الإقامة في بلاد الكفار
الشيخ خالد عبد المنعم الرفاعي
السؤال:
السلام عليكم،،،
أنا طالب يمني أدرس في أحد الدول الأوروبية، وأوشكت على إكمال دراستي الثانوية هناك، وقد عانيت ما عانيت من الابتلاء، ومواجهة الفتن والشهوات والاختلاط، لكن - الحمد الله - على أني لم أنجر نحو شهواتي، ولكن كما تعرفون أن النفس أمارة بالسوء الا من رحم ربي؛ لقد واجهت كثيرًا من الصعوبات، وفي بعض المرات أكاد أنغمس في المعاصي، وبعد ذلك أعاتب نفسي، ما هو سبب ذلك؟ أجد أن السبب هو الاختلاط والسفور والتبرج في الكلية التي أعيش فيها فتنًا كثيرة نسأل الله العافية.
الآن: لي القرار إذا أرت أن أواصل الجامعة في أمريكا، وكما تعلمون أنه لا فرق بين أمريكا وأوروبا من حيث الانحلال.
لقد عزمت على أن لا أقدم للدراسة - هناك - حفاظًا على ديني وعقيدتي، وخوفًا من أن أنجر خلف شهوتي.
لكن أخي الكبير مُصِر على أني أكمل الجامعة في أمريكا لمدة أربع سنوات.
سماحة الشيخ - بارك الله فيك - هل يلزمني أني أعود إلى بلدي، وأواصل الجامعة هناك - مع أن حالتي المادية صعبة؟ أم أني أتبع أخي وأسافر إلى أمريكا؟
وإني - والله - أخاف على ديني ونفسي، وهذه ليست إلا تجربة مريرة جربتها هنا في أوروبا. لقد أصررت على أني أعيش عزيزًا بعيدًا عن خطوات الشيطان، وإني - والله - مصدق لقول الله - جل وعلا -: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا}، لا أريد أن أغامر بديني وحياتي.
بماذا تنصحني - بارك الله فيك؟ هل أتبع أخي أم لا؟
الإجابة:
الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومن والاهُ، أمَّا بعدُ:
فإن الأصل في الإقامة في بلاد الكفار هو الحرمة؛ لما في الإقامة عندهم من المفاسد ما لا يُحصى؛ فقد روى أبو داود والترمذي وابن ماجه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إني بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين».
ولا يستثنى من ذلك إلا ما دعت إليه الضرورة، أو الحاجة الشديدة، كالدعوة إلى الله، أو تعلُّم العلوم الضرورية التي يحتاج إليها المسلمون، مما لا يوجد إلا في بلاد الكفار، ولكن ذلك بشروط ذكرها الشيخ العثيمين فقال - رحمه الله -:
"الشرط الأول: أَمْنُ المقيم على دينه؛ بحيث يكون عنده من العلم والإيمان وقوة العزيمة ما يطمئنه على الثبات على دينه، والحذر من الانحراف والزيغ...
الشرط الثاني: أن يتمكن من إظهار دينه؛ بحيث يقوم بشعائر الإسلام بدون ممانع، فلا يمنع من إقامة الصلاة والجمعة والجماعات إن كان معه من يصلي جماعة، ومن يقيم الجمعة، ولا يمنع من الزكاة والصيام والحج وغيرها من شعائر الدين، فإن كان لا يتمكن من ذلك، لم تجز الإقامة؛ لوجوب الهجرة حينئذ". اهـ باختصار.
فإذا تقرر هذا؛ فإنه لا يجوز لك البقاء في تلك البلاد التي ينتشر فيها الفساد، ما دمت غير قادرٍ على تحصين نفسك من الانحراف، والوقوع في الفتن، ولا يجوز لك طاعة أخيك في هذا الأمر، ويجب عليك العودة إلى بلدك، فالسلامة في الدين لا يعدلها شيء، والفرار إلى الله - تعالى - هو عين السلامة.
نسأل الله أن يحفظَ عليك دينك، وأن يعصمكَ من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يلهمك رشدك، ويعيذك من شرِّ نفسك،،
آمين.