أما المهمة الثانية فهي السماح للرئة بالتحرك إلى الأعلى عند العطاس والسعال لكي تقوم بدفع الهواء بقوة إلى الخارج. أما السبب الأخير فإن عملية تضييق القصبة الهوائية فيما لو صنعت من صفيحة غضروفية ستكون صعبة حتى لو كانت غير كاملة الاستدارة. ويبطن جدار القصبة الهوائية مادة طلائية مهدبة كاذبة (pseudostratified ciliated epithelium) تقوم بإفراز المواد المخاطية التي تساعد على ترطيب الهواء وتنقيته من الشوائب بينما تقوم الأهداب بالتذبذب من الأسفل إلى الأعلى لدفع الإفرازات المخاطية وإخراجها عن طريق الفم.
وتتفرع القصبة الهوائية عند نهايتها إلى فرعين كبيرين من الشعب الهوائية وهما الشعبتان الأوليتان اليمنى واليسرى (Right and left primary bronchus) حيث تدخل كل شعبة منهما إلى إحدى الرئتين فيما بينهما عند نهاية الثلث الأعلى تقريبا. وفي داخل الرئتين تتفرع كل شعبة من هاتين الشعبتين إلى شعب ثانوية (Secondary bronchus) وهي ثلاثة شعب في الرئة اليمنى تذهب لفصوصها الثلاث وشعبتين في الرئة اليسرى تذهب لفصيها الاثنين. وتتفرع الشعب الثانوية داخل كل فص من فصوص الرئة إلى فروع أصغر ثم أصغر لتكون ما يعرف بالشجيرة الشعيبية (Bronchial tree). ويشبه تركيب الشعب الهوائية الأولية والثانوية تركيب القصبة الهوائية إلا إن غضاريفها كاملة الإستدارة حيث أن مهمتها الوحيدة هو تمرير الهواء. وفي الفروع المتوسطة من الشجرة يتم استبدال الغضاريف بصفيحة غضروفية بينما تختفي هذه الصفائح تماما في الأفرع الصغيرة والتي تعرف بالشعيبات (Bronchioles) حيث تتكون جدران هذه الشعيبات من ألياف عضلية ملساء.
أما المحطة النهائية والرئيسية في الجهاز التنفسي فهما الرئتان (Lungs) واللتان تقعان في أعلى التجويف الصدري فوق الحجاب الحاجز ويفصل بينهما القلب والشعبتان الهوائيتان الأوليتان ويبلغ متوسط وزنهما معا كيلوجرام واحد. والرئة الواحدة لها شكل شبه مخروطي ترتكز قاعدتها على الحجاب الحاجز وتنقسم كل رئة إلى فصوص (Lobes) من خلال أخاديد تبدو واضحة على سطحها فالرئة اليمنى أكبر حجما من اليسرى وتتكون من ثلاثة فصوص بينما تتكون الرئة اليسرى من فصين فقط وذلك بسبب وجود قسم من القلب في نفس الحيز الذي تحتله الرئة اليسرى في القفص الصدري. ويتكون كل فص من هذه الفصوص من حجر صغيرة تعرف بالفصيصات (Lobules) ويغلف كل فصيص نسيج ضام مطاطي يحتوى على كثير من الأوعية الليمفاوية والأوردة والشرايين ولذا فإن الرئة تبدو كالإسفنجة. ويحيط بالرئتين داخل التجويف الصدري غشاء ليفي مصلي أملس يسمي الغشاء البلوري (pleura) يتكون من طبقتين تتألف كل طبقة منهما من صف واحد من الخلايا الطلائية وتلتصق الطبقة الداخلية أو الحشوية (visceral pleura) بالرئتين بينما تلتصق الطبقة الخارجية (parietal pleura) بالجدار الداخلي للقفص الصدري. ويوجد بين طبقتي الغشاء البلوري تجويفا يسمى التجويف الجنبي (Pleural cavity) والذي يحتوى على سائل مصلي (Serous fluids) يساعد على تكوين سطح انزلاقي للرئتين داخل القفص الصدري. وهذا الغشاء يحمي الرئتين من الاحتكاك بجدار القفص الصدري عند انتفاخهما في عملية التنفس وكذلك يخفف من أثر حركات نبض القلب علي الرئتين. أما الوظيفة الأهم للغشاء البلوري فهي العمل على تمدد الرئة مع تمدد القفص الصدري فعندما يتمدد القفص فإنه يسحب معه الطبقة الخارجية للغشاء فيبعده عن الطبقة الداخلية والذي يؤدي إلى هبوط الضغط في التجويف الجنبي مما يؤدي إلى تمدد الرئتين بسبب ارتفاع ضغط الهواء فيها عن الضغط في التجويف الجنبي.
إن أهم مكونات الرئة هي الشعيبات الهوائية والتي تتكون جدرانها من خلايا طلائية حرشوفية مسطحة الشكل بدلا من الخلايا العادية الكروية الشكل. وتبرز من جدران هذه الشعيبات تجاويف صغيرة كروية الشكل كالبالونات تسمى الأسناخ الرئوية أو الحويصلات الهوائية (Alveoli) وتتكون جدرانها من طبقة واحدة من نوعين من الخلايا. فالنوع الأول وهي الأكثر عددا فتسمى الخلايا الحرشوفية البسيطة (simple squamous epithelium) وهي خلايا مسطحة الشكل رقيقة الجدران ومن خلالها يتم تبادل الغازات مع الدم. أما النوع الثاني وهي الأقل عددا فهي أيضا خلايا حرشوفية مهمتها إفراز مواد لها توتر سطحي عالي (surfactant) تعمل على إبقاء هذه الحويصلات في حالة الانتفاخ وتعمل كذلك على تجديد ما يتلف من خلايا. ويبلغ عدد هذه الحويصلات في الرئتين 300 مليون حويصلة يتراوح قطر الواحدة منها بين 0,1 و 0,2 مم وتبلغ مساحة السطح الداخلى لجميع هذه الحويصلات ما يقرب من سبعين متر مربع وذلك لكي تتمكن الرئة من امتصاص الكمية اللازمة من الأوكسجين من الهواء وكذلك طرد ثاني أكسيد الكربون. وتكون الحويصلات الهوائية التي تشترك في شعبة هوائية واحدة ما يسمى بالكيس الحويصلي أو السنخي (Alveolar sac) وله شكل أشبه ما يكون بقطف العنب. ويحيط بكل حويصلة من هذه الحويصلات شبكة كثيفة من الشعيرات الدموية تعمل على عملية تبادل غازي الأوكسجين وثاني أكسيد الكربون بين الهواء الموجود في الحويصلات والدم الموجود في هذه الشعيرات وذلك عبر جدرانها المشتركة. ويوجد في الحيز الذي بين الحويصلات أنسجة ضامة غنية بألياف مرنة (elastic fibers) تعطي الرئتين الطبيعة المطاطية التي تتميز بها والتي تسهل من عملية انتفاخها. إن الشريان الرئوي القادم من القلب عليه أن يتفرع إلى ثلاثمائة مليون فرع يصل كل واحد منها إلى إحدى الحويصلات ثم يتفرع كل فرع منها إلى شبكة كثيقة من الشعيرات الدموية تغطي كامل سطح الحويصلة التي لا يتجاوز قطرها 0.2 مم. ومن ثم تبدأ هذه الشعيرات الدموية بالاتحاد من جديد وهي على سطح الحويصلة لتكون فرع وريدي ومن ثم تبدأ هذه الأفرع الوريدة التي يبلغ عددها أيضا 300 مليون فرع بالاتحاد التدريجي لتكون الوريد الرئوي الذاهب إلى القلب. إن تمديد هذه الشبكة الهائلة من الأوعية الدموية من حيث عددها وكذلك صغر أقطارها ومن حيث وصول كل فرع منها إلى هدفها المنشود وهي الحويصلات الهوائية عمل يعجز أن يقوم به البشر ولو اجتمعوا له ومن السخافة أن يدعي مدعي أن ذلك قد تم بالصدفة بل إن من قام بهذا التصميم البديع خالق عليم قدير سبحانه وتعالى.
تتم عملية التنفس من خلال توسيع وتضييق القفص الصدري (Thoracic cage) وليس من خلال حركة ذاتية للرئتين فهما لا تحتويان على عضلات خاصة لإحداث مثل هذه الحركة. ويتكون القفص الصدري من اثني عشر زوج من زوائد عظمية تسمى الضلوع (ribs) تربطها ببعضها عضلات الضلوع أو العضلات الوربية (Intercostal muscles) وهو مخروطي الشكل له فتحتان العلوية منهما ضيقة وتمر منها القصبة الهوائية والمريء والأوعية الدموية والأعصاب. أما الفتحة السفلية فهي واسعة وهي مغلقة بالكامل بعضلات الحجاب الحاجز (Diaphragm) الذي يفصل التجويف الصدري عن التجويف البطني. وتتم عملية التنفس بشكل متواصل ودوري من خلال عمليتين متعاقبتين وهما عملية الشهيق (Inspiration) وفيها تنقبض عضلات الحجاب الحاجز وعضلات الضلوع فيهبط الحجاب الحاجز إلى الأسفل وترتفع الضلوع إلى الأعلى فيتسع بذلك تجويف القفص الصدري مما يجعل الهواء يدخل إلى الرئتين نتيجة انخفاض ضغط الهواء داخلهما وهي عملية تحتاج لبذل كمية من الطاقة. أما في عملية الزفير (Expiration) فإن عضلات الضلوع والحجاب الحاجز تنبسط وتعود لوضعها الطبيعي فيقل بذلك حجم التجويف الصدري فيضغط على الرئتين مما يؤدي إلى طرد الهواء للخارج وهي عملية سلبية تتم بدون بذل أي جهد عضلي ولا تحتاج للطاقة. وتبلغ السعة القصوى للرئتين 6000 مم أي ستة لترات من الهواء وتسمى هذه السعة الكلية للرئة (Total lung capacity) أما كمية الهواء الموجودة في الرئة في الوضع الطبيعي فهي ثلاثة لترات تقريبا. ويبلغ حجم الهواء الذي يدخل الرئتين ويخرج منها في كل دورة وذلك في وضع الراحة ما يقرب من 500 مم ويسمى هذا الحجم بالحجم الموجي أو المدي (Tidal volume) ولكن من الممكن زيادة هذا الحجم إلى ما يقرب من 2500 مم أي لتران ونصف من الهواء وذلك عند القيام بشهيق عميق بعد شهيق اعتيادي ويسمى هذا الحجم بالحجم الشهيقي الإحتياطي (Inspiration reserve volume). ويمكن طرد كمية من الهواء بعملية زفيرية قوية بعد عملية زفيرية اعتيادية بمقدار 1500مم ويعرف هذا بالحجم الزفيري الإحتياطي (Exspiratory reserve volume).
وعند القيام بمجهود شاق كالعمل أو الرياضة فإن كمية الهواء المستنشق قد تصل إلى 4500 مم وتسمى هذه بالسعة الحيوية (Vital capacity). أما كمية الهواء الذي يتبقى في الحويصلات الهوائية بعد أعمق زفير والتي تساوي 1500 مم فيسمى الحجم المتبقي (Residual volume). وبما أن الهواء المستنشق لا يصل بكامله الى الحويصلات الهوائية بل يتبقى ما مقداره 150 مم في المجاري التنفسية لا يشترك في تزويد الدم بالأكسجين ويسمى هذا بالحيز الميت (dead space).
إن سرعة أو معدل التنفس تتحدد بناءا على كمية الأوكسجين الذي تحتاجه خلايا الجسم لإجراء عملياتها الحيوية المختلفة وكذلك على كمية ثاني أكسيد الكربون التي تنتجها. ويتراوح معدل التنفس عند الإنسان البالغ في حالة الراحة بين 12 و 18 مرة في الدقيقة ويزداد هذا الرقم إلى الضعف عند قيام الجسم ببذل مجهود ما كالعمل أو الرياضة. ويزداد معدل التنفس مع زيادة كثافة عمليات الأيض أو التمثيل الغذائي (Metabolism) فالأجسام الكبيرة تحتاج لمعدل تنفس أعلى من الأجسام الصغيرة. ويزداد كذلك مع المجهود العضلي او الحركي الذي يبذله الجسم فمعدل التنفس يزداد عند الركض أو العمل بشكل كبير عن المعدل الطبيعي فقد يصل إلى ثلاثين مرة في الدقيقة. ويرتبط معدل التنفس مع عمر الكائن الحي فالأطفال لهم معدل تنفس أعلى كثيرا من البالغين وذلك لزيادة معدل التكاثر الخلوي في الأطفال مقارنة بالبالغين وهو أعلى ما يكون عند الرضع حيث يبدأ بمعدل 50 مرة في الدقيقة ثم يبدأ بالتناقص مع زيادة عمر الطفل. ويلعب الموقع الجغرافي وطبيعة المناخ دورا مهما في تحديد معدل التنفس لدى الإنسان فنسبة الأوكسجين في الهواء تقل مع الارتفاع عن مستوى سطح البحر ومع زيادة الحرارة والرطوبة النسبية في الجو. ويتم التحكم بمعدل التنفس بطريقة لإرادية ولكن يمكن للإنسان أن يتدخل إراديا بهذا المعدل لفترات زمنية محدودة ولهذا فإنه يوجد في الدماغ أكثر من مركز للتعامل مع عملية التنفس. فمركز التحكم الرئيسي (Breathing control center) موجود في النخاع المستطيل (Medulla oblongata) ويقوم هذا المركز بتوليد النبضات العصبية الرتيبة التي تحكم معدل التنفس (medullary rhythmicity area). ويوجد في منطقة الجسر (pons) مركزان للتحكم أحدهما للتحكم في عملية الشهيق (apneustic area) والآخر للتحكم في عملية الزفير (pneumotaxic area). ويتلقى هذان المركزان إشارات عصبية من مستقبلات حسية كيميائية (chemoreceptors) موجودة حول الشريان التاجي والشريان السباتي تعمل على قياس مستوى تركيز الأوكسجين وثاني اكسيد الكربون الخارج من القلب وكذلك تركيز حامض الكربونيك في الدم. ثم يقوم هذان المركزان بمعالجة هذه الإشارات العصبية ويقومان بإرسال إشارات عصبية إلى مركز التحكم الرئيسي في النخاع المستطيل لزيادة أو تقليل معدل وعمق التنفس فيقوم بدوره بإرسال إشارات تحكم عصبية إلى الحجاب الحاجز وكذلك عضلات الضلوع لزيادة معدلات انبساطها وانقباضها. وإلى جانب المستقبلات الحسية الكيميائية يوجد مستقبلات حسية ميكانيكية (proprioreceptor or stretch receptor) موجودة في عضلات الصدر والحجاب وفي بعض عضلات الجسم تقوم بإرسال إشاراتها للمساعدة في ضبط معدل وعمق التنفس. ففي حالة الحركة فإن المستقبلات الحركية الموجودة في العضلات هي المسؤلة عن معدل وعمق التنفس ولا ينتظر مركز تحكم التنفس الإشارات القادمة من المستقبلات الكيميائية حيث أنها تأتي متأخرة عندما تحس بنقص الأكسجين. ويوجد مستقبلات حسية أخرى موزعة في مختلف أنحاء الجسم تعمل على ضبط التنفس عند التغوط والألم وارتفاع درجة الحرارة والإثارات العاطفية والخوف وغير ذلك. ويتم إرسال النبضات التي تتحكم بعضلات التنفس من خلال العصب الرئوي (phrenic nerve) الذي يخرج من الحبل الشوكي من بين الفقرات العنقية الثانية والرابعة. وعلى الرغم من أن عملية التنفس تتم بشكل لاإرادي إلا أن الإنسان بإمكانه أن يتحكم لفترات محددة بمعدل التنفس وكذلك عمق النفس حيث يمكنه حبس نفسه لقترة زمنية قصيرة أو أخذ نفس عميق وذلك لأغراض مختلفة كالغوص في الماء أو منع دخول الروائح الكريهة أو شم الروائح الزكية أو غير ذلك. إن التحكم الإرادي في عملية التنفس يتم من خلال مراكز موجودة في القشرة الدماغية حيث تقوم بإرسال إشارات إلى مركز التحكم الرئيسي للتنفس في النخاع المستطيل وذلك لوقف عملية التنفس الطبيعية واستبدالها بنمط جديد يتم فيه التحكم بعضلات التنفس تحت سيطرة هذه الإشارات. ويلزم التحكم الإرادي في التنفس لأغراض كثيرة كوقف التنفس لفترات قصيرة أو لزيادة معدله أو عمقه أو في توليد الكلام أو الضحك أو السعال.
يتم نقل الأوكسجين من الرئتين إلى خلايا الجسم ونقل ثاني أكسيد الكربون من خلايا الجسم إلى الرئتين من خلال دورتين دمويتين تحدثان في الجهاز الدوري () وهما الدورة الدموية الكبرى () والدورة الدموية الصغرى ().
ففي الدورة الدموية الكبرى يخرج الدم المؤكسد من البطين الأيسر إلى جميع أعضاء الجسم ثم يعود دما غير مؤكسد إلى الأذين الأيمن أما في الدورة الدموية الصغرى فيخرج الدم غير المؤكسد من البطين الأيمن إلى الرئتين ثم يعود دما مؤكسدا إلى الأذين الأيسر. ويتم تبادل غازي الأكسجين وثاني أكسيد الكربون بين الهواء الموجود في الحويصلات الهوائية والدم الموجود في الشعيرات الدموية المحيطة بها وكذلك بين السائل ما بين الخلوي () والدم الموجود في الشعيرات الدموية الممتدة بين خلايا الجسم من خلال الانتشار البسيط.
أما عملية نقل الأكسجين من الرئتين إلى خلايا الجسم ونقل ثاني أكسيد الكربون من خلايا الجسم إلى الرئتين فتتم بواسطة بروتين الهيموجلوبين (Hemoglobin) الموجود في خلايا الدم الحمراء (red blood cells) والذي يشكل 97 بالمائة من وزنها الجاف. إن السر الأعظم في عملية النقل هذه تكمن في قدرة الهيموجلوبين على الإتحاد بالأكسجين أو ثاني أكسيد الكربون تحت ظروف معينة والإنفكاك عنهما تحت ظروف أخرى. ويتكون جزيئ الهيموجلوبين من مجموعتين وهي مجموعة الهيمو (heme group) وهو جزيئ صغير نسبيا يحتوي على ذرة حديد واحدة ومجموعة البروتين وهي سلاسل طويلة من الأحماض الأمينية تلتف حول بعضها البعض وحول جزيئ الهيمو لتعطي الهيموجلوبين شكله المميز وخصائصه الكيميائية الفريدة. يمكن لجزيئ الهيموجلوبين الواحد أن يحمل أربع جزيئات من الأكسجين أي أن الجرام الواحد من الهيموجلوبين يمكنه حمل 1.34 مللي ليتر وهذا يزيد بسبعين ضعف كمية الأوكسجين التي يمكن أن تحملها بلازما الدم فيما لو تم نقله من خلال الذوبان فيها. ولولا هذه الطريقة الفريدة في نقل الأكسجين باستخدام الهيموجلوبين للزم زيادة كمية الدم التي تمر على الرئتين إلى سبعين ضعف الكمية الحالية وهذا يتطلب رفع معدل دقات القلب إلى سبعين ضعف معدله الطبيعي إذا ما أبقينا على نفس الحجم للقلب. فهل يمكن لإنسان عاقل أن يعتقد أن هذه الطريقة قد حدثت بالصدفة وأن تصميم جزيئ الهيموجلوبين قد تم بالصدفة رغم أن كثير من العلماء قد أفنوا أعمارهم وهم يدرسون تركيبه وطريقة عمله ولا زالت بعض أسراره مجهولة.
أما خلية الدم الحمراء التي تحتوي على 270 مليون جزيئ هيموجلوبين فإن في تصميم شكلها ما يؤكد على أن الذي صممها عليم خبير سبحانه وتعالى فقد تم اختيار الشكل بحيث يكون له أكبر مساحة سطح ممكنة وبأقل حجم لكي يتسنى وضع أكبر عدد ممكن من جزيئات الهيموجلوبين عليه لكي تمسك بأكبر عدد ممكن من جزيئات الأكسجين. وخلية الدم الحمراء لا تحتوي على نواة وهي على شكل قرص بسطحين مقعرين (biconcave disks) أي على شكل الكعكة ويبلغ قطرها 7,5 ميكرومتر وسمكها الخارجي عند أطرافها 2 ميكرومتر ومساحتها 136 ميكرومتر مربع . ويحتوي الملليمتر المكعب الواحد من الدم خمسة ملايين خلية دم حمراء في المتوسط ويبلغ مجموع ما يحتويه الدم في جسم الإنسان من خلايا الدم الحمراء ما متوسطه 25 تريليون. إن متوسط عمر خلية الدم الحمراء يبلغ في المتوسط ثلاثة أشهر ولذا فإنه يلزم إنتاج خلايا جديدة لتعويض ما يموت منها وتتم عملية إنتاج هذه الخلايا في نخاع العظام حيث ينتج منها ما متوسطه مليوني خلية في الثانية الواحدة.
إن عملية تبادل غازي الأكسجين وثاني أكسيد الكربون في الحويصلات الهوائية وفي خلايا الجسم تتم من خلال الإنتشار البسيط (Simple Diffusion ) واعتمادا على القدرة العجيبة للهيموجلوبين على الاتحاد مع أحد هاذين الغازين تحت ظروف محددة. ففي الدم غير المؤكسد الوارد إلى الرئتين من القلب يبلغ الضغط الجزييئ للأكسجين (PO2) حوالي 40 مم زئبق وضغط ثاني اكسيد الكربون (PCO2) 54 مم زئبق بينما يبلغ ضغط الأكسجين في الحويصلات الهوائية 100 مم زئبق وثاني اكسيد الكربون 40 مم زئبق. وبما أن ضغط الأكسجين في الحويصلات الهوائية أعلى منه في الدم فإنه سينتقل منها إلى الدم بينما ينتقل ثاني أكسيد الكربون من الدم إلى الحويصلات الهوائية بسبب ارتفاع تركيزه في الدم. وهنا تبدأ الخاصية العجيبة للهيموجلوبين في العمل وهي أنه يتحد مع أكثر الغازين تركيزا فيقوم بالإنفكاك عن ثاني أكسيد الكربون الذي جلبه معه من خلايا الجسم ومن ثم الاتحاد مع الأكسجين ليكون مركب الأكسيهيموقلوبين (Oxyhaemoglobin) الذي سيحمله من الرئتين إلى خلايا الجسم فيعود الدم مؤكسدا إلى القلب ومن ثم إلى خلايا الجسم. وعند وصول الدم إلى خلايا الجسم فإن الحال سينعكس فثاني أكسيد الكربون الناتج من عمليات الأيض في الخلايا يكون أعلى تركيزا من الأكسجين الذي تمتصه الخلايا لعمليات الأكسدة فيبدأ الهيموجلوبين بالإنفكاك عن الأكسجين والاتحاد مع ثاني أكسيد الكربون ليكون مركب الكربينوهيموقلوبين (HbCO2) ليحمله الدم غير المؤكسد إلى القلب ومن ثم إلى الرئتين.
وإلى جانب عمليتي الشهيق والزفير التي يقوم بها الجهاز التنفسي لغرض التنفس فإنه يوجد عمليات أخرى قد يحدثها هذا الجهاز كالسعال والعطاس والتثاؤب وذلك لأغراض غير التنفس. فالسعال أو الكحة Cough)) عملية يتم تحريضها بمنبهات ميكانيكية أو كيميائية تتعرض لها المجاري الهوائية وذلك لتخليصها من الإفرازات الموجودة فيها أو أية أجسام غريبة أخرى يمكن أن تدخلها. ويسبق السعال شهيق عميق يتلوه انغلاق للسان المزمار ومع رجوع الحجاب الحاجز والضلوع لوضعها الطبيعي يحدث ارتفاع سريع في الضغط داخل القفص الصدري. وعندما ينفتح لسان المزمار بشكل مفاجئ ينجم عنه تدفق سـريع للهواء من الرئتين إلى الخارج حاملا معه الإفرازات المخاطية والأجسام الغريبة. أما العطاس فهو عملية تقوم خلالها الرئتين بشهيق عميق تسحب خلاله كمية كبيرة من الهواء ثم تخرجه فجأة من الأنف والفم وبقوة شديدة خلال فترة زمنية قصيرة لا تتجاوز الثانية الواحدة حيث تصل سرعة الهواء الخارج ما يقرب من 200 كلم في الساعة. ويقوم الجسم بهذه الحركة بطريقة لاارادية للتخلص من الجراثيم والمواد المتطايرة التي تعمل على تهيج مجرى التنفس حيث يوجد في الجدار المبطن لمجرى التنفس نهايات عصبية تستجيب لمثل هذه المؤثرات. إن عملية العطس تحتاج إلى طاقة كبيرة جدا أكبر من تلك التي يحتاجها السعال مما يؤدي إلى توقف جميع وظائف الجسم عن العمل بما فيها القلب خلال أجزاء الثانية التي تحدث خلالها. إن كبت عملية العطاس بعد بدئها قد تكون لها عواقب ضارة بجسم الإنسان فالطاقة التي يستجمعها الجسم لإجراءعملية العطس إن لم تفرغ فيها فسيتم تفريغها في مكان أو أكثر في الجسم مما قد يحدث ضررا فيها. ولذلك فقد علمنا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم أن نقول الحمد لله بعد حدوث عملية العطاس لأنها أولا قد تمت بنجاح وأخرجت المواد الضارة من الجهاز التنفسي ولأنها ثانيا لم تحدث ضررا بالجسم فيما لو لم تتم ولأنه ثالثا أعاد لنا الحياة بعد أن توقف القلب وبقية أعضاء الجسم عن العمل خلال فترة العطاس. أما التثاؤب فهو عملية لإرادية يتم خلالها إدخال كمية كبيرة من الهواء إلى الرئتين من خلال الفم حيث يتم فتح الفم وكذلك البلعوم إلى أقصى درجة لمدة قد تصل لستة ثواني ومن ثم يقوم بإخراجه. ويقوم الإنسان بالتثاؤب في أحوال مختلفة كاقتراب موعد النوم والنعاس وعند الاستيقاظ وعند الشعور بالضجر أو القلق أو الجوع أو التعب. ولا زال العلماء يجهلون الهدف الحيوي الرئيسي من عملية التثاؤب فبعضهم يعتقد أنها كردة فعل لنقص الأكسجين وزيادة ثاني أكسيد الكربون في الجسم بينما يقول آخرون أنها تقوم بفتح قناة أوستاكيوس لتزويد الأذن الوسطى بالهواء وكذلك طرد الهواء الفاسد من الرئتين وغير ذلك من الأسباب. إن فتح الفم بكامل سعته لمدة ستة ثواني قد يترتب عليه بعض المخاطر كدخول بعض الحشرات الصغيرة أو الأجسام الطائرة إلى جانب أنه عمل غير لائق أمام الأخرين. ولهذا علمنا رسولنا الكريم بعض آداب التثاؤب ففي صحيح البخاري روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب فإذا عطس أحدكم وحمد الله كان حقا على كل مسلم سمعه أن يقول له يرحمك الله وأما التثاؤب فإنما هو من الشيطان فإذا تثاءب أحدكم فليردن ما استطاع فإن أحدكم إذا تثاءب ضحك منه الشيطان".