بسم الله الرحمن الرحيم
متلازمه العبقري ؟؟!!!
سقراط فيلسوف يوناني عظيم عاش في اثينا قبل 400عام من الميلاد. وفي ذلك الوقت لم يكن عامة الناس يهتمون بنظرياته الفلسفية بقدر اهتمامهم بتصرفاته الغريبة.. ففي أحد الأيام شوهد وهو يسير في شوارع المدينة وقد استغرق في تفكير عميق. وحين وصل إلى السوق الكبير توقف فجأة وضع يده على ذقنه وظل واقفاً بلا حراك. وسرعان ما استرعى منظره بعض المارة فوقفوا يتأملونه بفضول وهو غير عابئ بهم. ورغم ان بعضهم حاول مخاطبته والتحدث معه إلا أنه بقي واقفاً كالصنم غير شاعر بوجودهم. وحين انتصف النهار كانت جموع الفضوليين قد سدت الساحة الرئيسية وهي تتأمل سقراط- وقبل غروب الشمس حضر معظم سكان اثينا يتأملون تصرفه الغريب. وحين حل الظلام كان الناس قد تعبوا من الوقوف فجلسوا على الأرض- وأحضر بعضهم سجادته للنوم.. أما سقراط نفسه فظل واقفاً بلا حراك حتى صباح اليوم التالي. وحين استيقظ الناس من حوله ورأوه على حاله سرت شائعات بأنه "مات واقفاً" في حين أصر البعض على أنه مايزال يفكر في مسألة شائكة ستعود على أهل أثينا بالخير.. وفيما الناس تتجادل من حوله تحرك سقراط فجأة وعاد إلى بيته بدون أن ينطق بكلمة واحدة!!!
هذا التصرف الغريب يعد اليوم أحد الأعراض العويصة (والمتداخلة) لإضطراب نفسي يدعى "التوحد".. والتوحد (كما يشير اسمه) يؤدي إلى انطواء الشخص على ذاته والتركيز على مسألة واحدة لفترة طويلة. والشخص المتوحد يقضي وقتاً طويلاً مع نفسه ويبدي اهتماماً قليلاً بالتدخل مع الآخرين أو تكوين صداقات معهم.. وتقدر نسبة انتشار هذا الاضطراب ب 1إلى 500شخص- وتزداد نسبته بين الأولاد أربعة اضعاف البنات. ورغم مظاهر التخلف التي تبدو على الحالات الشديدة إلا أن معظم الاطفال يبرزون (بلا مقدمات) في جانب واحد كالرسم والموسيقى والرياضيات. ففي حين يحتاج الإنسان العادي إلى سنوات لإتقان مهارة العزف أو الرسم- أو ساعتين لحل معادلة معقدة، يتصرف هؤلاء الاطفال وكأنهم ولدوا بهذه الموهبة ولا تأخذ منهم المعادلات الرياضية أكثر من جزء من الثانية. فحين تسأل احدهم مثلاِ عن اليوم الذي يصادف الأول من يناير عام 2025يجيبك فوراً (السبت). وإن فكرت بعكس السؤال وسألته: ومتى كان (أول سبت) في عام 1980سيجيبك فوراً في "الخامس من يناير.." ومع هذا لايعرف في أي يوم يعيش أو أي تاريخ يصادف الغد!!
ولم يدرك العلماء إلا مؤخراً أن هناك نوعاً خفيفاً وخفياً من التوحد قد يلاحظه حتى الأطباء. فالمصاب به لايبلغ حد الانعزال الكامل ويستطيع-عند الضرورة- التواصل مع الناس. وقبل سنوات قليلة اعلن قسم النفس في جامعة دبلن أن الرسام الإيطالي العظيم مايكل انجلو كان مصاباً بأعراض التوحد. وقد ظهر ذلك من خلال رسوماته التي كرر فيها تفاصيل معقدة وهوسه بفكرة معينة وعمله وحيدا لأيام متتالية. واليوم تشكلت قناعة بأن معظم العباقرة كانوا مصابين بهذا النوع من التوحد- خصوصاً المعروفين بانطوائيتهم وقدرتهم على الانعزال عما حولهم.. فمن المعروف عن ابن يونس (عالم فيزيائي مسلم ماتسنة 639) انه كان يدخل في نوبات من التركيز والتأمل الشديد لدرجة أن طلبته كانوا يغادرون مجلسه يأسا من عودته القريبة إلى الواقع.. وكان الفرنسي لويس باستير (عالم الجراثيم ومكتشف طريقة البسترة) يستغرق في عمله لأيام متتالية- لدرجة انه نسي موعد زفافه بسبب انشغاله في البحث عن لقاح لجرثومة السعار..
ورغم صعوبة الجزم بعلاقة التوحد بالعبقرية إلا أن المتأمل لحياة معظم العباقرة- كأنشتاين ونيوتن وديفنشي ومايكل انجلو- يجد فيهم اعراض توحد واضحة. ويعتقد أن إصابتهم بهذه الأعراض ساعدتهم على التركيز والاخلاص للفكرة والانعزال عن المؤثرات الخارجية- والعمل انطلاقاً من الذرات.. ليس هذا فحسب بل يعتقد أن التوحد وفر للكثير من العباقرة مواهب رياضية وفراغية فذة الأمر الذي يفسر القدرة الذهنية العالية التي تميز بها عباقرة الفيزياء والرياضيات بالذات!!
.. اعرف أن العلاقة تبدو غريبة وشاذة ولكنها بالتأكيد ليست جديدة أو مفاجئة.. فمنذ قرون افترض الفلاسفة أن العبقرية نوع من الجنون- وكان سقراط نفسه أكثر المتحمسين!!
هل اعجبكم ؟؟
لو حدث معكم هذا الشيء ؟!ما اول شيء تفعلونه ؟؟
انا سأحل كتاب الرياضيات