بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
الحَديثُ الثَّاني
شِعَارُ الْمُوَحِّدِينَ: حَسْبُنا اللهُ وَنِعْمَ الوَكيلُ
أَوَّلاً: نصُّ الحديثِ:
عنْ ابْنِ عَبَّاسٍ-رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-: {حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} قَالَهَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَام حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَقَالَهَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَالُوا: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}(1).
ثَانياً : الفوائدُ المستنبطةُ مِنَ الحديثِ:
1- حَسْبُنا اللهُ وَنِعْمَ الوَكيلُ: شِعارُ الموَحِّدينَ مِنْ خيارِ عِبادِ اللهِ الصَّالحينَ في الأَزماتِ الشَّديدةِ والمَضايقِ العظيمةِ ؛ فقدْ قالَهَا خَلِيلُ الرَّحمنِ: (إبراهيمُ) عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ ؛ لَمَّا أَرادَ بهِ قَوْمُهُ كَيْداً بإلقائهِ في النَّارِ لإهلاكهِ؛ والقضاءِ عليهِ(2)؛ وقَالَهَا (مُحَمَّدٌ) صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَّلمَ يَوْمَ أُحُدٍ ؛ لَمَّا قِيلَ لَهُمْ بَعْدَ انْصرافهم مِنْ أُحُدٍ: إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فاخْشوهم(3).
2-الْحَسْبُ مَعْنَاهُ: (الْكِفايةُ)(4)؛ فَإِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالى هُوَ (الكَافي) وَحْدَهُ لعبادهِ المؤمنينَ في دَفْعِ المَضَارِّ عَنْهُمْ(5).
3-فِيهِ إِثْباتُ اسمٍ عَظيمٍ مِنْ أَسماءِ اللهِ الْحُسْنى ؛ أَلا وهو (الوَكيلُ)(6) ، وَيَعْنِي: القَائِمَ بِشُؤونِ عِبادِهِ؛ الْكَفِيلَ بِهَا؛ الْحَافِظَ لَهَا؛ الْمُتَوَلِّي لِتدبيرِ خَلْقِهِ بِسَعَةِ عِلْمهِ وَكَمَالِ قُدْرَتهِ وعَظِيمِ حِكْمَته(7).
وَدعاءُ اللهِ جَلَّ وعلا بِهَذا الاسمِ العظيمِ ؛ كَغيرهِ مِنَ الأسماءِ الْحُسْنى: دُعاءُ مَسْأَلةٍ ، وَدُعاءُ عِبادةٍ ؛ فَأَمَّا دُعاءُ المَسألةِ فَهُوَ قَوْلُ العبدِ حَالَ الأزمةِ الشَّديدةِ والضَّائقةِ العظيمةِ: (حَسْبُنا اللهُ ونِعْمَ الوكيلُ) ، وأَمَّا دُعاءُ العِبادةِ فَهُوَ اعتقادُ العَبْدِ الْجَازِمِ أَنَّ التَّدبيرَ كُلَّهُ بيدِ اللهَ عَزَّ وجلَّ ، وَالْيَقِينُ الرَّاسِخُ أَنَّ شَأْنَ العَبْدِ كُلَّهُ تَحتَ حُكْمِ اللهِ جَلَّ في عُلاهُ ؛ وَبِذَا يُفَوِّضُ الْعَبْدُ أَمْرَهُ كُلَّهُ للهِ سُبْحانَهُ وَتَعَالى(8).
4-الثِّمارُ العَظِيمةُ لِهَذا الذِّكْرِ الْكَبِيرِ والْعَوَاقِبُ الْحَمِيدةُ لَهُ(9) تَتَمَثَّلُ فِيما يلي:
أ-حُصُولُ العَافيةِ وَالأَمْنِ وَالسَّلامةِ.
ب-الفَوْزُ بِالأَجْرِ العَظِيمِ وَالثَّوابِ الْجَسيمِ.
جـ-حِفْظُ الْعَبْدِ مِنْ كَيْدِ الأعداءِ وَصَرْفُ سُوءِهِمْ عَنْهُ.
5-التَّنبيهُ عَلَى بَعْضِ الأحَاديثِ الَّتي لَمْ تَثْبُتْ في هَذَا البابِ ، والَّتي لا تَصِحُّ نِسْبَتُهَا للنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِحَالٍ مِنَ الأَحْوالِ ؛ وَمِنْهَا:
أ-((إِذَا وَقَعْتُمْ في الأَمْرِ العَظِيمِ ؛ فَقُولُوا:{حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}) ؛ وَهُوَ (ضَعِيفٌ جِدًّا)(10).
ب-((حَسْبِي مِنْ سُؤَالي عِلْمُهُ بِحَالِي)) ؛ وَهُوَ(مِنَ الإِسْرائِيلِيَّاتِ؛ وَلا أَصْلَ لَهُ في المَرْفُوعِ ، وَهُوَ مَنْسوبٌ لإبراهيمَ عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ زُوراً وَبُهْتَاناً)(11).
وصلى الله على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
(1)-أخرجه البخاريُّ في ((صحيحه)): (كتاب التفسير، باب تفسير سورة آل عمران،4 /1663/ح4287).
(2)-كَمَا في قَولهِ تعالى: {فَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ}[الصافات : 98].
(3)-انظر: ((زاد المعاد)): (2/325)لابن قَيِّم الجوزية.
(4)-انظر: ((مفردات ألفاظ القرآن)): (1/233) للراغب الأصفهاني، و((معجم مقاييس اللغة)): (2/59-60)- مادة: (حسب) لابن فارسٍ.
(5)-انظر: ((مجموع الفتاوى)): (3/107و8/165) ل ابن تيمية، و((فتح الباري)): (1/105) لابن حجر.
(6)-انظر: (( التوحيد)): (1/51) لابن خزيمة، و(( التوحيد)): (1/468) لابن منده، و((الأسماء والصفات)): (1/23و211-212) للبيهقي.
(7)- انظر: ((جامع البيان)): (6/245و9/311) للطَّبري، و((الأسماء والصفات)): (1/213) للبيهقي، و(( التوحيد)): (1/468) لابن منده، و((المجموع)): (1/78) للنَّووي، و((بدائع الصنائع)): (6/19) للكاساني، و((التحرير والتنوير)): (4/170-171) لابن عاشور.
(8)-انظر: (( أسماء الله الحسنى في الكتاب والسنة)): (2/489) للرضواني.
(9)-انظر: ((الجامع لأحكام القرآن)): (4/282)للقرطبي، و((أضواء البيان)): (6/388) للشِّنقيطي.
(10)-انظر: ((السِّلسلة الضَّعيفة)): (14/1100/ح7002) للألباني.
(11)-انظر: ((السِّلسلة الضَّعيفة)): (1/74/ح21) للألباني.