مدخل :
كان سبب ترك "سيبويه" لدراسة الحديث أنه وقع فى خطأ نحوي أمام زملائه فصححه له شيخه على الفور، فذات يوم كان "سيبويه" فى حلقه شيخه "حماد بن سلمة" إذ سمعه يملي على تلاميذه قول النبي- صلى الله عليه وسلم- :
"ما من أحد من أصحابي إلا وقد أخذت عليه ليس أبا الدرداء" .
فقال "سيبويه" :
ليس "أبو الدرداء"؛ مصححًا لشيخه، ظنًّا منه أن "أبا الدرداء" اسم ليس التي ترفع المبتدأ وتنصب الخبر، فقال له "حماد" : لحنت (أخطأت) يا "سيبويه"، إنما "ليس" هنا استثناء، أي بمعنى " إلا " فيكون معنى الحديث : ما من أحد من أصحابي الا وقد أخذت عليه إلا أبا الدرداء"،
فقال "سيبويه" : لا بأس، سأطلب علمًا يجعلني لا ألحن أبدًا فى حديثي .
(سيبويه سمي سيبويه لأنه كان شديد النظافة منذ صغره فلقبته أمه سيبويه وهي كلمة فارسية معناها رائحة التفاح )
من هو سيبويه ؟
عمرو بن عثمان بن قنبر الحارثي بالولاء، يُكنى أبو بشر، الملقب سيبويه: إمام النحاة، وأول من بسّط علم النحو. أخذ النحو والأدب عن الخليل بن أحمدويونس بن حبيبوأبي الخطاب الأخفشوعيسى بن عمر، وورد بغداد، وناظر بها الكسائي، وتعصبوا عليه، وجعلوا للعرب جعلا حتى وافقوه على خلافه. من آثاره: كتاب سيبويهفي النحو
أسرته وحياته :
لم تذكر كتب التراجم شيئاً عن مكان أسرته، أو مستواها الثقافي أو الاجتماعي، فكل ما وصل إلينا يومئ إلى أنه كان من أسرة فارسية. وقد أغفلت كتب التراجم السنة التي ولد فيها سيبويه، غير أن بعض الباحثين ذهبوا إلى أنه ولد في سنة 148 هـ، وقيل غير ذلك. وُلد سيبويه في قرية البيضاء في بلاد فارس. نشأ سيبويه بالبصرة بعد أن رحلت أسرته من بلاد فارس إليها، وهو مولى بني الحارث بن كعب، وقيل مولى آل الربيع بن زياد، سميّ سيبويه لان أمه كانت ترقصه وتقول له ذلك، ومعنى سيبويه رائحة التفاح، وقيل بل لأنه كان شابا نظيفا جميلا أبيضا مشربا بحمرة كأن خدود لون التفاح وذلك يقال له سيبويه لان التفاح سيب أو لأنه كان يعتاد شم التفاح أو كان يشم منه رائحته .اتجه إلى دراسة الفقه والحديث حتى خطّأه حَمَّادُ بن سَلَمة البصري، فاتجه إلى تعلم النحو. فقد روي أن سيبويه قصد مجلس حَمَّاد بن سلمة الذي كان يستملي عليه سيبوبه حديثاً جاء فيه قال: «قال صلى الله عليه وسلم: ليس من أصحابي أحد إلا لو شئت لأخذت عليه ليس أبا الدَّرداء»، فقال سيبويه: «ليس أبو الدَّرداء» ـ ظنّه اسم ليس، فصاح به حمَّاد: لحنت يا سيبويه، ليس هذا حيث ذهبت، إنما هو استثناء، فقال سيبويه: لاجَرَم والله لأطلبن علماً لا تُلَحِّنَنِّي فيه أبداً.
شيوخ سيبويه
من أشهر شيوخه حماد بن سلمة، وبعد قراره الأخير هذا عمد سيبويه إلى إمام العربية وشيخها الخليل بن أحمد الفراهيدي؛ لينهل ويتعلم منه عن حبٍّ وعزيمة وقوة إرادة، فصار يلازمه كالظلِّ حتى لقد بدا تأثره الكبير بشيخه هذا على طول صفحات كتابه الوحيد وعرضه في رواياته عنه، واستشهاداته به. ولم يكتف سيبويه بشيخه الخليل بن أحمد في علوم النحو والعربية، فأخذ العلم عن يونس بن حبيب، وعيسى بن عمر وغيرهم. فتنوعت ثقافته، وتوسعت معرفته بعلم النحو والصرف، وتبوأ مكانة علمية متميزة، ثم رحل إلى بغداد، والتقى بالكسائي شيخ الكوفيين، ووقعت بينهما مناظرة في النحو (المسألة الزُّنبورية) وقد تغلب فيها الكسائي على سيبويه ، غير أن سيبويه لم يبق في بغداد بعد هذه المناظرة عاد إلى فارس، ولم يعد إلى البصرة.
تلامذة سيبويه
لأن القدر لم يمهله طويلاً حيث تُوُفِّي في ريعان شبابه، فلم يكن لسيبويه تلاميذ كثيرون، وكان من أبرز من تتلمذوا على يديه ونَجَم عنه من أصحابه: أبو الحسن الأخفش، وقُطْرب ويقال: إنه إنما سمِّي قطربًا لأن سيبويه كان يخرج فيراه بالأسحار على بابه، فيقول له: إنما أنت قطرب ليل. والقُطْرب: دويبة لا تزال تدبُّ، ولا تفتر.
آراء العلماء فيه :
- قال عنه ابن عائشة: "كنا نجلس مع سيبويه النحوي في المسجد، وكان شابًّا جميلاً نظيفًا، قد تعلق من كل علم بسببٍ، وضرب في كل أدب بسهمٍ، مع حداثة سنِّه وبراعته في النحو.
- قال معاوية بن بكر العليمي: "عمرو بن عثمان قد رأيته وكان حدث السن، كنت أسمع في ذلك العصر أنه أثبتُ مَن حمل عن الخليل، وقد سمعته يتكلم ويناظر في النحو، وكانت في لسانه حُبْسة، ونظرتُ في كتابه فرأيت علمه أبلغَ من لسانه".
- قال الأزهري: كان سيبويه علامة حسن التصنيف جالس الخليل وأخذ عنه، وما علمت أحدا سمع منه كتابه لأنه احتضر شابا، ونظرت في كتابه فرأيت فيه علما جما.
- قال الذهبي: إمام النحو، حجة العرب، الفارسي ، ثم البصري. قد طلب الفقه والحديث مدة، ثم أقبل على العربية، فبرع وساد أهل العصر، وألف فيها كتابه الكبير الذي لا يدرك شأوه فيه. قيل فيه مع فرط ذكائه حبسة في عبارته ، وانطلاق في قلمه.
- قال المبرد: "لم يُعمل كتاب في علم من العلوم مثل كتاب سيبويه؛ وذلك أن الكتب المصنَّفة في العلوم مضطرة إلى غيرها، وكتاب سيبويه لا يحتاج مَنْ فَهِمَه إلى غيره".
- قال محمد بن سلام : "كان سيبويه النحوي غاية الخلق في النحو وكتابه هو الإمام فيه".
- قال ابن النطاح: "كنت عند الخليل بن أحمد فأقبل سيبويه فقال : مرحبا بزائر لا يمل ، فقال أبو عمر المخزومي وكان كثير المجالسة للخليل : ما سمعت الخليل يقولها لأحد إلا لسيبويه".
- قال ابن كثير: "وقد صنف في النحو كتابا لا يلحق شأوه وشرحه أئمة النحاة بعده فانغمروا في لجججججججججججج بحره ، واستخرجوا من درره ، ولم يبلغوا إلى قعره".
- قال أبو إسحاق الزجاج: "إذا تأملت الأمثلة من كتاب سيبويه تبينت أنه أعلم الناس باللغة".
- قال الجاحظ في كتاب سيبويه: "لم يكتب الناس في النحو كتابا مثله وجميع كتب الناس عليه عيال".
- قال صاعد الأندلسي: "لا أعرف كتابًا أُلِّف في علم من العلوم قديمها وحديثها فاشتمل على جميع ذلك العلم، وأحاط بأجزاء ذلك الفن غير ثلاثة كتب، أحدها: المجسطي لبطليموس في علم هيئة الأفلاك، والثاني: كتاب أرسطوطاليس في علم المنطق، والثالث: كتاب سيبويه البصري النحوي؛ فإن كل واحد من هذه لم يشذّ عنه من أصول فنِّه شيء إلا ما لا خطر له".
مولفاته :
كيف مات العالم سيبويه ؟ (العالم الذي قتلته مسألة نحويه!!!!!!!!!!)
:روى الزجاجي في أماليه: (( وكان الكسائي والأصمعي بحضرة الرشيد، وكانا ملازمين له يقيمان بإقامته ويظعنان بظعنه، فأنشد الكسائي:أنّى جَزَوْا عامرا سُوءَي بفعلهمُ أم كيف يجزونني السُوءَي من الحسنِ؟أم كيف ينفع ماتعطي العلوقُ به رئمان أنفُ إذا ماضنّ باللبنِفقال الأصمعي:إنما هو رئمان أنفَ بالنصب، فقال الكسائي: اسكتْ ماأنت وذاك؟ يجوز بالرفع والنصب والخفض، أما الرفع فعلى الرد على ما لأنها في موضع رفع بينفع فيصير التقدير : أم كيف ينفع رئمان أنفُ، والنصب بتعطي والخفض على الرد على الهاء في به ، وقال: فسكت الأصمعي))( أي تُرفَع بدلا من (ما) وتُنصب مفعولا لتعطي وتُجَر بدلا من الهاء في به)بين الكسائي وسيبويه:طمحت نفس سيبويه إلى الشخوص إلى بغداد أملاً في الحظوة عند الخلفاء والأمراء، فارتحل إليها ومايدري ماخبّأه الغيبُ له، فرُبَّ ساعٍ لحتفه، وحق ماقاله خليفةُ بن بزار الجاهلي:والمرء قد يرجو الرجا ..... مؤمّلا والموت دونهونزل ضيفاً عند يحيى بن خالد البرمكي وزير هارون الرشيد، فاعتزم يحيى الجمعَ بينه وبين الكسائي بعد أن عرف الرشيد جلية الأمر وعين لذلك يوماً في دار الرشيد، فحضر سيبويه أولا وتلاقى مع الفراء والأحمر تلميذيْ الكسائي فسـألاه وخطّآه في الإجابة وأغلظا له في القول، ويطول بنا الكلام ونحرج عن المقصود لو عرضنا لهذه الأسئلة وماأجيب به عنها وكل ذلك معروف في كتب النحو المبسوطة، فقال لهما: لستُ أكلمكما حتى يحضر صاحبكما، يعني شيخهما الكسائي، جاء الكسائي وغصّت الدار بالحضور على مشهد من يحيى وابنه جعفر ثم بدأ الكسائي الحديث وقال لسيبويه: تسألني أو أسألك؟ فقال سيبويه: سل أنت، فقال له ) هل يقال كنتُ أظنّ أن العقربَ أشدّ لسعةً من الزنبور، فإذا هو هي، أويقال مع ذلك فإذا هو إياها) فقال سيبويه: ( فإذا هو هي) ولايجوز النصب ، فسأله عن أمثال ذلك نحو: ( خرجت فإذا عبدُالله القائمُ أو القائمَ) ، فقال كله بالرفع فقال الكسائي العرب ترفع ذلك وتنصبه ) ، واحتدم الخلاف بينهما طويلا ، فقال يحيى: قد اختلفتما وأنتما رئيسا بلديْكما فمن يحكُم بينكما؟ فقال الكسائي هؤلاء العربُ ببابك وفدتْ عليك من كلّ صُقع وقد قنع بهم أهلُ المصريْن ، يحضرون ويسألون ، فقال يحيى قد أنصفت ، واستدعاهم فتابعواالكسائي ، فأقبل الكسائي على سيبويه وقال له : قد تسمع أيها الرجل ، قاستكان سيبويه عند ذلك وانقبض خاطره ، فقال الكسائي ليحيى: أصلح الله الوزير، إنه قدم إليك راغباً فإن أردت أن لاتردّه خائباً ، فرقّ له يحيى وجبر كسره، فخرج من بغداد وتوجّه تلقاء فارس يتوارى من الناس من سوء مالحقه ، ولم يقدر أن يعود إلى البصرة ، وقد كان إمامها غير منازع ، فمات غمّاً بفارس في ريعان شبابه ، وقال قرب احتضاره متمثلا
يؤمّل دنيا ليبقى بها ......... فمات المؤمّل قبل الأمل
حثيثاً يُروِّي أصول النخيل ... فعاش الفسيلُ ومات الرجل
وقد رُويتْ هذه المناظرة على صور مختلفة ، ويرى جمهرة العلماء أن إصبع السياسة لعبتْ دوراً كبيراً في هذه الحادثة الخطيرة ، لأنها حكم بين البلديْن لا الرجليْن ، وماوافقت العرب الكسائي إلا لعلمهم أنه ذو حظوة عند الرشيد وحاشيته ، وهم على يقين من أنّ الحق مع سيبويه، على أنه روي أنهم قالوا : القولُ قولُ الكسائي بإيعاز رجال الدولة ولم ينطقوا بالنصب إذ لاتطاوعهم ألسنتهم، ولذا طلب سيبويه أمرهم بالنطق بها لكنه لم يستمع له.
يذكر أن الكسائي كان ينام وتحت وسادته كتاب سيبويه في النحو وهذا ما مات منه سيبويه حينما رأى أن اللغة العربية ضاعت على يد علماء النحو من أجل مسألة شخصية .
العالم النحوي الكسائي (رسم توضيحي )
إلى اللقاء مع شخصية أخرى