مقدِّمـة
الحمد لله الذي علم بالقلم، علَّم الإنسان ما لم يعلم، وأشهد أن لا إله إلا الله القائل: خلق الإنسان علمه البيان، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله النبي الأمي المبعوث رحمة للعالمين صلى الله عليه وسلم.
أما بعد:
فإن هذه النفسَ البشريةَ ما خُلقت إلا لعبادة الله عز وجل؛ قال الله مؤكِّدًا هذه القضية: }وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ{ [الذاريات]، والعبادة في مفهومها العام أوسع مما يعتقده كثيرٌ من الناس؛ فهي كما قال شيخ الإسلام: "العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة"، وفي هذا المعنى دلالة واضحة وجَليَّة على أن حركات الإنسان، سكناته وقوله وفعله، بل حتى تفكيره - عبادة متى خلصت النية وصَفَتْ من شوائب النفس الأمارة.
ومن زمن بعيد كانت هذه النفس دائما تحدِّثني حديثا يؤلِّب في نفس المساهمة في الإصلاح والمشاركة في البناء، وبالتالي تجيش مشاعري في أحيان كثيرة بأشجان وأحزان، أشجان كلما رأيت صورة الإصلاح تبدو واضحة جلية كما أعاين الحق أشبه ما يكون ببزوغ الفجر الجديد، وكم كانت هذه الصورة في أوقات كثيرة ترفعني إلى ذر السحاب فأُحَلِّقُ بنفسي عاليًا، حتى ربما الأفكار تواردت هناك فسقت هذه الريشة من سفح ذلك الفرح فسبكت جل آمالها وطموحاتها، وأحيانا تجيش هذه المشاعر بشيء من الحزن والآهات فتفجر في نفسي ينابيع الهموم على واقع أمتي المرير فتستقي هذه الريشة من نفس هذه الأحزان، فتكتب مجبرة راغمة، وكنت بحمد الله في كلا الحالين أجير هذه المشاعر لخدمة هذا الدين ولإصلاح هذه الأمة، ولن تجدني أمتي يوما مخذلا في الطريق ولا معولا من معاول الهموم؛ كيف ذلك وأنا أدرك أن الحياة كلها سحابة صيف عابرة، فلهذا الدين روحي ونفسي فداء لهذه العقيدة كل ما أملك من أفكار، لها الأوقات والأعمار؛ فهي أعزُّ ما أملك، أحيا عليها وأموت من أجلها.
سأثأر ولكن لرب ودين
وأمضي على سنتي في يقين
فإما إلى النصر فوق الأنام
وإما إلى الله في الخالدين
أخي الكريم:
بين يديك جملة رسائل صحفيَّة احتضنتها جريدة المدينة من سنوات فأخرجتها للقراء وهي تلبس ثوب الكلمة الهادفة والمعاني السامية؛ فهي إهداء مني لشخصك الكريم غير أني آمل أن تعذرني؛ فقد كان إعدادُها وليدَ الساعة وأطولها عمرا لم يلبث ضحى يوم، إنها ليست وليدة تفكير عميق إنما كدر نفس وصفائها ربنا أخرجها ولم يكتمل نموها بعد، وحق لها اليوم أن تتمثل أمامك قول القائل:
إن تجد عيبًا فَسُدَّ الخللا
جَلَّ مَنْ لا عيبَ فيه وعلا
فالنفس طبعها الطيش والعجلة، وليت شعري اليوم من يصبِّرني؟! من يُعَلِّمني؟! الأناة وواقع أمتي يحترق عبثا من اللاهين.
هذه رسائلي بين يديك لا أعدم منك – إن شاء الله - رسالةً تُصْلحُ بها الأخطاء، وكلمات تقوم بها المعاني، وإشارات توسد بها المثالب، لك مني وافرُ التحية؛ فأنت المرآة التي أرى بها صورتي واضحةً جليةً... إلى رسائل أخرى قادمة، إلى ذلك الحين وكل حين ألقاك فأنت نعم الناصح والمعين.
* * *
خفقةٌ من قلب مُحبِّك
أيها الإنسان.. هي الحياة صدف وعجائب؛ أتذكر لقياي بك؟! أتذكر ذلك المسار الذي جمعني وإياك؟! نعم، نعم؛ لا أظنُّك تنسى مداد الأيام وسراب النهار؛ بل أظنك تذكرت حتى شعاع القمر في أحلى لياليه، أيها الإنسان هي محض الصدفة التي قادت بيدي إلى التعرف عليك فكانت أجمل الليالي وأحلى اللقاءات، كنت أظن أيها الإنسان أن رابطةً مثل هذه صعبٌ أن تحلَّ قيودها، وأن توسد أيامها، ويغفل عن شيء من أعاجيبها.
أيُّ تَغَيُّر تغيَّرتَه يا ترى أمامك؟! أترى أيها الإنسان أنَّ التزامي بمنهج رسولك عيب وأثره يحجب شعاع حبك لي؟! أم يا ترى أن قصرَ ثوبي وظهور شعرات وجهي قدح ومذمة تتهرب بها عني، وتحجب شمس ناظريك عن مقابلتي؟! إنني يا أخي أحببت هذا الطريق وتعلقتُ به لأنه يخدم منهجي ويعزِّز قوتي، بل يزيدني شموخا ورفعة.
أحببت يا أخي هذا الطريق لأنه أراحني من عناء الأوهام، وصدى الهمسات، وتجرُّع الغُصَص، جعلني أشعر بكرامتي، أكسبني معرفة هدفي في الحياة، بل أرشدني إلى مغزى طريقي الطويل.
مرة أخرى أعاتبك لماذا أمسك بأجاديب ثوبك وتتملق مني؟! لماذا أحاول شدَّك جهدا ولازلتَ تحاول الفكاك والشُّطوح عن طريقي؟ أسألك يا أخي مرات ومرات، هل تشعر بسعادة فيما أنت فيه؟ هل تحس بهتاف الحب؟ هل تشعر بشيء من السمو والرفعة؟ أظنك تقول نعم؛ فلقد ناداني وإياك صوت إمامنا السلفي الحسن البصري وهو يقول: "وإن هملجت بهم البراذين وجلجت بهم الخيول فإن ذل المعصية لا يفارقهم"؛ فهلا استشعرت عقبات الطريق المظلمة؛ إنني لعميق حبي لك أدعوك إلى التفكير بشرط أن يكون بينك وبين نفسك، أدعوك إلى الإجابة على أسئلة هي المعنى الحقيقي للحياة، لماذا خلقت؟ ما هدفك في الحياة؟ أي رسالة تحملها؟ أي منهج تسير عليه؟ من قدوتك؟ حينها نتحول أنا وإياك بصدى صوت واحد نقول:
سأثأر ولكن لرب ودين
وأمضي على سنتي في يقين
فإما إلى النصر فوق الأنام
وإما إلى الله في الخالدين
وداعا وداعا إلى رسالة أخرى بعنوان "هذه ثمرات استجابتك".
كتبه
مشعل عبد العزيز الفلاحي