شابٌّ في ريعان شبابه، يسكن مع أمه وأخته في حيٍّ مِن أحياء مدينة صنعاء، في شقة متواضعة.
عانى في العمل كثيرًا؛ فقد مات والده وتركه وحيدًا يتجرَّع مرارة الحياة القاسية، فهو مَن يوفِّر لقمةَ عيشٍ لأسرةٍ فارقتْ راعيَها الأول بعد الله.
كان هشام يشتغل موزِّعًا في متجر لأحد التجار، يَخرج صباح كل يوم، ولا يعود إلا منتصف الليل.
وفي يوم من الأيام - وهو عائد من العمل - إذا به يتألَّم ألمًا شديدًا كاد أن يُغشى عليه، أخذه بعض أصدقائه إلى المستشفى.
عُرض على الطبيب، قام الطبيب بفحصِه والعناية به، وجد أنَّ هشامًا مُصاب بترسُّبات في الكُلية اليمنى، كتب له بعض الأدوية، وقال له: هشام - يا بني - عليك بالمحافظة على نفسك، وإيَّاك والبرد.
أخذ هشام الدواءَ ولم يُخبر الأسرة بشيء!
ظلَّ هشام على هذا الحال، كلَّما أصيب بالمرض يذهب إلى الطبيب لأخذ العلاج، وأسرته لا تعلم ما الذي يُعاني منه هشام.
دارت الأيام والليالي، وهشام يُعاني من تلك الترسُّبات، وكل مرة ينصحه الطبيب أنه يَحتاج إلى عملية لاستئصال تلك الحصوات؛ فقد أصيبتْ كليتُه اليسرى كذلك، وآخر مرة وصل فيها إلى الطبيب قال له الطبيب: لا بدَّ من إجراء عملية!
فردَّ عليه هشام: لا يا دكتور؛ فإنَّ لي أسرةً أقوم بجلب الرزق لها، فليس لها مَن يَعولُها دوني.
كتَب الطبيب له العلاج كالعادة، وما هي إلا أيام وإذا بهشام لم يأتِ إلى الطبيب بقدَمه، بل محمولًا على أكتاف أصدقائه.
فحَصه الطبيب، فأخبر أصدقاءَه أن هشامًا قد فقَدَ كُليتَيه، ولا بدَّ مِن أن يتبرع له أحدٌ بكُلية ليعود إلى الحياة الطبيعية.
رجع زملاؤه إلى مكان العمل، وأخبروا صاحب المتجر، فأعلن صاحب المتجر أنَّ العملية تكون على حساب المتجر.
لكنَّ هناك أمرًا آخر؛ وهو: مَن يتبرع لهشام بكُلية؟!
وضع مدير المتجر إعلانًا بأنَّ مَن يتبرع لهشام بإحدى كُليتَيه فإنه مستعد لدفع مبلغٍ وقدره ثلاثمائة ألف ريال؛ عِوَضًا عما يَفقد، إضافةً إلى أنه يُنقذ نفسًا، ومَن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعًا.
مرَّت ثلاثة أيام، وهشام على سرير المستشفى، وأمه تسأل عنه، فيقول لها أصحاب المتجَر: إن هشامًا سافر في عمل لمدة شهر.
لكنه قلب الأم؛ ظلَّ مضطربًا يَبحث عن فؤادِه، وفي يوم من الأيام عند خروجها من المتجر ساقها فُضولها إلى قراءة الملصوقات على مبنى المتجر، وبينما هي تقرأ قرأت ملصوقًا مَكتوبًا على المبنى:
"إلى أهل الخير، إلى أصحاب القلوب الرحيمة، إن زميلَكم هشامًا في المستشفى يُعاني سَكَرات الموت السريريِّ لانتهاء كُليتَيه، فمَن يتبرَّع بأحد أعضائه ليُنقذ نفْسًا تستغيث؟"
وما إن أكملت قراءة المَنشور حتى أوقفتْ سيارةَ أجرة متجهةً إلى المستشفى، سألت عن الطَّبيب الخاص لهشام، فلمَّا وصلت إليه وضعَت ورقةً قد صاغتها وهي في السيارة، بأنها تتبرَّع بأحد أعضائها لهذا الشاب، وخطُّها شاهدٌ عليها؛ بشرط ألا يَعلم هشام إلا بعد انتهاء العملية.
قرأ الطبيب الورقة، جهَّز لها الفحوصات، دخل على هشام قائلًا له: لقد وجَدْنا مَن يتبرَّع لك بكليةٍ، سأل هشام: ومَن سيُضحِّي من أجلي؟ إلا أن الطبيب قال له: لا وقت للكلام.
أدخل الطبيب كِلَيهما إلى غرفة العمليات، وبدأ بالعمليتَين، وما هي إلا ساعات حتى أكمل عملَه بنجاح، وعندما أفاق هشام وتحسَّنت حالته، قال للطبيب: من الذي وهبني كليته؟
قال الطبيب: من تظن يكون؟
هشام: صديقًا عزيزًا على قلبي.
الطبيب: لا.
هشام: ومَن يكون إذًا؟
الطبيب: إنه مَن يزورك اليوم.
وما هي إلا ساعات حتى دخلت أمُّه وهي تقول: "لبَّيك يا ولدي، فأنت من بذل حياته من أجلِنا، أفلا أُضحي بعضوٍ من أعضاء جسمي من أجل حياتك؟!".
فاضت عينا هشام بالدمع وهو يقول:
• أنتِ الحياة يا أُمي.