توطئة: قال ابن القيِّم: "ومما ينبغي أن يُعتمد: حال الصبي، وما هو مُستعدٌّ له من الأعمال، ومُهيَّأ له منها، فيعلم أنه مخلوق له، فلا يَحمِله على غيره ما كان مأذونًا فيه شرعًا، فإنه إن حمله على غير ما هو مُستعد له، لم يُفلح فيه، وفاتَه ما هو مهيَّأ له! فإذا رآه حَسَنَ الفَهم، صحيح الإدراك، جيِّدَ الحفظ واعيًا، فهذه من علامات قَبوله وتهيُّئه للعلم؛ لينقشه في لوح قلبه ما دام خاليًا، فإنه يتمكَّن فيه ويَستقر، ويَزكو معًا، وإن رآه بخلاف ذلك من كل وجهٍ، وهو مستعد للفروسية وأسبابها من الركوب والرَّمي واللعب بالرُّمح، وأنه لا نفاذَ له في العلم، ولم يُخلَق له - مكَّنه من أسباب الفروسية والتمرُّن عليها، فإنه أنفع له وللمسلمين، وإن رآه بخلاف ذلك، وأنه لم يُخلَق لذلك، ورأى عينه مفتوحة إلى صَنعة من الصنائع، مستعدًّا لها، قابلاً لها، وهي صناعة مُباحة نافعة للناس - فليُمكِّنه منها.، هذا كله بعد تعليمه له ما يحتاج إليه في دينه؛ فإن ذلك مُيسر على كل أحدٍ لتقوم حُجة الله على العبد، فإن له على عباده الحُجةَ البالغة، كما له عليهم النعمة السابغة. أهـ من كتاب تحفة المودود.
لله درك يا ابن القيم ! والعجب من أمة اخرجت مثلك كيف تتخبط في دروب الحياة ؟!!!
كلام يجب ان يكتب على بوابة وزارة التربية والتعليم ! وفي مكتب مدير كل مدرسة، وأن يحفظه كل معلم، عندنا علماء التربية ونحن نبحث عنهم عند الكفار !.
تهنئة: أهنئك ابني على رسوبك في امتحان مرحلة الأساس التي ليست بأساس، إنهم كانوا يريدونك أن تنجح لتدخل في السليسلة بنت السليسلة ( ثانوي ، جامعة ثم عاطل بشهادة)! فأبى الله إلا أن يخيب ظنهم ويطيش سهمهم! ألم تكن تكفي الثلاث أو ألاربع سنوات لتحديد اتجاهك ان كنت تصلح لهذا الذي يريدونك له أو لا؟! فأضاعوا من عمرك ثماني سنوات، شحنوك فيها بكثير من الغث وقليل من السمين، علموك ما يضحك ولكنه ضحكٌ كالبكاء (الحمل والرضاع والفطام). و(الفنادق خمسة نجوم والسياحة وبناء الكباري الطائرة والسدود)، (الجيب والجتا واللوغريثم)، (وتاريخ لا يدري قبله من دبره وما تركوا (الدجاج والبقر والفقاسات ) و(السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية).
أي بني، ما ظننت أنهم يعرفون ما يريدون أن يوصلوك إليه، لقد كانوا كحاطب ليل، أعطوك من كل شجرة عصا، لكنها عصيٌّ لا يؤثر ضربها ،عصي من الغرب لا من النبع، وكنت ولا زلت فأر تجارب !!!
تعزية: إنهم ـ ابني العزيز ـ لا يعرفون النجاح إلا لمن نجح في امتحاناتهم هذه (أساس، ثانوي، جامعة) وهم بذلك يخالفون سنة الله في كونه ، فالله قسم بين الناس المواهب والقدرات، فهذا عالم، وهذا قائد جيش، وهذا كاتب، وذاك رئيس، وهؤلاء أرباب المهن والحرف، وهلم جرا !! لكنهم يريدون أن يسوقوكم كلَّكم إلى غاية واحدة، حتى إذا رسبت فيما لم يجعلك الله له قالوا: إنك فاشل! يريدونك أن تكون طبيبا أو مهندسا لا غير! كأن الدنيا لا تسير إلا بهذين الاثنين فقط، ولو عرفت السبب لبطل العجب إنهم يبحثون عن المال!!! والله يريدك لأمر آخر، فلا ينتبهون لهذا! يصارعون أقدار الله! ومن صارع الحق صرعه!!!
تعزية: أي بني، لا تحزن لكلماتهم اللاذعة ولا نظراتهم الشانئة، ولا غمزهم ولا لمزهم، وقل: موتوا بغيظكم!
إنهم لا يفرقون بين العلم والتعلم، فربَّ متعلم وهو أجهل الخلق، وقد كان أبو جهل يقرأ ويكتب!!! ليس العلم القراءة والكتابة، إنما هذه من وسائل العلم، وليست الأمية هي الجهل! لكن تشابه عليهم البقر! رُبَّ أمي خيرٌ من ألفٍ ممن يجيد القراءة والكتابة!
اهتم النبي صلى الله عليه وسلم بتعليم الصبيان القراءة والكتابة ولكن هل ذكر أن من لم يتعلمها فهو فاشل !!!
واهتم السلف بالعلم، ولكنهم كانوا يفرقون بين من يصلح كطالب علم وبين من يصلح في مجال آخر، قال رجل للإمام مالك: أريد أن أطلب العلم، فقال له: "انظر ما يصلحك منذ أن تصبح إلى أن تمسي فالزمه".
وجالس أحدهم إمام اللغة الخليل بن أحمد الفراهيدي يريد أن يتعلم منه العروض، فمكث مدةً فلم ينفتح له فيه، فقال له الخليل يوما: قطع لي قول الشاعر:
إذا لم تستطع شيئا فدعه ***- وجاوزه إلى ما تستطيع
ففهم التلميذ ما يقصده الخليل فترك العروض وذهب لأمر آخر، لله در السلف! أنعجب من فهم الخليل أم من فطنة التلميذ !!!
أولئك آبائي فجئني بمثلهم ***- إذا جمعتنا يا جريرُ المجامعُ
ورب إنسان يصلح لعلم ولا يصلح لآخر! أو قد يصلح له ولكنه لم يألفه أو يحبه، والخليل بن أحمد نفسه، ذكر عنه أنه طلب أولاً علم الحديث فتبلد طبعُه، فطلب اللغة، فصار فيها إماما!!! ومثل ذلك حدث مع الإمام النووي، فقد ذكر عن نفسه أنه خطر له تعلم الطب فاشترى كتاب القانون فيه، وعرض على الاشتغال فيه، يقول النووي: (فأظلم قلبي. وبقيت لا أقدر على الاشتغال بشيء ففكرت في أمري، ومن أين دخل عليَّ الداخل، فألهمني الله تعالى أن سببه اشتغالي بالطب فبعت في الحال الكتاب، وأخرجت من بيتي كلَّ ما يتعلق بعلم الطب فأستنار قلبي، ورجع إلى حالي، وعدت على ما كنت عليه أولاً – أي إلى علم الشريعة)، فانظر ماذا قدم لأمته، والله لو لم يكن له إلا كتاب رياض الصالحين لكفاه !!!
تعزية: ولك عزاء في من لم يتعلم (أو تعسر في العلم) ونجح فيما فشل فيه المتعلمون، انظر إلى الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك. قال ابن كثير عنه: " وقد روي أن عبد الملك أراد أن يعهد إليه، ثم توقف لأنه لا يحسن العربية، فجمع الوليد جماعة من أهل النحو عنده فأقاموا سنة، وقيل ستة أشهر، فخرج يومَ خرج أجهل مما كان! فقال عبد الملك: قد أجهد وأعذر. ثم تولى الوليد الخلافة، فانظر ماذا قيل عن خلافته: قال ابن جرير : كان الوليد بن عبد الملك عند أهل الشام أفضل خلائفهم، بنى المساجد بدمشق، ووضع المنار، وأعطى الناس، وأعطى المجذومين، وقال لهم: لا تسألوا الناس، وأعطى كل مقعد خادما، وكل ضرير قائدا، وفتح في ولايته فتوحات كثيرة عظاما، ففتح الهند والسند والأندلس، وغير ذلك، و كان يبر حملة القرآن ويكرمهم، ويقضي عنهم ديونهم. وفي عهده تم إعمار المسجد الأموي في دمشق الذي يعد من عجائب العمران، كما وسع المسجد النبوي.
ولك عزاء في الخليفة العباسي المعتصم: كان معه غلام في المكتب، فمات الغلام، فقال له أبوه (هارون الرشيد) : يا محمد، مات غلامك، قال: نعم يا سيدي واستراح من الكتَّاب، فقال: أو إن الكتاب ليبلغ منك هذا! دعوه، فكانت قراءته ضعيفة. وقال عن نفسه يوما خليفة أمي وكاتبه أمي !!! ومع ذلك فتح مدينة عمورية التي استعصت على كل من سبقه، وكانت من أحصن مدن الروم. فانظر إلى أبيه الخليفة هارون الرشيد كيف أخرجه من الكتاب واستفاد من قدراته الأخرى فأخرج للأمة خليفة ناجحا.
أي بني! أعلم أن الجميع في هذه الأيام حرب عليك، فلعل في كلماتي هذه سلوة وتعزية لك، !!!
أي بني! قُل ما يجيش بصدرك وأظهر مواهبك التي أعطاكها الله، وأعلمهم أنه بإمكانك أن تنجح في مجال آخر، واطلب منهم أن يعطوك فرصة، وافعل ما تستطيع، ولعل الله يقيض لك أبا كهارون الرشيد أو عبد الملك بن مروان !
وإن لم يرفعوا بذلك رأسا، فثق بالله الذي هو كل يوم في شأن، واعلم أن الوضع المقلوب هذا لن يستمر طويلا، فالأيام دول، والدهر قلب، والليالي حبالى، فلابد لليل أن ينجلي ولا بد للقيد أن ينكسر!