أو

الدخول بواسطة حسابك بمواقع التواصل

#1

افتراضي الطاغية نيرون ~ موقد النيران فيي روما ~

لامبراطور "نيرون"، أو نيرو، المولود في 15 ديسمبر - في مثل هذا اليوم - كان خامس وآخر امبراطور للامبراطورية الرومانية من السلالة اليوليوكلودية، وصل إلى العرش لأنه كان ابن "كلوديوس" بالتبنّي،
الامبراطور الماجن الخليع "كاليجولا"، عمّ نيرون.
الامبراطور" كاليجولا" عمّ "نيرون"، أنفق أمواله في الخلاعة والمجون والملذّات، وسادت لديه رغبة جامحة في تعذيب معارضيه، فكان يسوقهم إلى أشدّ صنوف العذاب ثم يلقي بأجسامهم إلى الحيوانات لتأكلها، دعا إلى الحكم المطلق وأعلن تأليه شقيقته وحدّد القرابين والأضحيات التي تقدّم لشخصه، كما أشيع أنه تزوج شقيقته "دروسيلل" وعيّن جواده واحدا من النبلاء، ويُحكى أنه قام بتعذيب غانية تعذيبا شديدا عندما رفضت طلبه بأن تشهد ضد أحد معارضيه بتهمة الخيانة العظمى، وقام بتقطيع أجزاء من فخذها ويدها.
ولم تسلم أم نيرون "أجربينيا" من بطش "كاليجولا"، فقد أمر بنفيها هي وأختها "ليفيلا" إلى جزيرة "بونتيا"، وقام أحد ضباط الجيش ويدعى "كاسيوس شاريا" بقتله والتخلص منه في ثالث أيام احتفالات كانت تجري قبل مغادرة الامبراطور إلى مصر، حيث مدينة الإسكندرية، وتم تنصيب عمّه "كلوديوس" امبراطورا.

* الامبراطور الأبله "كلوديوس"
الامبراطور "كلوديوس" اشتهر بالبلاهة الشديدة، وكانت العامة تستخدم اسمه دليلا على التسفيه والإهانة، تم تعيينه في منصبه حيث كانت الرغبة في ذلك الوقت في إعادة الهيبة مرة أخرى إلى مجلس الشيوخ والجيش، وباعتباره من العائلة الحاكمة فقد اعتبر الوريث الشرعي للحكم، حيث إن "كاليجولا" لم يكن له أبناء يرثونه، وكانت الرغبة عند الجيش بتعيينه في منصبه حتى لا يعارض رغبات الجيش ومجلس الشيوخ، ويروى عنه أنه عندما جاء الضباط إليه ليخبروه بأمر تعيينه، ظن أنهم قادمون لقتله فبكى وألقى نفسه أمامهم متوسِّلاً لهم ألا يقتلوه، وبعد تعيينه في منصبه أمر بإعادة "أجربينيا" أم نيرون وابنة أخيه، من منفاها، وعاد معها "نيرون" وهو لم يبلغ الثالثة بعد.
تقربت "أجربينيا" من "كلوديوس" مما أثار حفيظة "ميسالينا" زوجة كلوديوس الثالثة، وثار بينهما تنافس للحظوة عند "كلوديوس"، وقد حاولت "ميسالينا" كثيرا أن تشي بـ "أجربينيا "عند "كلوديوس" إلا أنها لم تنجح في ذلك، كانت "ميسالينا" امرأة حسناء إلا أنها كانت شديدة التعطش للفجور والشهوانية، وكانت تقابل عشّاقها سرّاً في القصر الامبراطوري، وتلجأ إلى اصطيادهم وتغييرهم باستمرار، وقد روي أنها طلبت من زوج أمها "سيلانوس" معاشرتها وعندما رفض أوشت به عند "كلوديوس" الذي أمر بإعدامه بتهمة الخيانة، كما كان من عشاقها السيناتور "كايوس سيليوس" عضو مجلس الشيوخ، وكانت تقابله كثيرا في بيته أو في القصر، وعندما افتضح أمرهما وعرف به الجميع - وكان "كلوديوس" خارج روما منهمكا في زيارة مواقع عسكرية - فعندما علم "كايوس" بافتضاح علاقته بـ "ميسالينا "امتلأ رعبا، إلا أنه عاد وتمالك نفسه وقرر أن يقتل الامبراطور حتى يتزوج "ميسالينا"، ولما عاد الامبراطور علم بأمر "كايوس"، فأمر بذبحه وتقطيع رجليه ويديه بعد أن يُعذّب بشدّة، واتخذ قراراً بإعدام "ميسالينا" إلا أنه تردد فيه كثيرا حتى أقنعه أصدقاؤه بتنفيذه.
وقد امتد الصراع بين "أجربينيا" و"ميسالينا" إلى "نيرون" و"بريتانيكوس" - الابن الشرعي والوريث للامبراطور "كلوديوس" - وبعد التخلص من "ميسالينا" خلت الأجواء تماما أمام "أجربينيا" التي ازداد تودّدها لـ "كلوديوس" الذي شغفها حبا، ورغم معرفته ويقينه باستحالة العلاقة بينه وبين "أجربينيا" في القانون الروماني، إلا أنه وبإيعاز من "أجربينيا" اشترى ذمم رجال من مجلس الشيوخ واستصدر منهم قراراً يقرّ زواجه من "أجربينيا" ويعتبره زواجا رسميا، وبعد نجاح هذا الزواج، عكفت "أجربينيا" على تحقيق حلمها بأن يأتي اليوم الذي يتولى فيه ابنها "نيرون" الامبراطورية.
ولم يتبقّ أمامها سوى عقبة ابن "كلوديوس" الشرعي "بريتانيكوس" فعكفت أولا على إقناع "كلوديوس" بإعلان تبنّيه لـ "نيرون" ثم وضعت خطه مستمرة لإظهار "نيرون" في الحفلات الرسمية بصورة الرجل كامل النمو والابن المفضل عند "كلوديوس"، وإظهار" بريتانيكوس" الابن الشرعي لـ" كلوديوس" بمظهر الابن الصغير وكأنه يصغر "نيرون" بعشرات السنين، ثم تقربت من "أوكتافيا" ابنة الامبراطور "كلوديوس" وأخت "بريتانيكوس"، والتي كانت تصغر أخيها بثلاث سنوات، وكانت تهدف من هذا التقرب أن يكلل في النهاية بزواج "نيرون" من "أوكتافيا" ليضفي ذلك شرعية عليه ليحصل على الحكم بسهولة أكبر من إمكانية حدوث ذلك للوريث الشرعي للحكم "بريتانيكوس"، وقد تم لها ما خططت لتنفيذه وتزوج "نيرون" من "أوكتافيا"، وبعد مرور عام على زواج "نيرون" و"أوكتافيا" أصيب "كلوديوس" بمرض شديد، وأصاب الفتور علاقته بـ "أجربينيا" حيث أدرك مدى نفوذها حوله وشعر بالندم إزاء إهماله لابنه الشرعي "بريتانيكوس" وعزم على تغيير ذلك، وعندما شعرت "أجربينيا" بذلك قررت التخلص من "كلوديوس" ولكن بالشكل الذي لا يلاحظه أحد حتى لا يفتضح الأمر، ويقوم مجلس الشيوخ بإلغاء قرار تبني "نيرون" وحرمانه مما سعت "أجربينيا" إليه طوال هذه الفترة، فلجأت إلى السم الذي كانت تعدّه سيدة محكوم عليها بالإعدام تدعى "لوكوستا"، ولم يتم تنفيذ الحكم بعد، فوعدتها "أجربينيا" بمساعدتها بشرط الحصول على سم قاتل لا يظهر أثره بعد الموت، وبعد مقتل "كلوديوس" تم إعلان "نيرون" امبراطورا بفضل أمه التي استقطبت كل من حولها لهذه المهمة، تلك هي الأجواء التي نشأ فيها "نيرون" وأثرت في شخصيته لاحقا.

* من يحكم روما؟
في بداية حكمه كان "نيرون" مجرد امبراطور اسميا، لصغر سنه ولأن أمه "أجربينيا" ظلت تتحكم في كل شيء بنفوذها، عهدت "أجربينيا" بمهمة تربية وتنشئة "نيرون" إلى اثنين من أكثر المخلصين لشخصها "سينيك" الفيلسوف المفوه الذي وعدته بأن يصبح وزيرا للدولة - كان يعيش زمان "كاليجولا" ويختلف معه كثيرا حتى نفاه خارج روما ولم يعد لروما إلا بعد زواج "أجربينيا" من "كلوديوس" وطلبها منه إعادة "سينيك - و"بوروس" الذي وعدته بأن يكون قائدا للجيش، وبفضل خطب "سينيك" الحماسية وتأييد "بوروس" وضمان الجيش معه تم تنصيب "نيرون"، 16 سنة، امبراطورا، وتناسى الجميع "بريتانيكوس" الوريث الشرعي للحكم، بدأ الصدام يدب بين "نيرون" المتعطش للحكم ونفوذ أمه الظاهر جليّاً للعيان في كل صغيره وكبيرة، وزاد الأمر تعقيدا بعد أن ظهر طيش "نيرون" وفشل "سينيك" و"بوروس" في السيطرة عليه، وظهر ذلك تحديدا عندما انجذب "نيرون" لأمة من آسيا تدعى "آكتي" وبعده عن زوجته "أوكتافيا" التي لم ير فيها سوى خطة من خطط أمه للوصول إلى الحكم، حيت تحولت أفعال "نيرون" إلى الخطورة بمكان لتهديد العرش والسلطة فواجهته "أجربينيا" ووبّخته وبدأ الصدام الذي وصل مداه عندما هددت "أجربينيا" "نيرون"، بأنه إن لم ينصع لها فسوف تعيد العرش إلى الوريث الشرعي للحكم "بريتانيكوس"، كان لهذا التهديد وقع شديد على "نيرون" الذي تنبّه إلى وجود الوريث الشرعي للحكم على قيد الحياة، واحتمال تنفيذ "أجربينيا" لتهديدها، وسواء كانت "أجربينيا" جادة في تهديدها أم لا، فقد عزم "نيرون" على قتل "بريتانيكوس" بالسم، وهو ما تم تنفيذه حسب رغبة "نيرون".
بعد ذلك بدأ "نيرون" في تحجيم دور أمه في الحياة السياسية، فأغدق العطايا والأموال على الأمراء ورجال الدولة البارزين الذين تناسوا - تحت وطأة العطايا والترهيب - السبب الحقيقي لمقتل "بريتانيكوس" واكتفوا بتصديق رواية "نيرون" على أنه مات بشكل طبيعي، ومع الوقت استسلمت "أجربينيا" لرغبة ابنها وتم اقصاؤها خارج القصر الامبراطوري وخصص لها "نيرون" قصراً في المدينة كان مخصصا لعدد من أفراد الأسرة الحاكمة، وكان "نيرون" يزورها من وقت لآخر ويحرص في زيارته على أن يكون في كامل رونقه ومظهره حتى يظهر الفارق في السلطة بينه وبينها، وبعدها انصرف "نيرون" إلى السكر والعربدة والعهر، وطاف يشبع رغباته المكبوتة ليتحول حكمه مع الوقت إلى وبال على الشعب، وسيطر عليه وهم أنه بارع كمغنٍّ ولاعب للقيثارة وسائق عربة حربية، والمؤرخ المتتبع لكيفية وصول الأباطرة إلى عرش روما يكتشف بسهولة أنه كان غالبا عن طريق الاغتيالات السياسية التي أصبحت السمة الأساسية للحكم في روما، ويُحكى في بذخه وحبّه للعطور أن في عهده كان سقف الدعوات يُمطر رذاذاً من العطور والزهور.






* نهاية "أجربينيا"
بعد أن انصرف "نيرون" إلى ليالي المجون والعربدة، ازداد انحطاطا يوما بعد يوم، فإذا حلّ الليل عليه انغمس وسط العاهرات في حفلات ماجنة، ثم يتنكّر في زيّ العبيد وينزل إلى الطرقات يسرق ويمارس أعمال قطع الطرق، وفي إحدى هذه الحفلات الماجنة حاول أحد أصدقائه ويدعى "باريس" أن يشي بأم "نيرون"، فأخبر "نيرون" أن أمه تجهز عملية انقلاب عليه وأنها ستعين أحد أحفاد الامبراطور "أغسطس قيصر"، ويدعى "بلوتس"، وأن "بلوتس" وعدها بالزواج حال نجاح الانقلاب، وعندما سمع "نيرون" هذه الوشاية استشاط غضبا وقرر إصدار أمر بإعدام أمه، إلا أن "بوروس" حثّه على عدم التسرّع في هذا القرار وأن يعطي الفرصة التي يعطيها للمحكوم عليهم بالإعدام للدفاع عن نفسهم حتى لا يثير ذلك العامة على "نيرون"، وفي اليوم التالي أرسل "نيرون" كلاًّ من: "بوروس" و"سينيك" إلى أمه لتوجيه الاتهام إليها، وفي هذه المقابلة صبّت "أجربينيا" جام غضبها على "نيرون" ونعتته بأفظع الألفاظ، ثم ما لبثت أن هدأت وبدأت تردّ على الاتهامات، وعاد الرسل مرّة أخرى إلى "نيرون" الذي اقتنع بالردود ثم ما لبث أن عاد الوئام الحذر بين الابن وأمّه لفترة قصيرة.
انتهت هذه الفترة عندما تعرّف "نيرون" إلى إحدى العاهرات وتدعى "بوبيه" وقرر "نيرون" الانصياع لأوامر "بوبيه" بأن يطلّق زوجته "أوكتافيا" وأن يتزوجها هي، ولمّا علمت "أجربينيا" بذلك قررت منع ابنها من تلك الخطوة بكل الطرق، مما دفع "بوبيه" إلى شحن "نيرون" ضد أمه، وكيف أنه امبراطور ينصاع لأوامر أمّه، وهددته بأنها ستختفي من حياته، فقرر "نيرون" التخلص من أمه، فدبر لها عملية اغتيال، وهي الغرق في البحر في إحدى الرحلات، إلا أن "أجربينيا" نجت من القارب الغارق بأعجوبة.
وبعد نجاة أمه قرر "نيرون" التخلص منها عبر إرسال جنود إلى قصرها ليقتلوها، فأرسل إليها جنوده بقيادة صديق عمره "أنيكيتوس" الذي كان يتمنّى هذه الفرصة منذ زمن بعيد، وبالفعل قتلها الجنود بالسيوف ثم أحرقوا بقايا جثتها، ماتت "أجربينيا" وهي تلعن ابنها الذي ألقت به نقمة على الشعب وعلى روما، وبموتها ماتت أيّ معالم للبنوّة والرحمة في قلب "نيرون"

* إعدام "أوكتافيا"
جرّ خبر مقتل "أجربينيا" العار والهياج الشعبي على "نيرون" وامتعض الجيش من هذا الفعل، مما دفع "نيرون" إلى الهروب إلى "نابولي" حتى تهدأ روما بالنسبة له، وفي هذه الأوقات قام بخطب ود مجلس الشيوخ وقادة الجيش وأجزل لهم العطايا والأموال، وضاعف مرتباتهم، حتى أصدر مجلس الشيوخ قراراً باستحسان مقتل "أجربينيا"، ولما اطمأن "نيرون" إلى ذلك عاد إلى روما وطلق زوجته "أوكتافيا" وتزوج من عشيقته "بوبيه"، ومع سريان هذا الخبر تعاطفت الجموع مع "أوكتافيا" وألقت بأكاليل الورود على تماثيلها في الميادين العامة، فلما نما ذلك إلى "بوبيه" ازدادت غيرة فحاولت تلفيق تهمة ارتكاب الرذيلة إلى "أوكتافيا"، إلا أن خادمات "أوكتافيا" رفضن الشهادة ضد سيدتهم فسحبتهم "بوبيه" إلى آلات التعذيب ومع ذلك لم تنجح في استنطاقهم بالشهادة المزورة.

* نيرون ينتقم من معارضيه وأصدقائه بالسم
وأراد "نيرون" إرضاء "بوبيه" فأمر بنفي "أوكتافيا" خارج روما إلى مدينة "بابيه"، حيث أسطول "أنيكيتوس" قاتل "أجربينيا"، ولمّا كانت قد تملّكت الغيرة من "بوبيه" فقد طلبت من "أنيكيتوس" أن يشهد ضد "أوكتافيا" ويقول إنها طلبت منه تنفيذ انقلاب ضد "نيرون" وأنها أسلمته جسدها لذلك، وفعل "أنيكيتوس" ذلك أمام المحكمة مما اقتضى من "نيرون" - غير آبه بأي شيء - إصدار حكم الإعدام على "أوكتافيا"

* الاغتيالات
امتدت الاغتيالات بعد ذلك في بحور دماء أراقها "نيرون" غير آبه بأحد، ففي أحد الأيام نشب خلاف بينه وبين "بوبيه" مما دفعه إلى ضربها ضربا مبرِّحاً حتى قتلها ثم أمر بإغراق ابنها، وامتدت اغتيالاته بعد ذلك ليقتل أقرب المقربين منه، قائد جيشه الأمين "بوروس"، ثم قتل أصدقاءه وأقاربه وضباطه، كان السم هو الوسيلة السهلة التي دائما ما كان يستخدمها "نيرون" في عمليات اغتيالاته، وأيضاً قتل معلمه "سينيك".

* تدهور الوضع السياسي
بسبب انصراف "نيرون" عن شؤون البلاد وانغماسه في اللهو والتلذذ بالقتل وإراقه الدماء، فقد نشبت الانقلابات والثورات ضده، ففي إيطاليا قامت ثورة تتزعمها ملكة قبائل "الأيكينين" وتدعى "بوديكا"، وفي أرمينيا ألغيت الامتيازات المعطاة للنفوذ الروماني في المملكة.

* "نيرون" مغنّيا وممثّلا
فشل "نيرون" في الساحة السياسية والعسكرية وسيطرت عليه فكرة أنه كان بارعا في الغناء والتمثيل، فكان يخرج إلى اليونان ويطوف مدنها يحصد الجوائز في مجال التمثيل والغناء، جوائز لا تجرؤ لجان تحكيمها على أن تنتقده أو أن تعطي الجائزة الأولى لغيره في كل المجالات التي يدخل فيها، كان يسير في جيش من الممثلين والمغنيين يحملون أوسمته وجوائزه ويدخل بها إلى روما دخول الجيش المظفر، العائد من ميدان المعركة في هذا الوقت، وكان ينظر للممثلين والمغنيين نظرة دونية من قبل المجمتع باعتبارهم مهرّجين يقومون بهذه الأعمال من أجل الكسب، فكان الاحتقار هو السمة الأساسية التي يوصم بها الممثل عندما يفرغ من مسرحيته ثم يتوسل للجمهور ليصفق له، ومع إصرار "نيرون" على ممارسة التمثيل والغناء فقد زاد ذلك من حنق الشعب عليه.

* الانقلابات
شهدت فترة حكم "نيرون" العديد من محاولات الانقلاب الفاشلة، وأشهر هذه المحاولات كانت على يد تنظيم سري ضم بين أفراده مجموعة من النبلاء والشعراء، كان "بيزو" يتزعم هذا التنظيم وهو أحد النبلاء، وكان ينظر إليه على أنه الامبراطور القادم حال نجاح هذا الانقلاب، وأيضا انضم إلى التنظيم أحد مستشاري "نيرون" ويدعى "سوبريوس فلافيوس" وكان على درجة قاضٍ ويعامل معاملة الوزير في بلاط "نيرون"، أما السيدة الوحيدة في التنظيم فكانت تدعى "أبيكاريس"، وعكف التنظيم على التوسع حتى انكشف أمره، فألقي القبض على "أبيكاريس" وسيقت إلى أشد أنواع التعذيب على الآلات المخصّصة لاستنطاق كل من يغضب عليه "نيرون"، ولكنها وبثبات شديد رفضت أن تدلي بمعلومات عن التنظيم أو عن الأفراد المشاركين فيه، وتحيّنت الفرصة المناسبة وشنقت نفسها بالحبال التي كانت تستخدم في ربطها، لتموت دون أن تخبر جلاديها بما كانوا ينتظرون سماعه منها، بينما سارع التنظيم إلى محاولة تنفيذ مهمته بسرعة بعد القبض على "أبيكاريس"، وتم الاتفاق على قتل "نيرون" في إحدى الاحتفالات، ووجهوا مهمة غرس الخنجر الأول في قلب "نيرون" إلى شخص عرف عنه التهور ويدعى "سكيفينوس"، وقبل موعد تنفيذ المهمة بليلة واحدة، ظهرت معالم القلق على "سكيفينوس" وبدأ يتصرف بغرابة لفتت الأنظار إليه، فأعتق بعض عبيده وطلب من خادمه أن يشحذ له سكيناً خاصّاً ويجعله جاهزاً للاستخدام، فأصاب القلق هذا الخادم وخاف مما ينوي عليه سيده فهرب إلى "نيرون" وأخبر حرّاسه بأنه يريد أن يقابل الامبراطور لأمر خطير، ثم قصّ ما رآه على سيده، وعندما واجه "نيرون" "سكيفينوس" بما قاله خادمه أنكره بشدّة، ولكن الخادم أخبر بأسماء من كانوا يتردّدون على "سكيفينوس" وتم إحضارهم جميعا ومقارنة أقوالهم فتبيّن "نيرون" حقيقة ما يجري وأمر بتنفيذ أشد الأحكام فيهم وفي كل معاونيهم، وأجريت محكمة كبيرة في ساحات حدائق قصر "نيرون" وتمت محاكمة الجميع وازدادت أسماء المتهمين لأن كل شخص يقع في أيدي جلادي "نيرون" يُستَنطق بأشد ألوان العذاب لينطق بأسماء شركاء حتى وإن كان لا بد ينطق بأي اسم سواء له علاقه بالأمر أم لا، وتمت المحاكمة وسقط كل أفراد التنظيم وأريقت دماء كثيرة في مذبحة عامة راح ضحيتها ما يقرب من خمسة آلاف شخص.

* مقتل "سينيك"
في هذه الأثناء تذكر "نيرون" معلّمه وفيلسوفه "سينيك"، وكان هو الوحيد الباقي ممن قاموا بتربيته وساعدوه هو وأمه حتى وصلوا إلى ما يحلمون به، وكان "نيرون" قد قرر مسبقا أن يتخلص من "سينيك" لأنه يمثل فترة سابقة له، ويمثل صوت العقل في بعض الأحيان، ولم يعر "نيرون" أيّ اهتمام لكون الرجل هو من ربّاه وعلّمه في بداية حياته مع "بوروس"، ولما كانت أحداث هذا المذبحة فقد وجدها "نيرون" فرصة للتخلص من "سينيك"، فتم زج اسمه في المؤامرة وصدر الحكم عليه بالإعدام، هذه المرة أمر "نيرون" جنوده أن يذهبوا إلى قصره ويخبروه بحكم "نيرون" وأنه يأمره أن يقتل نفسه ويقطع عروقه حتى الموت، وبالفعل ضُرِب الحصار حول قصر "سينيك" ثم ما لبث أن نفّذ الرجل العجوز حكم "نيرون" وقطع عروقه وقتل نفسه.

* حريق روما
أما أشهر جرائمه على الإطلاق كان حريق روما الشهير سنة 64 ميلادية، حيث راوده خياله في أن يعيد بناء روما، وبدأت النيران من القاعدة الخشبية للسيرك الكبير، حيث شبّت فيها النيران وانتشرت بشدة لمدة أسبوع في أنحاء روما، والتهمت النيران عشرة أحياء من جملة أنحاء المدينة الأربعة عشر، وبينما كانت النيران تتصاعد والأجساد تحترق - وفي وسط صراخ الضحايا - كان "نيرون" جالساً في برج مرتفع يتسلّى بمنظر الحريق الذي خلب لبّه، وفي يده آلة الطرب يغني أشعار "هوميروس" التي يصف فيها حريق طروادة، وقد هلك في هذا الحريق الآلاف من سكان روما، واتجهت أصابع اتهام الشعب والسياسييّن إلى الإشارة إليه، إلى أنه هو المتسبّب في هذا الحريق المتعمّد، وتهامس أهل روما بالأقاويل عليه وتعالت كلماتهم وتزايدت كراهية الشعب نحوه، وأصبح يحتاج إلى كبش فداء يضعه متهماً أمام الشعب، وكان أمامه اختياران: إما اليهود أو المسيحية الحديثة في روما، ولكن كان اليهود تحت حماية" بوبياسبينا" إحدى زوجات "نيرون"، فألصق التهمة بالمسيحيين، وبدأ يلهي الشعب في القبض على المسيحيين واضطهادهم وسفك دمائهم بتقديمهم للوحوش الكاسرة أو حرقهم بالنيران أمام أهل روما في "الستاديوم"، وفي جميع أنحاء الامبراطورية، حتى أن مؤهلات الولاة الذين كانوا يتولّون الأقاليم هو مدى قسوتهم في قتل المسيحيين، وسيقت أفواج من المسيحيين لإشباع رغبة الجماهير في رؤية الدماء، وعاش المسيحيون في سراديب تحت الأرض وفي الكهوف، وما زالت كنائسهم ومخابئهم إلى الآن يزورها السياح.
وقد استمر الاضطهاد الدموي أربع سنوات ذاق فيه المسيحيون كل ما يتبادر إلى الذهن من أصناف التعذيب الوحشي، وكان من ضحاياه: بولس وبطرس اللذان قتلا عام 68 ميلادية.

* انتحار "نيرون" عدو الشعب
ولما سادت الامبراطورية الرومانية الفوضى والجريمة أعلنه مجلس الشيوخ "السيناتو"، أنه أصبح عدوّ الشعب، فمات منتحراً في عام 68 ميلادية، مخلفاً وراءه حالة من الإفلاس نتيجة بذخه الشديد والفوضى من كثرة الحروب الأهلية أثناء حكمه، و"نيرون "هو القيصر الذي أشار إليه سفر الأعمال في (أعمال 25 : 26) و(أعمال 26: 32) ولم ينته اضطهاد المسيحيين بموته.


* الثورة
المتتبع لتاريخ روما يدرك أن الحكم الامبراطوري كان ينتقل في الغالب بالمكيدة وقتل الامبراطور حتى يصل عرش الحكم إلى غيره، وبالنسبة لـ "نيرون" فكانت نهايته لا تختلف كثيرا عن غيره ممن سبقوه، فبعد المذابح والحرائق التي أشعل بها روما، انصرف إلى اليونان ليمارس هوايته في الغناء والرقص والتمثيل، وفي هذه الأثناء قامت ثورة في بلاد "الغال" على يد أحد نبلاء فرنسا ويدعى "فيندكس"، ومع تزايد وتيرة الثورة وانحسار وهزيمة "نيرون" وفشله في إدارة الأزمة، انصرف عنه أصدقاؤه وحاشيته، ولم يجد بُدّاً من أن يهرب من قصره إلى كوخ بعيد لأحد خدامه الذين بقوا معه، وهناك كان يبكي كثيرا على ما وصل إليه، وتذكّر أمّه وقال إنها هي من جلبت عليه اللعنة، وظل مختبئا حتى شعر بأصوات سنابك الجنود تحوم حول المكان، فما كان منه إلا أنه قرر أن يقتل نفسه، وبعد محاولات كثيرة فشلت بسبب خوفه من الموت، قتل نفسه، ومات الطاغية الذي أرهق روما بمجونه وجنونه.

المصدر : جريدة البوابة



إظهار التوقيع
توقيع : أنغام السحر
#2

افتراضي رد: الطاغية نيرون ~ موقد النيران فيي روما ~

ممتااااااااز
إظهار التوقيع
توقيع : ♥H a b i b a♥
#3

افتراضي رد: الطاغية نيرون ~ موقد النيران فيي روما ~

شكراً للمرور عزيزتي
إظهار التوقيع
توقيع : أنغام السحر


قد تكوني مهتمة بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى
شخصيات خلدها التاريخ I dO nOt CaRe شخصيات وأحداث تاريخية
تأسيس مدينة روما، متى تأسست مدينة روما التاريخية؟؟تاريخ تأسيس مدينة روما إشرآقـــة أمل شخصيات وأحداث تاريخية
أبرز 10 محطات بمشوار محمد صلاح مع روما سارة سرسور اخبار رياضية
نيرون الطاغية الذي أحرق شعبه اماني 2011 شخصيات وأحداث تاريخية
الميلان يؤمن صدارته بفوزه على روما الـمـتـألـقـة اخبار رياضية


الساعة الآن 11:42 PM


جميع المشاركات تمثل وجهة نظر كاتبها وليس بالضرورة وجهة نظر الموقع


التسجيل بواسطة حسابك بمواقع التواصل