بالرغم من التطور الذي نشهده الان على هذه الحياة وبالرغم من المرتكزات الأساسية التي تُقرّها الأديان والمذاهب الإنسانية في تأكيد الرحمة والرأفة والرفق بين بني الإنسان، ورغم حجم الاضرار التي تكبدتها الإنسانية جرّاء اعتماد العنف كأداة للتخاطب والتمحور ، ومع ما يعيشه إنسان اليوم في عصر الحداثة والعولمة والتطور ، لكن لم يستطع هذا التقدم أن يهدي إلى البشرية السلام والرفق والمحبة والألفة.
إذ تبقى هنالك كثيراً من المفاهيم القديمة عالقة ومترسخة في النفوس البشرية حتى الان رغم مانعيشه الان من تقدم .
إن في ظاهرة العنف عامة هي من النوع الذي يأخذ هذا الطابع فالعنف سولك أو فعل إنساني يتسم بالقوة والإكراه والعدوانية صادر من طرف وهذا الطرف قد يكون فرداً ، أو جماعة أو دولة ، وهو موجه ضد طرف اخر بهدف إخضاعه أو إستغلاله في إطار علاقة قوة غير متكافئة بين كلا الطرفين مما يتسبب في إحداث أضرار مادية أو معنوية لفرد أو لجماعة أو طبقة إجتماعية .
وحسب هذا فان العنف يشمل السب والشتم والضرب والقتل والاعتداء من جانب الأضرار المادية ، كما يشمل أضرار معنوية اخرى .
والعنف ضد المرأة يمكن القول أنه سلوك أو فعل موجّه إلى المرأة يقوم على القوة والشّدة والإكراه، ويتسم بدرجات متفاوتة من التمييز والإضطهاد والقهر والعدوانية، ناجم عن علاقات القوة غير المتكافئة بين الرجل والمرأة في المجتمع والأسرة على السواء، والذي يتخذ أشكالاً نفسية وجسدية متنوعة في الأضرار.
يأخذ العنف ضد المرأة عدة أشكال فمنها ماهو ( فردي ) وهذا الشكل يتجسد بالإيذاء المباشر وغير المباشر للمرأة سواء أكان باليد اللسان أو الفعل ، أما الشكل الاخر فهو الذي يسلط ويستهدف جماعة بحالها وهو ما يعرف ب( العنف الجماعي ) والذي تقوم به مجموعة بشرية بسبب عرقي أو طائفي أو ثقافي والذي يأخذ صفة التحقير أو الإقصاء أو التصفيات .
كما أن هنالك شكل اخر وهو مايعرف ب( عنف السلطة أو النظام )
وعندما تقع المرأة ضحية الاضرار المعتمد جرّاء منهج العنف فإنها تفقد إنسانيتها وبفقدانها لإنسانيتها ينتفي أي دور بنّاءٍ لها في حركة الحياة.
تتعدد الأسباب التي ينتج من خلالها العنف الموجه ضد المرأة فمن هذه الاسباب ما يتنوع بإختلاف الوضع الذي ينشأ فيه العنف إلا أن هنالك أسباب تكاد تكون رئيسية في إندلاع شرارة العنف وهي ما سنتطرق اليه .
يعتبر الكثيرين من الباحثين في هذا الشأن أن المرأة هي أحد العوامل الرئيسية لبعض أنواع العنف والاضطهاد، وذلك لتقبلها له واعتبار التسامح والخضوع أو السكوت عليه كرد فعل وذلك بحكم الصفة الرقيقة والحساسية العالية التي وهبت الى كل إمراة ، مما يجعل الآخر يأخذ في التمادي والتجرأ أكثر فأكثر. وقد تتجلى هذه الحالة أكثر عند فقد المرأة من تلتجأ إليه، ومن يقوم بحمايتها. وأيضاً الأسباب الثقافية؛ كالجهل وعدم معرفة كيفية التعامل مع الآخر وعدم احترامه، وما يتمتعه من حقوق وواجبات تعتبر كعامل أساسي للعنف. وهذا الجهل قد يكون من الطرفين المرأة والمُعنِّف لها ( الشخص الذي يقوم بالعنف ) ، فجهل المرأة بحقوقها و واجباتها من طرف، وجهل الآخر بهذه الحقوق من طرف ثان مما قد يؤدي إلى التجاوز وتعدي الحدود .
بالإضافة إلى ذلك تدني المستوى الثقافي للأسر وللأفراد، والاختلاف الثقافي الكبير بين الزوجين بالأخص إذا كانت الزوجة هي الأعلى مستوى ثقافيا مما يولد التوتر وعدم التوازن لدى الزوج كردة فعل له، فيحاول تعويض هذا النقص باحثا عن المناسبات التي يمكن انتقاصها واستصغارها بالشتم أو الإهانة أو حتى الضرب.
وحسب الدراسات والإحصاءات والبحوث التربوية بهذا الصدد فإن أسس التربية العنيفة التي قد ينشأ عليها الفرد هي التي تولد لديه العنف، إذ تجعله ضحية له حيث تشكل لديه شخصية ضعيفة وتائهة وغير واثقة، وهذا ما يؤدي إلى جبران هذا الضعف في المستقبل بالعنف، بحيث يستقوي على الأضعف منه وهي المرأة، وكما هو المعروف أن العنف لا يولد إلا العنف.
وقد يكون الفرد شاهد عيان للعنف كالذي يرد على الأمهات من قبل الآباء بحيث ينشأ على عدم احترام المرأة وتقديرها واستصغارها، فتجعله يتعامل بشكل عنيف معها.
أما غالبية أسباب العنف في البلدان المتخلفة دائما ما تكون بحكم عادات وتقاليد هذه البلدان والمناطق التي رسخت في أذهان مواطنيها وهي تحمل في طياتها الرؤية الجاهلية لتمييز الذكر على الأنثى مما يؤدي ذلك إلى تصغير وتضئيل الأنثى ودورها، وفي المقابل تكبير وتحجيم الذكر ودوره. حيث يعطى الحق دائما للمجتمع الذكوري للهيمنة والسلطنة وممارسة العنف على الأنثى منذ الصغر، وتعويد الأنثى على تقبل ذلك وتحمله والرضوخ إليه إذ إنها لا تحمل ذنباً سوى أنها ولدت أنثى.
بعض من الضائقات المادية والإقتصادية قد تكون من الاسباب الرئيسية في العنف فالخلل المادي الذي يواجهه الفرد أو الأسرة أو..، والتضخم الاقتصادي الذي ينعكس على المستوى المعيشي لكل من الفرد أو الجماعة حيث يكون من الصعب الحصول على لقمة العيش و..من المشكلات الاقتصادية التي تضغط على الآخر أن يكون عنيفا ويصب جل غضبه على المرأة. أضف إلى ذلك النفقة الاقتصادية التي تكون للرجل على المرأة، إذ انه من يعول المرأة فلذا يحق له تعنيفها وذلك عبر إذلالها وتصغيرها من هذه الناحية. ومن الطرف الآخر تقبّل المرأة بهذا العنف لأنها لا تتمكن من إعالة نفسها أو إعالة أولادها.
كما أن أخطر الأسباب التى تفجر العنف هو ما يعرف ب( عنف النظام أو السلطة ) وقد تأخذ الأسباب نطاقا أوسع ودائرة اكبر عندما يصبح بيد السلطة العليا الحاكمة، وذلك بسن القوانين التي تعنّف المرأة أو تأييد القوانين لصالح من يقوم بعنفها، أو عدم استنصارها عندما تمد يدها لأخذ العون منهم.
إن في خطورة هذا السبب ما يمكن السلطة بحكم قوتها في سن وتنفيذ القوانين التي بدورها ستكون عنفا معنويا ينتقل بعدها الى عنف مادي ملموس .
وبالنظر الى كثرة أسباب الولوج الى العنف إلا أن هنالك طرق نرى أنها يمكن أن تخرجنا من دوامة العنف ضد المرأة بما أن ظاهرة العنف ضد المرأة ظاهرة قديمة وكبيرة الاتساع منذ أن كانت في العصر الجاهلي تباع المرأة وتشترى، وتوأد في التراب وهي حية، فلا نتوقع أن يكون حل هذه الظاهرة أو علاجها آنيا وبفترة قصيرة. وإنما لابد من كونه جذريا وتدريجيا من أجل القضاء عليها أو الحيلولة إلى إنقاصها بأكبر قدر ممكن. وذلك عبر:
* التوعية الاجتماعية سواء كان ذلك في المجتمع الأنثوي أو في المجتمع العام، إذ لابد من معرفة المرأة لحقوقها، وكيفية الدفاع عنها، وإيصال صوت مظلوميتها إلى العالم بواسطة كافة وسائل الإعلام، وعدم التسامح والتهاون والسكوت في سلب هذه الحقوق، وصناعة كيان واعي ومستقل لوجودها.
ومن طرف آخر نشر هذه التوعية في المجتمع الذكوري أيضا، عبر نشر ثقافة احترام وتقدير المرأة التي تشكل نصف المجتمع بل غالبيته.
* إن الدور التي تلعبه وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة في بث العديد من الثقافات إلى جميع المجتمعات سلبا أو إيجابا واضحة للجميع، لذا من الضروري تعميم هذه التوعية لتصل إلى هذه الوسائل لتقوم بالتغطية اللازمة لذلك.
ولابد من تضاعف هذه الجهود بالنسبة إلى وسائل التلفزة لحذف المشاهد والمقاطع التي توحي من قريب أو بعيد إلى تدعيم ظاهرة العنف ضد المرأة.
* القضاء على كل العادات والتقاليد الضارة التي من شأنها أن تمهد لعنف مكرس ضد المرأة .
* ضرورة سن قوانين من السلطات لنبذ العنف ضد المرأة ومعاقبة كل من يقوم بالإعتداء المباشر أو غير المباشر وفرض أصعب العقوبات لكل من يرتكب جريمة العنف .
هناك الكثير من الحلول التي يمكن أن تطرح ويبدأ العمل في تطبيقها للخروج من دوامة العنف ، فإنَّ من حق كل إنسان ألا يتعرض للعنف وأن يُعامل على قدم المواساة مع غيره من بني البشر باعتبار ذلك من حقوق الإنسان الأساسية التي تمثل حقيقة الوجود الإنساني وجوهره الذي به ومن خلاله يتكامل ويرقى، وعندما تُهدر هذه الحقوق فإنَّ الدور الإنساني سيؤول إلى السقوط والاضمحلال، والمرأة صنو الرجل في بناء الحياة وإتحافها بالإعمار والتقدم، ولن تستقيم الحياة وتُؤتي أُكلها فيما لو تم التضحية بحقوق المرأة الأساسية وفي الطليعة حقها بالحياة والأمن والكرامة، والعنف أو التهديد به يقتل الإبداع من خلال خلقه لمناخات الخوف والرعب الذي يُلاحق المرأة في كل مكان.
منقول
تم النشر على صفحات سودافويس