الحمدُ لله والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
وبعد:
روى الترمذي في سننه من حديث المقدام بن معدي كرب - رضي الله عنه - قال:
سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول
:«ما ملأ آدمي وعاء شراً من بطن، بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه»[1].
قال ابن رجب: هذا الحديث أصل جامع لأصول الطب كلها، وقد روي أن ابن ماسويه الطبيب لما قرأ هذا الحديث في كتاب أبي خيثمة قال: لو استعمل الناس هذه الكلمات لسلموا من الأمراض والأسقام، ولتعطلت دكاكين الصيادلة[2].اهـ؛
وذلك لأن أصل كل داء التخمة، وقال الحارث بن كلدة طبيب العرب: الحمية رأس الدواء، والبطنة رأس الداء, قال الغزالي: ذُكِر هذا الحديث لبعض الفلاسفة، فقال: ما سمعت كلاماً في قلة الأكل أحكم من هذا[3].
هذا الحديث الشريف اشتمل على فوائد كثيرة:
أولاً: أن في تقليل الطعام منافع كثيرة للجسم،
فمن ذلك رقة القلب، وقوة الفهم، وانكسار النفس،
وضعف الهوى والغضب، وكثرة الأكل توجب ضد ذلك.
قال المروذي: جعل أبو عبدالله ـ يعني الإمام أحمد بن حنبل ـ يعظم الجوع والفقر، فقلت له
: يؤجر الرجل في ترك الشهوات؟ فقال: وكيف لا يؤجر وابن عمر رضي الله عنهما يقول
: ما شبعت منذ أربعة أشهر, قلت لأبي عبدالله: يجد الرجل من قلبه رقة وهو يشبع؟ قال
ما أرى. قال الشافعي: الشبع يثقل البدن ويزيل الفطنة، ويجلب النوم، ويضعف صاحبه عن العبادة[4].
ثانياً: أن كثرة الأكل تسبب أمراضاً للبدن، قال ابن القيم رحمه الله: الأمراض نوعان
: أمراض مادية تكون عن زيادة مادة أفرطت في البدن حتى أضرت بأفعاله الطبيعية،
وهي أكثر الأمراض، وسببها إدخال الطعام على البدن قبل هضم الأول،
والزيادة في القدر الذي يحتاج إليه البدن،
وتناول الأغذية القليلة النفع، البطيئة الهضم، والإكثار من الأغذية المختلفة التراكيب المتنوعة،
فإذا ملأ الآدمي بطنه من هذه الأغذية واعتاد ذلك أورثته أمراضاً متنوعة،
منها بطيء الزوال أو سريعه، فإذا توسط في الغذاء،
وتناول منه قدر الحاجة، وكان معتدلاً في كميته وكيفيته كان انتفاع البدن به أكثر من انتفاعه بالغذاء الكثير.
قال ابن الرومي:
فإن الداء أكثر ما تراه
يكون من الطعام أو الشراب
وقال الشافعي:
ثلاث هن مهلكة الأنام
وداعية الصحيح إلى السقام
دوام مدامة ودوام وطء
الطعام على الطعام
ثالثاً: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر أن اللقيمات تكفي لحاجة الجسم فلا تسقط قوته ولا تضعف معها
, فإن تجاوزها فليأكل في ثلث بطنه، ويدع الثلث الآخر للماء،
والثالث للنَّفَس وهذا أنفع ما للبدن وللقلب،
فإن البطن إذا امتلأ من الطعام ضاق عن الشراب،
فإذا ورد عليه الشراب ضاق عن النفس،
وعرض له الكرب والتعب، بمنزلة حامل الحمل الثقيل،
هذا إلى ما يلزم ذلك من فساد القلب، وكسل الجوارح عن الطاعات،
وتحركها في الشهوات التي يستلزمها الشبع[5].
ويلاحظ هذا جيداً في رمضان، فإن من يكثر من تناول الطعام في فطوره،
فإن صلاة العشاء والتراويح تصبح ثقيلة عليه.
رابعاً: الحث على التقليل من الأكل, ففي الصحيحين من حديث أبي موسى - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم -
قال: «
المؤمن يأكل في معىً واحد والكافر يأكلُ في سبعة أمعاء»[6
]، والمراد أن المؤمن يأكل بأدب الشرع فيأكل في معىً واحد،
والكافر يأكل بمقتضى الشهوة والشره والنهم فيأكل في سبعة أمعاء, وندب - صلى الله عليه وسلم -
مع التقليل من الأكل والاكتفاء ببعض الطعام إلى الإيثار بالباقي منه،
روى البخاري ومسلم من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم -
قال: «طعامُ الواحد يكفي الاثنين وطعام الاثنين يكفي الأربعة، وطعام الأربعة يكفي الثمانية»[7].
خامساً: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كما حث على التقليل من الطعام فإنه كان يفعل ذلك هو وأصحابه،
وهذا في الغالب، وإن كان ذلك لعدم وجود الطعام فإن الله لا يختار لرسوله إلا أكمل الأحوال وأفضلها
, روى الترمذي من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: تجشأ رجل عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال:
«كُفَّ عنا جُشاءك، فإن أكثرهم شبعاً في الدنيا أطولهم جوعاً يوم القيامة»[8].
سادساً: أن هذا الحديث فيه الحث على الاقتصاد، وعدم الإسراف، قال تعالى:
﴿
يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ [الأعراف: 31].
سابعاً:
أن هذا الحديث فيه تعويد على الصبر والتحمل والانتصار على النفس الشهوانية، ولذلك يسمى رمضان شهر الصبر.
الإعجاز في السنة النبوية
(الاعتدال في الطعام)
طبيب أمريكي أسلم، ولما سئل عن سبب إسلامه قال: أنا أسلمت على حديث واحد، وعلى آية واحدة!!.قالوا له ما الحديث: ؟!!
قال: الحديث قوله صلى الله عليه وسلم:
((
{بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فاعلا، فثلث لطعامه، وثلث لشرابه ، وثلث لنفسه} يقول: هذا أصول الطب، ولو أن الناس نفذوه ما كاد يمرض أحد.
أما الآية فسأذكرها - إن شاء الله - في مقال آخر يناسبها.
كلما تقدَّم العلم، تطابق مع الدين، ومن المحزن حقا أنه إذا جاءنا من علوم الغرب ما يعارض كتاب الله أو سنة رسول الله،
شكك البعض في في كتاب الله وسنة رسوله، فإذا جاء من علوم الغرب ما يؤيدهما آمنا وأيقنّا.
وهذا يدل على نقص الإيمان وضعف اليقين.
فالمؤمن الحق هو الذي يجعل ثقته في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم قبل كل شي، مهما خالف المخالفون، وشكك المشككون.
لكن حكمة الله عز وجل أنه كلما تقدَّم العلم أكَّد الحقائق التي جاء بها الدين الحنيف.
وحديثي في هذا اليوم عن مبدأ وسطية الإسلام في الطعام والشراب، وكيف وقى الإسلام أفراده بهذا المبدأ من الوقوع في الأمراض.
فإذا كان الطب الحديث يعالج الأمراض بعد وقوعها فإن الإسلام يعطينا وصفات راقية حتى لا نقع أصلا في مثل هذه الأمراض وذلك، من خلال الاعتدال في مسألة الطعام والشراب،
قال تعالى: {
وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين}.
فهذه الآية الكريمة اشتملت على نصف الطب، فإن أكثر الأمراض من التُّخمة، وإدخال الطعام على الطعام.
فالله تعالى ينهانا في هذه الآية عن الإسراف في الطعام والشراب؛ لأن الإسراف فيهما مهلكة للجسد،
وبالتالي فالمسرف لا يحبه الله؛ لأنه أهلك نفسه وأتعب الآخرين معه، يتعب أهله ويتعب الطبيب.
وقد أكد هذا المعنى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:
((
مَا مَلأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ، بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلاتٌ يُقِمْنَ صُلبَهُ، فَإِنْ كَانَ لا مَحَالةَ، فَثُلثٌ لطَعَامِهِ، وَثُلثٌ لشَرَابِهِ، وَثُلثٌ لنَفَسِهِ)).
ولهذا الحديث قصة طريفة، وحوار جرى بين طبيب ألماني، وصحفي مسلم، في إحدى مستشفيات ألمانيا. قال الطبيب الألماني للصحفي المسلم: ما سبب تأخر المسلمين عن الحضارة والنهضة؟ فأجابه الصحفي المسلم – طبعا مسلم بالهوية -: إن سبب تأخر المسلمين هو الإسلام!! فأمسكه الطبيب من يده، وذهب به إلى جدار قد علقت عليه لوحة، فقال له: اقرأ الكلمات المكتوبة على هذه اللوحة، فإذا فيها الحديث الشريف الذي يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم:
((
مَا مَلأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ، .....الحديث)).
وعند نِهاية الحديث قد كُتب، القائل: محمد بن عبد الله!!!
فقال الطبيب الألماني للصحفي المسلم: أتعرف هذا؟ قال: نعم هذا نبينا..
فقال له: نبيكم يقول هذا الكلام العظيم، وأنت تقول: إن سبب تأخركم هو الإسلام!!
وختم الألماني الحوار بقوله: للأسف إن جسد محمد عندكم، وتعاليمه عندنا؟!.
قال الأطباء المتخصصون:
الإسراف في الطعام هو السبب الحقيقي لمرض السمنة التي تؤدي إلى تصلب الشرايين وأمراض القلب
وتشحم الكبد وتكون حصوات المرارة ومرض السكر ودوالي القدمين والجلطة القلبية والروماتزم المفصلي
الغضروفي بالركبتين وارتفاع ضغط الدم والأمراض النفسية والآثار الاجتماعية التي يعاني منها البعض.
ومما يؤثر في هذا الجانب من الأقوال:
( المعدة بيت الداء والحمية رأس الدواء )
( نحن قوم لا نأكل حتى نجوع وإذا أكلنا لا نشبع )
وقد لجأت كثير من المصحات العالمية في الدول الغربية إلى استعمال الصيام
كوسيلة فعالة في إنقاص وزن المرضى الذين لا تجدي معهم وسيلة أخرى.
وهناك قول لبعض المتقدمين من الأطباء:
( من أراد عافية الجسم فليقلل من الطعام والشراب، ومن أراد عافية القلب فليترك الآثام ).
وقال ثابت بن قرة: (
راحة الجسم في قلة الطعام وراحة الروح في قلة الآثام وراحة اللسان في قلة الكلام ).
إن الإسراف في الطعام يؤدي إلى اضطرابات شديدة بالجهاز الهضمي من أوله إلى آخره وهذا دائماً ما يؤدي إلى دوام شكوى المريض وتوتره وعصبيته وقلقه وتردده على عيادات الأطباء المختلفة التخصصات ولو علم أن هذا كله يرجع إلى الإسراف في الطعام والشراب لكفى نفسه شر كل هذه الأمراض وغيرها ـ ولتمتع بصحة جيدة وسعادة وهناء
والحمدُ لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
.
منقول