نسائم ربيع العمر تداعب ستائر غرفتها الصغيرة، وصوت صياح الديك مسبحًا الخالق، مناديًا في قلوب الخلق: أن أنيبوا إلى ربكم، فكل يوم يأتي لا يعود، اذكروا خالقكم وتذكروا قوله - سبحانه -: ( فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ ) [الروم: 17]، والبلابل تُغرِّد تَعزف لحنًا هادئًا في ذاك اليوم الربيعيِّ، وكأن الطبيعة كلها اليوم تَحتفِل معها بهديتها الصغيرة التي وعدتها بها أمُّها الليلة الماضية، وهي مُنشغلة بعقلها وقلبها تفكر ما تكون تلك الهدية التي سترافقني طول عمري كما قالت أمِّي؟ حتى شغلها ذلك عن النهوض من سريرها، وأخيرًا تقوم سارة من سريرها على صوت أمها مُنادية لها بأن أقبلي لتأخذي هديتك الجميلة؟
سارة:
صباح الخير يا أمي.
الأم: صباح مليء بطاعة الرحمن لكِ يا ابنتي، هيا تناولي فطوركِ سريعًا؛ كي لا تتأخري عن المدرسة.
ساره: والهدية يا أمي؟!
الأم (مبتسمة): سأعطيك إياها بعد تناول الفطور.
وما أن أنهت سارة فطورها حتى أسرعت إلى أمِّها، وتناوَلت الهدية منها مع قبلة دافئة، ولكنها فوجئت، وبدا الحزن لونًا أصفرَ على وجهها، وتنهَّدت تنهيدة طويلة، ختمتها بقولها: ليس الآن يا أمي، أنا لا أريد ذلك، ستهزأ مني رفيقاتي، وزميلاتي في المدرسة، ويقولون عني: رجعية، ومتخلفة، وإنني ما زلت صغيرة على ارتداء الحجاب، والكثير من الكلام الذي سيُزعجني...
أجلست الأم ابنتها إلى جانبها، وضمَّتْها إلى صدرها ضمة حانية، سائلة إياها:
• هل تحبين عائشة - رضي الله عنها؟
• أجل يا أمي، أحبها كثيرًا.
• وخديجة - رضي الله عنها؟
• بالتأكيد يا أمي.
• وهل تُحبين أمكِ العجوز التي بجانبك الآن؟
• الابنة ضاحكة: لستِ كذلك يا أمي؛ أنت ما زلت رائعة وجميلة جدًّا.
• هل تحبِّينني؟
• وهل في هذا شكٌّ؟! أجل؛ أحبك أكثر شيء في هذه الحياة.
• ومع من تحبين أن تكوني في الآخرة؟ مع اللواتي ذكرتهنَّ، أم مع رفيقاتك اللواتي أضللن طريقهنَّ، وتخلَّى عن تربيتهن السليمة أهلُهن؟
• مع من ذكرتِ يا أمِّي.
• وهؤلاء في الجنة يا ابنتي إن شاء الله، وأنا أرجو من الله أن يدخلني برحمته إياها، ولا أحب أن تكون ابنتي بعيدة عني، بل معي في الدنيا، ومعي في الآخِرة.
والله - سبحانه وتعالى - أمرنا بارتداء الحجاب، فيقول - سبحانه وتعالى -: ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ) [الأحزاب: 59].
وما كان لأحد من المؤمنين - يا ابنتي - إذا أمرَهم الله بأمر إلا أن يُجيبوه، والآن مع من تحبِّين أن تكوني؟
• الابنة بنفْس راضية، ووجه ضاحك سعيد، أحب أن أكون معكنَّ في الدنيا والآخرة، في الدنيا تحيا في قلبي قصص الصحابيات، ومحبتهنَّ والاقتداء بهنَّ، وفي الآخرة أرجو من الله أن يَحشرني معهنَّ، لا مع زميلاتي يا أمِّي.
• كنتُ متأكِّدة من ذلك، وأخبرتُ والدكِ أن ظني بكِ لن يخيب أبدًا، فأحضرَ هو لكِ أيضًا هدية جميلة، وهي جهاز حاسوب خاص بك وحدك.
زاد وجه الابنة إشراقًا ونورًا وبهجة، واستأذنتْ معلمتها في ذاك اليوم أن تَكتُب هي في مجلة الحائط لهذا الأسبوع، ويكون عن فريضة الحجاب.