إن التربية تفاعُل بين الوالدَين وأولادهما، وشرط التربية الأول هو المعايشة والمخالطة، وعندما يبخل الوالدان بأوقاتهما على أبنائهما، فإن آمالهما في إصلاح أبنائهما لن تكون سوى أضغاث أحلام!
خرجت إيمان من حجرتها، وبالقرب من أبيها وقفت تنظر إليه وقد بدَت عليها علامات الحرج والحيرة، لمحها الأب فأدرك على الفور سبب حرجها وحيرتها.
الأب: تعالَي يا حبيبتي، أتريدين شيئًا؟
إيمان: بعد أن تفرغ من القراءة يا أبي.
الأب: ابتسَمَ وقال: ومتى كانت القراءة أهمَّ منكِ؟ وأشار إلى مقعد أمامه قائلاً: اجلسي، وجلست إيمان.
الأب: ماذا تطلبين اليوم؟
إيمان: لا شيء، فقط أريد أن أسأل حضرتك عن شيء؟
الأب: سلي ما شئتِ، أسئلتك تُعجبني دائمًا.
إيمان: أمسِ كنتُ أشتري كتابًا، وفي داخل المكتبة تقابلتُ مع أماني وسالي، واشترى كل منا كتابًا، وعند خروجنا من المكتبة وجدنا لوحةً على الحائط مكتوبًا عليها: "أجب عن السؤال واحصل على كتاب هدية"، وكان السؤال هو: "اذكُر أركان الإيمان".
فأجاب كلٌّ منا عن السؤال ولكن بإجابة خاطئة، فهل من الممكن أن تخبرني بالإجابة الصحيحة يا أبي؟
الأب: لا بد أولاً أن تعلمي - يا إيمان - أن للدين الإسلامي مراتب ثلاثًا، وهي:
1- الإسلام؛ وهو: الاستسلام لله تعالى بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والخلوص من الشرك وأهله.
2- الإيمان؛ وهو: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيرِه وشرِّه.
3- الإحسان؛ وهو: أن تعبُد اللهَ كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
أما عن أركان الإيمان، فهي ستة أركان، وقد ذكرتُهم من قبل.
إيمان: حسنًا يا أبي، ولكن ما معنى الإيمان بالله؟
الأب: الإيمان بالله هو الاعتقاد الجازم بأنه ربُّ كل شيءٍ ومليكُه، وأنه متَّصف بصفات الكمال، منزَّه عن كل عيب ونقص، وأنه المستحق للعبادة وحده لا شريك له.
والله يعلم كل أحوال العبد من طاعة ومعصية، فوجب على العبد أن يَمتلئ قلبُه مهابة لله - سبحانه وتعالى - وتعظيمًا وحبًّا، ويَخجل من معصيته فيَنتهي عنها؛ لأن الله يَراه وهو يَعملها.
ومن ثمرات الإيمان بالله تعالى: حصول الأمن التامِّ، والاهتداء التام، والاستِخلاف في الأرض، والتمكين والعزة، وحلول الخيرات، ونزول البركات، ودخول الجنان، والنجاة من النِّيران، وزيادة الإيمان والثبات عليه، ويبعَث على الشجاعة والإقدام والهداية لكل خير، وكل سعادة ونعمة في الدنيا والآخرة سببُها الإيمان بالله تعالى.
إيمان: اللهمَّ ارزقنا صدق الإيمان بالله، آمين.
وما معنى الإيمان بالملائكة؟ وهل لهم أسماء يُسمَّون بها؟
الأب: الإيمان بالملائكة أي: التصديق بوجودهم، وأنهم نوع من مخلوقات الله، وهم عبيد الله، ليسوا بنات، خلقهم الله من نور، وجعل لهم أجنحة مثنى وثلاث ورباع، وهم لا يأكلون ولا يشربون، ولا ينامون ولا يتزوجون، أمرهم الله بوظائف ومهامَّ فهم بها قائمون.
ومن ثمرات الإيمان بالملائكة: العلم بعظمة خالقهم عز وجل، وكمال قدرته وسلطانه، ومحبة الملائكة على ما هداهم الله إليه، وطمأنينة المسلم التي يورِثُها الإيمان بالملائكة، وشكر الله على لطفِه وعنايتِه بعباده.
ومنهم الحفَظة والكرام الكاتبون، والمسبِّحون والسيَّاحون، وحمَلة العرش "عددهم ثمانية، وهم خلقٌ عظيم من خلقِ الله، يَطير الطائر من طرفِ أذنِ أحدِهم إلى عنقِه خمسمائة عام".
أما عن أسماء الملائكة، فهم لهم أسماء يُسمَّون بها، منها:
• جبريل: وهو على رأس الملائكة، والموكل بالوحي إلى الأنبياء والرسل، وله ستمائة جناح، وقد رآه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم على هيئتِه.
• ملك الموت: الذي يقبِض أرواح العباد بأَمرِ الله، وله أعوان.
• إسرافيل: الذي ينفُخ في الصُّور قبل يوم القيامة.
• ميكائيل: وهو الموكَّل بالقَطْر (المطر).
• رضوان: خازن الجنة، وله أعوان.
• مالك: خازن النار، وله أعوان؛ رؤساؤهم تسعة عشر.
وعدد الملائكة لا يعلمه إلا الله.
إيمان: سبحان الله.. حقًّا إن الله على كل شيء قدير. وما المراد بالإيمان بالكتب يا أبي؟
الأب: الإيمان بالكتب هو: التصديق بأن لله كتبًا أنزلها على رسله إلى عباده، وأن هذه الكتب كلام الله تعالى، وأنها حقٌّ ونور، وهدى للناس في الدارَين الدنيا والآخرة، وهذه الكتب هي:
1- القرآن الكريم المنزَّل على محمد صلى الله عليه وسلم.
2- الإنجيل المنزَّل على عيسى عليه السلام.
3- التوراة المنزَّلة على موسى عليه السلام.
4- الزبور المنزل على داود عليه السلام.
5- الصحف المنزلة على إبراهيم عليه السلام، وبعضها منزل على موسى.
والإيمان بأن القرآن الكريم هو المهيمن على هذه الكتب، والحاكم على جميع شرائعها وأحكامها، والناسخ لما يُخالف أحكامه منها بمجرد نزوله، وأن القرآن مناسب لجميع الخلق في كل عصر ومكان، وأن الله لا يقبل يوم القيامة إلا العمل بالقرآن، وأن أهل القرآن هم أهل الله وخاصَّته، فالقرآن يطهِّر القلوب من الشبهات والشهوات، ويُقرِّبها من خالقها - سبحانه وتعالى.
ومن آداب قراءة القرآن: الطهارة والوضوء، واستقبال القِبلة، والجلوس في أدب ووقار، وعدم الإسراع في تلاوته، والخشوع والتدبُّر، وتحسين الصوت به.
ولا بد أن نوقِنَ أن إقامة أحكام هذا الكتاب في الناس من أعظم أسباب التمكين في الأرض والنصر على الأعداء.
إيمان: اللهمَّ اجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا، ونور عيوننا، وزوال همومنا وأحزاننا.. آمين.
ولكن ما معنى الإيمان بالرسل؟
الأب: الإيمان بالرسل الذين أرسلهم الله إلى خلقِه؛ أي: التصديق الجازم بأن الله بعَث في كل أمة رسولاً منهم يَدعوهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وأن الرسل كلهم صادقون مصدَّقون، أتقياء أنقياء أُمناء، هُداة مهتدون، وهم أفضل خلقِ الله، ومَعصومون من المعاصي، وأنهم بلَّغوا رسالات ربهم.
ومن خصائصِهم أن الكفرَ بواحد منهم هو كفرٌ بجميعِهم، وأنهم لا يورَّثون، وما يتركونه صدقةٌ، وحرَّم الله على الأرض أن تأكل أجسادهم.
ومن ثمرات الإيمان بالكتب والرسل: العلم برحمة الله تعالى وعنايته بخلقه؛ حيث أرسل إليهم رسلاً، وأنزل عليهم كتبًا، وشكره تعالى على هذه النعمة، ومحبة الرسل وتوقيرهم والثناء عليهم بما يليق بهم.
أما عدد الرسل، فلا يعلمه إلا الله، ذكر الله منهم في القرآن: محمدًا صلى الله عليه وسلم، وإبراهيم خليل الرحمن، وموسى كليم الله، وعيسى كلمة الله، ونوحًا، وهم أولو العزم من الرسل عليهم الصلاة والسلام، وإسماعيل، وإسحق، ويعقوب، وهارون، وأيوب، ويونس، وسليمان، وداود، ويحيى، وزكريا، وهودًا، وصالحًا، ويوسف، وشُعيبًا، وإلياس، ولوطًا، وذا الكفل، وإدريس، وغيرهم كثير، منهم من قصه الله في القرآن ومنهم من لم يقصصه.
وأول الرسل نوح، وخاتمهم وأفضلهم محمد صلى الله عليه وسلم.
إيمان: وبماذا فضَّله الله على غيره من الأنبياء والمرسلين؟
الأب: أعطاه الله ما لم يعطِ أحدًا من الأنبياء قبله، ومنها:
• الوسيلة؛ وهي: أعظم درجة في الجنة، أعدها الله للنبي صلى الله عليه وسلم.
• الكوثر؛ وهو: نهر في الجنة يَجري من تحت عرش الرحمن.
• الحوض؛ وهو: الذي لا يشرَب منه إلا المسلمون يوم القيامة.
• الشفاعة؛ وهي: المقام المحمود يوم القيامة، فإنه صلى الله عليه وسلم يشفَع عند الله حتى يُخرج عصاة المسلمين من النار.
• أرسله الله إلى الإنس والجن جميعًا، وأرسل كل نبي إلى قومه خاصة.
• وأنه أول من ينشق عنه القبر، وأول شافع وأول مشفَّع، وأول من يَطرُق باب الجنة، وجُعلت الأرض له وللمسلمين مسجدًا وطهورًا، وأن الله نصَرَه ونصَرَ جُندَه وأتباعه إلى يوم القيامة بأن بث الرعب في قلوب أعدائهم مسيرةَ شَهرٍ.
• ومن مُعجزاته صلى الله عليه وسلم: انشقاقُ القمر له، واستشهاده بالشجرة، والإسراء به والمعراج، ومعجزة القرآن الكريم، وتكثير الطعام والماء بين يديه صلى الله عليه وسلم، وأنه ردَّ عينَ قَتادة لما فُقئت يوم أُحُد، وردَّ ساق ابن الحكم لما كُسرت يوم بدر، وبكاء جذع الشجرة الذي كان يَخطب عليه صلى الله عليه وسلم حين تركه، ولم يسكُت حتى وضع يديه عليه.
إيمان: وما المراد بالإيمان بالبعث واليوم الآخر؟
الأب: هو التصديق الجازم بوقوع هذا اليوم، وأن يؤمن كل مسلم بأن الله سيُخرج الموتى من قبورهم أحياءً يوم القيامة؛ لفصل القضاء بينهم، ومجازاتهم بأعمالهم على الصفة التي بيَّنها الله في كتابه وبيَّنها الرسول صلى الله عليه وسلم في سنَّته؛ فالجنة أعدَّها الله للمؤمنين المتَّقين المطيعين لله ورسوله، وأما النار فهي دار العذاب المقيم، أعدَّها الله للكافرين الذين كفروا بالله وعصوا رسله، وفي يوم القيامة يوضع الميزان ويُعطى كل عبدٍ كتابه، فمَن أخذ كتابه بيمينه كان في الجنة، ومن أخذ كتابه بشماله كان في النار.
إيمان: وهل ليوم القيامة أَمَارات أو علامات يا أبي؟
الأب: نعم، ليوم القيامة علامات كثيرة، منها:
علامات صغرى؛ مثل: ضياع الأمانة، وكثرة القتل، وأن يتولى الفُساق الحكم قهرًا، وأن يتكلَّم السفهاء في الأمور المهمَّة.
وعلامات كبرى؛ مثل: ظهور المهدي، وقيام خلافة راشدة على منهاج النبوة قبل قيام الساعة، وخروج المسيح الدجال، ونزول عيسى ليقود المسلمين ويُقاتل الكافرين، ويكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ولا يَقْبَل إلا الإسلام، وخروج يأجوج ومأجوج، وكذلك خروج الدابة التي تكلِّم الناس، وطلوع الشمس من مغربِها، ورفع القرآن... وغيرها.
ومن ثمرات الإيمان باليوم الآخر: استشعار كمال عدل الله؛ حيث يجازي كلاًّ بعملِه مع رحمته بعباده، والحِرص على طاعة الله تعالى رغبة في ثواب ذلك اليوم، والبُعد عن معصيتِه خوفًا من عقاب ذلك اليوم، وتسلية المؤمن عما يفوته من نعيم الدنيا ومتاعها، بما يرجوه من نعيم الآخرة وثوابها.
إيمان: بقي لي يا أبي أن أعرف معنى الإيمان بالقضاء والقدر.
الأب: هو التصديق بأن الله سبحانه عَلِمَ مقاديرَ الأشياء وأزمانها قبل وجودها، ثمَّ كتبَها في اللوح المحفوظ، ثم أوجدها بقدرته ومشيئته في مواعيدها المقدَّرة، فكل حدث من خير أو شر فهو صادِر عن علمِه وتقديره ومشيئته وإرادته، ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، فالله لا غالبَ له، هو مقلِّب القلوب، يهدي من يشاء بفضله ورحمته، ويُضِلُّ من يشاء بعدله وحكمته، والله لا يُسأل عما يفعل ولكن الناس يُسألون.
والمؤمنين يرضَون بقضاء الله وقدرِه، خيرِه وشرِّه، في المِحَن والمِنَح، ويُوقنون أنه لا يستطيع أحد أن ينفعهم إلا بقدَرِ الله، ولا يضرهم إلا أن يكون قد كتبه الله.
ولن يجد العبد حلاوة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه.
ومن ثمرات الإيمان بالقضاء والقدر:
1 - الاعتماد على الله عند فعل الأسباب؛ لأن السبب والمسبب كليهما بقضاء الله وقدره.
2 - راحة النفس وطمأنينة القلب متى علم أن ذلك بقضاء الله تعالى، وأن المكروه كائن لا محالة.
3 - طرد الإعجاب بالنفس عند حصول المراد؛ لأن حصولَ ذلك نعمة من الله بما قدَّره من أسباب الخير.
4 - طرد القلق والضجر عند فوات المراد أو حصول المكروه؛ لأن ذلك بقضاء الله تعالى، وهو كائن لا محالة، فيَصبر على ذلك ويحتسب الأجر.
5 - التوكل واليقين والاستسلام لله، والاعتماد عليه.
6 - إحسان الظن بالله، وقوة الرجاء به في كل أحواله.
7 - التواضع؛ فالمؤمن بالقدر يتواضَع؛ لعِلمه بأن الخير الذي هو فيه من الله وبقدر الله، ولو شاء لانتزعه منه، إن الله على كل شيء قدير.
8 - الجد والحزم في الأمور، والحرص على كل خير ديني أو دُنيوي، فلا يتواكَل، ولا يهاب المخلوقين، ولا يَعتمِد عليهم، وإنما يتوكَّل على الله، ولا يقول: لو أنني فعلت كذا لكان كذا وكذا، بل يقول: قَدَرُ الله وما شاء فعل، ويَمضي في طريقِه متوكِّلاً على الله، مع تصحيحِ خطئه ومحاسبته لنفسه.
9 - الشكر لله، والرضا بقضائه، والفرح بقدره.
10 - علو الهمة، وكبَر النفس، وعدم الرضا بالدون أو الواقع الأليم، ولا يَستسلِم له محتجًّا بالقدر، فالاحتِجاج بالقدر إنما يَسُوغ عند المصائب دون المعائب، ويحول المِحَن إلى مِنَح، والمصائب إلى أجر حسب القدرة والاستطاعة وَفق الضوابط الشرعية.
11 - تحرير العقل من الخرافات والأباطيل والأمراض التي تفتِك بالمجتمعات وتزرَع الأحقاد بينها.
الأب: اللهمَّ يا مقلِّب القلوب ثبِّت قلوبنا على دينِك، وهَب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب... آمين.
إيمان: آمين... آمين، يا ربَّ العالَمين.
الأب: ابتسمَ وسأل إيمان: هل فهمتِ يا بُنيتي؟
إيمان: نعم، وجزاك الله خيرًا يا أبي.
يتبع