بسم الله الرحمن الرحيم
عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"كيف بكم وبزمان يوشك أن يأتي يغربل الناس فيه غربلة وتبقى حثالة من الناس قد مرجت عهودهم وأماناتهم فاختلفوا وكانوا هكذا وشبك بين أصابعه،قالوا كيف بنا يا رسول الله إذا كان ذلك؟قال تأخذون بما تعرفون وتدعون ما تنكرون وتقبلون على خاصتكم وتذرون أمر عوامكم"
خلاصة الدرجة: صحيح،المحدث: الألباني،المصدر: صحيح ابن ماجه (3211)
المعاني: الحثالة: الرديء من كل شيء والمراد أرذلهم
مرجت: اختلفت وفسدت
خاصتكم: أي عليك بأمر نفسك وأهلك
في هذا الحديث الشريف يخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كيفية النجاة من الفتن وحدد ذلك بعدة طرق وهي:
***- ***- *
أولاً: أن يأخذ الإنسان بما يعرف
والمقصود أن يأخذ الإنسان بما يعرف انه الحق ولا يدور في فلك الشبهات ولا يصغي للبدع وأهل الأهواء ومصدره في ذلك الكتاب والسنة فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث: "تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً: كتاب الله وسنتي"
***- ***- **
ثانياً: يدع ما ينكر
ففي الحديث الصحيح قال النواس بن سمعان الكلابي سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البر والإثم؟ فقال: "البر حسن الخلق والإثم ما حاك في صدرك، وكرهت أن يطلع عليه الناس"خلاصة الدرجة: صحيح، المحدث: مسلم، المصدر: المسند الصحيح
وعن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، فإن الصدق طمأنينة وإن الكذب ريبة"
خلاصة الدرجة: حسن صحيح، المحدث: الترمذي، المصدر: سنن الترمذي
***- ***- **
ثالثاً: الإقبال على العلماء
فهم ورثة الأنبياء ومنارات الهدى فعن معاوية بن أبي سفيان رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الخير عادة والشر لجاجة ومن يرد الله به خيرا يفقهه في الدين"خلاصة الدرجة: حسن، المحدث: الألباني، المصدر: صحيح ابن ماجه
***- ***- **
رابعاً: ترك أمر العوام
فقد قال علي رضي الله عنه: "الناس ثلاث: فعالم رباني ومتعلم على سبيل النجاة وهمج رعاع أتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح لم يستضيئوا بنور العلم ولم يلجئوا إلى ركن وثيق".
***- ***- **
خامساً: التسلح بالإيمان والتقوى
وقال تعالى في كتابه العزيز: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (سورة الحديد:28).
***- ***- **
سادساً: التوكل على الله
فقد قال تعالى: "وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ" (سورة الطلاق:3)
سابعا: اعتزال الفرق والأحزاب
عن حذيفة بن اليمان رضي الله تعالى عنه قال: "كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر، مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله، إنا كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم.قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟قال: نعم، وفيه دخن، قلت: وما دخنه؟
قال: قوم يهدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر، قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم، دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها، قلت: يا رسول الله صفهم لنا..
قال: هم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا، قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم، قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟
قال: فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعض بأصل شجرة، حتى يدركك الموت وأنت على ذلك"
خلاصة الدرجة: صحيح، المحدث: البخاري، المصدر: الجامع الصحيح
المعاني: هم من جلدتنا: أي من قومنا ومن أهل لساننا وملتنا
الدخن: قيل الغل وقيل الحقد والحسد وقيل فساد في القلب. يشير إلى أن الخير الذي يجيء بعد الشر لا يكون خيرا خالصا بل فيه كدر.
قال البيضاوي: "المعنى إذا لم يكن في الأرض خليفة فعليك بالعزلة والصبر على تحمل شدة الزمان والعض بأصل شجرة كناية عن مكابدة المشقة"
وقال الإمام الطبري: "وفي الحديث أنه متى لم يكن للناس إمام فافترق الناس أحزاباً فلا يتبع أحد في الفرقة ويعتزل الجميع خشية من الوقوع في الشر وعلى ذلك يتنزل ما جاء في سائر الأحاديث وبه يجمع بين ما ظاهره الاختلاف منها".
يتبع بإذن الله ببقية الوصايا