في شهر المحرم من العام السادس الهجري خرجت سرية من المسلمين إلى
بني بكر، فهرب بنو بكر خوفًا من المسلمين، وتركوا أنعامهم وإبلهم، فأخذها المسلمون، وبينما المسلمون عائدون وجدوا أمامهم ثمامة بن أثال، ولم يكن قد أسلم بعد، فقبض عليه المسلمون، وعندما وصلوا المدينة ربطوه في أحد أعمدة المسجد، وعندما رأى ثمامة الرسول صلى الله عليه وسلم طلب منه أن يطلقه مقابل ما يريد من المال، وقال له: إن تقتل تقتل ذا دم (أي: رجلا له مكانة في قومه وسوف يثأرون له) وإن تنعم تنعم على شاكر (أي رجل يعرف لك جميلك ويكافئك عليه).
فعفا عنه الرسول صلى الله عليه وسلم، وأطلق سراحه، فانصرف ثمامة، ولكنه عاد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وأعلن إسلامه، وقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله، يا محمد، والله ما كان على الأرض وجه أبغض إلي من وجهك، فقد أصبح وجهك أحب الوجوه إلي، والله ما كان من دين أبغض إلي من دينك، فأصبح دينك أحب الدين إلي، والله ما كان من بلد أبغض إلي من بلدك، فأصبح بلدك أحب البلاد إلي، وإن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة، وذهب ثمامة إلى مكة، فلما عرفوا أنه قد أسلم قالوا له: صبوت
(أي: فارقت دينك)؟ قال: لا والله .. ولكن أسلمت مع محمد رسول الله
صلى الله عليه وسلم، والله لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة (قمح) حتى يأذن فيها النبي صلى الله عليه وسلم.
ومرت الأيام، وأحاط الجوع بقريش، واحتاجت إلى القمح، فأرسلوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسألونه أن يأمر ثمامة بإرسال القمح إلى قريش، ورغم أن قريشًا حاصرت الرسول وقومه في شِعب أبي طالب ثلاث سنوات، وأذاقوهم عذاب الجوع، إلا أن الرسول صلى الله عليه وسلم قابل الإساءة بالإحسان ورفض تعريض قريش للجوع، وأمر ثمامة أن يبيع لهم القمح.
غزوة بني لحيان
لكي لا يتجرأ الكفار على المسلمين خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر شعبان يريد بني لحيان، وقد أظهر أنه متوجه إلى الشام؛ ليفاجئ القوم ولينتقم من الذين غدروا بأصحابه يوم الرجيع، فلما سمعت هذه القبائل الغادرة بمقدمه هربت إلى الجبال، ومكث المسلمون يومين، وأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض فرسانه قريبًا من مكة؛ لتسمع بهم قريش، وليعلموا بما حدث فيزدادوا خوفًا ورعبًا من المسلمين، ثم عاد المسلمون إلى المدينة.
نقلا من موسوعة الاسرة المسلمة