بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
201- ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي﴾ [الفجر: 27-30] يقال هذا القول للمؤمن عند النَّزْع في آخر لحظة من لحظات حياته في الدنيا، وقد أضاف سبحانه الجنة إلى نفسه تشريفًا لها وتعظيمًا، وإعلامًا للخلق بعنايته بها جَلَّ وعُلا.
202- فلذَّات أكبادنا لكل منهم ملكة خاصة ومواهب متميزة, فلنحسن توجيههم والأخذ بأيديهم لإبراز وإظهار تلك المواهب في الطريق الصحيح, ومن تأمل فيمن حوله يجد أن الصغار يملكون مواهب وقدرات ضائعة لم يستفد منها الآباء والمجتمع، والسبب الرئيس نقص التوجيه وعدم الأخذ بالأيدي للسير في طريق متميز.
203- الوِدُّ: خالص الحب وألطفه وأرقِّه، وهو من الحبِّ بمنزلة الرَّأفة من الرَّحمة؛ والودود من صفات الله سبحانه وتعالى أصله من المَودة. ﴿وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ﴾ [البروج: 14].
204- الأصل في المسلم المُبادرة إلى الخيرات: امرأة عابدة رحمها الله توفيت ظهر يوم الجمعة لكنها في صباح يومه اغتسلت على مشقة وتعب، وتطيبت، وقرأت سورة الكهف، وصلت الضحى، ولما أتاها الأجل إذا بها أدركت خيرًا عظيمًا وسُنُنًا مباركة!
205- ﴿أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ﴾ [البلد: 8-10] قرأ الفضيل بن عياض ليلة هذه الآية فبَكَى، فسُئِل عن بكائه، فقال: هل بِتَّ ليلةً شاكرًا لله أن جعل لك عينين تُبْصر بهما، هل بِتَّ ليلةً شاكرًا الله أن جعل لك لسانًا تنطق به، وجعل يُعدد من هذه النعم.
206- قال أبو إسحاق القُرَشي: كتب إِلَيَّ أخي من مكة: يا أخي!! إن كنت تصدقت بما مضى من عمرك على الدنيا، وهو الأكثر، فتصدق بما بقي من عمرك على الآخرة وهو الأقل.
207- في حفل زواج ابنته وبعد توديع الضيوف، بكى الأب بكاء مُرًا، فسأله مَنْ حوله: لماذا كل هذا البُّكاء أخوفًا ورِقَّة على ابنتك؟ قال: هو كذلك، لكنها خرجت من بيتي ما جلستُ معها اسمع قراءتها للقرآن، وما آنستها بحديث، وما سمرت ليلة أُطَيِّب خاطرها، ما مسحت على رأسها ولا أثنيت على جمالها وأناقتها! اليوم لن أراها إلا كل أسبوع أو شهر! في هذه الليلة الدموع في حقِّها قليلة.
208- قال تعالى: ﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ﴾ [البقرة: 187] معنى جميل في وصف الدفء والشعور بالأمان والستر والزينة بين الزوجين. فتأمل في حفظ لباسك وإكرامه وإبعاده عن الدَّنس، وتأملي في محافظتكِ على لباسكِ وعنايتكِ به وحرصكِ عليه.
209- ستة أخوة خرجوا من رحم واحد ودرجوا في دار واحدة! لكن ما ُرئِيت قبور أشد تباعدًا من قبورهم! تباعدت لخدمة الدين ونشره: استشهد الفضل في وقعة أجنادين بفلسطين، ومعبد وعبد الرحمن استشهدا بإفريقية، وقثم بسمرقند، ومات عُبَيد الله باليمن، وعبد الله بالطائف! إنهم أبناء العباس وأُمُّهم أم الفضل! التي قيل فيها:
ما ولدت نجيبة من فحل
بجبل نعلمه أو سهل
كستة من بطن أم الفضل
أكرم بها من كهلة وكهل
210- يا بني: أمَا آن لقلبك أن يرقَّ لامرأة ضعيفة أضناها الشوق وألجمها الحزن .. يا بني: احْدَوْدَبَ ظهري وارتعشت أطرافي وأنهكتني الأمراض وزارتني الأسقام، لا أقوم إلا بصعوبة، ولا أجلس إلا بمشقة، ولا يزال قلبي ينبض بمحبتك! لماذا أضعت الوصية وغفلت عن الأمر: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا﴾ [العنكبوت: 8] دعني أراك .. وأقبلك .. وأضمُّك .. وأشُمُّك .. ثم بعد إن شئت أَدر ظهرك لمسكينة مثلي.
211- (لا تمُت إلا والقرآن في صدرك) ألقى الرجل الكلمة وخرج، لكنها بدأت تجول في قلب الشاب وتغدو وتروح، فنهض بها وقام، وحدَّث نفسه: إن شاء الله كذلك.
مرت ثلاث سنوات فإذا به حافظ لكتاب الله عَزَّ وجَلَّ .. تأَمَّل في أثر الكلمة، وتَأَمَّل فيمن وقعت في قلبه فأثمرت.
212- هنيئًا لكم إدراك العَشر المباركة من ذي الحجة.
وقد سُئِل ابن تيمية رحمه الله عن عَشر ذي الحجة والعَشر الأواخر من رمضان أيهما أفضل؟
فأجاب: "أيام عَشر ذي الحجة أفضل من أيام العَشر في رمضان، والليالي العَشر الأواخر من رمضان أفضل من ليالي عَشر ذي الحجة".
213- التكبير نوعان مُطْلق ومُقَيد. جاء في فتوى اللجنة الدائمة للإفتاء: "يشرع في عيد الأضحى التكبير المطلق، والمقيد، فالتكبير المطلق في جميع الأوقات من أول دخول شهر ذي الحجة إلى آخر أيام التشريق؛ أمَّا التكبير المقيد فيكون في أدبار الصلوات المفروضة من صلاة الصبح يوم عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق، وقد دَلِّ على مشروعية ذلك الإجماع، وفعل الصحابة رضي الله عنهم".
214- عن هُنيدة بن خالد عن امرأته عن بعض أزواج النبي r قالت: «كان رسول الله r يصوم تسع ذي الحجة، ويوم عاشوراء، وثلاثة أيام من كل شهر» [رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي].
وقال عليه الصلاة والسلام: «ما من عبد يصوم يومًا في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خَرِيفًا» [متفق عليه].
قال الإمام النووي عن صوم أيام العشر: "إنه مستحب استحبابًا شديدًا".
215- الأُضحية سُنَّة مُؤَكدة، ويكره تركها مع القدرة عليها؛ لحديث أنس أن النبي r «ضحَّى بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده وسمَّى وكبَّر» [البخاري].
ولقوله r: «ما عمل ابن آدم عملاً أحب إلى الله من إراقة الدَّم، وإنها لتأتي يوم القيامة بقرونها، وأظلافها، وأشعارها، وإنَّ الدَّم ليقع عند الله بمكان قبل أن يقع من الأرض، فطيبوا بها نفسًا» [ابن ماجه].
216- سُئِل الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: هل يقترض الفقير ليُضَحِّي؟
فأجاب: "إن كان له وفاء فينبغي أن يقترض ويقيم هذه الشعيرة، وإن لم يكن له وفاء فلا ينبغي له ذلك".
217- قال r: «من أصبح منكم اليوم صائمًا؟» «من تَبِعَ منكم اليوم جنازة؟» «فمن أطعم منكم اليوم مسكينًا؟» «فمن عاد منكم اليوم مريضًا؟» قال r: «ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة» [رواه مسلم]. والصيام، وإطعام مسكين، وزيارة مريض، والصلاة على جنازة كلها مُتيسَرة هذه الأيام المباركة!
218- ﴿حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً﴾ [الأحقاف: 15] قال الطبري: ذلك حين تكاملت حُجَة الله عليه، وسُيِّر عنه جهالة الشباب، وعُرف الواجب لله من الحق في بِرِّ والديه.
جاء في سيرة الحافظ جلال الدين السيوطي أنه: لمَّا بلغ أربعين سَنَة أخذ في التجرد للعبادة والانقطاع إلى الله تعالى والاشتغال به، والإعراض عن الدنيا وأهلها، كأنه لم يعرف أحدًا منهم، وشرع في تحرير مؤلفاته. [شذرات الذهب].
219- قال r: «صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يُكَفِّر السَّنَة التي قبله والتي بعده» [رواه مسلم]. وهذا لغير الحاج.
220- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "جَمْعُ الناس للطعام في العيدين وأيام التشريق سُنَّة، وهو من شعائر الإسلام التي سَنَّها رسول الله r" [مجموع الفتاوى 25/298].
* * *
كتاب أطايب الجني
د. عبد الملك بن محمد بن عبد الرحمن القاسم