يعد تدريب الأطفال على العادات الصحيحة، في مختلف ميادين الحياة، من أهم وظائف الأسرة، وكلما كانت هذه العادات سليمة، نشأ الطفل سليماً معافى جسمياً ونفسياً. ذلك لأن الصحة الجسمية تعتمد إلى حد بعيد على الصحة النفسية وعلى العادات التي تعودها الفرد منذ الطفولة. إلا أن تعليم الأطفال
تتلخص أهم مشكلات التغذية عند الطفل في إهمال الأهل لتنشئة الأبناء على العادات السليمة أو المبالغة في القلق على تغذيتهم، وكلا الاتجاهين يؤدي إلى اضطرابات سلوكية، في أثناء الطفولة. هذه الاضطرابات، قد تمتد، إلى المراحل النمائية اللاحقة وتؤثر تأثيراً ضاراً في تكيّف الفرد وفي صحته الجسمية أو النفسية.
يعد التمتع بالطعام والإقبال عليه من سمات الطفل الذي يتمتع بصحة جسمية ونفسية. إلا أن المشكلات الخاصة بالأكل تبرز نتيجة للاتجاهات الخاطئة في التعامل مع الأطفال. ويمكن تحديد بعض الأخطاء التي يظهرها الأهل، بشكل متكرر، في موقفهم نحو تغذية أطفالهم وفي اتجاهاتهم في التعامل معهم فيما يتعلق بسلوك التغذية. فهناك بعض الأنماط السلوكية التي تتكرر وتكاد تكون ثابتة ومنها:
- يقوم الأهل، خصوصا الأمهات، باستخدام الطعام كمهدئ ووسيلة لتهدئة بكاء الطفل وتوتره، فكلما أظهر الطفل حالة من الضيق والتوتر أو البكاء تقوم الأم بإعطائه الغذاء. وفي هذا خطأ كبير ينمي عند الطفل النفور من الغذاء والرفض، ويقوي عنده الارتباط بين الغذاء والحالات الانفعالية غير السارة، مما يترك أثراً ضاراً في سلوك التغذية عند الطفل ، هذا الأثر قد يمتد للمراحل اللاحقة من النمو.
- يميل بعض الأهل إلى تحقيق جميع رغبات الطفل الغذائية وذلك بتلبية كل ما يطلبه من الحلوى أو غيرها من الأغذية التي يفضلها أو تلك التي تحثه الدعاية التلفزيونية على استهلاكها. ويلجأ الأهل إلى الخضوع والتسليم للطفل في كل ما يطلب لكي يأكل.
- تظهر معالم القلق عند الأهل وخوفهم على صحة الطفل لعدم تناوله الغذاء المرغوب، مما يدفعه إلى استخدام الغذاء وسيلة للضغط على الأهل لتحقيق ما يريد من خلال الغذاء. ويصبح وقت الوجبة من أصعب الأوقات، يسوده التوتر والغضب والضيق والانفعال.
- يستخدم بعض الأهل أسلوب الضغط على الطفل عن طريق الإلحاح ليأكل من بعض أنواع الأغذية، وقد يصل ذلك بهم إلى إرغام الطفل على تناول الطعام واستخدام العنف مع الأطفال ليأكلوا. إن قلق الأمهات على صحة أبنائهن ومبالغتهن في إظهار ذلك، خصوصاً عندما ينظرن إلى كثرة الأكل كمؤشر على صحة الطفل، يدفع الطفل للأكل لدرجة التخمة. كما أن الآباء المتعصبين لوجهة نظرهم يبالغون في الاهتمام بضبط أوزان أطفالهم وأطوالهم، ويظهرون علامات القلق العميق إزاء ضعف شهية الطفل، فيدفعونه للأكل قسرا، مما يسبب لديه السخط والغضب.
- يميل بعض الأهل إلى ترك الحبل على الغارب، ويهملون تعويد الطفل العادات الغذائية المناسبة، فينشأ الطفل من دون تدرب ومن دون تهذيب فيما يخص الغذاء والموقف نحوه. فالطفل يحتاج إلى اكتساب بعض قواعد السلوك فيما يتعلق بالغذاء ويحتاج إلى التدرب على العادات الغذائية السليمة والى التعرف على بعض المعلومات الأساسية عن الأغذية المختلفة، فوائدها وقيمتها الغذائية والعلاجية، وخصائصها ونتائجها الهضمية، ومحاذير الإفراط في بعض أنواعها.
- يستخدم الطعام من قبل بعض الأهل وسيلة لتعزيز بعض أشكال السلوك عند الطفل. فهذا النوع من الغذاء يستخدم كمكافأة إذا قام الطفل بهذا السلوك المرغوب من قبل الأهل. يؤدي هذا الأسلوب أيضاً إلى اضطراب في سلوك التغذية عند الطفل الذي يدفع للأكل، لا ليلبي حاجاته الغذائية، وإنما ليحقق رغبات الأهل.
لقد أصبح من الثابت علمياً أن الخبرات الانفعالية التي يعيشها الطفل في أثناء تناول الطعام تترك أثراً عميقاً في سلوك التغذية عنده. فالطعام المرتبط بالخوف والغضب والعناد والتوتر يؤدي إلى ضعف الشهية، ويعرقل عملية الهضم مما يلحق الضرر بنمو الطفل وبصحته العامة. فالتمثيل الغذائي يتطلب جواً نفسياً هادئاً وحالة انفعالية بعيدة عن الخوف والتوتر . لأن الانفعالات القوية تؤثر في ضعف الشهية وفي انخفاض فاعلية عملية الهضم.
وتجدر الإشارة إلى أهمية التقيد بمبدأ أساسي في تغذية الطفل وهو أن يأكل عندما يشعر بالجوع, وليس وفق جدول معين، لأن ذلك ينمي قدرة الطفل على التنظيم الذاتي لسلوك التغذية، ويتمكن تدريجياً من التكيف مع مطالب الأهل التي يجب أن تتسم بالكثير من المرونة، ففي بعض مراحل النمو تكون مطالب الأهل في حدودها الدنيا، وفي مراحل لاحقة تزداد هذه المطالب عندما تزداد قدرة الطفل على القبول وعلى التكيف. إن الأطفال الذين يطعمون وفق الطلب ينتظمون في غذائهم بصورة أسرع مما ينتظم أقرانهم الذين يتغذون وفق جدول دقيق.
تأخذ تغذية الطفل أهمية خاصة في هذا الميدان، فالتعرف على تطور سلوك التغذية عند الطفل في مراحل النمو، والتركيز على ضرورة تربية عادات غذائية جيدة، يجب أن يؤديا إلى تنمية الاتجاهات الصحيحة نحو الغذاء، وتربية الذوق والتمتع بالطعام وتناوله والتعامل معه، وترسيخ العادات الغذائية المناسبة لصحة الطفل وحمايته من الانحراف والمرض، كما يجب تعميق الثقافة الغذائية عبر المناهج المدرسية ووسائل الإعلام المختلفة.
كما تبرز في مجتمعاتنا بعض مشكلات التغذية عند الأطفال منها:
1 - سوء التغذية 2 - السمنة 3 - مشكلات ترتبط بالفطام.
أولا - سوء التغذية:
يمكن أن يحصل الطفل على سعرات حرارية كافية في طعامه، إلا أنه لا يحصل على ما يكفي من البروتين والفيتامينات والأملاح المعدنية وغيرها من العناصر الغذائية الضرورية، مما يؤدي إلى سوء التغذية، وفقر الدم، وتأخر النمو الجسدي والسلوكي والذهني. وهناك نسبة عالية من الأطفال
تعد الدراسات المتعلقة ببعض الأنواع ذات فائدة كبيرة، إذ يمكن أن تلقي الضوء على آثار سوء التغذية عند الإنسان. لقد أوضحت هذه الدراسات أن الحيوانات التي لا تستهلك سعرات كافية، ولا تحصل على حاجاتها الكافية من البروتين خلال فترة نمو الدماغ نمواً سريعاً تكون لها أدمغة أصغر من الحيوانات التي تلقت طعاماً وافياً. إذ تكون أدمغة الجرذان التي ساءت تغذيتها في المراحل الأولى أصغر حجماً من أدمغة جرذان مماثلة.
تأكدت هذه الملاحظات عند الطفل البشري، حيث يترك الحرمان من الغذاء في المراحل النمائية المبكرة أثراً عميقاً في بنية الدماغ، وفي خصائصه التشريحية. فعند الأطفال الرضع، تبرز الآثار الضارة لسوء التغذية خلال فترة النمو السريع للدماغ في الأشهر الثلاثة الأخيرة من الحمل وفي الأشــهر الستة التي تلي الولادة.
إن شفاء الأطفال من سوء التغذية يؤدي إلى تحسين أدائهم في الاختبارات الخاصة بالسلوك الحركي، والسلوك التكيفي، واللغة، والشخصية وذلك بالنسبة لحالات الأطفال الذين أصيبوا بسوء التغذية بعد عمر الأشهر الستة. أما الأطفال الذين أصيبوا بسوء التغذية قبل هذا العمر فتعذر التحسن في أدائهم. وتشير هذه المعطيات إلى أن سوء التغذية الحاد الذي يحدث مبكراً في الحياة يمكن أن تكون له آثار دائمة. كما أظهرت بعض الدراسات تأثير نقص التغذية في قدرة الأطفال على التعلم. حيث يرتبط نقص التغذية مع العجز المعرفي وصعوبة اكتساب المعلومات والمهارات. وأشارت بحوث أخرى إلى أن الغذاء الجيد ينشط الوظائف العقلية كالإدراك والتفكير والتعلم والتذكر والتخيل. ففي دراسة أجريت على أطفال تنخفض عندهم نسبة الذكاء، استمرت الدراسة ثمانية أشهر أعطيت فيها مجموعة منهم غذاء إضافياً حقيقياً (8 أملاح و11 فيتامين) في حين أعطي الآخرون غذاء وهمياً. لقد ارتفعت م
عدلات الزيادة إلى 25 درجة لدى المجموعات التي تناولت الأغذية الإضافية.
ويختلف تأثير سوء التغذية باختلاف المرحلة النمائية للطفل ويؤدي إلى عرقلة النمو الجسمي ويؤثر في نمو المخ وفي مستوى الذكاء. إذ أوضحت بعض الدراسات التي أجريت على الأطفال الذين ماتوا بسبب نقص التغذية في العام الأول من العمر، أن الخلايا العصبية لأدمغتهم تقل بنسبة 60% مقارنة بالأسوياء.
ومن مظاهر سوء التغذية في الطفولة، تأثر النمو الجسدي بحيث يكون الصغار أقصر طولاً وأخف وزناً ومتوسط
محيط الرأس أقل مقارنة بالأطفال الذين لا يعانون سوء التغذية، وكذلك يكون متوسط الذكاء أقل بشكل ذي دلالة عند الأطفال الذين يعانون سوء التغذية، مقارنة مع مجموعة من الأطفال
ثانيا - السمنة في الطفولة:
إن الإفراط في التغذية ضار بالصحة. ويمكن أن يؤدي ذلك في سن الطفولة إلى السمنة طوال الحياة. لان عدد الخلايا الشحمية في الجسم ليس محدداً بالوراثة، بل يتزايد بالتغذية المفرطة خلال السنوات المبكرة من الحياة. وسيبقي عدد هذه الخلايا ثابتاً حالما يصل النمو الجسدي إلى نهايته في المراهقة المتأخرة.
وتجدر الإشارة إلى أن عدد هذه الخلايا الشحمية هو الذي يولد الاستعداد للسمنة لدى الفرد وليس حجمها. والحمية وحدها تؤدي إلى تخفيض حجم الخلايا الشحمية ولا تؤدي إلى تخفيض عددها.
وفي البلدان المتقدمة يمكن أن يكون الإفراط في التغذية مشكلة أكبر من نقص التغذية. إذ إن هناك طفلاً من كل خمسة أطفال في أمريكا مفرط في تغذيته. مما يطرح مشكلات جدية لأن أربعة من كل خمسة أطفال زائدي الوزن، يصبحون راشدين زائدي الوزن أيضا. وأصبحت السمنة وآثارها على الصحة من أهم المشكلات الصحية في المجتمعات العربية الخليجية. كما أصبح من الواضح أن المصابين بالسمنة هم أكثر عرضة من غيرهم لمشكلات ارتفاع ضغط الدم، وتصلب الشرايين، وداء السكري. إضافة إلى الأخطار السيكولوجية للسمنة وأهمها الشعور برفض الذات. ويمكن الافتراض بأن ظاهرة السمنة، في جزء كبير منها، هي نتيجة لتغيير نمط التغذية وإدخال الأغذية الاصطناعية في المراحل المبكرة من النمو.
من أهم السبل التي تساعد في منع السمنة في سن الرشد هي عدم الإفراط في تغذية الأطفال الرضع، وعدم استخدام الطعام كمهدئ للصغير عند ظهور علامات التوتر.
وتعد مشكلة تغذية الطفل من المشكلات المهمة المطروحة في العالم، وتأخذ أبعاداً صحية وسيكولوجية واقتصادية وعقائدية. وتم إدخال أساليب جديدة في هذا الميدان، حيث تنخفض نسبة الإرضاع الطبيعي في الكثير من المجتمعات. إذ تشير بعض الدراسات الحديثة إلى عزوف الأم، في بعض المجتمعات العربية خصوصا في البلدان النفطية، عن الإرضاع الطبيعي الذي يتصف بانخفاض نسبته ومدته وانحسار أهميته في تغذية الطفل، وذلك بالرغم من أن حليب الأم هو أفضل أنواع الأغذية وأكثرها فائدة لتلبية حاجات الطفل الجسمية والصحية والسيكولوجية، خصوصا في الأشهر الستة الأولى من الحياة.
تتعرض البلدان النامية إلى تغيرات سريعة وعميقة تمس الأسس التي يقوم عليها المجتمع كما تمس بعض أشكال السلوك والتقاليد الراسخة منذ قرون. وتتضح الآن محاولات فرض «النمط الواحد»، الاقتصادي والاجتماعي والثقافي ، على الشعوب عبر ما يسمى «العولمة»، وتعميم خصائص المجتمعات المهيمنة ، وكل ما يحقق مصالحها، ليصبح نموذجاً صالحاً لكل زمان ومكان. ومن بين هذه النماذج نموذج يتعلق بالسلوك الغذائي، الخاص بالصغار أو الكبار.
تقوم الأم منذ فجر الحياة الإنسانية بتغذية صغيرها، وأصبح هذا السلوك جزءاً من الموروث البيولوجي- الثقافي للنوع البشري ، وأصبح هذا الدور الغذائي الذي تقوم به الأم، تقليداً راسخاً في المجتمعات العربية الإسلامية، إذ يأخذ الإرضاع الطبيعي أهمية خاصة من النواحي الدينية والأخلاقية والتعليمية.
أخذت هذه المشكلة بعدا سياسياً أيديولوجياً، مما زادها تعقيداً وغموضاً. وتتعرض الأم الشابة لضغوط متنوعة لحملها على العزوف عن الإرضاع الطبيعي في تغذية الطفل. وتزداد نسبة الأمهات اللواتي يستخدمن الإرضاع الاصطناعي في بعض المجتمعات العربية، لأسباب مختلفة لايتسع المجال لذكرها. هذه التغيرات طرحت على الطفل مشكلات غذائية عدة.
ثالثا - مشكلات الفطام:
الفطام حدث مهم في حياة الطفل يتم عادة في نهاية العام الأول من عمره, والفطام يكون مصحوباً بكثير من الاضطراب الانفعالي، نتيجة تغيير عادات الطعام والتغذية عند الطفل وإحلال عادات جديدة بدلا منها، فبعد أن كان الطفل يمتص طعامه على هيئة سوائل لا تحتاج إلى جهد نجده بعد الفطام يحتاج إلى الأكل بأسنانه يمضغ ويبلع، ويترتب على ذلك أيضا تغيرات في عمليات الهضم.
ويعتبر الفطام مرحلة دقيقة بالنسبة للأم وللطفل في آن معاً. لذا يجب أن يحدث بالتدريج وأن يتم التحضير له بعناية, ويعتبر ظهور الأسنان الإشارة المحسوسة بأن الطفل أصبح قادراً على تناول الأطعمة الجامدة، حيث يتوجب على الأم التنويع التدريجي في تغذية الطفل.
من الخطأ أيضاً تأخير عملية الفطام عن موعدها أكثر من اللازم فإن في ذلك تثبيتاً لعادات الطفولة وإعاقة النمو الطبيعي.
قد يرفض الطفل الغذاء, أو يفقد الشهية بسبب الفطام, ويظهر نزقا وعصبية. ففي جميع الحالات يجب عدم إرغامه على الطعام, فلابد من التحلي بالصبر والانتظار بعض الوقت لعودة الأشياء إلى طبيعتها.
يجب أن يكون موقف الأبوين متسما بالهدوء والاتزان الانفعالي بعيدا عن القلق والاضطراب عندما تواجههما صعوبات تتعلق بتغذية الطفل. فتناول الغذاء يجب أن يكون مناسبة سعيدة لتلاقي أفراد الأسرة، في إطار من المشاركة والمودة والمحبة، بعيدا عن التوتر والانفعال.
وتقع على الأسرة مسئولية كبيرة في تربية السلوك الغذائي عند الطفل وحمايته من ضغوط الدعاية والإعلان، والحرص على تنمية اتجاهات غذائية مناسبة وتربية السلوك الذي يجنبه الاضطراب والمرض، وتعويده الاعتدال وعدم الانقياد لرغباته، والانتظام والتنوع في غذائه وتربية ذوقه وتهذيب سلوكه، بواسطة الإقناع والحوار، وأن يكون الأهل القدوة الحسنة، في تعويد الطفل العادات المناسبة واتباع الأساليب المرنة في مختلف مواقف الحياة. فالتربية الأعمق أثراً والأكثر فعالية، هي التي تستند إلى المرونة والتسامح والمحبة الحقيقية