قال الله تعالى:" وَلِلهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ۚ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ "، آل عمران/97.
تعريف الحج
الحجّ (بفتح الحاء وكسرها): الحَج والحِج، لغتان قرئ بهما في قول الله تعالى:"
وَلِلهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا "، آل عمران/97، فقراءة حفص عن عاصم، وحمزة، والكسائي، وخلف، وأبي جعفر على النّحو التالي:"
وَلِلهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا "، وباقي القرّاء يقرؤونها:"
وَلِلهِ عَلَى النَّاسِ حَجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ". (1)
وأمّا الحجّ لغةً فهو: القصدُ إلى كلِّ شيء، فخصَّه الشرع بقصد معيّن ذي شروط معلومة، وقيل أنّ الحجّ لغةً: القصد إلى الشيء المعظَّم، وقيل الحجّ هو: القصد للزيارة، كما قال الشاعر: يحجُّون بيت الزبرقان المعصفر. وقيل: الحَِجُّ - بفتح الحاء وكسرها -: القصد، وقيل: الحجُّ: القصدُ والكفُّ، وقصد مكة للنسك، وهو حاجٌّ، وحاجِجٌ، جمعه: حُجاج، وحجيج، وحاجةٌ: من حواجّ.
ويُقال: الحجُّ: القصد، ثمّ غلب في الاستعمال الشّرعي والعرفيّ على حجّ بيت الله تعالى وإتيانه، فلا يُفهم عند الإطلاق إلا هذا النّوع الخاصّ من القصد؛ لأنّه هو المشروع الموجود كثيراً، وقيل: كثرة القصد إلى من يُعظَّم. وأمّا الحج شرعاً فهو: القصد لبيت الله تعالى بصفةٍ مخصوصةٍ، في وقتٍ مخصوصٍ، بشرائطَ مخصوصةٍ. (2)
حكم الحج
لإنّ الأصل في حكم الحجّ هو الوجوب في الكتاب، والسّنة، والإجماع، فأمّا الدّليل من الكتاب فقوله سبحانه وتعالى:"
وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ "، آل عمران/97، وحرف عَلى: يدلُّ على الإيجاب، لا سيّما إذا ذُكر المستحقّ، وقد أتبعه بقوله تعالى:"
وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ "، ليوضّح أنّ من لم يعتقد بوجوب الحجّ فهو كافر، وأنّ وضع الله عزّ وجلّ للبيت، ووجوب الحجّ إليه، إنّما هو لمنفعة النّاس، لا لحاجته سبحانه وتعالى إلى الحجّاج، لأنّ الله سبحانه وتعالى غنيّ عن العالمين.
وأمّا الأدلة من السّنة النّبوية فكثيرة، منها حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال:"
نُهينا أن نسأل رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - عن شيء، فكان يعجبنا أن يجيء الرّجل من أهل البادية، العاقل فيسأله ونحن نسمع، فجاء رجل من أهل البادية، فقال: يا محمّد أتانا رسولك فزعم لنا أنّك تزعم أن الله أرسلك؟ قال: صدق، قال: فمن خلق السّماء؟ قال: الله، قال: فمن خلق الأرض؟ قال: الله، قال: فمن نصب هذه الجبال وجعل فيها ما جعل؟ قال: الله، قال: فبالذي خلق السّماء، وخلق الأرض، ونصب الجبال، الله أرسلك؟ قال: نعم، قال: وزعم رسولك أنّ علينا خمس صلوات في يومنا وليلتنا، فقال: صدق، قال: فبالذي أرسلك الله أمرك بهذا؟ قال: نعم، قال: وزعم رسولك أنّ علينا زكاةً في أموالنا، قال: صدق، قال: فبالذي أرسلك الله أمرك بهذا؟ قال نعم، قال: وزعم رسولك أنَّ علينا صومَ شهر رمضان في سنتنا، قال صدق، قال: فبالذي أرسلك الله أمرك بهذا؟ قال: نعم، قال: وزعم رسولك أنّ علينا حجّ البيت من استطاع إليه سبيلاً، قال: صدق، قال: ثم ولَّى، قال: والذي بعثك بالحق لا أزيد عليهنَّ ولا أنقص منهنَّ، فقال النّبي صلّى الله عليه وسلّم: لئن صدق ليدخلنّ الجنّة "، رواه مسلم.
وأمّا الإجماع فقد أجمعت الأمّة على أنّ الحجّ واجب على من استطاع في العمر مرّةً واحدةً، وقال الإمام ابن المنذر:" وأجمعوا على أنّ على المرء في عمره حجّةً واحدةً: حجّة الإسلام، إلا أن ينذر نذراً، فيجب عليه الوفاء به "، وقال ابن تيمية:" وقد أجمع المسلمون في الجملة على أنّ الحجَّ فرضٌ لازمٌ ". (2)
مواقيت الحج
إنّ للحج مواقيتاً زمانيّةً لا ينعقد إلا فيها، وله مواقيت مكانيّة أيضاً يجب على من أراد الحجّ أن يُحرم منها، ولا يجوز له أن يتجاوزها إلا مُحرماً. (1) أمّا الميقات الزّماني فهو شوّال، وذو القعدة، وعشر ليال من ذي الحجة، آخرها طلوع الفجر يوم العيد، وبالتالي فإنّ الإحرام للحجّ في غير هذه المدّة لا ينعقد حجّاً. وأمّا الميقات المكاني ففيه قسمان، أولهما أنّ من كان بمكة من أهلها أو غريباً فإنّ ميقاته بالحجّ نفس مكّة، وقيل مكّة وسائر الحرم. (3)
وهناك قولان للشافعي، الأوّل أنّه يحرم من باب داره، والثّاني من المسجد القريب من البيت، ومن المستحبّ أن يكون الإحرام بمكة للمقيم في يوم التّروية، وهو اليوم الثّامن من ذي الحجّة.
وأمّا غير المقيم بمكّة فله خمس مواقيت، وهي: (3)
ذو الحليفة: وهو ميقات من توجّه من المدينة المنوّرة، وهو بعيد عن المدينة نحو ستة أميال.
الجحفة: وهو ميقات من توجّه من الشّام على طريق تبوك، ومن توجّه من مصر والمغرب.
قَرن: وتسمّى أيضاً بقرن المنازل، وهذا ميقات من توجّه من نجد الحجاز ونجد اليمن.
يلملم: وهو ميقات من توجّه من تهامة، وهي بعض من اليمن.
ذات عرق: وهي ميقات من توجّه من المشرق، مثل خراسان والعراق.
شروط الحج
إنّ الحجّ يجب بتوافر خمسة شروط، وهي على النّحو الآتي: (2)
الإسلام: وذلك لقوله تعالى:"
إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا "، التوبة/28، ولأنّه لا يصحّ من غير المسلمين ذلك، وذلك لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال:"
بعثني أبو بكر الصّديق في الحجّة التي أمَّره عليها رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - قبل حجّة الوداع في رهط يؤذنون في النّاس يوم النّحر: أن لا يحجّ بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان "، وهذا لفظ البخاري، وأمّا لفظ مسلم:" لا يحجُّ بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان ".
تمام العقل: فإنّه لا حجّ ولا عمرة على مجنون، وذلك كسائر العبادات، إلا أن يعود إلى رشده، وذلك لحديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه، عن النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - قال:"
رُفِعَ القلم عن ثلاثة: عن المجنون المغلوب على عقله حتى يفيق، وعن النّائم حتى يستيقظ، وعن الصّبي حتى يحتلم "، رواه أبو داوود.
وصول البلوغ: فإنّه لا يجب الحجّ على الصّبي الذي لم يحتلم حتى يتمّ ذلك، وذلك للحديث السّابق، ولو أنّ الصّبي حجّ فحجّه صحيح، ولكنّ ذلك لا يجزئه عن حجّة الإسلام، وذلك لحديث ابن عباس رضي الله عنهما، أنّ امرأة رفعت إلى النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - صبيّاً فقالت:"
ألهذا حجّ؟ قال: نعم، ولك أجر "، رواه مسلم.
الحريّة الكاملة: فإنّ الحجّ لا يجب على المملوك، ولكن إن حجّ فإنّ حجّه صحيح، ولا يجزئه ذلك عن حجّة الإسلام، وذلك لقوله - صلّى الله عليه وسلّم - في حديث ابن عباس رضي الله عنهما:" ... وأيّما عبد حجّ ثمّ عتق فعليه حجّة أخرى "،
أخرجه الشافعي، والبيهقي، والحاكم، وغيرهم.
الاستطاعة على الحجّ: وذلك لقول الله تعالى:"
وَلِلهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً "، آل عمران/97. وقد فسّرت هذه الآية على يد كثير من أهل العلم بما روي مرفوعاً:"
أنّ رجلاً سأل عمّا يوجب الحجّ، فقيل له: الزّاد والرّاحلة "، المناسك لابن ماجه.
وجود المحرم: وهذا شرط خاصّ بالمرأة فقط، وذلك لحديث ابن عباس رضي الله عنهما، أنّه سمع النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - يقول:" لا يخلُوَنَّ رجل بامرأة إلا معها ذو محرم، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم، فقام رجل فقال: يا رسول الله إنّ امرأتي خرجت حاجّةً، وإنّي اكتُتِبتُ في غزوة كذا وكذا: قال: انطلق فحجّ مع امرأتك "، متفق عليه. وبالتالي فإنّه لا يجوز للمرأة أن تحجّ إلا مع زوج أو محرم لها.
أنساك الحج
من أراد الحجّ فإنّه مخيّر بين واحد من ثلاثة أنساك، وهي على ما يلي: (2)
التمتع: وهو أداء العمرة وحدها، أي أن يحرم بالعمرة من الميقات في أشهر الحجّ، حيث يقول نيّة الدّخول في الإحرام:"
لبّيك عمرة "، ويستمر في هذه التّلبية، فإذا وصل مكة وبدأ الطواف يقطعها، فإذا طاف بالبيت، ثمّ سعى بين الصّفا والمروة، ثمّ حلق أو قصّر يحلَّ له كلّ شيء كان يحرم عليه لأنّه محرم. وعند اليوم الثّامن - وهو يوم التّروية - من ذي الحجّة، يحرم بالحجّ وحده، ويأتي بجميع أعماله.
القران: وهو الجمع بين الحجّ والعمرة، حيث يحرم بالحجّ والعمرة معاً من الميقات في أشهر الحجّ، ويقول عند نيّة الدّخول في النّسك:"
لبيك عمرةً وحجّاً "، وذلك لحديث أنس رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - أهلَّ بهما جميعاً:"
لبّيك عمرةً وحجّاً، لبيك عمرةً وحجّاً ". أو من الممكن أن يحرم بالعمرة من الميقات، ثمّ يدخل الحجّ عليها أثناء الطريق، ويلبي بالحجّ قبل أن يبدأ في الطواف، وحين وصوله مكة فإنّه يطوف طواف القدوم، ثمّ يسعى سعي الحج، وإن أراد أخّر سعي الحجّ بعد طواف الإفاضة، وإنّه لا يحلق، ولا يقصّر، ولا يحلّ إحرامه، بل يبقى كذلك حتى يحلّ منه بعد التحلل يوم العيد.
الإفراد: وهو أن يحرم بالحج وحده من الميقات في أشهر الحجّ، حيث يقول عند نيّة الدّخول في الإحرام:" لبّيك حجّاً
"، وذلك لحديث جابر رضي الله عنه قال:" قدمنا مع رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - ونحن نقول: لبيك اللَّهم لبيك بالحجّ، فأمرنا رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - فجعلناها عمرةً "
، رواه البخاري، وإنّ عمل المفرد مثل عمل القارن سواءً بسواء، إلا أنّ القارن يكون عليه هدي مثل المتمتّع، وذلك شكراً لله تعالى أن يسّر له الحجّ والعمرة في سفر واحد.
أركان الحج
للحجّ أركان لا يتمّ إلا بها، وهي على النّحو التالي: (2)
الإحرام: ويعني نيّة الدّخول في النّسك، ومن ترك هذه النّية فإنّ حجّه لم ينعقد، وذلك لحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - يقول:"
إنّما الأعمال بالنّيات، وإنّما لكلّ امرئ ما نوى "، متفق عليه، وقال ابن المنذر:"
وأجمعوا على أنّه إن أراد أن يهلَّ بحجّ فأهلّ بعمرة، أو أراد أن يهلّ بعمرة فلبَّى بحجٍّ، أنَّ اللازم له ما عقد عليه قلبه، لا ما نطق به لسانه ".
وقوف عرفة: وذلك لقوله تعالى:"
فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللَّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الحرَامِ "، البقرة/198، لأنّ الإفاضة من عرفة إنّما تكون بعد أن يتمّ الوقوف فيها، وهذا هو الرّكن الذي يفوت الحجّ بفواته، وذلك لحديث عبد الرحمن بن يعمر رضي الله عنه قال: شهدت رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - وهو واقف بعرفة، وأتاه ناس من أهل نجد، فقالوا: يا رسول الله كيف الحجّ؟ قال:"
الحجّ عرفة، فمن جاء قبل صلاة الفجر ليلة جمع فقد تمَّ حجّه، أيام منى ثلاثة، " فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ "،
ثمّ أردف رجلاً خلفه فجعل ينادي بهنّ "، رواه ابن ماجه، وقال ابن المنذر:"
وأجمعوا على أنّ الوقوف بعرفة فرض، لا حج لمن فاته الوقوف بها ".
طواف الإفاضة: وذلك بعد الإفاضة من عرفة ومزدلفة، وذلك لقوله تعالى:"
وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيق "، الحج/29، ولحديث عائشة رضي الله عنها، قالت:"
حججججججججججججنا مع النّبي صلّى الله عليه وسلّم، فأفضنا يوم النّحر، فحاضت صفية، فأراد النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - منها ما يريد الرّجل من أهله، فقلت: يا رسول الله، إنّها حائض، قال: أحابستنا هي؟ قالت عائشة: يا رسول الله، إنّها قد كانت أفاضت، وطافت بالبيت، ثمّ حاضت بعد الإفاضة، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:" فلتنفر إذاً "، متفق عليه.
السّعي بين الصّفا والمروة: وذلك لحديث حبيبة بنت أبي تجزئة قالت:"
دخلنا على دار أبي حسين في نسوة من قريش، والنّبي - صلّى الله عليه وسلّم - يطوف بين الصّفا والمروة، قالت: وهو يسعى يدور به إزاره من شدَّة السّعي وهو يقول لأصحابه: اسعوا فإنّ الله كتب عليكم السعي "، رواه أحمد، والحاكم، وغيرهما، وقالت عائشة رضي الله عنها:" ما أتم الله حجّ من لم يطف بين الصّفا والمروة "، متفق عليه.
واجبات الحج
إنّ من واجبات الحجّ ما يلي: (2)
الإحرام من الميقات، وذلك لقوله - صلّى الله عليه وسلّم - حينما وقّت المواقيت:"
هنّ لهنّ ولمن أتى عليهنّ من غير أهلهنّ، لمن كان يريد الحجّ والعمرة "، متفق عليه.
الوقوف بعرفة إلى غروب الشّمس، وذلك لمن وقف نهاراً، لحديث جابر رضي الله عنه في صفة حجّة النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - وفيه:"
فلم يزل واقفاً حتّى غربت الشّمس، وذهبت الصّفرة قليلاً، حتّى غاب القرص "، رواه مسلم، ولحديث جابر رضي الله عنه قال:"
رأيت النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - يرمي على راحلته يوم النّحر، ويقول: لتأخذوا مناسككم، فإنّي لا أدري لعلي لا أحجّ بعد حجّتي هذه "، رواه مسلم، ولم يرد عن النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - أنّه رخّص لأي أحد أن ينصرف من عرفة قبل غروب الشّمس.
المبيت بمزدلفة، وذلك لأنّ النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - قد بات فيها، لقول الله سبحانه وتعالى:"
فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللَّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّآلِّين "، البقرة/198، ولحديث جابر رضي الله عنه، أنّ النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - قال:"
لتأخذ أمّتي نُسُكَها، فإنّي لا أدري لعلي لا ألقاهم بعد عامي هذا "، رواه مسلم، ولأنّ النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - كان قد أذن للضعفاء بعد منتصف الليل، فدلّ ذلك على أنّ المبيت بمزدلفة أمرلازم، وقد أمر الله سبحانه وتعالى بذكره عند المشعر الحرام، فلو لم يكن المبيت بمزدلفة واجباً، لم يحتج فيه بعض النّاس إلى ترخيص.
المبيت في منى ليالي أيّام التشريق الثلاثة للمتأخرين، وليلتين للمتعجلين، وذلك لقول الله تعالى:"
وَاذْكُرُواْ اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن
تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى "، البقرة/203، وذلك لأنّ النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - بات فيها ليالي أيّام التّشريق الثّلاث، ولأنّه أَذِنَ للعباس أن يبيت في مكّة ليالي منى من أجل سقايته، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما:"
أنّ العباس رضي الله عنه استأذن النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - ليبيت بمكّة ليالي منى، من أجل سقايته، فأَذِنَ له "، متفق عليه.
رمي الجمرات بالترتيب، حيث ترمى جمرة العقبة يوم النّحر قبل الزّوال وبعده، وترمى الجمرات الثّلاث في أيّام التّشريق بعد زوال الشّمس، وذلك لأنّ النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - بدأ بجمرة العقبة ضُحى يوم النّحر، ورمى الجمرات الثّلاث أيّام التّشريق بعد الزّوال، ولقوله تعالى:"
واذْكُرُواْ الله فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى "، البقرة/203.
الحلق أو التقصير، وذلك لقوله تعالى:"
وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ "، البقرة/196، ولأنّ النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - أمر به فقال:" وليُقصِّر وليحلّ "، متفق عليه.
طواف الوداع، وذلك لأنّ النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - طاف طواف الوداع عند خروجه من مكّة، وأمره - صلّى الله عليه وسلّم - بذلك، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال:"
كان النّاس ينصرفون في كلّ وجهةٍ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: لا ينفرنَّ أحدٌ حتّى يكون آخر عهده بالبيت "، رواه مسلم.
محظورات الإحرام
إنّ للإحرام محظورات تلزم من أحرم بالحجّ أو العمرة، وهي على الوجه التالي: (3)
اللبس: حيث يحرم على الرّجل ستر جميع رأسه أو بعضه بكلّ ما يعدّ ساتراً، سواءً أكان من المخيط أو غيره، معتاداً أو غيره، فإنّه لا يجوز له أن يضع على رأسه خرقةً، أو عمامةً، ولا أن يعصبها بعصابة ونحوها، وأمّا المرأة فالوجه في حقّها مثل رأس الرّجل، فإنّها تستر رأسها وسائر بدنها، سوى الوجه ال
محيط.
استعمال الطيب: فإذا أحرم الإنسان يحرم عليه أن يتطيّب في ثوبه، أو بدنه، أو فراشه، بكلّ ما يعدّ طيباً، ومن ذلك: المسك، والكافُور، والعود، والعَنْبَر، والزعَّفرَان، والْوَرْدِ، وغيرها.
دهن شعر الرّأس واللحية: فيحرم على المحرم أن يدهنهما بأيّ دهن، سواءً أكان مطيباً أم غير مطيب، مثل: الزّيت، ودهن اللوز، والسّمن.
الحلق وتقليم الأظافر: فإنّه يحرم عليه إزالة شعره عن طريق الحلق، أو التقصير، أو النتف، أو الإحراق، وغير ذلك، سواءً أكان ذلك في شعر رأسه، أم إبطه أم العانة، أم الشّارب، وغيرها.
عقد النّكاح: حيث أّنه يحرم على المحرم أن يُزوّج أو يتزوّج، ويكون كلّ نكاح كان الولي، أو الزّوج، أو الزّوجة مُحرماً، فإنّه باطل.
الجماع ومقدّماته: حيث أنّه يحرم على المحرم أن يطء زوجته، وتحرم المباشرة فيما دون الفرج بشهوة كذلك.
إتلاف الصّيد: فيحرم إتلاف أو تطيير كلّ حيوان برّي وحشي، أو كان في أصله وحشي مأكول، وسواءً المستأنس وغيره، والمملوك كذلك، فإذا أتلفه لزمه الجزاء.
أنواع الهدي
إنّ أنواع الهدي الواجبة في الحجّ هي ما يلي: (4)
هدي التمتع والقران: وهو الدّم الذي يجب بس جمع الشّخص بين الحجّ والعمرة في ذات السّفر، لقوله تعالى:"
فمن تمتّع بالعمرة إلى الحجّ فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيّام في الحجّ وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة "، البقرة/196. وأقلّ الهدي شاة، أو سبع بقرات، أو سبع بدنة، والحكم في الآية السّابقة يتمّ على التّرتيب، فلا يجوز العدول عن الهدي إلى ما سواه إلا في حال عجز الشّخص عنه. وكلّ هذا ينطبق على من لم يكن من حاضري المسجد الحرام، أمّا في حال كان من حاضري المسجد الحرام، فإنّه لا هدي عليه.
هدي الفوات والإحصار: وهذا هو الدّم الذي يجب بسبب فوات الحجّ، وذلك حين يطلع فجر يوم النّحرعلى المحرم ولم يقف بعرفة، وبالتالي فإنّه يتحلل بعمرة، فيطوف، ثمّ يسعى، ويحلق رأسه أو يقصّر، ويقضي الحجّ الفائت، ثمّ يهدي هدياً يذبحه في قضائه. أمّا في حالة الإحصار، أي حدوث أمر طارئ يمنع المحرم من إتمام نسكه بعد أن بدأ به، مثل المرض، أو العدو، أو غير ذلك، لقوله تعالى:"
فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي "، البقرة/196، وبالتالي يجب عليه أن يقدّم هدياً يذبحه حيث أحصر، وإن لم يجد الهدي فإنّ في انتقاله إلى الصّيام خلافاً.
هدي ترك الواجب: وهو الدّم الذي يجب بسبب ترك واجب من واجبات الحجّ، مثل ترك الإحرام من الميقات، أو عدم الوقف بعرفة جمعاً بين الليل والنّهار، أو ترك المبيت بمزدلفة، أو ترك طواف الوداع.
هدي ارتكاب أمر محظور: وهو الدّم الذي يجب بسبب ارتكاب أيّ من محظورات الإحرام، ما عدا عقد النّكاح، وقتل الصّيد، والوطء، فإنّ لها أحكاماً أخرى، وهذه المحظورات مثل الحلق، والتطيب، ولبس المخيط، وتقليم الأظافر.
هدي الوطء والاستمتاع: وهذا الدّم الذي يجب بالجماع، فإذا قام الرّجل بمجامعة زوجته في الفرج قبل ان يتحلل فإنّ حجّه قد فسد، وأمّا إذا حصل الجماع بعد التحلل الأوّل، فإنّ حجّه لا يفسد.
هدي الصّيد: وهو الدّم الذي يجب على المحرم الذي قام بقتل الصّيد، أو أعان على قتله بإشارة، أو مناولة، أو غير ذلك، ويجب عليه دم المثل لما قتل، يذبحه ثمّ يوزّعه على الفقراء، لقول الله تعالى:"
ومن قتله منكم متعمّداً فجزاءٌ مثل ما قتل من النّعم يحكم به ذوا عدل منكم هدياً بالغ الكعبة "، المائدة/95.