منذ اكتشاف المجرات، قبل قبل مئة سنة، كان مفهوم علماء الرعيل الاول عنهم يختلف اختلافا كبيرا عما هو عليه الان، إذ كانوا يعتقدون ان مجرتنا، درب التبانة، كانت هي الكون بأسره، وان الشمس كانت في مركزها. هذه الصورة استمرت كذلك حتى 26 ابريل عام 1926. هذا اليوم يعرف بين الفلكيين، بيوم " النقاش الكبير"، والذي وضع الاساس لتغيير ثوري في علم الفلك، تماما كما كان الامر بالنسبة لمركزية الشمس ودوران الارض حولها قبل 300 عاما.
النقاش الكبير حدث بين اكبر فلكيين عصرهم
Harlow Shapley and Heber Doust Curtis, والذين كانوا لفترة طويلة غير متفقين في نظرتهم الى الكون، وجرى الاجتماع لفض النزاعات، امام جمهور كبير من العلماء، جرى دعوتهم من قبل اكاديمية العلوم الوطنية الامريكية.
العالم شيبلي بدء بإفتتاح الحوار وتقديم ادلته على ان درب التبانة اكبر بعشرة مرات عما كان المرء يعتقده سابقا. إضافة الى ذلك اصر على ان الشمس ليست في مركز المجرة، وانما في مكان لاقيمة له، على بعد بضعة الملايين من السنوات الضوئية عن مركز المجرة. عندما جاء دور العالم هيبير دوست قدم أدلة لاتقل إثارة لدعم المفاهيم السائدة.
من خلال التليسكوب تمكن العلماء منذ عصور من ملاحظات غيوم ذات شكل لولبي في الكون الخارجي.
حسب الفلكي كورتس، Curtis, تعتبر كل واحدة منهم كون اخر يعادل كون مجرة التبانة. وبإعتبار ان مجرتنا التبانة كانت في ذلك الوقت تعبر الكون بكامله، فقد كان طرحه الجديد يعني ان الكون اصبح اكبر من السابق بمئات المليارات من المرات.
وبالرغم عدم قدرة كلا الطرفين على اقناع بعضهم البعض، اصر كلاهما على مواقفه. بعد بضعة العشرات من السنوات تم إثبات ان الكون اكبر بكثير من قدرتنا السابقة على تصوره.
حتى اليوم لازالت معرفتنا بالكون في حدودها الدنيا، بالرغم النجاحات الكبيرة التي قطعناها. احدى اهم النجاحات هو اكتشاف اسباب ظهور الشكل اللولبي للغيمة المجرية.
الامواج تخلق شكل المجرات
منذ النقاش الكبير تمكن العلماء من كشف المزيد عن حياة المجرات. بعد بضعة سنوات اكتشف الفلكي Edwin Hubble, بضعة شموس تنتمي الى مجرة اخرى اطلق عليها اسم Andromeda galaxy, واثبتوا ان الاشكال اللولبية كانت في واقع الامر مجرات. لاحقا تم وضع تصنيف لاشكال المجرات في ثلاث مجموعات رئيسية: اللولبية ذات محور، اللولبية، والبيضوية، وهو التصنيف الذي لازال يستخدم الى اليوم. ويجب الاشارة الى ان المجرات البيضوية عادة لاتملك اذرع.
حديثا تم إكتشاف ان اشكال المجرات اللولبية ليست سمة دائمة وثابتة، وانما يمكن ان تتغير، ارتباطا مع تطور وتمو المجرة الطبيعي. ومنذ ذلك الوقت والعلماء تبحث بإسباب هذا التغير والتطور.
من النظرة الاولى يظهر وكأن المجرة لها بنية وشكل ثابت. اذرع المجرات الممتدة يمكنها ان تحوي على الشموس، في حين يظهر وكأنه لايوجد شموس بين الاذرع . غير ان هذه الصورة خاطئة جذريا. وحتى لو كانت هناك شموس اكثر في الاذرع، فأن الفرق لايزيد عن 5%، الشئ الذي يصعب على العين المجردة الانتباه اليه. ولذلك فأن السبب وراء الشكل اللولبي للمجرة يجب البحث عنه في العلاقة المعقدة الناشئة بين جميع العوامل المعنية.
بنية المجرة اللولبية، مثلا Sombrero galaxy, تتميز بشكل خاص بكون اذرعها تحتوي على شموس يافعة وكبيرة، في حين الشموس لاصغر والاقدم توجد بين الاذرع. لوحده لايمكن لهذا الامر توضيح اسباب الشكل اللولبي. المزيد من التحليل كشف ان البنية كان عليها ان تتفكك سريعا، إذ ان الشموس الداخلية تخضع لحركة الدوران حول مركز المجرة بسرعة تفوق ما تقوم به الشموس الخارجية بمئة مرة. بمعنى اخر لو وضعنا لون ازرق في وسط دلو ممتلئ بماء ذو لون احمر ثم حركنا الوسط فقط دائريا. بعد بضعة دورات سينشأ لولب ازرق، وبما ان اللون الاحمر لايتحرك بنفس السرعة سينتشر الازرق ليغطي سطح الدلو بأكمله، مما يوضح مايحدث في المجرات. في االسماء تتحرك المجرات بشموسها التي تصل الى عدة بلايين، ومع ذلك يظهر وكأنهم ثابتين. هذا بسبب ان مانراه ليس حركة الشموس وانما آثار ضغط موجات هائلة، فمن اين تأتي هذه الموجات؟
فكرة ضغط الامواج قدمها لاول مرة العالم السويدي Bertil Lindblad, في الاربعينات من القرن الماضي، ولكن الامر احتاج الى 60 عاما من التجارب قبل ان تتطابق النظرية مع الواقع تماما.
ظاهرة الامواج يمكن توضيحها بالموجات التي يقوم بها المشاهدين على مدرجات كرة القدم. كل مرة يكون المشاهد في جبهة الموجة يكون انتصب بقامته، ليعود الى الجلوس ليصبح في خلف الموجة. بهذا الشكل تتحرك الموجة الى الامام، بالرغم من انه لااحد من المشاهدين قد غير موقعه. بالنسبة للمجرات تكون جبهة الموجة هي المنطقة حيث الغبار الكوني والغاز والشموس اكبر قليلا عما هو الامر خارج المنطقة. بسبب الجاذبية تصبح هذه المنطقة وكأنها مغناطيس للشموس والمادة المتواجدة في المناطق الاقل كثافة. عدم التوازن في الكثافة يجري تعديله من خلال الضغط الموجي التي تتحرك حول المجرة.
عند إلتقاء الموجات بسحابة غاز كبيرة، يكون التأثير من القوة الى درجة انهيار السحابة اغازية تحت ضغط جاذبيتها الخاصة وتتحول الى شمس. قسم من هذه الشموس الوليدة تكون كبيرة وزرقاء. ومن حيث ان لون المجرة الاصلي قادم من الشموس الحمراء الاقدم، تنشأ هذه اشموس مسيار ازرق على خطى مرور الموجة. عند عبور جبهةالموجة، تشتعل هذه الشموس الجديدة بالارتباط مع اطلاق طاقة هائلة لتنتهي حياتهم بعد بضعة ملايين السنين، لتبقى الشموس الحمراء.
بعض الشموس لاتتعرض للموجات مباشرة ومع ذلك تتأثر بهم، حيث مدارهم البيضوي يتغير. حسابات السوبر كمبيوتر تشير الى ان مدارات آلاف الشموس القريبة قد تأثرت وتعدلت بالعلاقة الى بعضها البعض، مما ادى الى تقوية الموجات اكثر.
الشكل اللولبي للمجرات كان عن حق معضلة للعلماء. التوضيح الاخير لهذه الظاهرة يشارك فيه ضغط الموجات، السحابةالغازية، نشوء الشموس وتعديل المدارات بين مليارات المدارات البيضوية. هذه العوامل مع بعض لازالت تشكل ضغطا كبيرا على السوبر كمبيوترات في الطريق لمزيد من الفهم الاعمق.
التصادم يزيد من السرعة
توضيح كيفية نشوء الموجات وكيفية استمرارها بالوجود كانت احدى اكبر المعضلات. من لمروض ان تفقد الموجة طاقتا وتموت بعد بضعة دورات، ولكن الواقع عكس ذلك.
من حيث ان حسابات ك العوامل الداخلة معقد للاية، قام العلماء بترك حساب الغاز القادم من اطراف المجرة الى مركزها، لكون هذا الغاز لايشكل الا نسبة ضئيلة من حجم المجرة، وبالتالي اعتبر غير هام. الحسابات الاخير اظهرت انه هام للغاية. عندما تتقلص المجرة على نفسها لكون الغاز ينجذب الى داخلها، يعادل هذا الامر بما يحصل لطفل جالس على مرجوحة، يسحب رجليه الى تحته ويعيد مدهم الى الخارج ليحافظ على حركة المرجوحة.
التوضيح الاخر يأتي من التصادم بين المجرات. اليوم نعلم ان المجرات ليسوا جزر منعزلة، كما كان العلماء يعتقدون في القرن الماضي. المجرات تطورت هرميا، حيث المجرات الصغيرة جرى ابتلاعها من قبل المجرات الكبيرة. هذا الامر جرى اثباته عام 2005، عندما نشرت جامعةياليه دراسة اظهرت ان حوالي نصف المجرات الكبيرة على الاقل قاموا بإبتلاع مجرات اصغر او اتحدوا مع مجرات ممائلة في المليارين سنة الاخيرة. هذه العملية البنائية الدائمة تسبب ظهور موجات هائلة في المجرات.وفي الصورة نجد عملية ابتلاع في المجرة المسماة DP013 - Whirlpool Galaxy, وهي نموذج للمجرات اللولبية.
احدى المصادر الاخرى لظهور الموجات وبقائها جاءت من المجرات ذات البنية المحورية، والذي يتشكل المحور في مركزها بعد بضعة مليارات من السنين. المحور هو في الحقيقة مؤلف مجموعة كثيفة من الشموس، تمتد على مساحة بضعة آلاف السنين الضوئية. هذه الشموس " تحرك" الجسم المجري الهائل. تماما كما هو الحال مع الغاز الداخل واصطدام المجرات، يقدم المحور مصدرا للتغيير في مسيار الشموس وضغط الموجات، ومع الزمن يؤثر عى شكل المجرة بكاملها.
مجرة درب التبانة من نوع اللولب المحوري
الى فترة قصيرة كان الاعتقاد سائدا ان مجرتنا هي من النوع اللولبي، غير ان ذلك قد تغير الان. 1 تموز من عام 2003 اشترك 120 فلكي من 17 دولة في مؤتمر عن مجرة التبانة انعقد في جامعة بوسطن.
احدى اهم نتائج المؤتمر ان مجرة التبانة لها محور في مركزها، والذي طوله على الاقل 15 الف سنة ضوئية وعرضه حوالي 5 الاف سنة ضوئية. هذه النتائج اصبحت الان قديمة، إذ ان المراقبات اظهرت عام 2005 ان طول المحور يصل الى 27 الف سنة ضوئية.
الجزء الاكثر غرابة في مجرة التبانة هو مايسمى هالون (halon)، وهو كرة هائلة من المادة المظلمة ويعتقد ان مقياس قطره يصل الى عدة مئات الاف من السنوات الضوئية. ماهي المادة المظلمة، لااحد يعرف بالضبط.