كثيراً ما يثير الإجهاض جدلاً دينياً، البعض يمنعه تماماً والبعض يجيزه، بشروط... لكن رئيس قسم الفقه في جامعة الأزهر الدكتور سعد الدين الهلالي أثار المزيد من الجدل حول تلك القضية الشائكة، عندما أفتى أخيراً بجواز الإجهاض قبل اكتمال الشهور الثلاثة من الحمل، بل وطالب بقانون يبيح ذلك. فما أسانيده في هذه الفتوى؟ وما رأي علماء الدين؟
أثناء حوار الدكتور سعد الدين الهلالي مع الشيخ خالد الجندي في برنامجه «روضة النعيم»، قال عن فتواه: «هذه الفتوى تتفق مع جمهور العلماء، أما القانون الحالي فهو يخالف جمهور الفقهاء، يجرّم الإجهاض ويعده قتلاً للنفس، ويستند في ذلك إلى رأي الإمام مالك، رغم أنه الوحيد القائل بذلك وخالفه تلاميذه و99 في المئة من باقي علماء المسلمين الذين نسمّيهم بجمهور العلماء».
وأوضح الدكتور الهلالي، أن القانون المصري يأخذ بالرأي الشاذ الآن، ولهذا لا بد من مطالبة مجلس النواب بأن يعيد دراسة القضية مرة أخرى ويتقي الله في المصريين ويختار جمهور العلماء في هذه المسألة ويفتح مجالاً للإجهاض قبل اكتمال الشهور الثلاثة لمن تريد.
وأشار الدكتور الهلالي إلى أن فتح باب الإجهاض لمن أراد أن يرحم الأمة ويخفف عن النساء اللواتي يضعن أولادهن من خلال عمليات قيصرية بعد المرة الرابعة أو الخامسة، وأيضاً لمن ارتكبت الفاحشة وأرادت أن تتوب، أو المرأة المغتصبة التي حملت وأرادت أن تجهض نفسها.
واستند الدكتور الهلالي في فتواه إلى أن جميع الآراء الواردة في هذه المسألة بشرية لا علاقة لها بالدين، بالإضافة إلى وجود خلاف في مسألة حلول الروح في جسد الجنين، ومنهم من قال ساعة، وهو الإمام مالك، وتلاميذه قالوا «أسبوع»، ومنهم من قال «شهر»، وثمة أحاديث في «صحيح مسلم» تقول 40 يوماً و42 و45، وأخرى تقول بعد مرور ثلاثة شهور، ولهذا فإن القانون معيب كونه لا يحقق مصالح المواطنين، ولهذا لا بد من مطالبة مجلس النواب بتحقيق مصالح الشعب.
تأييد
أيدت عضو مجلس النواب والعميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر، الدكتورة آمنة نصير، فتوى الدكتور الهلالي، قائلة: «نحن نرحب بهذا الرأي لكونه صادراً من شخص متخصص، ولديه علم وملم بجميع أبعاده ولا يستطيع أحد المزايدة عليه. وأناشد الدكتور الهلالي بأن يمد مجلس النواب ببحثه في جواز الإجهاض قبل الشهور الثلاثة من منظور فقهي».
وأضافت الدكتورة آمنة أن من المتفق عليه من الناحية الطبية أن الحياة أو الروح تدب في الجنين في خلال 120 يوماً، وهذا رأى علمي يؤيد ويدعم رأي الدكتور الهلالي الذي يطالب بإباحة الإجهاض قبل ثلاثة أشهر، بالإضافة إلى رأي الإمام الغزالي الذي أباح الإجهاض حال وجود خطر يهدد الأم، ولهذا فإن مجلس النواب سيدرس حكم الدين مع رأي العلم، ومن ثم يرجّح الرأي الذي ينتهي إليه الفقهاء والأطباء بناء على أحدث ما توصل إليه الطب الحديث، فهم أهل الذكر في هذه القضية الحيوية، وقد أمرنا الله بسؤالهم فقال سبحانه: «وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ» (آية 43) سورة «النحل».
وهاجمت الدكتورة آمنة المعارضين لاقتراح الدكتور الهلالي بغير علم، موضحةً: «للأسف الشديد، أصبحنا أمة مدمنة الكلام والسفسطة مع أن الفيصل هم أهل العلم الذين لهم الحكم الصحيح والنهائي في ذلك. أما أن يتكلم في الموضوع الجهلاء وأدعياء الدعوة، فهذا أمر مرفوض شرعاً وعقلاً».
فريقان
يشير الداعية الإسلامي الشيخ خالد الجندي، إلى أن هناك التباساً وخلطاً عند بعض العلماء بين الحياة ونفخ الروح، لأن الحياة الحيوانية لا تتطلب روحاً، والحلال والحرام مرتبطان بالروح وليس بالحياة الحيوانية للحيوان المنوي والبويضة بعد التلقيح، بدليل أن من الممكن أن تكون هناك حياة ولكن بلا روح، بدليل أن النبات لا روح فيه لكن فيه حياة، وبالتالي ليس من شروط الحياة وجود الروح، وأيضاً الحيوان المنوي كائن حي لكنه بلا روح.
ويضيف: «انقسم العلماء إلى فريقين: أولهما – وأنا منهم - يرى أن نفخ الروح يكون بعد 42 يوماً بناء على الحديث الصحيح الوارد في «صحيح الإمام مسلم»، وبناء عليه فإن إجهاض المرأة نفسها في اليوم الثالث والأربعين يعد قتلاً، لأنه أصبحت فيه روح وليس مجرد حياة. أما الفريق الثاني من العلماء فيستند إلى حديث النبي (صلّى الله عليه وسلّم): «إن النطفة تكون أربعين يوماً نطفة، ثم أربعين يوماً علقة، ثم أربعين مضغة، ثم يكون التصوير والتخطيط والتشكيل»، وهو حديث صحيح أيضاً، والإنسان في موضوع الأجنّة يجب أن يأخذ بالأحوط ابتعاداً عن شبهة الحرام أو قتل روح بعد 42 يوماً».
وينهي الشيخ خالد الجندي كلامه داعياً الفقهاء والأطباء إلى الجلوس معاً للخروج من هذا الخلاف، مع ضرورة التشديد على الابتعاد عما فيه شبهة، وهو إباحة الإجهاض بعد 42 يوماً، تنفيذاً لقول رسـول الله (صلّى الله عـليه وسلّم): «إن الحلال بيّْن وإن الحـرام بيّن وبينهما أمور مشتبهات لا يعـلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فـقـد استبرأ لديـنه وعـرضه، ومن وقع في الشبهات وقـع في الحرام كـالراعي يـرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجـسد مضغة إذا صلحـت صلح الجسد كله وإذا فـسـدت فـسـد الجسـد كـلـه، ألا وهي الـقـلب».
حرام بإطلاق
أما الدكتورة سعاد صالح، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر، فتؤكد أنها تميل إلى الرأي القائل بعدم جواز الإجهاض ولو كان عمر الجنين يوماً واحداً، وأنها حاولت أن تتقدم بطلب الى مجمع البحوث الإسلامية لإصدار فتوى حديثة تحرّم الإجهاض على الإطلاق، استناداً إلى الرأي الطبي الجديد الذي أثبت أن النبض يبدأ بعد 24 يوماً، وأنه بعد خمسة أيام من الحمل يتحرك وينمو، لأن الموت هو مفارقة الروح الجسد وتوقف القلب عن النبض تماماً، وطالما أن الجنين فيه نبض فيكون روحاً حية لا يجوز قتلها.
وتذكر الدكتورة سعاد صالح، أن الفقهاء قديماً كانوا يستندون في فتواهم بإجازة إجهاض الجنين في شهوره الأولى إلى أدلة شرعية تؤكد عدم تكوين الجنين إلا بعد مضي 120 يوماً على وجوده في رحم أمه، وهذا ما قاله رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): «إن الجنين يتكون في مراحل أولها 40 يوماً نطفة، و40 يوماً علقة، و40 يوماً مضغة، وبعدها ينفخ الروح فيه...»، ولهذا يجب على الفقهاء الآن أن يستندوا إلى ما وصل إليه العلم الذي أكد أن الجنين تُنفخ فيه الروح منذ أيامه الأولى.
وتشير الدكتور سعاد صالح إلى أنها استندت في رأيها إلى رأي الدكتور عمرو الحسيني، أستاذ أمراض النساء والولادة في جامعة عين شمس، القائل بأن الجنين يعتبر كائناً حياً تدبّ فيه الروح بعد 24 يوماً من الحمل، وأنه ثبت بالأدلة وجود نبض وقلب مع البدايات الأولى للحمل، وأن الجنين في اليوم الخامس من الحمل يكون عبارة عن مجموعة من الخلايا الحية، وينكمش استعداداً للخروج من كيس الحمل وبدء النمو، وعندما يبلغ 24 يوماً يبدأ قلبه في النبض ويكون في هذه الحالة كائناً حياً فيه نبض مسموع ومرئي ولا يجوز بأي شكل من الأشكال إجهاضه من لحظة تأكد الأم من الحمل، لأن الحيوانات المنوية والبويضات كائنات حية، وبعد الإخصاب وحدوث الحمل بلحظة تمنع البويضة دخول أي حيوان منوي جديد.
تحفّظ شرعي
يتحفظ الدكتور صابر طه، العميد السابق لكلية الدعوة الإسلامية في جامعة الأزهر، على تأييد فتوى الدكتور الهلالي أو رفضها، مؤكداً أنه ما دامت القضية جدلية فهي تحتاج إلى مزيد من المناظرات الشرعية والطبية لدراستها من كل النواحي والوصول فيها إلى رأي نهائي، خصوصاً أن هذه القضية حيوية وتمس الكثير الأسر، وقد يختلط فيها الحابل بالنابل فيحدث ما لا تُحمد عقباه.
ويحذّر الدكتور صابر مؤيدي فتوى الدكتور الهلالي ومعارضيها من التعصب أو تغليب الأهواء الشخصية على صحيح الدين، بل يجب على كل منهم أن يقدم ما لديه من أدلة وبراهين تدعم موقفه، مع تمني أن يُظهر الله الحق ولو على ألسنة خصومه، لأن العلم رحيم بين أهله وليكن شعارهم المقولة الخالدة للإمام الشافعي: «رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب».
وينهي الدكتور صابر كلامه، مؤكداً ضرورة أن يكون هدف الجميع المحافظة على روح الجنين بلا «إفراط» يضر بالأم التي قد تكون في حاجة إلى إجهاض لأي سبب، وكذلك الابتعاد عن «التفريط» الذي فيه إضرار بالجنين، ولهذا لا بد من وجود مبرر قوي يجعلنا نتقبل الإجهاض، لأن الإباحة العامة والمطلقة ستفتح المجال لكثير من المخالفات الشرعية والأخلاقية، ولهذا فإن الإباحة أو المنع المطلق أمر غير مقبول، لأن الجنين بعد نفخ الروح فيه لا يجوز إجهاضه، أما قبل ذلك ففيه خلاف.
التهاون مرفوض
عارض الأستاذ في جامعة الأزهر الدكتور محمد عبدالمنعم البري، الاقتراح بسن قانون يبيح عمليات الإجهاض في وقت مبكر عما استقر عليه غالبية الفقهاء القدامى والمعاصرين، مما يفتح الباب لانتشار الممارسات غير الأخلاقية والمحرّمة شرعاً وعرفاً، لأنه لا يتفق مع الفطرة السوية التي فطر الله الناس عليها وقال عنها في القرآن الكريم: «فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ» (آية 30) سورة «الروم».
ويرفض الدكتور البري التهاون في أمور الإجهاض بغير ضرورة شرعية تبيح ذلك، كأن يمثل استمرار الحمل خطراً على حياة الأم لأنه يجب شرعاً التضحية بالفرع وهو «الجنين» إذا كان يشكّل خطراً على الأصل وهو «الأم»، وهنا يتم تنفيذ قول الله تعالى: «... فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ» (الآية 173) سورة «البقرة».
محاذير أما الدكتورة سهير الفيل، وكيل كلية الدراسات الإسلامية سابقاً، فتؤكد أن الفقهاء انقسموا حول تلك القضية، فمنهم من يرى تحريم الإجهاض بالمطلق، ومنهم من قال بالكراهة، ومنهم من قال بالجواز المطلق، ومنهم من أجازه قبل الأربعين يوماً الأولى، ومنهم من حرّمه بعد مضي 120 يوماً من الحمل وجعله قتلاً للنفس التي حرّم الله، ولا يجوز إسقاط حمل مضت عليه هذه المدة إلا في إحدى حالتين، الأولى: إذا ثبت بتقرير طبي موثوق أن حياة الأم في خطر داهم إذا احتفظت بالجنين. والثانية: إذا ثبت أن الجنين قد مات في بطن أمه، أما ما قبل الـ120 يوماً وبعد تمام الأربعين فهو محرّم على الأرجح وإن كان لا يرتقي إلى درجة قتل النفس.
وتطالب الدكتورة سهير الفقهاء والأطباء بالجلوس سوياً، وإخلاص النية لله أن يهديهم إلى الحق، أما المطالبة بسن تشريعات تبيح الإجهاض قبل الأشهر الثلاثة كما يطالب الدكتور الهلالي فأمر عليه محاذير شرعية ولا يستريح إليه غالبية الفقهاء لما فيه من شبهة قتل جنين دبّت فيه الروح.
المبحث الاخير
ما حكم إجهاض الجنين في الشهور الأولي (1/3) قبل بث الروح فيه ؟ .
نص الجواب
الحمد لله
قرر مجلس هيئة كبار العلماء ما يلي :
1- لا يجوز إسقاط الحمل في مختلف مراحله إلا لمبرر شرعي وفي حدود ضيقة جداً .
2- إذا كان الحمل في الطور الأول ، وهي مدة الأربعين يوماً وكان في إسقاطه مصلحة شرعية أو دفع ضرر جاز إسقاطه . أما إسقاطه في هذه المدة خشية المشقّة في تربية الأولاد أو خوفاً من العجز عن تكاليف معيشتهم وتعليمهم أو من أجل مستقبلهم أو اكتفاء بما لدى الزوجين من الأولاد فغير جائز .
3- لا يجوز إسقاط الحمل إذا كان علقة أو مضغة ( وهي الأربعون يوماً الثانية والثالثة ) حتى تقرر لجنة طبية موثوقة أن استمراره خطر على سلامة أمه بأن يخشى عليها الهلاك من استمراره ، جاز إسقاطه بعد استنفاذ كافة الوسائل لتلافي تلك الأخطار .
4- بعد الطور الثالث ، وبعد إكمال أربعة أشهر لا يحل إسقاطه حتى يقرر جمع من الأطباء المتخصصين الموثوقين من أن بقاء الجنين في بطن أمه يسبب موتها ، وذلك بعد استنفاذ كافة الوسائل لإبقاء حياته ، وإنما رخص في الإقدام على إسقاطه بهذه الشروط دفعاً لأعظم الضررين وجلبا لعظمى المصلحتين .
المصدر: الفتاوى الجامعة (3/1056)