فبركة الإعجاز العلمي في كيفية نوم أهل الكهف
انتشرت في الفترة الأخيرة على العديد من مواقع الانترنت كثير من المغالطات التي تلوى عنق الآيات لتؤكد أن نوم أهل الكهف بهذه الطريقة قمة الإعجاز العلمي وتناسى هؤلاء وأولئك أننا لا نحتاج إلى إثبات إعجاز القرآن بهذه الطريقة المشينة.
ألا يُمكن إلغاء كل تلك الأقوال، والقول بأن الله على كل شيء قدير، وأن الله قادر أن يفعل بهم ذلك؟
الاعجاز المزعوم:
تحت عنوان (أسرار نوم أهل الكهف - كيفية نوم أهل الكهف من الناحية العلمية) نقرأ الفبركات الآتية:
حتى ينام أصحاب الكهف بصورة هادئة وصحيحة هذه المدة الطويلة من دون تعرضهم للأذى والضرر وحتى لا يكون هذا المكان موحشا ويصبح مناسبا لمعيشتهم فقد وفر لهم الباري عز وجل الأسباب التالية:
1- تعطيل حاسة السمع:
حيث إن الصوت الخارجي يوقظ النائم وذلك في قوله تعالى: (فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا)الكهف/11 والضرب هنا التعطيل والمنع أي عطلنا حاسة السمع عندهم مؤقتا والموجودة في الأذن والمرتبطة بالعصب القحفي الثامن. ذلك إن حاسة السمع في الأذن هي الحاسة الوحيدة التي تعمل بصورة مستمرة في كافة الظروف وتربط الإنسان بمحيطه الخارجي.
2- تعطيل الجهاز المنشط الشبكي:
(
ascending reticular activating system):
الموجود في الجذع الدماغ والذي يرتبط بالعصب القحفي الثامن، أيضا (
فرع التوازن) حيث أن هذا العصب له قسمان: الأول مسئول عن السمع والثاني مسئول عن التوازن في الجسم داخليا وخارجيا ولذلك قال الباري عز وجل ﴿
فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ ﴾ ولم يقل (
فضربنا على سمعهم) أي أن التعطيل حصل للقسمين معا. وهذا الجهاز الهام مسئول أيضا عن حالة اليقظة والوعي وتنشيط فعاليات أجهزة الجسم المختلفة والإحساس بالمحفزات جميعا. وفي حالة تعطيله أو تخديره يدخل الإنسان في النوم العميق وتقل جميع فعالياته الحيوية وحرارة جسمه كما في حالة السبات والانقطاع عن العالم الخارجي. قال تعالى ﴿
وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً ﴾ [النبأ-8].
والسبات هو النوم والراحة (
والمسبوت) هو الميت أو المغشى عليه (
راجع مختار الصحاح ص 214).فنتج عن ذلك ما يلي:
أ- المحافظة على أجهزتهم حية تعمل في الحد الأدنى من استهلاك الطاقة فتوقفت عقارب الزمن بالنسبة لهم داخل كهفهم إلا إنها بقيت دائرة خارجه (
كالخلايا والأنسجة التي تحافظ في درجات حرارة واطئة فتتوقف عن النمو وهي حية).
ب- تعطيل المحفزات الداخلية التي توقظ النائم عادة بواسطة الجهاز المذكور أعلاه كالشعور بالألم أو الجوع أو العطش أو الأحلام المزعجة (
الكوابيس).
3- المحافظة على أجسامهم سليمة طبيا وصحيا وحمايتها داخليا وخارجيا والتي منها:
أ- التقليب المستمر لهم أثناء نومهم كما في قولة تعالى:-
﴿
وَتَحْسَبُهُمْ أيقاظاً وَهُمْ رُقودٌ وَنُقلّبُهُمْ ذاتَ اليْمَين وذاتَ الشّمَالِ ﴾ [الكهف-18] لئلا تآكل الأرض أجسادهم بحدوث تقرحات الفراش في جلودهم والجلطات في الأوعية الدموية والرئتين وهذا ما يوصي به الطب ألتأهيلي حديثا في معالجة المرضى فاقدي الوعي أو الذين لا يستطيعون الحركة بسبب الشلل وغيره.
ب- تعرض أجسادهم وفناء الكهف لضياء الشمس بصورة متوازنة ومعتدلة في أول النهار وآخرة للمحافظة عليها منعاً من حصول الرطوبة والتعفن داخل الكهف في حالة كونه معتما وذلك في قولة تعالى ﴿
وَتَرَى الشَّمس إذا طَلَعتْ تَزاورُ عن كهْفِهمَ ذاتَ الْيَمين وإذا غرَبتْ تَفْرضُهُمْ ذاتَ الشِّمال ﴾ [الكهف-17].
والشمس ضرورية كما هو معلوم طبيا للتطهير أولا ولتقوية عظام الإنسان وأنسجته بتكوين فيتامين د (
vitamin d) عن طريق الجلد ثانيا وغيرها من الفوائد ثالثا.
يقول القرطبي في تفسيره: وقيل ﴿
وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ﴾ أي يصيبهم يسير منها من قراضة الذهب والفضة أي تعطيهم الشمس اليسير من شعاعها إصلاحا لأجسادهم فالآية في ذلك بان الله تعالى آواهم إلى الكهف هذه صفته لأعلى كهف آخر يتأذون فيه بانبساط الشمس عليهم في معظم النهار والمقصود بيان حفظهم عن تطرق البلاء وتغير الأبدان والألوان إليهم والتأذي بحر أو برد (
القرطبي،الجامع لأحكام القران،ج1 ص 369، دار الكتاب العربي – القاهرة 1967).
ج- وجود فتحة في سقف الكهف تصل فناءه بالخارج تساعد على تعريض الكهف إلى جو مثالي من التهوية ولإضاءة عن طريق تلك الفتحة ووجود الفجوة (
وهي المتسع في المكان) في الكهف في قوله تعالى ﴿
وَهُمْ في فَجْوَةٍ مِنْهُ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللهِ مَنْ يَهْدِ اللهُ فهُوَ الْمُهتْدى وَمَنْ يُضْلِلْ فلَنْ تَجِدْ لَهُ ولياَ مُرْشداً ﴾ [الكهف -17].
د- الحماية الخارجية بإلقاء الرهبة منهم وجعلهم في حالة غريبة جدا غير مألوفة لا هم بالموتى ولا بالأحياء (إذ يراهم الناظر كالأيقاظ يتقلبون ولا يستيقظون بحيث أن من يطلع عليهم يهرب هلعا من مشهدهم). وكان لوجود الكلب في باب فناء الكهف دور في حمايتهم لقوله تعالى ﴿
وَكلْبُهُمْ باسِط ذِراعِيْهِ بالْوَصيدِ لَوْ اطَّلعْتَ عَلْيَهمْ لَوَلَيتَ مِنْهُمْ فِراراً وَلمُلِئْتَ مِنْهُمً رُعْباَ ﴾ [الكهف - 18] إضافة إلى تعطيل حاسة السمع لديهم.
الرد العلمي على هذا الإعجاز المزعوم و المفبرك:
يقول الشيخ عبد الرحمن السحيم:
أولاً: على من أراد أن يتكلّم في شيء من تفسير القرآن أن يكون على وَجَل أن لا يَزِل، فَيَضِل ويُضِل.
وذلك أن المتكلِّم في تفسير القرآن يسعى للكشف عن مراد الله، فإذا قال قولاً فهو ينسب ذلك القول إلى الله تبارك وتعالى، ويزعم أن ذلك مُرادا لله عزّ وَجَلّ.
ثانيا: على من تكلّم في تفسير القرآن أن لا يخرج عن جادة العلماء السابقين، خاصة الذين لهم قَدَم صِدق في العِلْم مِن أهل الرسوخ، الذين يعلمون تأويل القرآن ومعاني اللغة، وما تدلّ عليه. فلا يأتي بقول يُخالف فيه سلف الأمة وعلماءها إلاّ بِدليل.
ثالثا: ما جاء في هذا القول على وجه الخصوص مُتعقّب بِما يلي:
أ– أن الضرب على آذانهم يعني إلقاء النوم عليهم، وعلى هذا جمهور المفسرين.
وقد يُعبّر بالأُذن عن السمع، كما قال تعالى: ﴿
وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آَذَانِهِمْ وَقْرًا ﴾ وكما قال عزّ وَجَلّ: ﴿
وَلَهُمْ آَذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا ﴾، وكما قال سبحانه وتعالى: ﴿
أَمْ لَهُمْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ﴾ فيُعبَّر عن السمع بالأذن لأنها هي أداته.
ب– ما رُتِّب على ذلك وهو الزعم بأن الضرب على الأذان تعطيل للسمع وللأُذن، وهذا مناقضة لقوله: (ولم يقل: فضربنا على سمعهم.
جـ- القول بأن (المحافظة على أجهزتهم حية تعمل في الحد الأدنى من استهلاك الطاقة فتوقفت عقارب الزمن بالنسبة لهم داخل كهفهم) جَعَلهم يعيشون تلك الفترة، وهذا غير مُسلَّم به؛ لأن قوله هذا يُشعر أن أجسادهم لم تتغير، وان السنين لم تُؤثِّر فيهم.
وهذا يردّه قوله تعالى عنهم: ﴿
لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا ﴾.
د– تفسيره السبوت بالموت أو بالغشيان، حيث فسّر قوله تعالى: ﴿
وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً ﴾ بذلك، وهذا غير صحيح؛ لأن الله وصف النوم بذلك، وليس وصفا لأهل الكهف. كما أن معنى السُّبَات في اللغة هو القَطْع، وكون النوم سُبات، أي: قَطْعًا للأعمال، كما يقول أهل اللغة، وليس الكلام هنا عن "
السبوت"!
هـ- زعْمه بـ: وجود فتحة في سقف الكهف تصل فناءه بالخارج تساعد على تعريض الكهف إلى جو مثالي من التهوية والإضاءة عن طريق تلك الفتحة ووجود الفجوة (
وهي المتسع في المكان) في الكهف.
وهذا يحتاج إلى دليل، ولا دليل عليه، وهو ادِّعاء وُجود فتحة تهوية في سقف الكهف!
رابعا: يُمكن إلغاء كل تلك الأقوال، والقول بأن الله على كل شيء قدير، وأن الله قادر أن يفعل بهم ذلك، ويُبقيهم طيلة تلك الفترة، كما فعل سبحانه وتعالى بِعُزير، كما أخبر عنه تعالى في سورة البقرة ﴿
أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ ﴾ [البقرة: 259].
والله تعالى أعلم.
منقول