أو

الدخول بواسطة حسابك بمواقع التواصل

#1

14 ثقافه الاعتذار

ثقافه الاعتذار


أهمية الاعتذار:

هل يخطئ الإنسان أيُّ إنسان ؟ نعم أنه يخطئ هذه حقيقة . هل يخطئ قليلا أم كثيرا؟على حسب حاله . وعندما يخطي ويدرك أنه أخطأ كيف يتصرف ..؟هل يعتذر لمن أخطأ في حقه ؟أم يدع الأمور تسير وحدها؟.
إن الله تعالى كما جبل الخطأَ في بني آدم ، جبل فيه الاختلاف بأنواعه .. اختلاف في السعي ...﴿ إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى ﴾ [ سورة الليل: 4 ] ، واختلاف في الدين والرأي .. اختلاف في كل شيء وهذه حقيقة شهد لها القرآن الكريم بقوله: ﴿ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَل َالنَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾ [ سورة هود : 117 ـــ 118 ]. فمن معاني هذه الآية : لو شاء الله جعل الناسعلى دين واحد بمقتضى الغريزة والفطرة لا رأي لهم فيه ولا اختيار. فالاختلاف من ضمن ما ابتلينا به، لكن يراد منا أن نربطه بأدبه القيم..اختلاف في قمة الرقي بدون تعصب وبدون شتائم أو استنقاص.
يقول حجة الإسلام أبو حامد الغزاليّ: ( التعاون على طلب الحقمن الدّين ، ولكن له شروط وعلامات ؛ منها: أن يكون في طلب الحق كناشد ضالّة ، لايفرق بين أن تظهر الضالّة على يده أو على يد معاونه ، ويرى رفيقه معيناً لا خصماً، ويشكره إذا عرَّفه الخطأ وأظهره له) .
ففقدان ثقافة الاعتذار على المستوى العام يدل على هشاشة البناء النفسي للمجتمع، كما يكشف عن خلل وعلل يمكن أن تؤدي إلى وقوع الكثير من الجرائم والاعتداءات على النفوس والأرواح، فضلاً عن شيوع الكراهية والبغضاء والأحقاد والضغائن والإحن بين الناس.
لكن الاعتراف بالخطأ من الأمور الثقيلة على النفس ، والاعتذار التزاموحالة إنسانية حضارية تُشعر المعتذَر له باحترامه كإنسان وتجعل المعتذِر يتنبه من كمِّ ونوعِ الأخطاء التي يوجِّهها للآخرين..
وعلى المعتذَر له أن يقبل العذر ، ففي مجمع الزوائد ومنبع الفوائدلنور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي باب يسمى باب الاعتذار. روى فيه حديث عن جابر بن عبد الله ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( من اعتذر إلى أخيه فلم يعذِر ، أو لم يَقبَل عذره ، كان عليه مثل خطيئة صاحب مكس) . قال أبو الزبير: والمكاس : العشار . رواه الطبراني في الأوسط ، وفيه إبراهيم بن أعين وهو ضعيف . فمن تغلب على نفسه فاعتذر، فينبغي أن يتغلب المعتذر له على كبريائه فيُعذِر، فقد عدَّ ابن القيم قبول عذر المعتذر من التواضع، حيث قال: ( من أساء إليك ثم جاء يعتذر عن إساءته، فإن التواضع يوجب عليك قبول معذرته ... وعلامة الكرم والتواضع: أنك إذا رأيت الخلل في عذره لا توقفه عليه ولا تحاجّه) [تهذيب مدارج السالكين].
وتلقي الأعذار بطيب نفس وعفو وصفح، يحض الناس على الاعتذار. وسوء المعاملة للمعتذر وتشديد اللائمة عليه يجعل النفوس تصر على الخطأ، وتأبى الاعتراف بالزلل، وترفض تقديم المعاذير، فإن بادر المسيء بالاعتذار فبادر أنت بقبول العذر والعفو عما مضى لئلا ينقطع المعروف.كماأن التأني وعدم اللوم من قبلك ــــ أيها المعتذَر إليه ــــــ مطلوب ، كما يقول الإمام الشافعي رضي الله عنه:

تأن ولا تعجل بلومك صاحباً ***- لعل له عذرا وأنت تلوم

فبعد أهمية هذا الموضوع نستطيع أن نعرّف بالاعتذار:
الاعتذار .. هو إبداء التأثر لحصول تقصير أو خطأ أو تأخر أو سوء فهم مقصود أو غير مقصود.
الاعتذار.. شجاعة وقوة شخصية وتواضع ودليل نقاء القلب وصلاح السريرة وصفاء النفس وطهارة الروح، وهو دلالة القوة والمسؤولية.
الاعتذار .. نوع من أنواع العفو ؛ فهو طلب للعفو الذي ندب الله إليه بقوله: ﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْعَنِ الْجَاهِلِينَ ﴾ [ سورة الأعراف : 119 ].
كل ابن آدم خطاء:
الخطأ في حياة الناس أمر وارد الحدوث ، ولا يستطيع إنسان أن يدعي العصمة مهما كان شأنه فيقول أنا لا أخطئ إلا الأنبياء والمرسلين، وصدق رسولنا صلى الله عليه وسلم حين قال: ( كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الخَطَّاءِينَ التَّوَّابُونَ )، وقال: ( فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ ثُمَّ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْه ) ، وقال: ( وَيْلٌ لِلْمُصِرِّينَ الَّذِينَ يُصِرُّونَ عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ)، وقال: ( لا يدخل الجنةَ من كان في قلبه مثقالُ ذرّة من كِبْر)، فقال رجل: إن الرجلَ يحب أن يكون ثوبُه حسناً ونعلُه حسناً قال: ( إنّ الله جميلٌ يحب الجمال ؛الكبر بطر الحق وغمط الناس ) رواه مسلم.
وقال تعالى ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ﴾ [ سورة البقرة : 206 ].

ثقافة الاعتذار عند الناس على ثلاثة :
1. الاعتذار السريع: وهو مراجعة النفس مباشرة عند وقوع الخطأ الغيرمقصود أو السلوك السلبي عند حالة الغضب.
2.الاعتذار بعد مراجعة النفس:وهو ما يأتي متأخرا نوعاً ما ، بعد أن يقضي المخطئ حالة مراجعة تامة للموقف حيث ينتابه حال تأنيب الضمير فيبدى اعتذارا رسميا أو يدبر موقفا غيرمباشر ليبين رغبته في تصحيح سلوكه.
3.المكابرة: وهو ما نعانيه فيبعض مجتمعاتنا ، وهنا الشخص مدرك تماما لحجم أخطاءه ، لكنه يكابر و يمتنع عن الاعتذارويطالب الناس أن تتقبله كما هو .وهذا صاحبه يعانيمن ضعف الشخصية ، وعدم القدرة على مواجهة المواقف فيمكن أن نصفه بــ" المغرور ".

الاعتذار ثقافة وفقه وأدب وفن:
الاعتذار .. ثقافة تصف عمق الخلق الذي يتجاهله الكثيرون ، وصفة يندر من يتحلى بها، ومعانٍ عميقة تحتاج إلى وعي وفهم ، فما أروع الحياةَ بوجوده وبمعانية السامية .
الاعتذار .. فقه يحتاج إلى تعلم ، إذ لا يعرفه إلا الإنسان الواعي والمدرك لمعانيه وما تتركه من أثرطيب في النفوس، فما أكثر كلمة (معليش) عند السودانيين ، فهي كلمة بمقام الاستيكة لما يعتذر منه ، فشعب السودان عفوي ومتسامح لأبعد الحدود ، وفوق هذا لا يقبل الإهانة والانكسار.
الاعتذار أدب اجتماعي في التعامل الإسلامي، يَنفي شعور الكبرياء، ويطرح من القلوب الحقد والبغضاء، ويدفع عنك الاعتراض عليك، و إساءة الظن والافتراء.
الاعتذار فن يحتاج إلى إجادة ، لأنه يحث على العمل على تحسين العلاقات وتطوير الذات.
الاعتذار .. فن له قواعده ، فليس مجرد لطافة، بل هو أسلوب حكيم وتصرف رشيد ، ومهارة من مهارات الاتصال الاجتماعية ، يتكون من ثلاث نقاط أساسيه هي:
أولاً: الشعور بالندم عما صدر من تصرفات مجانبة للصواب دون مبرر.
ثانياً: تحمل المسؤولية.
ثالثاً: الرغبة الأكيدة في إصلاح الوضع.

تأصيل الاعتذار:
لقد سرد الله لنا في كتابه العزيز في أكثر من سورة قصةأبَوَيْ البشرية جمعاء حين كانا في الجنة، والقصد من ذلك أن نتعلم منهما فقه الاعتذار ومراغمة الشيطان؛ فلما أخطأَ آدموحواء، لم يتبجّحا ولم يستكبرا، إنما تعلّما من الله معنى التوبة، وطريقالاعتذار.
نعم لقد تلقّيا من الله كلمات ميسورة الألفاظ، لكنها عميقة النتائج، قال تعالى:﴿ فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَالتَّوَّابُ الرَّحِيمُ) سورة البقرة ، الآية37.
يقول الإمام الرازي في تفسيره: ( لقد اختلفوا في تلكالكلمات ما هي؟ والأَوْلَى هي قوله: ﴿ قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنلَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [ سورة الأعراف: 23].
فإذا كان القدَر قد سبق بالمغفرة لآدم ، فلِمَ طلب الله منه الاعتذار؟ إنهأدبٌ وتواضع وتعليم وتدريبٌ ، أدب للحياء من الله وتواضع عند الخطأ، وتعليم لفقهالاعتذار، وتدريبٌ على الاعتراف بالذنب والتوبة.
وهكذا مضت قافلة البشر، وهكذا تعلم الأنبياء والصالحون؛ فموسى عليه السلاملمَّا وكز الرجل وقتله، لم يتغنَّ ببطولته، ولم يُبرّر عملَه، بل اعترف بظلمه لنفسهوقال في ضراعة: ﴿ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ . قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَالْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [ سورة القصص: 15، 16] .
حتى أن بلقيس اليمن التي نشأت في بيئة وثنية ، كان لها حظ من ثقافة الاعتذار ، حينما اعترفت بذنبها، إذ قالت: ﴿ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَسُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [ سورة النمل: 44] .
وتلك هي امرأة العزيز قدمت صفحات ناصعة البياض في الاعتذار لنبي الله يوسف في نهاية أمرها سجل لها القرآن الكريم ذلك ، قال تعالى: ﴿ قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ * ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ * وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ [ سورة يوسف : 50 ــــــ 53 ] .
ورغم أن القرآن مليء بهذهالمعاني، غير أن الخريطة الدماغية عندنا تبدو مستعصية على التغيير، وغير قابلةٍللعلاج، فنحن نختم القرآن باستمرار، ونحن أساتذة تراويحٍ وحَجٍ وعُمرة، لكنها قراءاتعابرة، وعبادات لا توقظ عقلا، ولا تزكي نفسا، ولا ترفع خُلقا!!.
ما أحوج كل امرئ منا إلى عِظة أبي العلاء المعرّي إذيقول:
وكيف يؤمّل الإنسانُ رُشدًا ***- * وما ينفكّ متّبعا هـواهُ
يظــن بنفسِــه شرفًا وقــــدْرًا***- * كأنَّ اللهَ لم يَخْلُقْ سواهُ!

فوائد الاعتذار:
1. أنه يساعد في التغلب على احتقار الذات وتأنيب الضمير.
2. أنه يعيد الاحترام للذين أسأنا إليهم و يجردهم من الشعور بالغضب.
3. يفتح باب التواصل الموصد بفعل الغرور.
4. أنه شفاء الجراح والقلوب المحطمة.
5. أنه سبب النجاح بأن يكبر صاحبه في أعين الناس و يزيد حبهم له بصدقه.

أصول الاعتذار وقواعده:
من أهمها:
1. تحين الوقت المناسب: عنصر التوقيت وحسن اختياره هو أول خطوة في فكر الاعتذار. فمن الضروري اختيار الوقت المناسب للاعتذار لمن أخطأنا في حقه، والتفكير في الطريقة التي تناسب الاعتذار بما يتماشى مع شخصية الطرف الذي وقع الخطأ في حقه.
2. التفكير مليا في أمر الاعتذار: بتحديد أسلوبه قبل عرضه. فالتفكير العميق يفسح المجال لتقديم عرض عقلاني ومقبول.
3. تحديد موضوع الخلاف بعناية: لا سيما وإن جاء الاعتذار بعد مدة من الزمن، حاول أن لا تتهرب منه بالتناسي.
4. الاعتماد على التعابير الملطفة والإشارات العفوية التي تنم جميعها عن مشاعرك الصادقة في اعتذارك.
5. يجب عدم الاعتذار للشخص الذي أخطأنا في حقه أمام الغير حتى لا نجرح مشاعره.
6. تفضيل عدم الاستعانة بشخص ثالث لتسوية الخلاف. ينصح بأن يظل قاصراً على الطرفين المتخاصمين.

تنبيه:
ومع أن الاعتذار بهذا المعنى حسن، فالأحسن منه الحذر من الوقوع فيما يضطر للاعتذار، فقد جاء في الوصية الموجزة من رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه: ( ولا تكلم بكلام تعتذر منه غدًا ). [ رواه أحمد وابن ماجه وحسنه الألباني]. فإن زلت قدمك مرة فإنه ( لا حليم إلا ذو عثرة، ولا حكيم إلا ذو تجربة). كما في الحديث [ رواه أحمد وحسنه الترمذي ووافقه الأرناؤوط ].

فن الاعتذار بين الزوجين:
أما بين الزوجين فأفضلهم من يبادر بالاعتذار ، وخيرهم الذي يبدأ بالسلام ، خصوصا في أعرافنا اليومية التي تَعتَبِر أن الرجل لا يعتذر بحكم قوامته على المرأة ، وبحكم أن الاعتذار جَرحٌ لكرامته وكبرياءه، وكذا في ظل غياب كلمة ( آسف ) من قاموس حياتنا التي لا تُعتبر فقط مشكلة زوجية ، بل أزمة مجتمع وخلل في ثقافته وتربيته ودليل على تراجع روح المحبة والتسامح .
فيا أيها الزوج العزيز اعلم وفقك الله تعالى أنه قد اعتذر خير البرية صلى الله عليه وسلم ، فهل هناك من هو أكرم منه أو أعز منه عليه الصلاة والسلام ، اعلم أن المرأة بحكم عاطفتها ترضيها الكلمة الطيبة البسيطة، فبادر بالاعتذار لزوجتك كما فعل الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم مع أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها رحمة ومحبة واحتراما لشخصها ؛ لأنك الربان قائد سفينة الزوجية، نبلاً منك وكريم أخلاق، فالاعتذار من شيم أصحاب النفوس الطيبة والهمم العالية والعقول الراجحة والقلوب الصافية، فعن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: ( استأذن أبو بكر الصديق على النبي صلى الله عليه وسلم فسمع صوت عائشة عالياً، فلما دخل تناولها ليلطُمَها وقال: ( ألا أراكِ ترفعين صوتك على رسول الله! فجعل النبي يحجِزُه (أي يمنعه أن يضربها) وخرج أبو بكر مُغضَباً، فجعل النبي عليه الصلاة والسلام يترضى عائشة ( أي يطلب رضاها بالاعتذار إليها ) . ويقول: (( كيف رأيتني أنقذتك من الرجل؟!)) رواه أبو داوود (بمعنى ألا ترين أني منعت أباك من زجرك وعقوبتك؟!) وكأنه يريد أن يقول لها: ألا يكفيك هذا شاهدا على محبتي لك؟! فإلام تظلين ساخطة؟!.
وهذا فقه عزيز وفن رائع لو أجدناه .. وأوجدناه .. لكن ثالثة الأثافي عندنا أن اعتذار الرجل للمرأة يعتبر من المحرمات التي لا يجب على الرجل أو كثير من الرجال أن يفعلها.
وهذا أمر لا يمت إلى السنة النبوية بصلة دعك من أنه يفتح على حياتنا أبواب جهنم.

حول أسباب عدم الاعتذار:
1- التنشئة الاجتماعية ورفض فكرة الاعتذار عموماً، فالطفل ينشأ ولم يتعود على الاعتذار كفضيلة فهو لا يرى تطبيق عملي لهذه الفضيلة من حوله.
2- النظر إلى الاعتذار على أنه ضعف، أو أنه سلوك لا ينتج عنه سوى إهدار الكرامة والتقليل منها.
3- الجهل بفضيلة الاعتذار ،و أنها من مكارم الأخلاق.
4-وجود صفة اللامبالاة لدى الشخص المخطئ.
5-الظن بأن الاعتذار أمر غير ضروري.
6-التأثر بعادات الآخرين و البيئة المحيطة،في إهمال الاعتذار.
7-خوف الشخص المخطئ من الحرج، أو التأنيب والسخرية أو ربما معاقبة الآخرين.




8-كثرة الأخطاء وتكرارها تولّد التعود عليها، وعدم الاعتذار منها.
9- عدم إحساسه بحال الطرف الآخر الذي أخطأ في حقه،ولم يعتذر له.

تقسيمات الاعتذار:
ينقسم الاعتذار تقسيمات عدة باعتبارات مختلفة:
1. باعتبار المشروعية:
ينقسم إلى اعتذار صحيح مشروع واعتذار باطل ممنوع ؛ فأما الصحيح كاعتذار الذي ينجم بموجب تقصير في حق من يعتذر إليه ، كطلب المغفرة من الله ، والاعتذار لمظلوم ونحوه. وأما الاعتذار الباطل الممنوع كاعتذارات المنافقون والكفار الناجمة عن تحايل ومكر كما سورة براءة الفاضحة للأعداء ، تأمل قوله تعالى: ﴿ يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُل لاَّ تَعْتَذِرُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [ سورة التوبة : 94 ] . وقوله تعالى: ﴿ وَجَاء الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [ سورة التوبة : 90 ] . وقوله تعالى: ﴿ لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ ﴾ [ سورة التوبة : 66 ] .
2. باعتبار الحكم الشرعي:
ينقسم الاعتذار إلى واجب ومندوب ومحرم ومكروه ومباح.
3. باعتبار الزمن:
ينقسم الاعتذار إلى عاجل وآجل كل ذلك في الحياة الدنيا ، أما الاعتذار يوم القيامة فلا يجوز إلا بإذن الله ، يقول تعالى: ﴿ يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ ﴾ [ سورة هود : 105 ] . وقوله تعالى: ﴿ يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفّاً لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحْمَنُ وَقَالَ صَوَاباً ﴾ [ سورة النبأ : 38 ] . وقوله تعالى: ﴿ هَذَا يَوْمُ لَا يَنطِقُونَ * وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ ﴾ [ سورة المرسلات : 35 ــــ 36 ] .

4. باعتبار طبيعته.
ينقسم الاعتذار إلى قولي وفعلي كتقديم هدية أو دعوة ونحوه .

الفقه التبريري ومخاطره:
هو أن يبحث المخطئ دوما إلى مبررات لخطئه من دون جدوى فهو ما يسمى ( بالعذر الأقبح من الذنب ).
إن مخاطر الفقه التبريري لا تُحصر عَدًّا؛ فمعه الأخطاء تتراكم،والتعاليم تتهاوى، والهزائم تتوالى!.
والتبرير والجدال قد يكون محدود الخطر إذاصدر عن واحد من عوام الناس، أما أن يصدر التبرير عن إنسان معروف، أو قائد مرموق، أومُصلح مشهور، فهنا تكون الكارثة؛ لأن الناس هنا تتعلم المراوغة، ثم مع كرّ الأيامترتفع الثقة، حتى من الإصلاح والمصلحين! فكثيرًا ما يرتكب كبار الآدميين السلوكالخطأ غير مكترثين بما يُوجَّه إليهم من نقد، لأنهم معلِّمون أو مفكرون لا يجوزالقدح في علمهم أو مسلكهم!!.

كيف يمكننا أن نعتذر ؟؟
1.التدريب والممارسة ، فالعلم بالتعلّم والحلمبالتحلّم .
فليس بعيب أن يسامح الإنسان أخاه ، ويعتذر إليه إذا أخطأ في حقه بأي كلمة اعتذار بلطف واحترام. وهذا من صميم الإسلام.
2.قراءة سيرةالرسول صلى الله عليه وسلم والنظر في كريم أخلاقه وتعامله مع من حوله.
3.قراءة سير السلف من الصحابة ومن بعدهم وخاصة في مقام تعاملهم مع من خالفهم ولو منغير المسلمين .
4.التركيز على مواضيع تربوية متعلقة بهذا الأمر كالتواضع وحسنالخلق ولين الجانب والإحسان إلى الناس والبر والحلم ونحوها.
5.توطين النفسوتهيئتها لتمثُّل هذا الخلق الكريم وكسر حاجز العجب وقمع باب الكبر وإن كان خفياً.

نماذج من الاعتذار عند السلف الصالح:
1/ أن أناسًا من الأشعريين طلبوا من أبي موسى الأشعري مرافقتهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يكن يعلم ماذا يريدون، وإذا بهم جاؤوا يطلبون التولية على أعمال المسلمين، فظهر أبو موسى وكأنه جاء يشفع لمن طلب الإمارة، فشعر بالحرج الشديد، قال: "فاعتذرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعذرني". [رواه أحمد والنسائي].
2/ روى الإمام أحمد في مسنده أن عثمان بن عفان جاء يعتب على ابن مسعود رضي الله عن الجميع في أمور سمعها عنه، فقال: ( هل أنت منته عمَّا بلغني عنك؟ فاعتذر بعض العذر) .
3/ أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين جاء يوم الجابية يوضح للناس أسباب عزل خالد بن الوليد، قال: ( ... وإني أعتذر إليكم من عزل خالد بن الوليد... ) [ رواه أحمد ].
4/ روى الإمام أحمد رحمه الله تعالى أن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه طلب ماءً من رجل من أهل الكتاب ؛ ليشرب ، فجاءه الكتابي بالماء في إناء من فضة ، فرماه حذيفة بالإناء ، ثم أقبل على القوم ، فاعتذر اعتذارًا ، وقال: ( إني إنما فعلت ذلك به عمدًا؛ لأني كنت نهيته قبل هذه المرة ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا عن لبس الديباج والحرير وآنية الذهب والفضة ). فأوضح لمن معه أن هذا الرجل يعلم حرمة استعمال آنية الفضة على المسلمين، ومع ذلك تكرر منه ما يدعو إلى الغضب والشدة.

فضائل المحاسبة:
إن أولى مراحل العلاج هي معرفةالخطأ، وتلك المعرفة لا تأتي إلا بعد تأمل الذات، وفحص السلوك، واستخراج طبائعالنفس، وهذا ما يسمى بالمحاسبة.
وأول معنى من معاني تأمل الذات، ألا يَحطِبالمرءُ في هوى نفسه، فإن الغرور بالذات يُعمي عن الحق.
نريد أن نقول مرةً بعدمرة، إذا كان التواضعُ نُبلَ نفس، ونُضجَ عقل، وسماحةَ خُلق، فإن المكابرة تعنيرعونةَ نفس، وسوءَ طبع، وفسادَ فطرة وأخلاق؛ فاللهم إنا نعوذ بك من الاستكبار، ومنذنبٍ بلا استغفار.
وختاما، نريد التأكيد على أهمية نشر أخلاق التواضع والاعترافبالأخطاء والاعتذار منها، نريد تدريب النشء على فقه الاعتذار ليكون لهم خُلقا وعادةإن هُم أخطئوا، فالخُلق يرادف معنى العادة.
نريد لثقافة الاستحياء أن تعود؛ لأنالحياء أساس الخُلق القوي الكريم؛ فالحياء من الأخلاق، كالأعصاب من الجسم، هي أدقما فيه، ولكنها مع ذلك هي الحياة والنماء والقوة.
فلو تجسّم الحياء لكان رمزالصلاح والإصلاح والمصلحين، ولو تجسّمت الصفاقة لكانت رمز الفساد والإفسادوالمفسدين.
فليعلم من يُحب أن يعلم، أن العمل والتكليف جِدٌّ لا هزْل فيه، وأنأمة تسلك طريق الهزْل والفوضى والتبرير، أمةٌ قد قضى الله عليها أن تكونهلاكا مُجسَّدا، وبلاءً مصبوباً، على ماضيها وحاضرها ومستقبلها.

هذا وأسأل الله تبارك وتعالى أن يوفقنا لما يحب ويرضى ، وأن يأخذ بنواصينا الكاذبة الخاطئة إلى البر والتقوى ، وأن يسدد على طريق الخير الخطى ، وأن يجعل هذا العمل خالصا لوجهه الكريم ، إنه على ما يشاء قدير ، والإجابة جدير ، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


ثقافه الاعتذار



إظهار التوقيع
توقيع : وغارت الحوراء
#2

افتراضي رد: ثقافه الاعتذار

موضوع ممتاز تسلم ايدك

إظهار التوقيع
توقيع : ضــي القمــر
#3

افتراضي رد: ثقافه الاعتذار

رد: ثقافه الاعتذار

إظهار التوقيع
توقيع : كيوت متل التوت
#4

افتراضي رد: ثقافه الاعتذار

مكرر
ثقافة الاعتذار

إظهار التوقيع
توقيع : حياه الروح 5



قد تكوني مهتمة بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى
ثقافة الاعتذار وغارت الحوراء الاعجاز العلمي
طرق لجعل اعتذار طفلك أكثر سهولة 2025 - تعليم الطفل الاعتذار 2025 , علمي طفلك الاعتذار ربي رضاك والجنة العناية بالطفل
فن الاعتذار ( انا اسفه و بدون خجل ) ريموووو فن الاتيكيت والتعامل مع الآخرين
ثقافه الاعتذار بين الزوجين سوسو الامورة الثقافة والتوجيهات الزوجية
طريقه الاعتذار بين الزوجين / طرق الاعتذار بين الزوجين / الاعتذار بين الزوجين نوني الثقافة والتوجيهات الزوجية


الساعة الآن 05:18 PM


جميع المشاركات تمثل وجهة نظر كاتبها وليس بالضرورة وجهة نظر الموقع


التسجيل بواسطة حسابك بمواقع التواصل