من أسباب حسن الخاتمة الإكثار من ذكر الموت الشيخ ندا أبو أحمد
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين. إنَ ذكر الموت يُنغِّص اللَّذَّات، ويحقر الشَّهوات، ويَجعل الآخرة نُصبَ العين، وذِكرُ الموت يَردَع عن المعاصي، ويُليِّن القلبَ القاسي، ومَن أكثر مِن ذِكر الموت، أُكْرِم بثلاثة أشياءَ: تَعجيل التَّوبة، وقَناعة القلب، ونشاط العبادة.
ومن نسي الموت عُوقب بثلاثة أشياء: تَسويف التوبة، وترك الكفاف، والتَّكاسل عن العبادة. ***- وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول كما عند التِّرمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: «أكثروا ذِكرَ هاذِم اللَّذَّات: الموت» (صحيح الجامع: [1210]).
• وعند ابن ماجه والحاكم عن ابن عمر رضي الله عنهما: "أن النبي صلى الله عليه وسلم سُئل: أي المؤمنين أَكْيَس؟ قال: «أكثَرُهم ذِكرًا للموت، وأشدُّهم استعدادًا له، أولئك هم الأكياسُ»"؛ (الصحيحة: [1384]).
نعم؛ فهُم أكيسُ وأعقل الناس؛ لأن ذكر الموت لا يغيب عنهم، فهم في عمل دائب، واجتهاد في الطاعة، حتى تكون الرَّاحة في الجَنَّة. • ومشاهدة المحتضَرين، والنظر إلى سكراتهم ونزعاتهم ومعالجتهم في طُلوع الرُّوح وشِدَّة كربِهم، أعظم عِبرة للاتَّعاظ، وعدم نسيان المَوت.
دخل الحسنُ البصري رحمه الله على مريض يعوده، فوجده في سكرات الموت، فنظر إلى كربِه وشدَّة ما نزلَ به، فرجَع إلى أهلِه بغير اللَّون الذي خرج به مِن عندهم، فقالوا له: الطَّعام يرحمُك اللهُ، فقال: "يا أهلاه، عليكم بطعامكم وشرابكم، فوالله لقد رأيتُ مَصرعًا لا أزال أعمل له حتى ألقاه".
وصدق ابن مسعود رضي الله عنه حيث قال: "السَّعيد من وُعِظ بغَيره". • وكذا زيارة القبور تجعل الإنسان لا يَنسى الموتَ، ورؤيتُها سبيلٌ لأنْ يرقَّ القلبُ، وتدمعَ العينُ، وتجعل زائرها يَزهد في الدنيا، ويَرغب في الآخرة، ويُسارع بالتَّوبة والأوبة والرُّجوع إلى مولاه، ويُكثر مِن الطاعة، ويُلازم ذلك حتى مجيء الموت، فتختم له بخاتمة السعادة.
***- وبيَّن القرطبي رحمه الله كيف يتحقَّق لزائر القَبر أن يتعظ ويعتَبر، فقال رحمه الله: "يعتبر بمَن صار تحت التراب، وانقطع عن الأهل والأحباب، بعد أن قاد الجيوشَ والعساكر، ونافس الأصحابَ والعشائر، وجمع الأموالَ والذخائر، فجاءه الموتُ في وقت لم يحتسبه، وهَوْل لم يرتَقِبْه، فليتأمل الزَّائر حال مَن مضى مِن إخوانه ودرج مِن أقرانه، الذين بلغوا الآمال وجمعوا الأموال، كيف انقطعت آمالهم، ولم تُغنِ عنهم أموالُهم، ومحا الترابُ محاسن وجوههم، وافترقت في القبور أجزاؤهم، وترمَّل بَعدهم نساؤهم، وشمل ذلُّ اليُتم أولادَهم، واقتسَم غيرُهم طريقَهم وبلادَهم.
وعند هذا التَّذكُّر والاعتبارِ يزولُ عنه جميع الأغيار الدنيويَّة، ويقبل على الأعمال الأُخرويَّة، فيزهد في دنياه، ويُقبل على طاعة مولاه، ويَلين قلبُه، وتَخشع جوارحُه"؛ (الثبات على دين الله: [1/1029]).
• فالمؤمن الصَّادق يَذكر الموت دائمًا؛ لأنه موعد لقاء الحبيب، فهو دائمًا لا يَنسى موعد لقاء حبيبه جل وعلا ولذا تراه يَشتاق إلى الموت، ليخرج من دار العاصين، ويَنتقل إلى جوار ربِّ العالمين. فها هو معاذ بن جبل رضي الله عنه يقولُ عند موته: "حَبيب جاء على فاقَةٍ (يقصد الموت)".
ولما حضر بلال الوفاة: قالت زَوجته: "واحزناه"، قال لها: "لا، بل قولي: وافرحتاه، غدًا ألقى الأحِبَّة، محمدًا وصحبَه".
فذِكر الموت يجعلُ العبدَ دائمًا في طاعة الله، ومِن ثمَّ يقوده إلى حُسن الخاتمة