بسم الله الرحمان الرحيم
أسرار الصلاة (1)
المعنى الباطني للصلاة - الصلاة نور مكنون مخزون
إن الصلاة كانت نورا مكنونا مخزونا تحت حجاب الواحدية في بحر القدر (مقامات غيبية من دروس العقيدة) ، وهذا النور هو الشمس المضيئة تحت ذلك البحر (معنوي)، وهو أول من لبى لداعي الحق بالعبودية وسرّ الخضوع والخشية، ولكن لقربها من عالم الوحدة واضمحلال الكثرة واحتراقها، كانت نورا شعشعانيا في غاية البساطة والإجمال وحاملة لاسم الله الحي المتعال، ومعلنة بالثناء على الله عز وجل بالغدو والآصال،
فلما اقتضت القدرة الإلهية إظهار متعلقات اسم الله (التكثرات) لإظهار كمال قدرته العامة وحكمته البالغة ونعمته السابغة أظهر ذلك الأمر الوحداني النوراني الواحد على أربعة عشر هيكلا، أو قل جعل ذلك النور كشجرة لها أربعة عشر غصنا (( الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا)) وسميت تلك الشجرة "ص" في مقام الإجمال و"صلاة" في مقام التفصيل .
•وهذه هي نفس الشجرة التي ترمز إليها آية النور من سورة النور ((يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ))، أي زيتها منها.
في الإسراء والمعراج
ففي أخبار المعراج : أن رسول الله صلى الله عليه وآله لما اسري به إلى السماء وصار إلى ما صار إليها دخل وقت الـزّوال فأمر بالصلاة مع النبييّـن والملائكة المقربـيـن صلاة الظهر ركعتين، فهي أول صلاة فرضها الله تعالى، ولا ريب أن الإسراء وإن كان قد وقع غير مـرّة فإنما كان بالليل.
•قال رسول الله صلّى الله عليه وآله عندما عرج بي الى السماء أتاني النداء: " ادنُ يا محمد من "ص" تـــوضــأ لـصلاة الظـهر" لذا تكليف الصلاة نزل في الإسراء والمعراج.
المعنى اللغوي لكلمة صلاة
الصلاة اشتقت من الصلة وتعني الإتصال
المعنى الحقيقي للصلاة
هــي الصلة والوصل مع الله وأبرز ظهور لها في "صلاة أهل البيت صلوات الله عليهم أجمعين" لإنهم أكثر من أعطى الصلاة حقها فوصلوا إلى قمّة الإتصال فأصبحوا المتصلون الدائمون إلى أن صار قولهم قوله وحكمهم حكمه واستحقوا مقام قربــه ورضــاه. ومقامهم هو مقام الوصل الحقيقي الذي لا تعطيل له وهي الولاية المطلقة وهـيئتها وصفاتها ووجهة توجه الولـيّ المطلق إلى الله
من هنا أمير المؤمنين صلوات الله عليه يقول " أنا صلاة المؤمن، أنا حيّ على الصلاة" أي صاروا مظهراً كاملاً للصلاة. ويؤكد القرآن على هذا المستوى من الصلاة فورد في القرآن لفظ "إقامة الصلاة أي الصلاة الحقيقة " ولا يقول القرآن "صلّوا" بل أقيموا الصلاة :
1. }اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ }العنكبوت45
2.}رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَأقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ } النور37
3.}إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي } طه14
كما تشير الأحاديث :
1.زوجات الرسول صلّى الله عليه وآله: إذا دخل وقت الصلاة كأنه لا يعرفنا ولا نعرفه. وكان إذا حضر وقت الصلاة يقول للصحابي الجليل "بلال" أرحنا يا بلال.
2.قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : أحببت من دنياي ثلاث : الطيب والنساء وقرّة عيني الصلاة.
3.أمير المؤمنين صلوات الله عليه إذا أرادوا نزع الشوك من رجله عند قدومه من الحرب ينزعونها أثناء الصلاة (أرواحهم معلّقة بالمحلّ الأعلى)
4.الإمام الحسين عليه السلام قال لجيش عمر بن سعد : أمهلوني سواد هذه الليلة حتى أصلي لربي إنه يعلم أنني أحب الصلاة .
وفي اليوم العاشر حان وقت صلاة الظهر فقال أحد أصحاب الإمام الحسين الآن وقت صلاة ؟ فردّ الإمام الحسين صلوات الله عليه : ويحك علام نقاتلهم إلا من أجل الصلاة؟ كذلك الإمام الحسين صلوات الله عليه دعى لأحد أصحابه فقال له : " ذكرت الصلاة ؟ّ ! جعلك الله من المصلّين " ( يقصد طبعاً حقيقة الصلاة)
5.الإمام زين العابدين صلوات الله عليه : كان إذا توضّأ يغشى عليه لإنه سيقف بين يدي جبّار السماوات والأرض، وكان يصلّي في اليوم والليلة ألف ركعة وكان لديه في بستانه 500 نخلة يسقيها ويصلّي عند كل واحدة منها ركعتين.
6.الإمام الصادق صلوات الله عليه عندما يقرأ سورة الفاتحة كان إذا وصل الى آية ((إياك نعبد وإياك نستعين )) يغشى عليه يقول " لا زلت أرددها حتى سمعتها من قائلها"
وكفى بهم تشريفاً أن لا يذكر الله بالأذان ((أشهد أن لا إله إلا الله)) إلا ويذكر عبده وحبيبه ورسوله ((أشهد أن محمداً رسول الله)) ((أشهد أن عليّاً ولي الله)) وإن كانت ليست من أصل الأذان إلا أن القرآن ذكر 3 شهادات ولم يذكر شهادتين فقط (( والذين هم بشهاداتهم قائمون))
وهذا ما أكّدته الروايات بأن بعد بيعة الغدير قام أبو ذرّ الغفاري رضوان الله عليه وأذّن بثلاث شهادات واعترض عليه بعض الصحابة واتوا شكوه الى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أنه أتى ببدعة ولكن تفاجئوا أن الرسول الأعظم لم يعترض على أذان أبي ذر وقال لهم إذن علام بايعتم في بيعة الغدير؟!
الصلاة بكل معناها لا تصدق إلا عليهم فهــي حقيقة العبودية المطلقة فعندما تقول في التشهد " وأشهد أن محمــداً عبــده ورسـوله" تريد أن تؤكد بأن رسول الله (ص) وأهل بيته هم أعبد من في الوجود فلما تمـّت هياكلهم النورانية وسـرّ عبوديتهم ظهر نورهم في:
1-العالم التكويني (في الكون) كما تؤكد الروايات الصحيحة في الكافي وبحار الأنوار "محفور على ساق العرش محمد علي فاطمة حسن حسين" (وتأكدوا أن في هذه الروايات فيها رموز معنوية غيبية كبيرة وليست مادية لإننا في مذهب أهل البيت لا نقول أن لله عرش مادي يجلس عليه والعياذ بالله).
2-العالم التشريعي (القرآن) بسـرّ العبـودية ←الخضوع←والخشوع والذلـّة لله تعالـى، فاستحق إسمهم وهو الصــلاة.
فإذا اقتديت بهم وأصبحت عبــداً محض ظهرت فيك الربوبية المحظ.
نزول التكليف بالصلاة من عالم النور الى عالم التشريع :
نزلت من عالم النور على أربعة (4) أركان:
التكبير ، القيام ، الركوع ، السجود .
أراد الله سبحانه أن يبين للخلق عظيم منزلتها ورفيع شأنها ومرتبتها فأقام الخلائق في أرض الـذرّ في البدء كما أنها أرض عالم المحشر في العود، ثم عرضها على الخلائق على جهة التكليف ليهلك من هلك عن بيـّنة ويحيي من حيا عن بيّنة وإلى هذا المعنى أشار الحق سبحانه على أحد التفاسير بقوله عز من قائل (( إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا))
- فالأمانة هي الصلاة كما ورد عنهم عليهم السلام باطنا وظاهرا،
- والإنسان هم المؤمنون الذين أدوا حقها وراعوا حرمتها فإن من عرف حقها وأحبها بقلبه وأتاها بجميع جوارحه وصافي طويته وخالص سريرته أشرق الله في قلبه نور اليقين وفي صدره نور العلم وفي فؤاده نور المحبة وأناره الله بالأنوار القدسية وأفاض عليه من العلوم الدينية، فصار إليه سبحانه متوجها بكله ويحتمل أن يكون المضيعين لحقها (للآية وجهين من التفسير).
- قد يتساءل البعض أننا نقرأ بالروايات أن الأمانة التي حملها الإنسان وأشفقن منها السماوات والأرض والجبال هي الولاية إنما طالبات العقيدة لا يقعون بهذا التساؤل لإنهن يعلمن بأن الصلاة هي تجلّي وصورة لتلك الولاية العظمى المحمدية العلوية.
- إن الصلاة هي العهد من الله وأنها "الأمانة" و"الولاية" وفي معنى "قد قامت الصلاة" : أن (بعليّ قامت الصلاة) وفي خطبته عليه السلام : " إنّي صلاة المؤمنين وصيامهم " .
عظمة شأنية الصلاة وتكليفها :لا ترتفع الصلاة لحال من الأحوال بخلاف سائر العبادات:
1.الحج يرتفع عند عدم الاستطاعة ويكتفي به مرة واحدة في العمر (( لمن استطاع إليه سبيلا)).
2.الزكاة عند عدم توفّر المال وما تبعه.
3.الصوم عند عدم الاقتدار.
4.الجهاد عند العمى والعرج والمرض.
•بخلاف الصلاة فإنها ثابتة مستقرة ما دامت النفس والمعرفة ولا تسقط إلا عن غير البالغ وغير العاقل (المجنون) وفاقد الوعي ( كالذي دخل في غيبوبة وعقله غير حاضر) ولا يظننّ البعض أن من يحج يسقط عنه تقصيره في صلاته أيام الشباب بل عليه القضاء .
•وإن كانت أوضاعها تتغير بحسب الموضوعات إلا أنها لا ترتفع أصلا، وما قالوا في فاقد الطهورين كما هو أحد الأقوال في المسألة فالأقوى والأصح وجوب الصلاة عليه والإعادة إذا وجد الطهور.
مــوانــع حـضــــور القـلــب1. تشتت الخواطر (يعني كثرة السرحان في الصلاة) سببه كثرة الواردات القلبية (كثرة الإنصراف إلى الأمور الدنيوية)
• في الأربعون حديثـاً يشرح قــوة الواهمة : يجب أن يكون الله هو المتصرّف في القـوة الواهمة ولا يتصرف فيها الشيطان،
• عند اتخاذ قرار بناء البيت نحن مع الأسف نفكر في جميع الغرف في المنزل إلا غرفة الصلاة لإن الغرفة إذا كان فيها الكثير ما يشد النظر وألوان هذا يساعد على تشتت الفكر وكثرة الوهم والخيال
•من المهم أن يكون لنا مكان مخصص للصلاة وإن كان تغيير أماكن الصلاة من وقت لآخر مستحب لإن بقاع الأرض التي صلّى فيها تشهد له يوم القيامة فتكسبه الرحمة .
•في الأربعون حديثا أيضاً ورد أن الذي يسمع الأغاني يصبح عنده حركة غير إرادية لليدين والرجلين والمقصود من ذلك سرعة الانفعال فكيف بخيالهم؟
الخيال الذي هو بطبيعته متحرك وحركته سريعة جداً بحيث يستطيع الإنسان أن يعبر عوالم بعيدة جداً في ثوان معدودة فنشّبه الخيال عادةً بالطير كلما زادت أغصان الأشجار أصبح للطير فرصة ومجال أوسع للطيران من غصن الى غصن ، كذلك الحال بالنسبة للسرحان بالخيال في الصلاة فكلما زادت الموضوعات الدنيوية التي ينشغل بها المؤمن وخصوصاً قبيل وقريب وقت الصلاة كلما أصبح الخيال سارحاً من موضوع إلى موضوع ويصبح القلب متعلّق بالحيثـيـّات الدنيويّة الكثيرة فيصبح من الصعوبة البالغة السيطرة على الخيال.
إن المصلّي في صلاته ودعائه مناج ربـّه كما هو معلوم ولا شكّ أن الكلام مع الغفلة ليس بمناجاة، والكلام إعراب عمـّا في الضـّمير ولا يصح الإعراب عمـّا في الضمير إلا بحضور القلب فأي سؤال في قوله إهدنا الصراط المستقيم والمخاطب هو الله تعالى إذا كان القلب غافلا بحجاب الغفلة فلا يرى بقلبه ولا يشاهد المخاطب فالذكر والقلب والعبد جميعهم محجوبون عنه تعالى واللسان فقط يتحرك بحكم العادة.
شرّعت الصلاة لتصقيل القلب وتجديد ذكر الله ورسوخ عقد الإيمان بها هذا حكم القراءة والذكر، وأما الركوع والسجود فالمقصود التعظيم بهما قطعا. والتعظيم كيف يجتمع مع الغفلة؟ وإذا خرج عن كونه تعظيما لم يبق إلا مجـرّد حركة الظهر والرأس
مع السلامة يا قمرات