أو

الدخول بواسطة حسابك بمواقع التواصل

#1

12 تأملات تربوية في سورة النمل (2)

تأملات تربوية في سورة النمل (2)
















1- الدعوة إلى التفكير : خلقنا الله تعالى " .. في أحسن تقويم " فجعل لنا - معشر الإنس والجن لأننا مكلفون - العقول التي تميزنا عن بقية المخلوقات لنتدبر ما نجده أمامنا ولنتفكر فيه . أما الحيوانات الأخرى فإنها تعيش غريزياً . لا رسالة لها في هذه الحياة سوى ما قدره الله تعالى لها في حياتها الدنيا ثم يقال لها - في الآخرة حين تحشر ليقتص منها ذلك الاقتصاص الذي لا يقارن مطلقاً بالاقتصاص من الثقلين - كوني تراباً .. فيتمنى الكافر لما يراه من العذاب الشديد الخالد في نار جهنم أن تكون نهايته مثل نهايتها " يا ليتني كنت ترابا " ولكن هيهات هيهات .
وعلى الرغم أن البشر جميعاً لهم عقول يفكرون بها إلا أن أكثرهم لا يريد أن يعي حقيقة وجوده وسبب خلقه ، فهو يحيا في هذه الدنيا وكأنه خالد فيها ، أو سينتهي دون عودة " وما يهلكنا إلا الدهر " وينكرون حياة أخرى تنتظرهم هي الحياة الحقيقية " وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون " وهؤلاء لئن كانوا بشراً إنهم لينزلقون إلى درجة الأنعام التي لا تعي ولا تعقل ، بل إنهم أقل منها مستوىً ، فالحيوانات ليس لها عقول وقد سقط عنها القلم، وهؤلاء لهم عقول لا يستعملونها في مرضاة الله ، فانحدروا عن مستوى البهيمية بفعلهم - عنادِهم وضلالهم - يقول الله تعالى " ولقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجن والإنس ، لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها ، أولئك كالأنعام ، بل هم أضل ، أولئك هم الغافلون " .
والقرآن الكريم يدعو المكلف إلى التدبر وإمعان التفكير في مئات الآيات المنبثة فيه ، وفي هذه السورة الجليلة نجد الكثير منها ، وإليك بعضاً منها :
ففي الآية الستين نجده يدعونا إلى معرفة خالق السماوات والأرض الذي أنزل الماء فكان سبباً في الحياة المتجددة الجميلة في الأرض ، وأنه سبحانه واحد لا شريك له
" أمّن خلق السموات والأرض ،
وأنزل لكم من السماء ماءً ،
فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ، ما كان لكم أن تنبتوا شجرها ؟ أإله مع الله ؟! بل هم قوم يعدلون " .وتأمل التسلسل في " خلق ، وأنزل ، وأنبت " فترى المشركين يميلون عن الحق وينغمسون في الضلال .
وفي الآية الحادية والستين ينبههم إلى بديع صنعه سبحانه ، فالأرض ثابتة صالحة للعيش ، تجري فيها الأنهار ، وتثبتها الجبال الرواسي ، وجعل الماء مالحاً وحلواً فلا يطغى هذا على ذاك - بأمر الله خالقها - بل إن لكل بحر ماءَه بخواصه المختلفة عن ماء غيره ،
" أمّن جعل الأرض قراراً ،
وجعل خلالها أنهاراً ،
وجعل لها رواسيَ ،
وجعل بين البحرين حاجزاً ؟ أإله مع الله ؟! بل أكثرهم لا يعلمون " وانظر معي إلى تكرار كلمة " جعل " التي تدل على جميل صنعه وعظيم حكمته سبحانه، وأنه الخالق الأوحد ... ولكن غالب البشر يجهلون هذا فيشركون بالله تعالى ويتوهون في مزاريب الضلال .
وفي الآية الثانية والستين يذكرهم برأفته بهم ، وحنوّهم عليهم ، فهو سبحانه يجيب الداعي ، ويتلطف به ، وهو وحده خالقهم لكن الدنيا ببريقها وزخرفها تنسيهم الحقيقة وتبعدهم عنها
" أمّن يجيب المضطر إذا دعاه ،
ويكشف السوء ،
ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله ؟! قليلاً ما تذكّرون " .
وهي دعوة صريحة إلى إفراده سبحانه باللجوء إليه والاعتماد عليه وانظر إلى المنطقية في العرض، فهو سبحانه " يجيب المضطر ، ويكشف السوء " لماذا؟ إنه الخالق الوحيد " يجعلكم خلفاء الأرض "
وفي الآية الثالثة والستين ينبه أن الله تعالى هو الهادي والحافظ ومدبر الحياة في البر والبحر أفلا يستحق الإفراد بالعبادة ؟ " أمّن يهديكم في ظلمات البر والبحر ؟
ومن يرسل الرياح بشراً بين يدي رحمته؟ أإله مع الله ؟! تعالى الله عما
يشركون " . وتأمل معي هاتين الكلمتين " يهديكم ، يرسل الرياح "
هداية وعون ، فهو سبحانه لا يدع عباده يتخبطون في حياتهم إنما ييسر لهم السبل ويعينهم .
2- التصوير الحسي : ذكرت في كتابي " من أساليب التربية في القرآن الكريم " تحت عنوان - التصوير ص 385 : أن التصوير من الأساليب الراقية في التربية ، فالإنسان روح وفكر وقلب .. وهو كذلك عين وسمع وذوق ولمس وشم .... فهو معنوي ومادي بآن واحد ، فإذا عجز أحياناً عن الوصول إلى الفكرة الشفافة ذهناً وصل إليها مادة وحسّاً .. المهم أن يصل إلى المعلومة ، وتتركز في ذهنه ، ويتفاعل معها .
والصور في هذه السورة ملفتة للنظر إذ جمعت بين اللون والحركة والصوت . من ذلك قوله تعالى :
" ألم يروا أنا جعلنا الليل ليسكنوا فيه والنهار مبصراً ..."
" ويوم ينفخ في الصور ، ففزع من في السموات والأرض إى من شاء الله ، وكلٌّ أتَوْه داخرين "
" وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمرّ مرّ السحاب " .
" وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابّة من الأرض تكلمهم ..." .
" .. ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار ..هل تجزون إلا ما كنتم تعملون ؟ "
" ... قالوا أخرجوا آل لوط من قريتكم ، إنهم أناس يتطهّرون " .
وانتبه إلى الكلمات التي تحتها خط في الآيات السابقة لـ ترى اللون
في الليل والنهار والجبال والسحاب والنار
وتسمع الصوت
في النفخ والكلام : قال ويتطهر، تجزى
وترى الحركة
الفزع وحركة النفخ والسكون والجمود وخروج الدابّة والمجيء
وكب الوجوه..
والتصوير يثبت الفكرة في الذهن لأن أكثر من حاسّة تتضافر في توكيدها ، وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم كثيراً ما يؤديها في حديثه، وتبعه في ذلك المربون .
3- الطيَرة والتفاؤل : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه أن يسمع : يا راشدُ، يا نجيحُ . - أخرجه الترمذي - وكان يعجبه الفأل لأن النفس تنشرح له وتستبشر بقضاء الحاجة وبلوغ الأمل ، فتحسن الظن بالله . وقد قال : " أنا عند ظن عبدي بي " وكان صلى الله عليه وسلم يكره الطِّيَرة لأنها من سمات أهل الشرك وتجلب سوء الظن بالله تعالى . قال الخطّابي كما يروي القرطبي عنه : الفرق بين الفأل والطيرة أن الفأل إنما هو من طريق حسن الظن بالله ، والطيرة إنما هي من طريق الاتكال على شيء سواه . وروى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لا طيرة ، وخيرُها الفأل " . قيل : يا رسول الله وما الفأل ؟ قال : " الكلمة الصالحة يسمعها أحدكم "
فلما قال قوم صالح لنبيهم عليه السلام حين دعاهم إلى الإيمان بالله وحده : " اطَّيرنا بك وبمن معك " رد عليهم مؤنباً وناصحاً " طائركم عند الله ، بل أنتم قوم تُفتنون " فقد تشاءموا ، والشؤم نحس . ولا شيء أضر بالرأي ولا أفسد للتدبير من اعتقاد الطيرة . ومن ظنّ أن خوار بقرة أو نعيق غراب يرد قضاء أو يدفع مقدوراً فقد جهل . وقد قال مقاتل في قوله تعالى في سورة" يس " على لسان الذين كفروا بأنبيائهم " إنا تطيّرْنا بكم " : حبس المطر عنهم ثلاث سنين ، فظنوا أنّ حبسه كان بشؤم الأنبياء عليهم ! فرد أنبياؤهم مصححين منبهين " طائركم معكم " أي شؤمكم ملازمكم بأعمالكم وفسادكم لا بسببنا ، فأنتم مسرفون في كل شيء حتى التشاؤم ." بل أنتم قوم مسرفون " قال الشاعر :
طيرةُ الدهر لا يرد قضاءً فاعذرِ الدهرَ ، لا تَشُبهُ بلَوم
أيُّ يوم يَخُصّه بسعود والمنايا ينزلن في كل يوم
ليس يومٌ إلا وفيه سعودٌ ونحوسٌ تجري لِقومٍ فَقوم
وقد كانت العرب أكثر الناس طيرةً ، وكانت إذا أرادت سفراً نفرت طائراً ، فإذا طار يمنة سارت وتيمّنَتْ ، وإن طار شمالاً تشاءمت ، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك وقال : " أقِرّوا الطير على وُكُناتها " .
4- عاقبة المفسدين : يقول تعالى :" .. ومن جاء بالسيئة فكبّت وجوههم في النار ، هل تُجزون إلا ماكنتم تعملون ؟ " فنهايتهم في الآخرة الاحتراق في النار والعذاب المهين . أما في الدنيا فقد بين الله تعالى عاقبة كل قوم كفروا بالله ... أما في هذه السورة الكريمة فكان عاقبة الرهط المفسدين الذين عقروا الناقة وعتوا عن أمر ربهم ، ومكروا بنبيهم وأهله والمؤمنين به
" ..... أنا دمّرناهم وقومهم أجمعين "
فكانوا عبرة لمن جاء بعدهم " فتلك بيوتهم خاويةً بما ظلموا ..... "
وأما قوم لوط الذي استمرءوا فاحشة اللواط ، ففعلوها في أنديتهم - وكانوا يتلذذون بالنظر إلى الفاعلين والعياذ بالله ، وهم يصرون على فعلها على علمهم ببهتان ما يعملون ، بل صمموا على إخراج لوط وآله لأنهم " يتطهّرون " والطهارة يكرهها الأبالسة في كل زمان ومكان فقد عاقبهم الله تعالى عقابين شديدين . أما الأول فإرسال الحجارة عليهم تحصبهم حصباً " وأمطرنا عليهم مطراً ، فساء مطر المنذَرين " وأما الثاني فقد قلب قراهم رأساً على عقب . وذكر الله تعالى الأمرين في سورة هود " فلما جاء أمرنا... 1- جعلنا عاليَها سافلها
2- وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود
مسوّمةً عند ربك .... "
والعاقل من يستلهم من مصير الغابرين العبر والعظات فيزدجرعن ضلاله وغيه ، وينأى بنفسه وأسرته وقومه عن نهاية الفاسدين " قل سيروا في الأرض ، فانظروا كيف كان عاقبة المجرمين "
5- مهمة الداعية :
والداعية يتوكل على الله تعالى ويدعو إليه ، وهناك من يسمع لكنّ في أذنيه وقراً فلا يفقه ما يقال ولا ما يُراد . وإذا سمعوا هربوا من الحق الذي تكرهه نفوسهم الآثمة . واستمروا في غيهم وضلالهم ، أما المسلم ذو القلب الشفاف والفؤاد الواعي فإنه يقبل على الداعية يستفيد منه ويتقبل منه ويكون له عونا في دعوته إلى الله .
: " فتوكل على الله ، إنك على الحق المبين
إنك لا تسمع الموتى ، ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولّوْا
مدبرين ......
وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم
إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون "
والحقيقة أن دور الدعاة التنبيهُ إلى طرق الخير والتحذير من سبل الغواية ، وأن يبدأوا بأنفسهم أولا، فهم القدوة . فمن تبعهم نجا ، ومن استنكف غوى وضل ، وليس لهم عليهم سلطان . هذا ما نبه إليه الله تعالى نبيه الكريم حين قال سبحانه
" 1- إنماأمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرّمها ......
2- وأمرت أن أكون من المسلمين .
3- وأن أتلوَ القرآن ........
4- فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه
5- ومن ضل فقل إنما أنا من المنذرين . "










تأملات تربوية في سورة النمل (2)



إظهار التوقيع
توقيع : نسيم آڸدکَريآت
#2

افتراضي رد: تأملات تربوية في سورة النمل (2)

جزاكي الله خيرا
إظهار التوقيع
توقيع : حياه الروح 5
#3

افتراضي رد: تأملات تربوية في سورة النمل (2)

كلام رائع وتأملات أروع

يعطيك العافية

#4

افتراضي رد: تأملات تربوية في سورة النمل (2)

جزاكِ الله خيراً

إظهار التوقيع
توقيع : ضــي القمــر
#5

افتراضي رد: تأملات تربوية في سورة النمل (2)

رد: تأملات تربوية في سورة النمل (2)
إظهار التوقيع
توقيع : العدولة هدير


قد تكوني مهتمة بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى
ابن سيرين تفسير الاحلام في تأويل سورة القران الكريم لولو حبيب روحي منتدى تفسير الاحلام
اسماء سور القران ,تعرفى على آسمآء سور القرآن ربي رضاك والجنة القرآن الكريم
ترتيب سور القرآن حسب النزول غايتي الجنة القرآن الكريم
تحميل القرآن الكريم كاملا بصوت العجمى mp3 حبيبة أبوها القرآن الكريم
اسماء سور القران ومعانيها الرزان القرآن الكريم


الساعة الآن 09:34 AM


جميع المشاركات تمثل وجهة نظر كاتبها وليس بالضرورة وجهة نظر الموقع


التسجيل بواسطة حسابك بمواقع التواصل