روى الإمام مسلم - رحمه الله تعالى - في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
((تجدون الناس معادن، فخيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا،
وتجدون من خير الناس في هذا الأمر أكرههم له قبل أن يقع فيه،
وتجدون من شرار الناس ذا الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه)
حديث آخر
وهو عن أبي هريرة رضي الله عنه يرفعه قال:
((الناس معادن كمعادن الذهب والفضة، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا،
والأرواح جنود مجندة؛ فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف))
أصل البشر هو الأرض بما تحويه أو تحتويه من معادن أو عناصر،
وكل عنصر له صفات مميزة (كسائر البشر)، ولا يكاد يتَّفِق عنصر مع عنصر آخر في
جميع الصفات من ناحية الصلابة، أو الصلادة (عدم الخدش)، أو الأصالة، أو الفاعلية (التفاعل مع الآخر)،
أو الخمول (عدم الانفعال تجاه الآخر)، أو التشكُّل (التحول من حالة إلى حالة)، أو الندرة، كما هو معلوم،
أن عناصر الأرض تنقسم إلى ما يلي:
1- فلزَّات.
2- أشباه الفلزَّات.
3- لا فلزَّات.
4- عناصر مشعة وعناصر نادرة.
1- الفلزات:
وتتدرج من عنصر (الصوديوم والبوتاسيوم)، وهما الأكثر نشاطًا وتفاعلاً من الناحية الكيميائية،
ثم (الباريوم، والنُّحاس، والحديد، والرصاص)، ثم الذهب والفضة، وهما الأقل نشاطًا والأكثر ثباتًا
ومقاومة للمؤثرات الخارجية، وتتميز الفلزات بالقدرة على التوصيل الحراري والكهربائي،
وأنها تحمل عند التأيُّن (في الماء) شحنات موجبة.
2- أشباه فلزات؛ مثل عنصري السليكون والزرنيخ،
وتتسم هذه العناصر بسمة التشكيل والتذبذب بين الفلزات واللا فلزات،
وليست لها صفات ثابتة، فهي مرة فلز، ومرة لا فلز.
3- اللا فلزات؛ مثل عنصر الكربون والكبريت والفسفور والنتروجين،
وهذه تحمل صفات على العكس والنقيض من الفلزات،
فهي بطيئة التفاعل، وخاملة، وغير موصلة للحرارة والكهرباء، وتحمل عند التأين شحنات سالبة.
4- العناصر المشعة النادرة، وهي قليلة جدًّا،
وتقع في الجدول الدوري في نهاية كل مجموعة من مجموعات العناصر الانتقالية،
وهي التي تقع بين العناصر النشطة والغازات النبيلة أو (الخاملة)،
ومثال العناصر المشعة؛ الفرنسيوم، واليورانيوم، والبلوتونيوم.
هناك مجموعة خامسة تُسمَّى بالغازات النبيلة،
وهي توجد في الكون في حالة خاملة ومستقرة،
لا تميل إلى التفاعل مع الآخر؛ مثل النيون، والآرجون، والرادون.
هذا، وقد تم اكتشاف مائة وأربعة عشر عنصرًا (114) في الأرض وفي الهواء الجوي (كعدد سور القرآن!)،
وأضيف إلى ذلك أن جسم الإنسان يحتوي على غالبية هذه العناصر، كما أنه يحتاج إليها لاستمرار النمو،
وما يلزم العمليات الحيوية التي تتم داخل الخلية والجسم الإنساني؛
ولهذا نجد معظم الأدوية المقوية والمنشطة تحتوي على كثير من هذه العناصر بصورة ثابتة
ومحدودة ومنتظمة لأداء بعض الوظائف الحيوية، خصوصًا عضلة القلب
،
ومن هذه العناصر
عنصر الصوديوم (الموجود في ملح الطعام)، والبوتاسيوم الذي يؤدي فقدُه إلى حالة الجفاف،
والكالسيوم (والذي تبنَى منه العظام، وتتناوله النساء خصوصًا الحوامل في فترة الحمل والرضاعة
في صورة مادة كاربونات الكالسيوم، وهو حجر موجود في الأرض، ولكن بصورة أو بشكل دوائي)،
وأيضًا عنصر الحديد (المكون لمادة الهيموجلوبين).
ومن هنا العَلاقة ووجه الشبه والتمثيل الذي نطق به النبي صلى الله عليه وسلم في قوله
: ((الناس معادن))، إن صفات الناس وطبائعهم التي طبعهم الله عليها تختلف
كما تختلف صفات العناصر، بل ولها صفات تلك العناصر، وبيان ذلك ما يلي:
1- فهناك من الناس معدِنُهم كالصوديوم والبوتاسيوم، فهم في نشاط مستمر، وعمل دائب، لا يكل ولا يمل
، كثير العطاء وإيجابي، خصوصًا إذا علمنا أن ذرة الصوديوم تحمل في مدارها الخارجي "إلكترونًا" واحدًا؛
لذا فهي تميل إلى فقده؛ أي تجود به على عنصر آخر، وتبقى هي موجبة الشحنة،
ومن هنا كان العطاء والإيجابية تجاه الآخرين والفاعلية والتأثير، فهذا الصنف فاعل ومؤثِّر،
ولا يهدأ له بال، ولا يستقر له حال، حتى يحقق الهدف الذي يسعى إليه،
وهو كذلك يحمل عن الناس أثقالهم، ويتفانَى في خدمة الآخرين،
ولعل هؤلاء الذين جاء الحديث عنهم في القرآن وفي السنة:
2- صنف آخر من الناس يتلوَّن ويتشكَّل حسب الحال والجو العام، وهو الذي يشبه مجموعة أشباه الفلزات،
ولعل هؤلاء الذين سماهم القرآن بالمنافقين، والكلام عنهم كثير في القرآن الكريم، ومن ذلك قوله تعالى
: ﴿ مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ ﴾ [النساء: 143].
3- صنف ثالث من الناس، تجده خاملاً، بطيء التأثر، بطيء الاستجابة، وأحيانًا تجده متبلِّد الحس،
لا يستجيب إلا بمؤثرات قوية، ولا يتحرك إلا بالتعنيف والمعاملة بالشدة،
بالضبط كمثل النوع الثالث من العناصر، وهي اللا فلزات، فهي خاملة من الناحية الكيميائية، بطيئة التفاعل
، لا تتأثر ولا تتفاعل إلا تحت ظروف صعبة وقوية، وفي وجود محفزات، وهي مع ذلك سلبية؛
(حيث إن اللا فلزَّات حينما تتفاعل، فإنها تكتسب إلكترونات فتكون سالبة الشحنة)،
وهي في غالب الأمر متأثرة تحت ظروف وضغوط قوية وليست مؤثرة.
ولعل من هؤلاء قساة القلوب، كاليهود وأشباههم، وقد قال الله تعالى فيهم:
﴿ ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ
وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ [البقرة: 74].
ومنهم كذلك الذين يجادلون ويحبُّون الجدال، ولا يحبون اللين والرفق،
وقد تفيد معهم الشدةُ والتعنيف في دعوتهم ومحاولة هدايتهم؛
4- وأما الصنف الرابع، فهو نادر الوجود؛ كالعناصر المشعة، وكما هي قلة في الأرض،
كذلك فهي قلة في التاريخ الإنساني، تأثيرها في حياتها وبعد مماتها،
بل إن تأثيرها دائم ما دامت الحياة، ولعل من هذا الصنف الرسل والأنبياء،
وأصحاب الدعوات والاكتشافات المهمة والخطيرة والمؤثرة في الحياة الإنسانية، والمجددون،
ولهذا الصنف تأثير عام وشامل في كل شيء
، كما أن للعنصر المشع تأثيرًا عامًّا وشاملاً في كل العناصر.
ثم أعود إلى الحديث مرة ثانية، والذي رواه الإمام مسلم في صحيحه
عن أبي هريرة رضي الله عنه يرفعه قال:
((الناس معادن كمعادن الذهب والفِضِّة، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا،
والأرواح جنود مجندة؛ ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف))؛
علاقة ((الناس معادن)) بقوله: ((الأرواح جنود مجندة))؟
إن العَلاقة وطيدة ومباشرة، فكما أن أي معدِن (أو عنصر) لا يتفاعل مع أي معدِن (أو عنصر)،
فكذلك فأي إنسان لا تميل روحه لأي إنسان، فلا بد إذًا من رابطة تربط بين إنسان وإنسان،
وكما أن الروابط التي تربط بين عنصرين معينين إما رابطة أيونية أو تساهمية
(كما تسمى في علم الكيمياء)
، فكذلك الرابطة بين شخصين هي الرابطة الروحية؛ أي: تلاقي الأرواح وتَوافُقها.
وكما أنه يُوجَد من العناصر ما يحمِل شحنةً موجبة، ومنها ما يحمل شحنة سالبة،
فإن من الثابت - فيزيائيًّا - أن الأقطاب الموجبة تتنافر، والأقطاب السالبة تتنافر،
بمعنى أن الأقطاب المتشابهة تتنافر، والمختلفة تتجاذب؛
(أي إن السالب مع السالب يتنافر، والموجب مع الموجب يتنافر، والسالب مع الموجب يتجاذب)!
ولعل محتوى جسم بشري معيَّن من بعض العناصر، ونِسَب وجود هذه العناصر،
واختلاف هذه النسب من شخص لآخر أو اتفاقها،
هو السر في تلاقي الأرواح أو تنافرها، والله تعالى أعلى وأعلم.
ويقول الأستاذ الدكتور خالص جلبي يقول في كتاب (ظاهرة المحنة) ما يلي:
(ولا شك أن هناك عنصرًا ثابتًا في تكوينِ الخريطة النفسية للإنسان، وهي الشفرة الأولية في الكروموسومات
(بكيفيةٍ ما زالت سرًّا حتى الآن)،
ولكن مع هذا يبقى عنصر السنة في الموضوع لا يتبدَّل، وإن كان جهلنا لم يمنَحْنا كشف اللثام عنه،
ثم تتدخَّل عوامل البيئة في التكوين الجديد للبِنْية النفسية،
وقد انتبه ابن خلدون إلى تأثير الهواء والغذاء في الأخلاق وطبائع البشر،
بل هناك اليوم أبحاث حديثه في عَلاقة الأحماض الأمينية بأخلاق البشر)
أنواع العناصر،:
1- العنصر شديد الفعالية؛ مثل الصوديوم (أحد عنصري الملح).
2- الصلب الثابت؛ مثل النحاس والحديد (قد يصيبه الصدأ).
3- الأصيل الذي لا يصدأ؛ مثل الذهب والفضة.
4- المشع مثل الراديوم والبلوتونيوم، وهي تعتبر من العناصر النادرة،
في نفس الوقت "تفجيرية"، فصنعت منها القنابل الذرية.
ويقول: وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمعادن الناس تمشي تقريبًا مع هذا الترتيب:
وعناصر الناس ومعادنهم تبقى أشبه بالسر حتى تجيء المحنة، فتكشف نوع المعدن
وهكذا علم النبي صلى الله عليه وسلم وعلمنا أنه كما أن معادن الأرض مختلفة في صفاتها،
ومن الأرض خُلق الناس، فكذلك الناس مختلفون، وهم درجات في صفاتهم،
.
ثم تأتي المواقف والأزمات لتصقل معدِن الإنسان، وتظهر حقيقتَه في الصعاب، وحقيقة نفسه الكامنة،
وصفاتها المغمورة، فإن الأحداث تكشف المستور، والامتحانات تميز الخبيث من الطيب،
كمَن يفتِن المعدن ليُخرِج خبثه، ويبقى أصله وحقيقته، ويبقى نفعه،
منقول