أو

الدخول بواسطة حسابك بمواقع التواصل

#1

افتراضي القصة الثالثة: توبة شاب قبل موته بلحظات في المسجد


القصة الثالثة: توبة شاب قبل موته بلحظات في المسجد



حقا ما أتعس الإنسان حين تستبد به عاداته وشهواته فينطلق معها إلى آخر مدى.


لقد استعبدت محمدا الخطيئة والنزوة فأصبح منقادا لها، لا يملك نفسه،

ولا يستطيع تحريرها، فحرفته إلي حيث لا يملك لنفسه، إلى حيث الهلاك....

فكان يسارع إلى انتهاك اللذات، ومقاربة المنكرات، فوصل إلى حال بلغ فيها الفزع منتهاه...

والقلق أقصاه... يتبدى ذلك

واضحا على قسمات وجهه ومحياة.

لم يركع لله ركعة منذ زمن، ولم يعرف للمسجد طريقا... كم من السنين مضت وهو لم يصلِ...

يحس بالحرج والخجل إذا ما مر بجانب مسجد الأنصار-

مسجد الحي الذي يقطنه.. كأني بمئذنة المسجد تخاطبه معاتبة:

متى تزورنا ... ؟؟؟؟ !!!

كي ما يفوح القلب بالتقى..

كي ما تحس راحة.. مالها انتها..

كي ما تذوق لذة الرجا..

ليشرق الفؤاد بالسنا..

لتستنير الروح بالهدى...

متى تتوب..؟؟؟؟ !!!!

متى تؤوب... ؟؟؟ !!!

فما يكون منه إلا أن يطرق رأسه خجلا وحياء.

شهر رمضان.. حيث تصفد مردة الشياطين،

وصوت الحق يدوي في الآفاق مالئا الكون رهبة وخشوعا.. وصوت ينبعث من

مئذنة مسجد الأنصار..صوت حزين يرتل آيات الذكر الحكيم.. أنها الراحة.. أنها الصلاة...

صلاة التراويح..

........

وكالعادة، يمر محمد بجانب المسجد لا يلوي على شي. أحد الشباب الطيبين يستوقفه،

ويتحدث معه ثم يقول له: ما

رأيك أن ندرك الصلاة؟ هيا، هيا بنا بسرعة.


أراد محمد الاعتذار لكن الشاب الطيب مضى في حديثه مستعجلا..

كانت روح محمد تغدو كعصفور صغير ينتشي عند

الصباح، أو بلله رقراق الندى... روحه تريد أن تشق طريقها نحو النور بعد أن أضناها التجوال في الضلال.


قال محمد: ولكن لا اعرف لا دعاء الاستفتاح ولا التحيات... منذ زمن لم أصلِ، لقد نسيتها.

كلا يا محمد لم تنسها، بل أنسيتها بفعل الشيطان وحزبه الخاسرين.. نعم لقد أنسيتها.


وبعد إصرار من الشاب الطيب، يدلف محمد المسجد بعد فراق طويل... فماذا يجد؟


عيونا غسلتها الدموع، أذبلتها العبادة... وجوها أنارتها التقوى.. مصلين قد حلقوا في أجواء الإيمان العبقة...


كانت قراءة الإمام حزينة مترسلة .. في صوته رعشة تهز القلوب..

ولاول مرة بعد فراق يقارب السبع سنين يحلق محمد

في ذلك الجو.. بيد انه لم يستطيع إكمال الصلاة.. امتلا قلبه رهبة..

تراجع إلى الخلف، استند إلى سارية قريبة منه..

تنهد بحسرة مخاطبا نفسه: بالله كيف يفوتني هذا الأجر العظيم؟! أين أنا من هذه الطمانينه وهذه الراحة؟!...

ثم انخرط في بكاء طويل.. وهو يبكي... يبكي بكل قلبه، يبكي نفسه الضائعة..

يبكي حيرته وتيهه في بيداء وقفار موحشة..

يبكي أيامه الماضية.. يبكي مبارزته الجبار بالأوزار...






كان قلبه يحترق... فكأنما جمرة استقرت بين ضلوعه فلا تكاد تخبو إلا لتثور مرة أخرى وتلتهب فتحرقه...

إنها حرقة المعاصي.. أنها حرقة الأثام.

لك الله أيها المذنب المنيب... كم تقلبت في لظى العصيان،

بينما روحك كانت تكتوي بظمأ الشوق إلى سلوك طريق الإيمان..

......


كان يبكي كما يقول الإمام كبكاء الثكلى...

لقد أخذته موجة ألم وندم أرجفت عقله فطبعت في ذهنه إن الله لن يغفر له.

تحلق الناس حوله.. سألوه عما دهاه... فلم يشأ إن يجيبهم...

فقط كان يعيش تلك اللحظات مع نفسه الحزينة.. المتعبة،

التي أتعبها التخبط في سراديب الهلاك.

في داخله بركان ندم وألم، لم يستطع أحد من المصلين إخماده..

فانصرفوا لاكمال صلاتهم..

وهنا يأتي عبد الله ، وبعد محاولات، جاء صوت محمد متهدجا،

ينم عن ثورة مكبوتة : لن يغفر الله لي... لن يغفر الله لي... ثم عاد لبكائه الطويل...


أخذ عبد الله يهون عليه قائلا: يا أخي، أن الله غفور رحيم...

أن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده

بالنهار ليتوب مسيء الليل.

هنا يرفع محمد رأسه وعيناه مخضلتان بالدموع.. ونبرات صوته أصداء عميقة..

عميقة الغور قنوطا من رحمة الله، قائلا

بشهقات كانت تتردد بين الفينة والأخرى: كلا، لن يغفر لي... لن يغفر لي...

ثم سكت ليسترد أنفاسه.. وليخرج من خزانة عمره ما حوت من أخبار..

وعاد الصوت مرة أخرى متحشرجا يرمي

بالاسئله التائهة عن فرار... كان صوته ينزف بالحزن... بالوجع...

ثم أردف قائلا: أنت لا تتصور عظيم جرمي... وعظم

الذنوب التي تراكمت على قلبي.. لا ... لا.. لن يغفر الله لي،

فأنا لم أصلِ منذ سبع سنوات..

ويأتي عبد الله آلا أن يقنع محمدا بسعة عفو الله ورحمته،

فها هو يعاود نصحه قائلا: يا أخي، احمد الله انك لم تمت

على هذه الحال... ويا أخي أن الله سبحانه يقول

( يا ابن آدم انك لو آتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لآتيتك بقرابها مغفرة)

ثم أن قنوطك من رحمة الله عز وجل أعظم من عصيانك له... ثم اخد يتلو عليه آيات الرحمة

والرجاء، وأحاديث التوبة، وكرم الله وجوده في قبول التائبين...

ولكفني به قد أيقظ في نفس محمد بارقة أمل، فيحس

محمد أن باب التوبة قد انفرج عن فتحة ضيقة يستطيع الدخول فيها..


وهنا تكسرت أمواج قنوط محمد العاتية على شطآن نصائح عبد الله الغالية،

فشعر بقل هائل ينزاح عن كاهله.. فيخف

جناحه، وترفرف روحه، تريد التحليق في العالم الجيد..

في عالم الأوبة والتوبة...

ها هو ذا صدره أرضا بكرا يستقبل أول غرسة من النصائح المثمرة...

تلك النصائح التي نشرت الأمان والطمانينه والرجاء


في نفس محمد كما ينشر المطر.

بآذن الله الاخضرار على وجه الصحاري المقفرة المجدبة..

وها هوذا عبد الله يعرض عليه أمرا: ما رأيك يا آخي الكريم أن تذهب إلى دورة المياه لتغتسل..

لتريح نفسك.. ولتبدأ حياة جديدة..

.......


فما كان من محمد آلا أن وافق ناشدا الراحة..

واخذ يغتسل ويغسل من قلبه كل أدران الذنوب وقذارتها التي علقت به...


لقد غسل قلبه هذا المرة... وملاه بمعان مادتها من نور..

وسارا نحو المسجد، ومازال الإمام يتلو آيات الله... تتحرك بها شفتاه..

وتهفو لها قلوب المصلين.


وأخذ يتحثان.. وصدرت الكلمات من شفتي عبدلله رصينة تفوح منها رائحة الصدق والحق والأمل.

بريئة من كل بهتان..

هز محمد الحديث فكأنما عثر على كنز قد طال التنقيب عنه،

ثم أخذ يحدث نفسه: أين أنا من هذا الطريق..؟؟ أين أنا من هذا الحديث..؟؟


الحمد الله .. الحمد الله غص بها حلقه من جراء دموع قد تفجرت من عينيه..

سار والدموع تنساب على وجنتيه، فحاول أن يرسم ابتسامة على شفتيه،

بيد أنها ابتسامة مخنوقة قد امتقع لونها،

فنسيت طريقها إلى وجهه، فضاعت.

قال: عسى الله أن يغفر لي أن شاء الله..

فبادره عبد الله، بل قل اللهم اغفر لي واعزم في المسألة يا رجل.

واتجها صوب المسجد، ونفس محمد تزداد تطلعا وطمعا في عفو الله ورضاه..

ودخلا المسجد، وصوت الإمام الندي الخاشع يطرق سمعه ويلامس شغاف قلبه..

دخل المسجد ولسان حاله يقول: اللهم اغفر لي.. اللهم ارحمني..

يا الهي قد قضيت حياتي في المنحدر..

وها انذا اليوم أحاول الصعود، فخذ بيدي يا رب العالمين ..

يا ارحم الراحمين.. إن ذنوبي كثيرة.. ولكن رحمتك أوسع.. ودخل في


الصلاة وما زال يبكي.. الذنوب القديمة تداعي بناؤها.

وخرج من قلب الأنقاض والغبار قلبا ناصعا مضيئا بالأيمان..

فبخد يبكي... وازداد بكاؤه.. فأبكى من حوله من المصلين..

توقف الإمام عن القراءة، ولم يتوقف محمد عن البكاء..

قال الإمام: الله اكبر وركع.. فركع المصلون وركع محمد..

ثم رفعوا جميعا بعد قول الإمام: سمع الله لمن حمده..

لكن الله أراد أن لا يرتفع محمد بجسده.....

......
بل ارتفعت روحه إلى بارئها..

فسجد جثة هامدة.... .....

وبعد الصلاة... حركوه.... قلبوه...

أسعفوه علهم أن يدركوه ولكن ....

( إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون)..


قال الله تعالى ( أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ ) صدق الله العظيم


.....

نفعنا الله واياكمـ وهدانا الى مافيه الخير والصلاح.....

......

مع خالص التحية والاحترام

القصة الثالثة: توبة شاب قبل موته بلحظات في المسجد



إظهار التوقيع
توقيع : زاهرة الياياسمين
#2

افتراضي رد: القصة الثالثة: توبة شاب قبل موته بلحظات في المسجد

جزاكي الله كل الخير اختي


إظهار التوقيع
توقيع : LOLO_LOLY
#3

افتراضي رد: القصة الثالثة: توبة شاب قبل موته بلحظات في المسجد

جزاك الله خير
#4

افتراضي رد: القصة الثالثة: توبة شاب قبل موته بلحظات في المسجد

بارك الله فيكي
#5

افتراضي رد: القصة الثالثة: توبة شاب قبل موته بلحظات في المسجد

قصة مؤثرة جدا
ربنا يرحمنا جميعا برحمته الواسعة ويغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الاحياء منهم والاموات
بارك الله فيك

إظهار التوقيع
توقيع : محبه لله
#6

افتراضي رد: القصة الثالثة: توبة شاب قبل موته بلحظات في المسجد

قصة موثرة
رد: القصة الثالثة: توبة شاب قبل موته بلحظات في المسجد

إظهار التوقيع
توقيع : عاشقة الصلاه


قد تكوني مهتمة بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى
المسجد النبوي الشريف عبر التاريخ اماني 2011 شخصيات وأحداث تاريخية
فن كتابة القصة القصيرة جنبك على طول خلينى المنتدي الادبي
المسجد الأقصى وردة الاسلام عالم المعرفة
المسجد الحرام. هبة الرحمان2 صور x صور
فن القصة القصيرة بجوانبه المتعددة امة الله قصص - حكايات - روايات


الساعة الآن 06:19 PM


جميع المشاركات تمثل وجهة نظر كاتبها وليس بالضرورة وجهة نظر الموقع


التسجيل بواسطة حسابك بمواقع التواصل