على من توزع أضحية عيد الأضحى؟ سؤال يتردد على لسان الكثيرين خصوصاً ونحن على مشارف عيد الأضحى المبارك، وكل مسلم حريص على أداء شريعة الأضحية، والأضحية في الأساس هي اسم لما يُذبحُ من الإبل والغنم يوم النَّحر وأيَّام التَّشريق بقصدِ التقرُّبِ إلى الله - تعالى -، وهي ثابتةٌ بالكتابِ والسنَّةِ وإجماعِ الأمَّة؛ قال - تعالى -: (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ* فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ) [الكوثر: 1 - 3]، والمرادُ بالنَّحر في الآية هو الذَّبحُ يومَ النَّحر على أحد الأقوال، ويشْمل الأضحية َوالهدْيَ وذلك قولُ الجمهور.
وثبت في أحاديثَ صحيحة أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - ضحَّى، وضحَّى المسلمون معه، وذهب الجمهور من الصَّحابة والتَّابعين والفقهاء إلى أنَّها "سنَّةٌ مؤكدةٌ"، ولم يقُل بوجوبها إلاَّ أبو حنيفة - رحمه الله - يقول رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم: (إذا دخلت العشْر وأراد أحدُكم أن يضحِّي فلا يأخذ من شعرِه ولا بشره شيئًا)؛ رواه مسلم عن أم سلمة.
•على من توزع أضحية عيد الأضحى؟
السنَّة أن يأكل منها المضحِّي هو وأهل بيته، ويطعِم منها الفقراء، ويهْدي الأقارب والأصحاب، وقال العلماء: الأفضلُ أن يأكل الثُّلث، ويدَّخر الثُّلث، ويتصدَّق بالثلث، ويَجوز نقلها ولو إلى بلد آخر، فعَن سَلَمَةَ بْنِ الأكْوَع قالَ: قال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: ((من ضَحَّى مِنْكُمْ فَلا يُصْبِحَنَّ بَعْدَ ثَالِثَةٍ وبَقِيَ في بَيْتِه مِنْهُ شَيْءٌ))، فلَمَّا كَانَ العامُ المُقْبِلُ قالوا: يا رَسولَ الله، نَفْعَلُ كما فَعَلْنا عامَ الماضي؟ قال: ((كُلُوا وأطْعِمُوا وادَّخِروا؛ فإنَّ ذَلِكَ العامَ كَانَ بِالنَّاسِ جَهْدٌ فأرَدْتُ أنْ تُعِينُوا فِيها)).
وعنْ ثَوْبانَ قال: ذبَحَ رَسولُ اللهِ ضَحِيَّتَهُ ثُمَّ قَالَ: ((يا ثَوْبانُ، أَصْلِحْ لَحْمَ هَذه)) فلمْ أزلْ أُطْعِمُه مِنْها حتَّى قَدِمَ المَدِينةَ؛ مسلم، وعَنْ جَابِرٍ عَن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّه نَهَى عَنْ أكْلِ لُحُومِ الضَّحايا بَعْدَ ثَلاثٍ ثُمَّ قال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بَعدُ: ((كُلُوا وتَزَوَّدوا وادَّخِروا))؛ مسلم، وعن أبي سَعيدٍ الخُدْرِيِّ قال: قالَ رَسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((يا أهْلَ المَدِينةِ لا تَأْكُلوا لُحُومَ الأضاحِيِّ فَوْقَ ثلاثٍ)) وقالَ ابْنُ المُثَنَّى: ((ثَلاثة أيَّامٍ)) فشَكَوْا إلى رَسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أنَّ لَهُمْ عِيالاً وحَشَمًا وخَدَمًا، فقالَ: ((كُلُوا وأطْعِموا واحْبِسُوا أو ادَّخِرُوا))؛ مسلم.
إن الأضحية قيمة تربويَّة للأسرة والمجتمع؛ فهي تذبح طاعةً لله ولرسوله، وهي بذْل وعطاء في سبيل الله، ومن هنا وجب على الوالدَين وخصوصًا الأمّ أن تلفت نظَر أبنائِها إلى هذا العمل وأهمّيَّته، وأن تقصَّ عليْهم قصَّة الأضحية، وتبين لهم أنَّ هذا العمل تقرّب إلى الله، كما أنَّ عليْها أن تعوِّد أطفالَها معنى العطاء والبذْل بأن يقوموا هم أنفسُهم بتوْزيع اللَّحم على الفقراء والمساكين، وعلى الجيران، كما أنَّ الأضحيَّة هي تكافُل اجتِماعيٌّ يتساوى فيه الفقير والغني؛ فالكلّ يأكل اللحم ويذوقه يوم العيد وأيَّامه، كما أنَّها فرصة للمشاركة في الإكْرام وجَمع الإخوان في مكانٍ واحد على طعام واحد، مشاركة من الجميع.
وصلَّى الله على سيِّدنا محمَّد وعلى آلِه وصحْبِه وسلَّم، وكل عام وأنتم بخير.