باريس ـ “رأي اليوم”:
أبانت الجزائر عن حنكة دبلوماسية بعدما نجحت في إنقاذ منظمة الأوبك من الانهيار بتعديل الإنتاج نحو الرفع من الأسعار في المؤتمر الذي احتضنته منذ أيام. لكن الجزائر كانت تعمل في نفس الوقت على إنقاذ اقتصادها لأن المحروقات تشكل أغلبية عائداتها ومهددة بقلاقل اجتماعية.
وكان الاتفاق حول تخفيض الإنتاج مستبعدا حتى عندما بدأت أشغال مؤتمر الأوبك بسبب التوتر بين إيران والعربية السعودية وتحفظ روسيا، ولكن دبلوماسية الجزائر نجحت في إقناع الأطراف بأهمية التخفيض لأن ما سيخسرونه من تخفيض الإنتاج سيربحونه وربما أكثر بكثير بفضل ارتفاع الأسعار.
وتكشف أسعار السوق اقتراب سعر البرميل الى خمسين دولار نهاية هذا الأسبوع، وقد يقفز الى ستين دولار أو 65 قبل نهاية السنة، وهو سعر يرحب به المنتجون خاصة بعد معاناة ميزانيات دول مثل السعودية التي اضطرت الى التقليص من رواتب الموظفين.
ويرى المراقبون في الجزائر أنه منذ بدء دق ناقوس الخطر حول الاقتصاد الجزائري بدأت السلطات تفكر جيدا أن الحل يجب أن يأتي عبر الأوبك من خلال التحكم في الأسعار مجددا.
وتعتمد الجزائر على اقتصاد المحروقات بما يقارب 80% من المداخيل لأنها تفتقر لزراعة متطورة وقطاعها الصناعي ضعيف للغاية، وتشتري السلم الاجتماعي بالتعويضات والمساعدات الاجتماعية والتسهيلات المالية للعاطلين عن العمل بالخصوص للسيطرة على الاحتجاجات.
وجاء في عشرات التقارير الغربية والمقالات الصحفية احتمال اندلاع ثورة اجتماعية في الجزائر بسبب تراجع دخل المواطنين. وكانت هذه التقارير تؤكد أن الاحتجاجات ستندلع مع انهيار الاحتياطات المالية للجزائر.
ولهذا، تحركت الآلة الدبلوماسية الجزائرية طيلة الشهور الماضية بين عواصم الدول المنتجة للنفط لتقريب وجهات النظر وتسهيل اتفاق حول التحكم في الإنتاج بتخفيضه.
وكانت العقبة الرئيسية هي العربية السعودية، فمواقف الجزائر والسعودية متضاربة في الكثير من القضايا الدولية مثل سوريا واليمن والعلاقات مع إيران، وحاولت السعودية تقليم أظافر الدبلوماسية الجزائرية لكنها لم تستطع. وأمام الوضع المالي الحساس الذي تعيشه المالية السعودية اضطرت الى قبول مقترحات الجزائر بتخفيض الإنتاج.
وإذا كان المجتمع الدولي يتحدث عن نجاح الجزائر في قمة الأوبك التي احتضنتها منذ أيام، فنجاحها الحقيقي هو أنها عملت على إنقاذ اقتصادها من الانهيار وتجنب الاحتجاجات الاجتماعية مستقبلا.