عندما تكثر المشاكل وتتفاقم الصعاب ويضيع المرء في خضمّ الحياة، يجد نفسه أمام مفترق طرق، فإمّا إختيار المجابهة والصبر والإنتصار على التحدّيات المفروضة عليه، وإمّا الوقوع فريسة «إدمان» ما بغية التخلّص من مشكلة أخرى. فالإدمان غالباً ما يكون لسبب إجتماعيّ أو نفسيّ أو تربويّ ضاغط، وسرعان ما يتملّك الإنسان ويسيطر عليه ويُحيله ضحيّة تجلد نفسها بنفسها.
كثيرة هي المواد أو حتى التصرّفات التي قد يُدمنها الشخص، من حيث يدري أو لا يدري، حتى يصبح في النهاية لا حول له ولا قوّة! بيد أنّ الرجال والنساء معرّضون سواسية لهذه الآفة وإن إختلفت الظروف والأسباب والأنواع.
من جهة أخرى، يلعب العامل النفسي دوراً كبيراً في الإنغماس في آفة الإدمان، كونه يؤثر مباشرة على التفكير والتصرّف. لذلك، يعمل إختصاصيّو المعالجة النفسية على خدمة كلّ مَن يشعر بأنه لا يستطيع تخطّي الصعاب وحيداً، على أمل مساعدته قبل أن يتحوّل نحو الخيار الخاطئ.
تشرح الدكتورة جيهان رحيّم، إختصاصيّة في الطبّ النفسيّ، أنواع الإدمان وأسبابه، كما تفسّر أعراضه الظاهرة وتعطي الحلول وتنصح أحياناً بالتوعية والوقاية. ومن جهتها، تتناول فيفيان تابت، المساعدة الإجتماعية، تفاقم هذه الآفة في شتى المجتمعات، من مختلف الأعمار وكيف تطال الرجال والنساء أيضاً.
لا أحد بمنأى عن الوقوع في فخّ التجربة. لكن الإنسان الذكيّ هو الذي يتعلّم من خطئه كي لا يكررّه، أو الذي لا يحذو حذو الآخرين وينجرف في تيّار الفساد. فهو الذي يعرف أن يميّز بين ما سوف ينفعه وينتشله من حالة الضغط التي يمرّ بها، وبين ما يمكن أن يؤدّي إلى عواقب لا تُحمد عقباها...
الإدمان آفة إجتماعيّة نفسيّة وحتى جسديّة، وهي حالة مرضيّة تمنع الشخص من السيطرة على زمام الأمور في حياته الشخصية والعائلية والعملية والإجتماعية والمهنيّة. فهو يدمّر كلّ شيء رويداً رويداً وما يلبث أن يجد المرء نفسه في الحضيض. لذلك يجب محاذرة الوقوع في هذه المصيدة التي يخال المرء أنه يهرب بواستطها من مشكلة معينة.
إدمان متشعّب وعواقب
تقول الدكتورة رحيّم: «يتضمّن الإدمان في تعريفه عدّة أنواع. فهو تصرّف يقوم به شخص، عبر اللجوء إلى مادة محدّدة أو حالة معيّنة أو تصرّف ما، ليؤمّن الشعور باللذة والإرتياح لفترة وجيزة من الزمن، مما يشجّع على إعادة تكرار الأمر واللجوء إليه مراراً وتكراراً. تخلق حالة اللذة التي توفّرها هذه المادة أو الحالة، تكرار إستخدامها، فاقدين السيطرة على قدرة إستعمالها أو إيقافها، حتى لو أدرك المدمن أنها خاطئة أو لو نظر إليه الغير بشكل خاطئ». تضيف «يتمّ تدريجياً زيادة «عيار» المادة أو «فترة التعاطي» أي الإدمان، وذلك عبر زيادة الكميّات التي يتناولها المرء أو عبر إطالة الفترات التي يقوم بها بتصرّف معيّن، ما ينعكس سلباً على حياته». ذلك أنّ العواقب الوخيمة تأتي على كل الصعد، بحيث يضيع المرء وقته وتخفّ بالتالي إنتاجيّته، كما يؤثّر ذلك على عمله، ويخلق مشاكل عائلية ويسبّب إنعزالاً عن المجتمع، كما يؤثر سلباً على الحالة الصحية للإنسان، بما أن الإدمان حالة مرضيّة نفسية وجسديةّ معاً.
أنواع الإدمان
إذا ما أردنا تقسيم الإدمان إلى خانات عريضة، يمكن ببساطة القول إنه يتضمّن شقّين كبيرين يتشعّبان بدورهما إلى عناوين أخرى. فالإدمان يكون إمّا كيميائياً وإمّا سلوكيّاً.
تفسّر الدكتورة رحيّم: «يتضمّن الإدمان الكيميائيّ تعاطي الكحول أي معاقرة الخمرة، تعاطي المخدّرات على أنواعها وأبرزها الهيروين والكوكايين، وتعاطي أدوية الأعصاب والمهدّئات من مشتقّات البنزوديازيبين. وأمّا الإدمان السلوكيّ التصرّفيّ، فينقسم إلى إدمان القمار أي الميسر، إدمان التسوّق، إدمان التلفزيون، إدمان الانترنت والإدمان الجنسيّ».
هذه هي أبرز أنواع الإدمان ولكن هذا لا يمنع وجود سواها وإن بأرقام أقلّ.
ما يجمع ما بين كلّ أنواع الإدمان هذه هو تعريفها، أي أنّ الشخص يشعر بحاجة ماسة إلى اللجوء إلى مادة معيّنة أو تصرّف ما للشعور باللذة الآنية. وتتفاقم المشكلة مع الوقت وتتزايد إلى حدّ فقدان السيطرة عليها. ومن الناحية البيولوجيّة، أثبتت الدراسات أنّ أنواع الإدمان كلّها تعمل على منطقة معيّنة من الدماغ هي Circuit de Recompense وتعمل بالتالي على مادة الدوبامين التي تولّد الشعور بالإرتياح في الدماغ.