إنتشر الشرك مرة أخرى ، في منطقة في شمال غرب الجزيرة العربية ، منطقة تُسمى [ الحِجر ] منطقة جبلية ، في تلك البلاد إنتشر الشرك بالله عز وجل فأرسل الله عز وجل إليهم نبيا عربيا إسمه [ صالح "عليه السلام]
، هذا النبي جاء إلى قومه يدعوهم إلى الله جل وعلا { وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ } أول دعوة الانبياء توحيد الله جل وعلا ، لا تعبدوا إلا الله قال { قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ }[الاعراف /59]
وكان قوم ثمود الذين سكنوا هذه المنطقة ، كانوا ينحتون الجبال ، أعطاهم الله عز وجل قوة أنهم يُكسِّرُون الصخر وينحتون الجبال ويصنعون في الجبال بيوتا لهم وقصورا لهم ،
أي قوة أعطاهم الله عز وجل { وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ }[الاعراف /74]
أي أن صالح عليه السلام ذكرهم ، قال يا قوم الله عز وجل أعطاكم هذه الجبال سكنى لكم ، أي قوة تملكونها ، تنحتون الصخر وتنحتون الجبال وتقطعونها وتصنعون فيها بيوتا لكم وقصورا تؤمنكم من كل شيء ،
أي نعمة أعظم من هذه النعمة { وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ. فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ }[الشعراء/149 ]
كانوا يكسرون الصخر وينحتون الجبال ، ويصنعون فيها البيوت والقصور والغرف يحتمون بها { وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ }[الفجر]
يعني كسروا الصخر وقطعوه { وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ }[الفجر] دعاهم إلى الله جل وعلا ، ذكرهم نصحهم فردوا عليه بإستهزاء { قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا }[هود/62]
كنت فينا رجلا كريما رجلا مرجوا رجلا عزيزا رجلا شريفا قبل هذه الدعوة ، أما اليوم فقد تغيرت يا صالح ، لست الانسان الذي كنا نعرفه إنما أنت من المُسَحَّرِينَ ،
أصابك سحر،! أبك جنون { قَالُواْ يَا صَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَـذَا أَتَنْهَانَا أَن نَّعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ } [هود/62]
دعوتك هذه نحن متشككون منها ليست صادقة { وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ } [هود/62]
ثم جاء قوم صالح ، ثمود جاؤا ، لمن جاؤا ، للضعفاء جاؤا للفقراء جاؤا للمساكين الذين إتبعوا صالح عليه السلام ، قالوا لهم ، أتعلمون أن صالحا مرسل من ربه ، عندكم يقين عندكم دليل ، فردوا بكل ثقة قالوا ،
إن بما اُرسل به مؤمنون ، فرد المستكبرون في الارض وقالوا لهم { إِنَّا بِالَّذِي آَمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ }[الاعراف /76]
إنه العِناد إنه الاستكبار إنه العُتُو ، هذه الجبال أعطاكم الله عز وجل إيها ، جبال فارهة بيوت وقصور أعطاكم الله عز وجل إيها ومع هذا ،
لا تؤمنون ومع هذا لا تستجيبون ، أي قصوة في قلوبكم هي أشد من هذه الجبال قسوة ، وأشد من هذا الصخر قسوة إنهم قوم صالح الذين عَتَواْ عن أمر ربهم.
استمر سيدنا صالح عليه الصلاة والسلام يدعو قومه إلى الإيمان، واستمر قومه على عنادهم وتكبرهم من اتباع الحق، ولما وجدوا منه استمساكًا برأيه وإصرارًا على دعوته إياهم إلى عبادة الله وحده
وترك عبادة الأصنام خاف المستكبرون من قومه أن يكثر أتباعه وأن ينصرفوا عنهم إليه، وفي ذلك ذهاب لسلطانهم وتفتيت لقوتهم، فأرادوا أن يظهروا للناس أنه عاجز غير صادق في دعواه
وهذا من خبث نفوسهم وظلام قلوبهم عن اتباع الحق، فطلبوا منه معجزة تكون دليلاً على صدقه وقالوا له: أخرج لنا من هذه الصخرة،!وأشاروا إلى صخرة كانت هناك،
ناقة ومعها ولدها وصفتها كيت وكيت وذكروا لها أوصافًا وقالوا له: إن أخرجت لنا من هذه الصخرة ناقة ومعها ابنها ءامنا بك وصدقناك،
فأخذ سيدنا صالح عليه السلام عليهم عهودهم ومواثيقهم على ذلك، وقام وصلى لله تبارك وتعالى ثم دعا ربه عز وجل أن يعينه ويجيبه إلى ما طلب قومه فاستجاب الله دعوته
فأخرج لهم سيدنا صالح عليه السلام بقدرة الله ناقة ومعها ولدها من الصخرة الصمّاء فقد أمر الله هذه الصخرة أن تنفطر عن ناقة عظيمة طويلة فيها الصفات التي
طلبوها ومعها ابنها، فلما رأى قومه هذا الأمر الخارق للعادة الذي فيه الدليل القاطع، والبرهان الساطع، على صدق سيدنا صالح عليه السلام .
آمن قسم منهم ومنهم جندع بن عمرو وكان من رؤسائهم ومعه رهط من قومه، واستمر أكثرهم على كفرهم وعنادهم وضلالهم،
وقد صدهم عن الإيمان دؤاب بن عمرو بن لبيد والحباب صاحب أوثانهم وغيرهما،
وعندما أخرج لهم سيدنا صالح عليه السلام هذه الناقة مع فصيلها بقدرة الله تعالى قال لهم ما أخبرنا الله تعالى: {هذهِ ناقةُ اللهِ لكم}[ الأعراف]
أضافها عليه السلام لله تعالى إضافة تشريف وتعظيم وأخبرهم أنها لهم دليل صدق على دعوته عليه السلام،
وأمرهم أن يتركوها تأكل في أرض الله قال تعالى: {قالَ هذهِ ناقةٌ لها شِرْبٌ ولكم شِربُ يومٍ معلومٍ}[ الشعراء]
، وحذرهم أن يتعرضوا لها بالقتل أو الأذى، وأخبرهم أنهم إن هم تعرضوا لها بالسوء يأخذهم عذاب وهلاك عظيم.
قال الله تعالى في كتابه العزيز:{ قَالُوا إِنَّمَا أَنتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ * ما أنتَ إلا بشرٌ مِثلُنا فأتِ بآيةٍ إن كنتَ مِنَ الصادقينَ* قالَ هذهِ ناقةٌ لها شربٌ ولكم شربُ يومٍ معلومٍ* ولا تَمَسُّوها بسوءٍ فيأخذكم عذابُ يومٍ عظيمٍ}[ الشعراء]
وقال تعالى في آية أخرى حكاية عن نبيه عليه السلام لقومه:{وإلى ثمودَ أخاهُم صالحًا قالَ يا قومِ اعبُدوا اللهَ ما لكُم مِن إلهٍ غيرهُ قد جاءتكُم بيِّنةٌ
مِن ربكُم هذه ناقةُ اللهِ لكُم ءايةً فذروها تأكلْ في أرضِ اللهِ ولا تَمَسُّوها بسوءٍ فيأخذكم عذابٌ أليمٌ} [ الأعراف ]
فاتفق الحال على أن تبقى هذه الناقة بين أظهرهم ترعى حيث شاءت من أرضهم، فتَرِدُ الماء يومًا بعد يوم، ويقال إنها كانت
إذا وردت الماء تشرب ماء البئر يومها ذلك فكانوا يرفعون حاجتهم من الماء في يومهم لغدهم، قال الله تعالى: {قالَ هذهِ ناقةٌ لها شِرْبٌ ولكُم شِرْبُ يومٍ معلومٍ}[ الشعراء]
مكَثت ناقةُ صالح عليه الصلاة والسلام في قبيلة ثمود زمانًا تأكل من الأرض، وترِدُ الماء للشرب يومًا وتمتنعُ منه يومًا،
ممّا استمال كثيرًا من قومه عليه السلام إذ استبانوا بها على صدق رسالة نبيّهم صالح عليه السلام وأيقنوا بذلك، مما أفزع ذلك المستكبرين من قومه وخافُوا على سلطانهم
أن يزول وقالوا للمستضعفين الذين أشرق نور الإيمان في قلوبهم ما أخبرنا الله تعالى في كتابه :{قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُواْ لِمَنْ ءامَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ }[الاعراف/75]
، فأجابوهم {قَالُواْ إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ } [الاعراف/75]، ولكن جواب المؤمنين من أتباع صالح عليه السلام لم يؤثر في المشركين المستكبرين
وظلت قلوبهم قاسية كالأحجار قال الله تعالى :{قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ إِنَّا بِالَّذِيَ ءامَنتُمْ بِهِ كَافِرُونَ } [الاعراف/76]
ورأى المُستكبرون من قوم نبي الله صالح عليه السلام في هذه الناقة خطَرًا جسيمًا عليهم فاتفقوا على أن يعقروها ليستريحوا منها
قال الله تعالى :{إِنَّا مُرْسِلُواْ النَّاقَةِ فِتْنَةً لَّهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ * وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاء قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُّحْتَضَرٌ} [القمر/27]
وقيل إنهم ظلوا مترددين في تنفيذ ما اتفق عليه إلى أن قامت فيهما امرأتان خبيثتان إحداهما اسمها صدوق ابنة المحيا وكانت ذات حسب ومال فعرضت نفسها على رجل يقال له مَصرع بن مهرج . إن هو عَقر الناقة وذبحها، وكان اسم الأخرى عنيزة بنت غنيم وكانت عجوزًا كافرةً لها أربع بنات فعرضت على رجل شقيّ خبيث أيضًا اسمه قُدار بن سالف .
أيّ بناتها يختار إن هو عقر الناقة، فقبل هذانِ الشابان وسَعيا في قومهم لأجل هذا الغرض الخبيث فاستجاب لهم سبعة ءاخرون فصاروا
تسعة كما أخبر الله تبارك وتعالى بقوله :{وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ }[النمل/48]
فانطلق هؤلاء الرجال الخُبثاء يرصدون الناقة، فلما صدرت من وِردها. رماها أحدهم وهو مصرع بسهم، وجاء النساء يشجعن في قتلها فأسرع أشقاهم وهو قدار بن سالف.
فشَدَّ عليها بسيفه وكشفَ .عن عُرقوبها فخرت ساقطة إلى الأرض مَيتة بعد أن طعنها في لَبَّتِها فنحرها، وأما فصيلها فصعد جبلاً مَنيعًا ثم دخل في صخرة وغاب فيها،
روى البخاريّ ومسلم وأحمد بإسنادهم عن عبد الله بن زمعة أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يخطب وذكر الناقة
والذي عقر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :{إذ انبعث أشقاها} انبعث لها رجل عزيز عارم منيع في رهطه مثل أبي زمعة وقوله [عزيز] أي قليل المثل،
وعارم أي كثير الشراسة والشرّ، ومنيع أي ذو مَنَعة، وقال الله تبارك وتعالى :{فَعَقَرُواْ النَّاقَةَ وَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُواْ يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ } [الاعراف/77]
وهذا مبلغ العناد والزيغ فلقد رأى قوم صالح عليه السلام هذه المعجزة العظيمة لنبي الله صالح عليه السلام. وهذا البرهان الصادق والدليل القاطع على نبوته وصدقه أمام أعينهم،
ولكن حمَلَهم الكفرُ والضلال والعناد وحب الدنيا على رفض الحق واعتناق الباطل، وكان عاقبة هذا العناد والتكبر عن الحق وخيمة عليهم.
يقول الله تعالى :{كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا *إِذِ انبَعَثَ أَشْقَاهَا * فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ نَاقَةَ اللهِ وَسُقْيَاهَا } [الشمس]
أي احذروها ولا تتعرضوا لها ولسقياها {فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُم بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا*وَلا يَخَافُ عُقْبَاهَا }[الشمس] جد، وقال تعالى {فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ} [هود/65].
{ إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ }[القمر/31] لم يستطع أحد منهم أن يقوم من مكانه في الجبال في البيوت
أهلكهم الرب عز وجل { وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ }[هود/67]
تمرعلى جبالهم تمر على بلادهم ، إلى اليوم موجودة في مدائن صالح ، في الشمال الغربي في الجزيرة العربية ،
منطقة تُسمى الحِجر ، إلى اليوم موجودة بيوتهم قصورهم التي نحتوها في الجبال ، لا زالت تشهد عليهم في تلك البقعة الملعونة ، ا
لتي من مر فيها لا بد أن يبكي خشية من الله جل وعلا { أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِثَمُودَ } [هود/68]بُعداً ولعنة لتلك الامة التي عصت ربها عز وجل ، ثم رجع إليهم صالح عليه السلام .بعد أن رآهم هلكى في بيوتهم ، في قصورهم ، جبالهم لم تمنعهم عذاب الله عز وجل ،
مر عليهم وهو ينظر إليهم صرعى ، نظر إليهم وتأسف وقال { يَاقَوْم } يكلمهم وهم أموات لكنهم يسمعون { وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ }[الاعراف/79]...