عيناك بصري
1-اللقاء الاول
راح طائر النورس يطلق صرخة مذعورة في عنان السماء واخذت الريح تعصف فوق المحيط الهادي فتندفع المياه كالدوامات تلتف حول الزوارق الراسية في ميناء اليخوت على خليج سان فرانسيسكو. وفي الافق تناهى رنين القطار الكهربائي يتحرك نحو قمة شارع هايد.
واقبلت سيارة كونتينتال زرقاء اللون يقودها سائقها بسرعة نحو موقف السيارات امام الميناء, وكان السائق سيدة في منتصف الثلاثينات من عمرها ذات جمال اخاذ وشعر احمر, اوقفت السيارة بين الخطوط البيضاء وبينما هي تضع يدها على مقبض الباب القت بنظراتها على الفتاة الصامته التي كانت تقبع الى جوارها وقالت لها:
" البرد قارس في الخارج يا سبرينا ومن المستحسن ان تنتظري في السيارة حتى اعرف اذا كان ابوك عاد من البحر".
وكانت العبارة التي قالتها السيدة ذات الشعر الاحمر مجرد افادة وليست اقتراحا وفتحت سابرينا فمها لتحتج فقد سئمت ان تعامل معاملة العاجز المريض.
وشعرت بنفاذ بصيرتها ان ديبورا لا تأبه كثيرا لصحبتها قدر اهتمامها بقضاء بعض الوقت وحدها مع والدها.
" كما ترين ديبورا".
قالت سابرينا مستسلمة ولكن بتذمر وراحت تقبض راحتها بشدة على مقبض عصاها. اللحظات الصامتة التي تلت ذهاب ديبورا اثارت اعصاب سابرينا الثائرة. كان يكفيها ان تتحمل اغلال قيودها الجسدية بدون حاجة الى احتمال وضع صديقة ابيها بغض النظر عن اي اعتبار اخر.
صديقة ابيها! وقلبت سابرينا شفتيها في استياء وهي تردد هذه العبارة كانت هناك صديقات كثيرات لابيها منذ وفاة امها وكانت سابرينا انا ذاك في السابعة لكن ديبورا موسلي لم تكن مجرد امرأة اخرى ولولا الحادث الذي اصيبت به سابرينا منذ ثمانية اشهر لكانت ديبورا الزوجة الجدية لأبيها.
وقبيل الحادث كانت سابرينا تجد الامر شيئا رهيبا كلما فكرت في ان اباها قد عثر على واحدة يود الزواج منها. ولم تكن ديبورا موسلي من اختيار سابرينا صحيح انها تحبها ولكن ما يهمها هو ان يكون اباها سعيدا.
كانت سبرينا تتمتع باستقلال تام قبل وقوع الحادث اذ خصصت لنفسها مكانا وهو عبارة عن مسكن صغير جدا كان ملكا لها وحدها وكانت لها وظيفة تمكنها من ان تعيل نفسها اما الان...وصرخت الكلمة ممتزجة بنحيب يائس.
وسيطول بها الزمن قبل ان تذكر شيئا من احلامها مرة اخرى.
وسألت نفسها بهدوء وهي تنتحب :
" لماذا اختارني انا دون بقية الناس؟"
ثم اردفت تسأل بصوت ملؤه الشفقة على نفسها :
" ماذا فعلت حتى استحق كل هذا؟ لماذا اختارني انا بالذات؟"
واعتصر الالم حلقها اذ لم تجد جوابا على سؤلها خاصة بعد ان وقع الضرر ولا سبيل الى اصلاحه او تعويضه كما صرح بذلك اخصائي تلو الاخر لها ولابيها وستظل عاجزة بقية حياتها ولن تكون هناك وسيلة لتغيير الوضع سوى حدوث معجزة.
وبدأت الثورة والغضب تسريان في عروقها. هل قدر لها ان تجلس الى الابد في السيارات وان تقبع في البيت تاركة الاخرين يقررون مصيرها؟
وخطرت لها فكرة مقززززززززززززة للنفس وفكرت سابرينا في ان ديبورا تحدوها الرغبة في ان تنفرد بأبيها, ليس من منطق الرغبة في الاستمتاع بلحظات رومانسية معه وانما كجزء من خطة تدبرها لاقناعه بارسالها بعيدا الى بيت للتأهيل.بيت للتأهيل! الكلمة دائما تشعرها بأن ديبورا مجرمة وقالت سابرينا يائسة:
" اضرع اليك يا ربي ان لا تدع ابي ينصت اليها. لا اريد الذهاب الى ذلك المكان. وبالتأكي توجد مدرسة اخرى."
كانت تشعر بالالم يعتصر قلبها فقد اعتادت دائما ان تتمتع بالاكتفاء الذاتي والان تعتمد على الاشخاص الاخرين. لعل ديبورا في هذه اللحظة بالذات تحاول اقناع اباها بارسالها الى مدرسة اخرى.الان يتقرر مصيرها وهي جالسة في السيارة بدون ان تشارك بدورها في المناقشة, وانما تدع شخصا اخر يتدخل ليدبر شؤونها.