و أنزلنا الــحــديــد فيه بأس شديد
قال الله تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِوَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِوَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَاللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحديد: 25].
فهم المفسرين:
نقل عن علماء التفسير في تفسير هذهالآية قولهم بأن الحديد منزل من السماء، واستدلوا كذلك بالحديث المروي عن عمر بنالخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أنزل الله أربع بركاتمن السماء: الحديد، والنار، والماء، والملح". أما منافع الحديد فقد أفاض المفسرونفي الحديث عنها.
التفسير العلمي:
إن القرآن يقدّر في هذه الآيةالكريمة أن معدن الحديد قد تم إنزاله من السماء ولم يكن موجوداً على كوكب الأرض.
وقد ذكر هذه الحقيقة علماء التفسير، كما أفاضوا في الكلام عن بأسالحديد ومنافعه. أما العلم فإنه لم يتوصل إليها إلا في أوائل الستينات حيث وجدعلماء الفضاء أن أصل معدن الحديد ليس من كوكب الأرض بل من الفضاء الخارجي، وأنه منمُخلّفات الشهب والنيازك، إذ يحول الغلاف الجوي بعضاً منها إلى رماد عندما تدخلنطاق الأرض، ويسقط البعض الآخر على أشكال وأحجام مختلفة.
كشف علماءالفضاء مؤخراً أن عنصر الحديد لا يمكن له أن يتكون داخل المجموعة الشمسية، فالشمسنجم ذو حرارة وطاقة غير كافية لدمج عنصر الحديد، وهذا ما دفع بالعلماء إلى القولبأن معدن الحديد قد تم دمجه خارج مجموعتنا الشمسية، ثم نزل إلى الأرض عن طريقالنيازك والشهب.
ويعتقد علماء الفلك حالياً أن النيازك والشهب ما هيإلا مقذوفات فلكية من ذرات مختلفة الأحجام، وتتألف من معدن الحديد وغيره، ولذلك كانمعدن الحديد من أول المعادن التي عُرِفتْ للإنسانية على وجه الأرض، لأنه يتساقطبصورة نقية من السماء على شكل نيازك.
قال "أرثر بيرز" في كتابه "الأرض": "قُسّمت النيازك إلى ثلاثة أقسام عامة:
1- النيازك الحديدية: ومتكونة من أكثر من 98% من الحديد والنيكل.
2- النيازك الحديديةالحجرية: نصفها مكوّن تقريباً من الحديد والنيكل والنصف الآخر من نوع الصخر المعروفباسم ال "أوليفين".
3- النيازك الحجرية: التي تشمل على حجارة، وتقسمحجارتها إلى عدة أنواع.
يتساقط في كل عام آلاف النيازك والشهب على كوكبالأرض، التي قد يزن بعضها أحياناً عشرات الأطنان. ففي سنة 1902 عثر على نيزك فيالولايات المتحدة بلغ (62 طناً) مكوّن من سبائك الحديد والنيكل. أما في ولاية "أريزونا" فقد أحدث شهاب فوهةً ضخمةً عمقها (600 قدم) وقطرها (4000 قدم) وقد بلغتكميات الحديد المستخرجة من شظاياه الممزوجة بالنيكل عشرات الأطنان.
ومنهذا الشرح العلمي تتبين لنا دقة الوصف القرآني "أنزلنا الحديد". ولكن ما هو البأسالشديد وما هي المنافع التي أشار إليها القرآن بقوله: {فيه بأس شديد و منافعللناس}؟لقد وجد علماء الكيمياء أن معدن الحديد هو أكثر المعادن ثباتاًولم يتوصل العلم إلى الآن من اكتشاف معدن له خواص الحديد في بأسه وقوته ومرونتهوشدة تحمله للضغط. وهو أيضاً أكثر المعادن كثافةً حيث تصل كثافته إلى 7874 كم3،وهذا يفيد الأرض في حفظ توازنها. كما يعتبر معدن الحديد الذي يشكل 35% من مكوناتالأرض، أكثر العناصر مغناطيسية وذلك لحفظ جاذبيتها.
في واقع الأمر لمتعرف البشرية أهمية الحديد الصناعية إلا في القرن الثامن عشر أي بعد نزول القرآنباثني عشر قرناً، حيث اتجه العالم فجأة إلى صناعة الحديد واكتشفوا أيسر الوسائللاستخراجه. وقد دخل الحديد الآن في كل المجالات الصناعية كأساس لها، بل أصبح حجرالزاوية في جميع استعمالات البشر، فهو يستخدم كأنسب معدن في صناعة الأسلحة وأساساًلجميع الصناعات الثقيلة والخفيفة.
ولا بد أن نذكر أيضاً أن الحديد عنصرأساسي في كثير من الكائنات الحية، كما في بناء النباتات التي تمتص مركباته منالتربة، والهيموغلوبين في خلايا الدم عند الإنسان والحيوان.
ونختمكلامنا عن الحديد بالإشارة إلى توافق عددي عجيب ذكره الدكتور زغلول النجار وهو منكبار علماء الجيولوجيا في العالم حيث نبهّه أحد أساتذة الكيمياء في أستراليا إلى أنرقم سورة الحديد يوافق الرقم الذرّي لمعدن الحديد وهو (26) بينما يوافق رقم آيةالحديد العدد الذرّي لمعدن الحديد وهو (26)،فسبحان من علّم محمداً صلىالله عليه وسلم كل هذه الحقائق العلمية. إنه رب العالمين خالق الأكوان القائل فيكتابه العزيز:
{لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَامَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَاالْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْيَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ}.