أو

الدخول بواسطة حسابك بمواقع التواصل

#1

افتراضي تفسير المختصر لسورة الحجرات

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
أيُّها الإخوة الكرام، الآية الأولى من سورة الحجرات، وهي قوله تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1)﴾
[ سورة الحجرات ]
أي أنت تُقدِّم اقْتِراحًا، وبديلاً لأمر الله تعالى، ولِسُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلَّم فحينما تقْترِحُ شيئًا لم يكن في منْهج الله، وحينما تريد أن تُضيف شيئًا ليس مِن دين الله، وحينما تتمنَّى أنَّ هذا الحكْم الإلهي لا يتناسبُ مع هذا العصْر وحينما تريد أن يُضاف على الإسلام شيئًا، أو أن يُحْذَفَ منه شيئًا فأنت لا تعرف الله عز وجل، لأنّ الله الذي شرَّعَهُ هو الخبير والصانِع.
لذا لا تُقَدِّموا ؛ لا تضَع حُلولاً لم تَرِد في شَرْع الله، ولا تقْتَرِح اقْتراحاتٍ لا تتوافق مع سنَّة رسول الله، فالذي جاء به القرآن الكريم، والذي جاءَت به السُّنة المطهَّرة ؛ قوْلٌ فصْلٌ مِن عند خبير عليم ؛ لأنَّ الله سبحانه وتعالى يقول:
﴿ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنْ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ(3)﴾
[ سورة المائدة ]
فالتَّمام عَدَي، والكمال نَوْعي أيْ عدَدُ القضايا التي عالجهَا الدِّينُ الإسلامي تام لا يقْبَلُ زِيادَةً، ولا يَحْتَمِلُ نقْصًا، وطريقة المُعالجَة كاملة، ولا تقْبَلُ تَعْديلاً، ولا تطْويرًا، فالعَدد تانّ، والطريقة كاملة، لذلك أمر الله عز وجل بِأشياء لِحِكمةٍ مُطلقة، ونهى عن أشياء لِحِكمة مُطلقة، وسَكَتَ عن أشياء لِحِكمةٍ مُطلقة، فالذي سَكَتَ عنه يتعلَّق بالمُتَغَيِّرات ؛ اختلاف البيئات، والتَّقاليد والعادات، والأماكن الجغرافيَّة، والأعْراق، والأجناس، والذي سَكَتَ عنه مُتَعَلِّق بالمُتَغَيِّرات، والذي أمرَ به أمْرًا قَطْعِيَّ الدَّلال هذا مُتَعَلِّق بالثَّوابت، والذي نهى عنه نَهْيًا قَطْعيَّ الدَّلالة مُتَعَلِّق بالثَّوابت، والذي أمرَ به أمْرًا ظَنِيًّا فهذا مُتَعَلِّق بالمُتَغَيِّرات، والذي نهى عنه نَهْيًا ظَنِيًّا مُتَعَلِّق بالمُتَغَيِّرات، فحينما تعْلَمُ أنَّ هذا القرآن الكريم كلام خالق الكون، وأنَّ كلام النبي عليه الصلاة والسلام حقٌّ مِن عند خالق الكون، لِقَول الله تعالى:
﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى(3)إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى(4)عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى(5)﴾
[سورة النجم ]
فَحينما تعْتَقدُ ذلك لا تجرأ أن تُضيف على الدِّين شيئًا ولا أن تحْذِفَ منه شيئًا، ولا أن تتمنَّى أن يكون الحُكْم غير ذلك، ولا أن ترْجو أن تضَعَ بديلاً لِهذا المنْهج الإلهي، قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1)﴾
[ سورة الحجرات ]
لا تُقَدِّم اقْتِراحًا ولا بديل، ولا سُلوكا لم يفْعَلْهُ النبي عليه الصلاة والسلام.
ورَدَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم أن حد البشر....والذي نفسُ محمَّد بيدِه لا ينطق هذا اللِّسان إلا بحق..." في الرِّضَا وفي الغضب، ولو لم يعْصِمْهُ عن الخطأ كان الأمْر أن نُطيعَهُ في كلّ ما جاءَنَا به، وأن ننتَهي عن كلّ ما نهانا عنه ؛ أمْرًا لا معنى له، كأنَّ الله أمرنا أن نخطئ، لو أنَّه غير معصوم، وقد أمرنا الله تعالى في قوله تعالى:
﴿وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ(7)﴾
[ سورة الحشر ]
لو أنَّه غير مَعصوم، وأُمِرْنا أن نأخذ عنه كلّ شيء، وأن ننْتهي عن كلّ شيء نهانا عنه، لكان هناك أمْر بالمعْصِيَة إذا كان النبي غير معصوم إذًا هو معصوم بأقواله، وأفعاله، بل إنَّ سنَّتَهُ التي نطَقَ لها، والتي فعلها والتي أقرَّها هي وَحيٌ يوحَى، فالإنسان يتطاوَل، وهو لا يشْعُر، يريدُ أن يضَعَ توجيها ؛ يا أخي الحياة مُعَقَّدة ! وأن نُجمِّد المال بطريقة غير ربَوِيَّة ؛ هذا غير مألوف ! يريدُ هو أن يضَعَ بدائل لاسْتِثمار المال، ويريدُ نِسبًا ثابتة، فكثر التُّجار الآن يُعْطون رِبَحًا ثابتة ! وما معنى أرباحًا ثابتة ؟! يعني هذا ربا، لذا ينبغي أن لا تُقدِّم أتراح ولا بديلاً، ولا إضافةً ولا حذْفًا لما جاء به الله عز وجل، أتن لا تتعامَل مع جِهةٍ أرْضِيَّة تُصيبُ وتخطئ إنَّك لا تتعامَل مع مُشَرِّع مِن بني البشَر يكشِفُ حقيقةً، وتغيبُ عنه حقيقة ولا مع إنسان يُحابي نفسَه، إنَّكَ أمام تشْريعٍ إلهي خالق الكون.
فهذه الآية على مدار الأيام، قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1)﴾
[ سورة الحجرات ]
إنَّك إن قلتَ: هذه فيها نقْص، وأنا أضيف كذا، وهذه لا أُطيقها ! فأنت تتَّهِمُ الله تعالى، قال تعالى
﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ﴾
[ سورة البقرة ]
فإذا قلتَ هذا لا نسْتطيعُهُ ! فمعنى ذلك أنَّ الله تعالى كلَّفَنا ما لا نُطيق.
أيها الإخوة، القِصَّة أنَّ الإنسان إذا عرفَ الله انْصاع إلى أمْرِهِ، وكنتُ أقول دائِمًا: إن عرفْتَ الآمِر، ثمَّ عرفْتَ الأمْر، تفانَيْتَ في تطبيق الأمر أما إن لم تعرف الآمر، وعرفْت الأمْر تفنَّنْت في التَّفلُّت منه، فبين أن تتفانى في تَطبيقه، وبين أن تتفنَّنَ في التَّفَلُّت منه ؛ مسافة كبيرة، لذا اِعْرِفِ الآمِر قبل الأمْر، وأنَّ هذا الذي شرَّعَ هذا الدِّن هو خالق الأرض والسماوات، فهذه مجرَّة تبْعُدُ عنَّا ثلاثمائة ألف بليون سنة ضَوْئِيَّة مع أنَّ الضوء يقْطع في الثانيَة الواحدة ثلاثمائة ألف كيلو متر، فالذي صَنَعَ هذه المجرَّة وخلقها هو الذي أنزَلَ الكاتب، وشرف الكتاب من شرف المرْسِل فالله هو الذي شرَّعَ، ومن هنا قال سيّدنا سَعد بن أبي وقاص: ثلاثة أنا فيهنّ رجل، وفيما سوى ذلك فأنا واحِد من الناس، من هذه الثلاثة قال: ما سَمِعْتُ حديثًا من رسول الله صلى الله عليه وسلَّم إلا علِمْتُ أنَّه حقٌّ نم الله تعالى، فالعِلْم كلَّما تقدَّم الْتقى مع الدِّين، فلا تفْرح بالدِّين إذا وافق العِلْم ولكن اِفْرَح بالعِلم إذا طابق الدِّين، فالأصل هو الدِّين، والأصْل كلام الله فأنت إن فرِحتَ مُطابقة الدِّين للعلم إنَّك بهذا تجْعل العِلم هو الأصْل، والعِلم تَجريبي يخطئ ويُصيب، وكلُّه تَجاريب ونظريَّات، درسناها وثبَتَ خطأها، قلتُ البارحة لإنسان: قال تعالى:
﴿وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ(8)﴾
[ سورة النحل ]
في عصْر النبي كان هناك خيل وبِغال وحمير، ويُتباهى بها، فلو أنَّ القرآن من عند النبي لنتعت الآية هنا، يأتي إنسان في هذا العصْر ويركب أفْخر أنواع المركبات من سيارات وطائرات وقطارات، فأين الآية ؟ ولكنَّ الله تعالى قال:
﴿وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ(8)﴾
[ سورة النحل ]
كلُّ شيءٍ دخَلَ هنا، لأنَّ الله يعلمُ ما سيصْنع الإنسان.
أيها الإخوة، يجب أن نعلم ونعتَقِد أنَّ هذا القرآن من عند الله الخبير، ومن عند الله الصانِع، ونحن أعْقَدُ آلةٍ في الكون، ونحن علينا أن نُطَبِّق تعليمات الصانِع.
﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ(32)﴾
[ سورة الحج ]
سيِّدُنا زَيد الخَيْر حينما أسْلَمَ، أخَذَهُ النبي صلى الله عليه وسلَّم إلى بيتِهِ تَكريمًا له، أعطاهُ وِسادةً لِيَتَّكأ عليها ؛ فقال: والله يا رسول الله لا أتكئ في حَضْرتِكَ ! إذًا هذا الصَّحابي عرف قيمة النبي عليه الصلاة والسلام في حَضْرَتِهِ.
سُهَيْل بن عَمرو حينما وقَّعَ مع النبي عليه الصلاة والسلام صُلْحَ الحُدَيْبِيَّة رفضَ أن يُكْتب فيما تعاهَد عليه محمد بن عبد الله رسول الله ! قال: اُمْحوا رسول الله، أما حينما أسْلَمَ كان يتمنَّى ان يُفدي النبي عليه الصلاة والسلام بِرُوحِهِ ! مَوْقِفُه قبل الإسلام غير موقفِهِ بعده.
وهذا سُراقة مِن أجل مائة ناقة أراد أن يقْتُل النبي عليه الصلاة والسلام أراد أن يقتُلَ النبي عليه الصلاة والسلام ! فلمَّا أسْلَمَ أيْقَنَ أنَّ نُوقَ الدنيا كلّها لا تعْدل ظفْر النبي عليه الصلاة والسلام
فأنتَ يُمْكن أن تقيس إيمانَكَ بقَدْر ما تُعَظِّمُ الله ورسوله صلى الله عليه وسلَّم، فكتاب الله، ورسول الله، وبيتُ الله، ودينُ الله، وشرْعِهِ، ومنْهَجِهِ، وكذا المؤمنين، فقد تَجِدُ من المؤمنين من هم فقراء لا يمْلِكون شيئًا، فأنت تَحْتَرِمُ هذا المؤمن وكأنَّهُ إنسانٌ عظيم، لذا يُمْكنُ أن يكون مِقياس تَعظيم شَعائِر الله هو مِقياس لإيمانِك.
يقول الله عز وجل
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (2)﴾
[ سورة الحجرات ]
أحَدُ كبار العلماء كان لا يرْفَعُ صوتَهُ أمام درْس حديث رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، وكان يتوضَّأ ويرْتدي أجْمَلَ ثِيابِهِ، ويُحَدِّث بِحَديث رسول الله، ولا يسْمَحُ لأحدٍ أن يرْفَعَ صَوْتَهُ في مجْلس حديث رسول الله، وأنا أسوق لكم هذه الأمثلة مِن أجل أن نسْتنبِط حقيقة واحِدَة، وهي بِقَدْر ما تُعَظِّم الله ورسوله وكاتبَهُ، ودينهُ، والمؤمنين هو قَدْرُ إيمانِكَ بالضَّبط، قال تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (2)﴾
[ سورة الحجرات ]
كان أصْحاب النبي عليه الصلاة والسلام يطْرقون باب النبي عليه الصلاة والسلام بأظافِرِهم، ولم يرْفعوا صَوتهم أمامه صلى الله عليه وسلَّم، وبعد موتِهِ نُعَظِّم سيرتَهُ، وحديثهُ، وتَوْجيهَهُ فلا نستهزئ بِتَوْجيهِ النبي عليه الصَّلاة والسَّلام.
قال تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (2)﴾
[ سورة الحجرات ]
لذا قال العلماء هناك كُفْر قَولي، وكُفْر عَمَلي، وكُفْر اعْتِقادي، فإذا أمْسَكَ الإنسان بالمصْحف لِيُهينَهُ فقد كَفَر ؛ هذا كُفْر عملي، وهناك كُفْر اعْتِقادي وهو أن تعْتَقِدَ مع الله إلهًا آخر، أو أن ترفضَ آيةً في كتاب الله، أو حديث رسول الله، والقول أن تنْطِق بالكفر، والسُّلوكي أن تفْعَلَ شيئا فيه إهانةٌ لِكِتاب الله، لذا نهى العلماء عن أن تقول لإنسانٍ اسمُهُ يحيى: يا يحيى خُذ الكتاب! لأنَّكَ تستخْدِمُ آيةً قرآنِيَّة لِغَرَضٍ دُنيَوي، ونهَوا على أن تقول لإنسان تريد أن تدْفَع: اِدْفَع بالتي هي أحْسَن ! فأنت تسْتخدم آيات القرآن الكريم لٍغَير ما اسْتُخْدِمَت له.
أردْتُ من هذه الأمثلة أن تقيس إيمانَك بِقَدْر ما تُعَظِّم الله عز وجل ورسوله وكتابه وشعائرهُ، قال تعالى:
(( ومن يُعَظِّم شعائر الله فإنّها من تقوى القلوب.." ))
هناك إنسان يضَعُ القرآن في غرفة نومِهِ بِمَكانٍ غير لائِق والأولى أن لا يكون في غرفة نوْمِهِ مصْحف ! وإن لم يكن لك إلا هذه الغرفة فضَعهُ في مكانٍ عالٍ.
قال تعالى:
﴿إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (3)﴾
[ سرة الحجرات ]
هناك مواقف في السيرة مُذْهِلَة، قال له: أيُّهما أكبر ؟ أنت أم رسول الله ؟ سيِّدنا العباس، فقال له: هو أكبر مِنِّي، وأنا وُلِدْتُ قبلَهُ !
تعظيمُ رسول الله وتَعظيمُ سنَّتِهِ من بعده، وتعظيم كتاب الله، وتعظيم الذين ينقلون هذا العِلْم، هذا جزءٌ من دينِك، فلو وقفْتَ بالسيارة لإنسان يرتدي جبَّة في الطريق، فأنت عظَّمتَ هذا الأخ لأنَّه يرتدي لِباس رسول الله، فَكُلّ مَن يُساهِم في تَكريم مَن يرْتدي الزَّي الإسلامي ؛ هذا عمل رفيع يقول عليه الصلاة والسلام: إنَّ من إجلال الله إكرام ذي الشَّيبة المسلم..." فالإنسان يحْرصُ على الدِّين حينما يُكَرِّم أهل الحق، هذا بعد وفاة رسول الله، فهؤُلاء ينيبون عنه في إبلاغ الناس الحق، أما في حياة النَّبي فما استطاع أصحابُهُ أن يصفوه، لأنَّهم ما دقَّقُوا في وَجْهه مِن شِدَّة حيائِهم منه وخجَلِهم، ومِن شِدَّة وقاره صلى الله عليه وسلَّم.
فالمرأة مساحة دينها مُتَعَلِّقة بِلِباسها، فكلَّما كانت ثيابها مستورة كلَّما كان دينها أقْوى، فكلَّما كانت ثيابها ساترةً وفضْفاضَةً، ودينُ الرجل يُقاسُ بتَعظيمه لأمر الله عز وجل، فأحيانًا تجِدُ أشخاصًا يرفعون أصْواتهم في المساجِد، هذا بيتُ الله، ويرفع صَوتَهُ، فهذا النبي عليه الصلاة والسلام الذي هو سيِّدُ الخلق وحبيب الحق ما رُئِيَ مادًّا رِجْلَيه أمام الأصحاب النبي عليه الصلاة والسلام ؛ وهو سيِّدُهم. فهذه الآيات ذَكَرتها ما أُريدُ منها التَّفاصيل، ولكن أريدُ جَوهرها، والآية واضِحَة، قال تعالى
﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ(32)﴾
[ سورة الحج ]
والله أذْكُر أنَّني كنتُ بِمَكان، فرأيتُ أحدهم يأخذ لُبَّ الخُبْز فيمْسَحُ به حِذاءَهُ ! والله تعالى:
﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ(12)﴾
[ سورة البروج ]
وهذا ورقٌ فيه آيات يرْميهِ بِسَلَّة المُهْملات !!
مُلخَّصُ الدرس، وهو قوله تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (2)﴾
[ سورة الحجرات ]
هناك أشْخاص يُصَلُّون بِقَميص داخلي ! الإنسان يقف بين يدي الله، أنت تستحي أن تقف أمام إنسان بهذا القميص، فكيف بالله عز وجل ؟! ولقد كان الصَّحابة الكرام إذا صلُّوا قيام الليل يلْبِسون أجْمَلَ ثِيابِهم ويتعطَّرون ويغْتسلون، ويُصَلُّون، فَكُلَّما عظّمْتَ شعائِر الله كلَّما كان إيمانُك أكْبر، وهذا الذي يرْفَعُ صَوْته فوق صَوت النبي حبِط عملُه، قد يقول أحدهم: لا حياء في الدِّين!! هذه آية أم حديث بل الدِّين كلُّه حياء، قال تعالى:
﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ(29)إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ(30)فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ(31)﴾
[ سورة المعارج ]
تعلَّم من كلام الله الأدَب، قال تعالى:
﴿وَإِنْ كُنتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا(43)﴾
[ سورة المائدة ]
وقال تعالى:
﴿فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنْ الشَّاكِرِينَ(189)﴾
[ سورة الأعراف ]





فهذه الحالات بأسمائِها وتفاصيلها يتنافى مع أصول الدِّين، قال لها عليه الصلاة والسلام: يا بُنَيَّتي إنَّ هذه الثِّياب تصِفُ حجْم عِظامك..." أدَبٌ جمّ، وقال عليه الصلاة والسلام: أدَّبني ربِّي فأحْسن تأديبي..." فَفَرْقٌ كبير بين مؤمن مُنضبِطِ في حركاته وسكناته وبين آخر لا يعرف من الانْضباط إلا اسمه.
قال تعالى:
﴿إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (3)﴾
[ سورة الحجرات ]
فهذا أبو بكر رضي الله عنه كان يمْشي مرَّة أمام النبي، ومرَّة من خلف ومرَّة من اليمين، وأخرى عن يساره، فيقول له عليه الصلاة والسلام: ما هذا يا أبا بكر ؟ فيقول: والله ما أخاف على نفسي، ولكن أخاف عليك !! وهذا الذي يقول عنه صلى الله عليه وسلَّم: ما ساء ني قطّ !! وهناك أعرابي مسَكَ النبي من ثوبه، وقال له: اعْدل فإنَّ هذا المال ليس مالك ولا مال أبيك ! فالإنسان عليه أن يقيسَ إيمانه بِقَدر تَعظيمه لأمر الله، فأنت إن رأيت الكعبة هناك دُعاء، وإيَّاك ورفْع الصَّوت، فعَدَم رفع الصوت من شعائر الله، وكان النبي يغْضب أشدّ الغضب إذا استُخْدم المسْجد لِغَرض الدنيا.
فنحن علينا أن نتَّبِع النبي عليه الصلاة والسلام وقد توفِّي، ونستنُّ بِسُنَّتِهِ وهذا الذي يُرضيه بعد موته صلى الله عليه وسلَّم، قال تعالى:
﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ(33)﴾
[ سورة الأنفال ]
مادام سنَّته صلى الله عليه وسلَّم فينا فلن يُعذِّبنا الله تعالى إن شاء الله وقد قال عليه الصلاة والسلام: إنَّ من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المؤمن..." وقال عليه الصلاة والسلام: ليس مِنَّا من لم يُوقّر كبيرنا، ويرحم صغيرنا..." والإنسان يرْقى بالأفعال الطَّيِّبة.
كان عليه الصلاة والسلام لا يُواجِه أحدًا بما يكْره، فكان يقول: ما بال أقوامٍ ! سمعتُ عن قاضي دخلَتْ عليه امرأة ذاتُ صِحَّة جيِّدة، وهي تصْعد الدَّرج خرج منها صوتٌ فاحْمرَّ وجهها، وقالت لأختها: سَمِعنا القاضي: فوصَلتْ إليه: فقال لها: ما اسْمُكِ يا أختي ؟ فقالت: فلانة، فقال لها: ما سمِعْتُك ! فأعادتْ عليه، وهو يقول: ما سمِعْتُك، فقالت لأختها: أرأيتِ، الحمد لله لم يسْمَعنا! وسيِّدنا أنس خدم النبي عليه الصلاة والسلام السِّنين فلم يقل له النبي صلى الله عليه وسلَّم لِمَ فعلْتَ كذا، أو لِمَ لمْ تفْعل كذا ؟ فهناك مواقف على المؤمن أن يُحْسِن الأدب فيها.



#2

افتراضي رد: تفسير المختصر لسورة الحجرات

بوركت

إظهار التوقيع
توقيع : انسانة الوجود
#3

افتراضي رد: تفسير المختصر لسورة الحجرات

ممتاز يا حببتى تسلمى
إظهار التوقيع
توقيع : ميمى دودو
#4

افتراضي رد: تفسير المختصر لسورة الحجرات

جزاكى الله خيرا
إظهار التوقيع
توقيع : بياض الثلج
#5

افتراضي رد: تفسير المختصر لسورة الحجرات

تـسـلمـى ♥

إظهار التوقيع
توقيع : NoUr♥
#6

افتراضي رد: تفسير المختصر لسورة الحجرات

تسلمو
#7

افتراضي رد: تفسير المختصر لسورة الحجرات

جزاكِ الله خيراً

موضوع ممتاز

ينقل للقران الكريم

إظهار التوقيع
توقيع : ضــي القمــر


قد تكوني مهتمة بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى
تفسير سورة التكاثر ، تفسير مبسط لسورة التكاثر نَقاء الرُّوح القرآن الكريم
تفسير سورة الحجرات - تفسير السعدي للجنة اسعى❤ القرآن الكريم
تفسير سورة الكوثر , تفسير مختصر لسورة الكوثر , حقائق قرأنيه الاميرة النائمه القرآن الكريم
تفسير سورة العصر , تفسير مبسط لسورة العصر , ابداع قرأنى الاميرة النائمه القرآن الكريم
تفسير سورة الليل -تفسير القرطبى لسورة الليل إذا يغشى عمر ابانا وعائشه امنا القرآن الكريم


الساعة الآن 02:37 PM


جميع المشاركات تمثل وجهة نظر كاتبها وليس بالضرورة وجهة نظر الموقع


التسجيل بواسطة حسابك بمواقع التواصل