إدراك الاختلافات وتمييز الألوان والأشكال، وبجانب النضج العقلي هناك النضج الجسدي، فمهارة القراءة والكتابة تحتاج إلى بصرٍ جيِّد، وسَمْع جيِّد، ونُطق جيد، وإذا كان طفلك يعاني من مشكلة في أحد هؤلاء، فعليك أن تراعي ذلك عند تدريبه، وسنقدِّم لك وعلى مدار حلقات عديدة ما يُعينك بإذن الله على ذلك.
ولأنَّ الكتابة والقراءة عمليتان مترابطتان، فعليك أن تضعَ في اعتبارك أنَّ الطفل بحاجة لمهارات يدويَّة؛ حتى يستطيع الكتابة، والمعروف أنَّ الطفل في عمر ثلاث سنوات وأربع، لا يستطيع السيطرة على عضلات أصابعه بشكلٍ جيد؛ ولهذا يُصبح الإمساك بالقلم أمرًا صعبًا بالنسبة له، والوقت المناسب لهذه العملية هو عمر ستِّ سنوات أو خَمس على أقلِّ تقدير، لكنَّ هذا لا يعني أن يتأخَّر التدريب حتى هذا العمر، وإنما بإمكانك أن تبدأَ تدريبات القراءة، ثم تُتبعها بالكتابة في حينها.
ولاحِظ أيضًا أنَّ هناك فارقًا بين البنات والأولاد، ويَسبق النمو العقلي للبنات النمو العقلي للأولاد، ولأجل هذا يرى البعض من علماء النفس أنَّ الأفضل أن تلتحقَ البنات بالمدرسة في سنِّ السادسة، في حين يلتحق بها الصبيان في السابعة أو الثامنة، كذلك تتحكَّم الفتيات في أصابعهنَّ بشكلٍ أفضل من الأولاد؛ مما قد يعني تحسُّنًا واضحًا في خطِّ البنات، وعليك أن تتذكَّر هذه الحقيقة، وألاَّ تُقارن بين أولادك ذكورًا وإناثًا، مطالبًا الجميعَ بنتيجة واحدة، كما أنَّ الفروق الفردية أمرٌ طبيعي، وعليك مراعاته وعدم تجاوزه.
وقبل أن تبدأَ بتدريب ابنك على القراءة والكتابة، يُفَضَّل أن تمارس معه ولمدة كافية سلسلة من التمارين المساعدة له، وهي بمثابة التهيئة للطفل، فمنَ المُمكن أن تُنَمي مهاراته اليدويَّة، بتشجيعه على إمساك الألعاب الصغيرة، وترتيبها أو تصنيفها في مجموعات، وتُفيد المُكعبات الملونة لهذا الغرض، كما بإمكانك أن تُشَجِّعه على السيطرة على القلم أثناء الرسم؛ وذلك لمساعدته على رسْمِ خطوط مستقيمة وأخرى منحنيَة، كذلك رسم الدوائر والمثلثَّات ببساطة ودون استخدام للمسطرة، يمكنك أيضًا تقوية الإدراك لَدَيه، بتدريبه على اكتشاف الفروق، وتمييز القطع المختلفة، كأن تُحضر له ستَّ أكواب ذات شكل واحدٍ، ما عدا كوبًا واحدًا فقط، وتطلب منه إخراجَ الكوب المختلف، والأفضل أن تمارسَ هذه التمرينات كالألعاب، وأن تكافئ الطفل عندما يأتي بنتيجة صحيحة، يُمكنك أيضًا تحسين مخارج الحروف لَدَيه، وتَلقينه بعض الأناشيد البسيطة، على أن تراعي اختيار أناشيد بالفصحى وليس بالعاميَّة، كذلك يُمكنك زيادة حصيلته اللغويَّة بتعريفه على أنواع مختلفة من الخَضراوات والفواكه، والحيوانات ووسائل المواصلات، وتُلَقِّنه الأسماء مشافهةً، وتطلب منه إعادتها، واستخدم الصُّوَر الملونة الكبيرة نوعًا ما لهذا الغرض.
وتُفيد قراءة القَصص على الأطفال كثيرًا في هذه المرحلة، على أن تكون القراءة بهدوء، وأن تُناقش طفلك في محتوى القصة، وتُساعده على فَهْم نصِّها بالفصحى، واتْرُك له فرصة إمساك القصة بنفسه ومطالعة صورها؛ فهذا يقوِّي الرابطة بينه وبين الكتاب بشكلٍ عام.
وفي كلِّ تدريباتك عليك أن تراعي عدة أمور مهمَّة:
يعاني الطفل في سنواته الأولى من طول النظر، وهو يرى الأشياء الكبيرة وليست الصغيرة؛ لهذا ابتَعِدْ عن الصور الصغيرة ذات التفاصيل الدقيقة، واستخدِمْ صورًا كبيرة وواضحة، وذات ألوان زاهية.
يحتاج الطفل لمهارة منك عند ذِكر أسماء الأشياء، فلا تَنطق الكلمة كالمعتاد بالنسبة لك، وإنما عليك أن تَخفض سرعة قراءتك، وتركِّز على مخارج الحروف؛ حتى يتمكَّن طفلك من تمييز الحروف ونُطقها بشكل صحيح.
ابتَعِدْ قدرَ الإمكان عن الأخطاء اللغوية الشائعة في اللهجات العامية، كأن تَلْفِظ الضاد ظاءً؛ كما هو الحال بالنسبة لسُكَّان شبه الجزيرة العربية والعراق، أو أن تَلْفِظ القاف ألفًا، كحال أهل مصر والشام، أو أن تمتنعَ عن تعطيش الجيم، وإن كنتَ مقيمًا في دولة أجنبيَّة، فعليك أن تدرِّب أطفالك على نُطق الحروف الخاصة بالعربية، مثل: الخاء، والحاء، والضاد، والقاف، وعليك أن تساعد طفلك في التمييز بين الهاء والحاء، والسين والصاد، والدال والضاد، والثاء والسين، واعْلَم أن هذه الأخطاء لن تَظهر نتائجها السيِّئة إلاَّ في مرحلة التدريب على الإملاء.
حاول أن تكونَ مُشَجِّعًا ومُشرقًا وقتَ التدريب، ولا تَعزل القراءة والكتابة عن الحياة اليوميَّة، لكن أوْجِد التكامل بين تعلُّم هذه المهارات وبقيَّة الأنشطة.
بهذا تنتهي الحلقة الأولى من سلسلة "دليلك لتعليم طفلك القراءة والكتابة"، ونلقاكم قريبًا في حلقة جديدة - بإذن الله.][/color]مع السلامة فى امان الله